تباين الأراء الفقهية حول التحريم أو الجواز
خطة طموحة لإنشاء مركز لزراعة الأعضاء بالسلطنة قريبا ضمن مشروع مدينة قابوس الطبية
"الصحة" تتجه للبدء في عمليات نقل وزراعة الكبد مستقبلا
نحو 120 متبرعا بالكلى خلال العاميين الماضيين
توجه لتوثيق موافقة المواطن على التبرع في البطاقة الشخصية
يثير التقدم العلمي بشكل مستمر عددا من القضايا الفقهية سيما ما يتعلق بجواز أو تحريم أمر ما، ومع التطور الحاصل في العلوم الطبية باتت قضية نقل الأعضاء والتبرع بها ملفا شائكا خاصة إذا ما اقتربت من بعض التابوهات، وقد تباينت أراء الفقهاء بشأن التبرع بالأعضاء وما إذا كان التبرع جائزا للحي والميت على السواء أم لأحدهما دون أخر، فضلا عن الإشكالية الكبرى المرتبطة بجواز الأمر على الإطلاق. ويرى كثير من علماء الدين أنه يجوز التبرع بالاعضاء لانقاذ حياة مريض أخرى بشرط ألا يضر ذلك المتبرع الحي وإذا كان متوفيا فينبغي مراعاة حرمة الميت، فيما يرى فريق أخر عدم جواز ذلك، ويقف بينهما رأي قائل بتغليب المصلحة.
يأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه المعلومات عن وجود خطة طموحة لإنشاء مركز عماني متخصص في زراعة الأعضاء قريبا ضمن مشروع مدينة قابوس الطبية، مع تزايد الحاجة إليه خاصة وأن أعداد المتبرعين تتزايد حتى بلغت خلال العامين الماضيين نحو 120 متبرعا بالكلى.
وقال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السطنة عن حكم التبرع بالدم واختلافه عن حكم التبرع بالأعضاء، إن التبرع بالدم له خصائصه التي يتميز بها عن التبرع بالأعضاء، فمن ذلك أن العضو لا يشرع للإنسان بتره في أي حال من الأحوال إلا عندما يضطر إلى أن يفصله عن جسده بخلاف الدم فإنه تشرع فيه الحجامة ويشرع فيه الفصد، ومعنى ذلك أن العضو لا يزيد عن حاجة الإنسان بخلاف الدم فقد يزيد عن حاجة الإنسان بل ربما كان تكاثره يؤدي به إلى الأضرار به كما جاء :"لئلا يتبيغ بكم الدم" فلذلك شرع الفصد وشرعت الحجامة لأجل هذا، أما العضو فلا سبيل إلى فصله أو تخفيفه ثم إن العضو لا يمكن أن يعوض فهو لا ينبت من جديد، كما إذا أخذت عينه أو قطعت يده أو رجله، هذا فيما ظهر من الأعضاء وكذلك الأعضاء الباطنة كما لو أخذت كليته، أو أخذ أي شيء من أجزاء جسده، ثم إن العضو هو مفصول عن الحي، وما فصل عن الحي فهو ميت، والدم لا يوصف بذلك ثم إن العضو له حُرمة، وأن بين هذه الحرمات أنه عندما يفصل من الإنسان بسبب من الأسباب كأن يكون عضوا مصابا بشيء من الأمراض الخطيرة يشرع فيه أن يدفن، فهو له حرمات بخلاف الدم فإنه يراق إلى غير ذلك من الأمور التي يتميز بها العضو عن الدم، فلذلك يمكن أن يفرق بينهما.
ويشير سماحة المفتي إلى أن جماعة من العلماء المعاصرين نظرا إلى الظروف المعاصرة وكثرة الاحتياجات التي طرأت أباحوا التبرع بالأعضاء التي يحتاج إليها احتياجا شديدا من غير أن يكون هنالك ضرر على العضو كالتبرع بإحدى الكليتين لأجل أن الكلية الأخرى تسد مكانهما، ولكن مع هذا لابد أن يعلم أن الأصل في الإنسان أنه لا يملك جسده حتى يتصرف فيه، وإنما يملك منافعه، لذلك لا يجوز أن يكون نال العضو في مقابل ثمن، لأن الإنسان ليس له أن يبيع جزءا من جسده إذ هو يملك منفعة جسده ولا يملك الجسد نفسه.
التبرع بعد الموت
وينتقل الخليلي للحديث عن جواز التبرع بشيء من أعضاء الإنسان في حال حياته، أو جواز الوصية بالتبرع بأعضائه بعد وفاته، قائلا إنه لا يجوز لما في ذلك من الضرر عليه ولأن الجسم الميت حرمة كالحي والله أعلم، فالإنسان لا يملك شيئا من أعضائه حتى يتبرع بها لذا لا يؤخذ منه جزء بعد وفاته، ولا فرق في ذلك بين الحي والميت، كما الأولى بالإنسان أن يحافظ أولا على صحة نفسه وكليته فلا يصح شرعاً أن يوصي الإنسان بأن يتبرع بكليته أو بإحدى كليته للمستشفى لإنقاذ إنسان ما فمحافظته على صحته من الضرورات.
وعن تركيب جارحة كالعين أو كلية وجواز ذلك للاضطرار، وما إذا كان هناك فارق إذا أخذت من غير المسلم أم يشترط أخذها من مسلم، وكذلك هل يشترط أخذ الرجل الجارحة من رجل مثله والمراة كذلك، يجيب سماحة المفتي بقوله: "لايملك أحد شيئا من جسده حتى يتصرف فيه هبةً أو بيعًا أو رهنًا وإنما يملك منفعته فقط لذلك شدد العلماء في أخذ شيء من أعضاء البشر أحيائهم وأمواتهم إذ للميت أيضا حرمة الحي ولا يحل التصرف في جسمه بإذنه أو بإذن وراثه وهذا الذي درج عليه العلماء السابقون جميعا ولا ريب أنه أسلم، وإنما رخص جماعة من المعاصرين في الانتفاع بما يمكن الانتفاع به من جسد الميت أو من جسم الحي مع إمكان استغنائه عنه وذلك من باب تغليب المصلحة والله أعلم.
تغليب المصلحة
وضرب سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة مثالا عن إمكانية أخذ أعضاء من ميت لقريبه المريض وقال: "رجل توفى وأراد أهله استخراج كليته لأحد أقاربه المصابين بمرض الكلى فهل يصح لهم ذلك؟ وهل إن كان أوصى من قبل بذلك جائز أم لا؟ على أن المريض بحاجة ماسة لهذه الكلية؟، والقول هنا أنه ليس لأحد أن يتصرف في جسم غيره حيا كان أو ميتا، ومثال على قبول العضو المتبرع به، امرأة متزوجة وهي مصابة بمرض السكري منذ 15 سنة وتتلقى علاجا بحقن الانسولين وقد تسبب المرض بإضعاف بصرها، بعدها أدى المرض إلى فشل كليتها عن العمل كما أنها تعاني من ضعف في الدم وارتفاع الضغط ولقد أجريت لها عدة عمليات لتصحيح نظرها وهي تحت الإشراف الطبي المستمر ونتيجة لفشل كليتها فهي تعمل غسيل للكلى ثلاث مرات في الأسبوع ولمدة أربع ساعات لكل جلسة، هنا في هذه الحالة هل يجوز لأحد أن يتبرع لها بكليته أو أن تشتري من أحد لإسعافها فهي تعاني من صعوبة الذهاب إلى المستشفى وكذلك طول عملية الغسيل للكلى؟ قال: رخص لها بعض أهل العلم أن تتقبل كلية ممن يتبرع لها أما أن تشتريها فلا فإنه لا يملك أحد أعضاءه حتى يبيعها والله أعلم.
شروط نقل الأعضاء
وأوضح الشيخ الخليلي أنه تأمل ما قيل في نقل الكلى لإسعاف المرضى الذين أصيبت كلاهم بمرض مزمن يستصعى علاجه، فوجد فقهاء المسلمين مختلفين في ذلك إلى قولين قول من تساهل وقول من تشدد والمسألة ليست بالهينة فإن جسد الإنسان ليس ملكا له ولا لغيره ولذلك لا يجوز له بيع شيء منه في حياته، كما ليس لورثته أن يتصرفوا فيه بعد مماته وهذا من تكريم الله للإنسان: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، لذلك لابد من وضع ضوابط تقيد الإباحة على رأي المجيزين حتى لا تتجاوز الإباحة حدود المصلحة فإن كل ما خرج عن حده انقلب إلى ضده.
وذكر الخليلي الضوابط في أن لا يصار إلى ذلك إلا مع الضرورة القصوى، بحيث يتعذر علاج كلية المريض إلا بهذه الطريقة، وأن تكون هذه العملية محكمة يقوم بها أطباء مهرة يضعون في حسابهم عدم الإضرار بمن تنقل منه الكلية وبمن تنقل إليه فإن الإنسان مسؤول عن صحة جسمه قبل أن يكون مسؤولا عن صحة جسم غيره، ورب دواء ينقلب إلى داء. وأن تكون منفعة المريض المنقولة إليه الكلية متيقنة أو راحجة شبه متيقنة وهذا يرجع على تقدير الأطباء المختصين المهرة. وأن لا يفتتح من خلال ذلك باب الاتجار عند ذوي الفاقة بأعضاء أبدانهم كما هو حاصل في الدول الفقيرة في هذا ما ينافي كرامة الإنسان التي فرضها ديننا الحنيف.
وبجانب هذا، على الجهات المختصة - كل في مجال اختصاصه- توعية الجماهير بأسباب فشل الكلى ووسائل الوقاية منه فإن الوقاية من العلاج وذلك على إطلاقه فكيف إذا كان العلاج يتوقف على نقل عضو من إنسان إلى آخر؟ ويتوقف ذلك على استخدام جميع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية لأجل هذا الغرض مع مشاركة مؤسسات التوعية الدينية على اختلافها من أجل تحقيق هذا الهدف فإن المحافظة على الصحة وتوقي ما يضر بها ضرورة تفرضها الحياة وواجب يحتمه الإسلام.
تركيب الأعضاء الصناعية
وأضاف عن تركيب الأعضاء الصناعية أنه يجوز استخدام الرجل أو اليد الصناعية لمن فقد هذه الأعضاء بدليل حديث عرفجة. وجانب تبديل العينين بأخريين مثلا امرأة عمياء عيناها تؤلمانها دون مفارقة للألم تريد استبدالها بعينين أخريتين فيجوز إن كانت العين التي تبدلها عين حيوان مذكى فلا مانع من ذلك وإلا فهو غير سائغ، لأن غير المذكى من الحيوانات كل فصل منه فهو نجس وإما الإنسان فلا يجوز له ولا لغيره التصرف في أي عضو من أعضائه.
من جهة ثانية، أكد الدكتور عيسى بن سالم السالمي طبيب استشاري أول أمراض الكلى بالمستشفى السلطاني، ورئيس لجنة تطوير خدمات العلاج لأمراض الكلى عن موضوع زراعة الكلى إنه لا يزال التبرع بالأعضاء من الأحياء يمثل المصدر الوحيد للتبرع في السلطنة وينحصر في التبرع بالكلى، ولا يتم التعامل مع المتبرعين المتوفين إكلينيكيا وهو يعتبر من المصادر المهمة وذلك لزراعة كل الأعضاء شاملة (القلب- الرئة- الكبد- الكلى- القرنية).
وأضاف عن واقع عمليات الزراعة أن المستشفى السلطاني يقوم بعمليات زراعة لعدد كبير من مرضى الفشل الكلوي بنجاح وكذلك يشاركها مستشفى الجامعة في هذا المجال ولكن بنسب محدودة.
وعن الإجراءات التي تتخذها مستشفيات السلطنة، يؤكد السالمي أنه من ناحية زراعة الكلى من متبرعين أقارب أحياء يتم تسهيل كل العقبات أمام المستقبل والمتبرع بما يحافظ على سلامتهما معا، للوصول إلى أحسن النتائج باستخدام أفضل التقنيات العلمية وأحدث الأدوية في هذا المجال.
إنشاء مركز لزراعة الأعضاء
وكشف السالمي عن خطة طموحة لإنشاء مركز زراعة أعضاء ولكن يحتاج إلى مجهودات كبيرة تتمثل في الدعم الإعلامي والتنوير الفكري في المجتمع مع دعم الجهات الدينية لترسيخ فكرة أن التبرع بعد الوفاة مشروع دينيا ويؤدي إلى فائدة كبيرة في المجتمع، وقد سبقتنا في هذا المجال السعودية والكويت من دول الخليج.
وأضاف أنه يوجد بالفعل خطة مشروع لإنشاء مركز متخصص لزراعة الأعضاء في السلطنة وستنفذ هذه الخطة في القريب العاجل، وسيكون أشهر الأعضاء التي يتعامل بها الكلى وجزء من الكبد للأحياء والمتوفين وكذلك زراعة الأعضاء الباقية من المتوفين.
وتابع إن هناك قائمة بأسماء المتبرعين لذويهم في المستشفى السلطاني وتحتاج كثيرا من الدعم لعمل بطاقة التبرع، ونأمل بجعل قبول التبرع بعد الوفاة بالبطاقة الشخصية أو ما شابهه، ليجعل الأمر أكثر تقبلا وتيسيرا لعمل مركز زراعة الأعضاء في المستقبل، فعمليات التبرع تتم في عيادة خاصة بها المستشفى السلطاني، ويتم إجراء كل الفحوصات المعملية وبالأشعة لضمان مدى سلامة المتبرع في حياته المستقبلية، على أمل أن يكون هناك تعاون ممنهج مع المراكز العربية والدولية.
وأوضح السالمي أن عدد متبرعي الكلى في العاميين الماضيين بلغ ما بين 100- 120 متبرعا ولكن ليس كلهم صالحين للتبرع ويستبعد عدد ليس بقليل لأسباب طبية، وهناك مميزات يحصل عليها المتبرع من المعاينة الطبية بصفة منتظمة والكشف المبكر عن الأمراض ومعالجتها في البداية.
نجاحات متواصلة
وأشار السالمي إلى أنه تم زراعة أعضاء لعدد لا بأس به من المرضى مع ضعف في عضلة القلب وقد تحسنت كفاءة القلب إلى ما يعادل الضعف بعد الزراعة، ونجحنا في زراعة الكلى لبعض المرضى المثارين مناعيا ونتمنى التطور في هذا المجال لدرجة زراعة المختلفين في فصيلة الدم وذلك بعد تحديث أجهزة تعييم المناعة، كذلك قمنا بزراعة لمريض بعد أن قام بزراعة نخاع الدم بنجاح وحالته مستقرة، لا توجد نسبة وفيات بين المتبرعين للكلى والمتلقين للكلى التي تمت زراعتها في السلطنة.
وقال الدكتور يحيى بن سليمان العزري، استشاري جراحة الكبد وزراعة الأعضاء بالمستشفى السلطاني إنه توجد في السلطنة حالات عديدة تعاني من فشل مزمن في الكلى والكبد، بالإضافة إلى فشل وظائف البنكرياس والذي ينتج عنه مرض السكري. وأضاف أنه في الوقت الحالي يقوم طاقم جراحة زراعة الكلى بالمستشفى السلطاني بإجراء عمليات زراعة الكلى فقط بمعدل عمليتين كل شهر، أما بالنسبة لعمليات نقل وزراعة الكبد لعلاج الفشل الكبدي وزراعة البنكرياس وغيرها من عمليات زراعة الأعضاء فإنها لا تجري حاليا في السلطنة.
وأشار إلى أنه في الوقت الحالي هناك توجه لدى وزارة الصحة لبدء نقل وزراعة الكبد في المستقبل وغيرها من الأعضاء، وتتطلب عمليات الكبد والبنكرياس بنية تحتية جيدة وطاقم طبي وجراحي مؤهل مع مختبرات عالية التقنية بالإضافة إلى وجود أجهزة جراحية متطورة لكي تحقق أعلى نسبة نجاح لهذا النوع من العمليات المعقدة، كما أن عمليات نقل وزراعة الأعضاء تتطلب وعيا كبيرا من المواطن العماني والأجنبي في السلطنة بأهميتها؛ وذلك لأن الحاجة ماسة للتبرع بالأعضاء كبديل للأعضاء التالفة.
طرق النقل
وأضاف العزري أنه يتم التبرع بالأعضاء عن طريق نقل إحدى الكلى أو بجزء من الكبد إذا كان المتبرع على قيد الحياة أو بأعضاء متعددة كالكليتين والكبد وغيرهما بعد توثيق الوفاة دماغيا، مشيرا إلى أن تقبل المواطنين في مجتمعنا قليل لعمليات التبرع سواء أكان بإحدى الكلى أو حتى بجزء من الكبد.
ومضى يقول إن حالات زراعات الكلى والكبد وغيرها تمثل أكثر من 95 % في الدول المتقدمة وتتم بنقل هذه الأعضاء من شخص متوفي دماغيا نتيجة جلطة أو نزيف في الدماغ، أما نقل الأعضاء من أشخاص على قيد الحياة فيتم في تلك الدول والعكس صحيح بالنسبة لدول الشرق الأقصى كالصين واليابان وكوريا وتركيا وإيران ومصر فنسبة التبرع من الأشخاص الذين على قيد الحياة لزراعة الكلى والكبد تفوق 80 % تقريبا، وهذا هو الوضع الحالي القريب من الوضع في السلطنة، ويعود السبب الرئيس لهذا الاختلاف بين الغرب والشرق لثقافة الناس وقلة وعيهم بالإضافة إلى طبيعتهم الاجتماعية وذلك على الرغم من وجود فتوى دينية تجيز التبرع حتى من الشخص المتوفي دماغيا، وهناك توجه أكثر في بعض دول الشرق الأقصى لنقل الأعضاء من أشخاص متوفين دماغيا؛ لأن عمليات نقل الأعضاء من المتوفين دماغيا تحتاج إلى طاقم جراحي أقل وعملية نقل الأعضاء من شخص على قيد الحياة إلى آخر مريض لا تخلو من التعقيدات ومخاطرها أكثر على شخص كان بصحة جيدة.
مرضى الفشل الكلوي
وعن مرضى الفشل الكلوي المزمن الذين لا يوجد لديهم متبرعين، يقول الدكتور العزري إنهم يواصلون عمليات الغسيل الكلوي بمعدل 3 مرات أسبوعيا في وحدات غسيل الكلى المنتشرة في معظم مناطق السلطنة، وحيث أن هذا النوع من المرضى يعانون من انتكاسات طبية بين الحين والأخر لأسباب ترتبط معظم الأحيان بالفشل الكلوي، فإنه يتم علاجهم في المستشفيات الحكومية المختلفة وإذا استدعى المستشفيات التخصصية، أما بالنسبة لمرضى الفشل الكبدي فلا يوجد حاليا أجهزة تعوض وظائف الكبد مثل الكلى وهم يعانون من انتكاسات طبية متكررة بين الخفيفة والحرجة تستدعي العلاج في العناية المركزة أو التدخل الجراحي أحيانا. بالنسبة لمرضى الكلى، يقوم أخصائي الكلى الباطنيين بمتابعة حالات الفشل الكلوي المفاجئ والمزمن الناتجة لأسباب عديدة ومختلفة وتقديم النصائح والارشادات لمنع حدوث حالات أخرى والتي يمكن علاجها قبل أن تصل إلى مرحلة الفشل الكلوي المتأخر والذي بدوره يحتاج إلى غسيل الكلى .
وأضاف أن المستشفيات تقوم بتوفير الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المصاحبة لفشل الكلى كالسكري والضغط وتصلب الشرايين وغيرها وعمل الجراحات اللازمة لتسهيل غسيل الكلى، بالنسبة لمرضى الفشل الكبدي فإن أخصائيي الكبد الباطنيين يقومون بعلاج الحالات التي يمكن علاجها بالأدوية المضادة للفيروسات الوبائية التي يمكن علاج بعضها أو إيقاف نمو الفيروس مثل الكبدي ب أو سي وغيرها من أمراض الكبد المزمنة التي يمكن إبطاء تطورها باستخدام بعض الأدوية قبل أن تصل إلى مرحلة الفشل المتأخر والذي لا يمكن علاجه إلا بزراعة الكبد، كذلك تقوم المستشفيات بتوفير فرص التدريب كل حسب اختصاصه للتعامل مع مثل هذه الحالات وتقوم وزارة الصحة بتوفير فرص التدريب خارج السلطنة لتقوية الكادر الطبي المحلي.
مركز عماني متخصص
وأشار استشاري جراحة الكبد وزراعة الأعضاء بالمستشفى السلطاني إلى فكرة إنشاء مركز عماني متخصص لاستقبال وزراعة الأعضاء ضمن مشروع مدينة قابوس الطبية وهذه المشروع تحت الدراسة حاليا، ومن المتوقع أن يكون له دور فعال في تطوير البنية التحتية المطلوبة لهذا المجال والمساعدة في تطوير الكادر الطبي في السلطنة، بالإضافة إلى نشر الوعي بين المواطنين في ما يتعلق بزراعة الأعضاء.
وزاد قائلا إن هناك فكرة وطنية قائمة لتسجيل المتبرعين، آملا أن تلقى الإقبال من المواطن العماني عند طرحها، أما بالنسبة لبطاقة التبرع، لم تستحدث بعد، ولكن هناك توجه لتوثيق موافقة المواطن على التبرع في البطاقة الشخصية عندما يتم استخراج بطاقة شخصية جديدة كما هو الحال في بعض الدول.
خطوات العملية
وقال العزري إن عمليات التبرع بالكلى بلغت نحو 24 إلى 30 شخصا يتبرعون سنويا بالكلى التي تجري بعد موافقة المتبرع والمريض على عملية النقل والزراعة.
وأضاف أن دراسة العامل النفسي للمتبرع بالكلى وأسباب التبرع مهمة لنا لكي نواصل عملية الزراعة، وعملية نقل الكلية يجب أن تكون برغبة صادقة واقتناع من المتبرع لمساعدة الشخص المريض وبدون أي ثمن مادي. وشرح العملية وتعقيداتها يتم في هذه المرحلة من قبل الأخصائيين، وبعد ذلك نبدأ الخطوات العملية بالتأكد من قدرة الشخص على التبرع بأخذ المعلومات الطبية اللازمة وفحص أجهزة الجسم المختلفة، فإذا ثبتت قدرة الشخص على التبرع فإننا نقوم بإجراء تحاليل الدم المناسبة والفحوصات المخبرية للتأكد من قدرة المريض على تقبل الكلية من الشخص المتبرع، فإذا وجد توافق بين المريض والمتبرع فإننا نقوم بعمل الأشعات الضرورية للتأكد من وضعية الكلى في الشخص المتبرع وصلاحيتها للنقل لشخص آخر. وبعد التأكد من ذلك نقوم بعملية الزراعة بنقل كلية من المتبرع في إحدى غرف العمليات ومن ثم تنقية الكلية من الشوائب باستخدام محاليل طبية خاصة وبعد ذلك زراعتها في الجزء السفلي من بطن المريض الذي يكون في غرفة العمليات المجاورة، ويكون هناك تنسيق ما بين طاقم النقل والزراعة لتقليل الوقت الذي تكون فيه الكلية المنقولة للزراعة بدون تغذية دموية.
ولفت العزري إلى وجود تعاون قائم مع المراكز العربية أو الدولية، مؤكدا أنه لا يوجد تعاون موثق على أي مستوى في مجال جراحة زراعة الأعضاء في ما يتعلق بالدعم اللوجيستي لإجراء هذه العمليات ولكن من المتوقع مع تطور برنامج زراعة الأعضاء سوف يوجد تعاون مع بعض المراكز المتخصصة في هذه المجالات لتوفير الدعم اللازم والخبرات المطلوبة لتحقيق أعلى نسبة من النجاح لهذه العمليات.
وأبرز العزري ما تقوم به وزارة الصحة من تكريم المتبرعين بين الحين والأخر من أهمية في إبراز قيمة العمل المقدم من أجل الآخرين، مشيرا إلى أنه في الوقت الحالي ما يقام من عمليات جراحة زراعة الكلى هو بحد ذاته إنجاز، حيث إن النظرة المستقبلية لتحقيق نجاح أكبر في هذا المجال تكمن في ثبات واستمرارية برنامج نقل وزراعة الكلى والقدرة على تطويره للتمكن من زيادة عدد حالات التبرع والقيام بعمل الحالات المعقدة مع إضافة عمليات زراعة الكبد في المستقبل لهذا البرنامج.
خطة طموحة لإنشاء مركز لزراعة الأعضاء بالسلطنة قريبا ضمن مشروع مدينة قابوس الطبية
"الصحة" تتجه للبدء في عمليات نقل وزراعة الكبد مستقبلا
نحو 120 متبرعا بالكلى خلال العاميين الماضيين
توجه لتوثيق موافقة المواطن على التبرع في البطاقة الشخصية
يثير التقدم العلمي بشكل مستمر عددا من القضايا الفقهية سيما ما يتعلق بجواز أو تحريم أمر ما، ومع التطور الحاصل في العلوم الطبية باتت قضية نقل الأعضاء والتبرع بها ملفا شائكا خاصة إذا ما اقتربت من بعض التابوهات، وقد تباينت أراء الفقهاء بشأن التبرع بالأعضاء وما إذا كان التبرع جائزا للحي والميت على السواء أم لأحدهما دون أخر، فضلا عن الإشكالية الكبرى المرتبطة بجواز الأمر على الإطلاق. ويرى كثير من علماء الدين أنه يجوز التبرع بالاعضاء لانقاذ حياة مريض أخرى بشرط ألا يضر ذلك المتبرع الحي وإذا كان متوفيا فينبغي مراعاة حرمة الميت، فيما يرى فريق أخر عدم جواز ذلك، ويقف بينهما رأي قائل بتغليب المصلحة.
يأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه المعلومات عن وجود خطة طموحة لإنشاء مركز عماني متخصص في زراعة الأعضاء قريبا ضمن مشروع مدينة قابوس الطبية، مع تزايد الحاجة إليه خاصة وأن أعداد المتبرعين تتزايد حتى بلغت خلال العامين الماضيين نحو 120 متبرعا بالكلى.
وقال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السطنة عن حكم التبرع بالدم واختلافه عن حكم التبرع بالأعضاء، إن التبرع بالدم له خصائصه التي يتميز بها عن التبرع بالأعضاء، فمن ذلك أن العضو لا يشرع للإنسان بتره في أي حال من الأحوال إلا عندما يضطر إلى أن يفصله عن جسده بخلاف الدم فإنه تشرع فيه الحجامة ويشرع فيه الفصد، ومعنى ذلك أن العضو لا يزيد عن حاجة الإنسان بخلاف الدم فقد يزيد عن حاجة الإنسان بل ربما كان تكاثره يؤدي به إلى الأضرار به كما جاء :"لئلا يتبيغ بكم الدم" فلذلك شرع الفصد وشرعت الحجامة لأجل هذا، أما العضو فلا سبيل إلى فصله أو تخفيفه ثم إن العضو لا يمكن أن يعوض فهو لا ينبت من جديد، كما إذا أخذت عينه أو قطعت يده أو رجله، هذا فيما ظهر من الأعضاء وكذلك الأعضاء الباطنة كما لو أخذت كليته، أو أخذ أي شيء من أجزاء جسده، ثم إن العضو هو مفصول عن الحي، وما فصل عن الحي فهو ميت، والدم لا يوصف بذلك ثم إن العضو له حُرمة، وأن بين هذه الحرمات أنه عندما يفصل من الإنسان بسبب من الأسباب كأن يكون عضوا مصابا بشيء من الأمراض الخطيرة يشرع فيه أن يدفن، فهو له حرمات بخلاف الدم فإنه يراق إلى غير ذلك من الأمور التي يتميز بها العضو عن الدم، فلذلك يمكن أن يفرق بينهما.
ويشير سماحة المفتي إلى أن جماعة من العلماء المعاصرين نظرا إلى الظروف المعاصرة وكثرة الاحتياجات التي طرأت أباحوا التبرع بالأعضاء التي يحتاج إليها احتياجا شديدا من غير أن يكون هنالك ضرر على العضو كالتبرع بإحدى الكليتين لأجل أن الكلية الأخرى تسد مكانهما، ولكن مع هذا لابد أن يعلم أن الأصل في الإنسان أنه لا يملك جسده حتى يتصرف فيه، وإنما يملك منافعه، لذلك لا يجوز أن يكون نال العضو في مقابل ثمن، لأن الإنسان ليس له أن يبيع جزءا من جسده إذ هو يملك منفعة جسده ولا يملك الجسد نفسه.
التبرع بعد الموت
وينتقل الخليلي للحديث عن جواز التبرع بشيء من أعضاء الإنسان في حال حياته، أو جواز الوصية بالتبرع بأعضائه بعد وفاته، قائلا إنه لا يجوز لما في ذلك من الضرر عليه ولأن الجسم الميت حرمة كالحي والله أعلم، فالإنسان لا يملك شيئا من أعضائه حتى يتبرع بها لذا لا يؤخذ منه جزء بعد وفاته، ولا فرق في ذلك بين الحي والميت، كما الأولى بالإنسان أن يحافظ أولا على صحة نفسه وكليته فلا يصح شرعاً أن يوصي الإنسان بأن يتبرع بكليته أو بإحدى كليته للمستشفى لإنقاذ إنسان ما فمحافظته على صحته من الضرورات.
وعن تركيب جارحة كالعين أو كلية وجواز ذلك للاضطرار، وما إذا كان هناك فارق إذا أخذت من غير المسلم أم يشترط أخذها من مسلم، وكذلك هل يشترط أخذ الرجل الجارحة من رجل مثله والمراة كذلك، يجيب سماحة المفتي بقوله: "لايملك أحد شيئا من جسده حتى يتصرف فيه هبةً أو بيعًا أو رهنًا وإنما يملك منفعته فقط لذلك شدد العلماء في أخذ شيء من أعضاء البشر أحيائهم وأمواتهم إذ للميت أيضا حرمة الحي ولا يحل التصرف في جسمه بإذنه أو بإذن وراثه وهذا الذي درج عليه العلماء السابقون جميعا ولا ريب أنه أسلم، وإنما رخص جماعة من المعاصرين في الانتفاع بما يمكن الانتفاع به من جسد الميت أو من جسم الحي مع إمكان استغنائه عنه وذلك من باب تغليب المصلحة والله أعلم.
تغليب المصلحة
وضرب سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة مثالا عن إمكانية أخذ أعضاء من ميت لقريبه المريض وقال: "رجل توفى وأراد أهله استخراج كليته لأحد أقاربه المصابين بمرض الكلى فهل يصح لهم ذلك؟ وهل إن كان أوصى من قبل بذلك جائز أم لا؟ على أن المريض بحاجة ماسة لهذه الكلية؟، والقول هنا أنه ليس لأحد أن يتصرف في جسم غيره حيا كان أو ميتا، ومثال على قبول العضو المتبرع به، امرأة متزوجة وهي مصابة بمرض السكري منذ 15 سنة وتتلقى علاجا بحقن الانسولين وقد تسبب المرض بإضعاف بصرها، بعدها أدى المرض إلى فشل كليتها عن العمل كما أنها تعاني من ضعف في الدم وارتفاع الضغط ولقد أجريت لها عدة عمليات لتصحيح نظرها وهي تحت الإشراف الطبي المستمر ونتيجة لفشل كليتها فهي تعمل غسيل للكلى ثلاث مرات في الأسبوع ولمدة أربع ساعات لكل جلسة، هنا في هذه الحالة هل يجوز لأحد أن يتبرع لها بكليته أو أن تشتري من أحد لإسعافها فهي تعاني من صعوبة الذهاب إلى المستشفى وكذلك طول عملية الغسيل للكلى؟ قال: رخص لها بعض أهل العلم أن تتقبل كلية ممن يتبرع لها أما أن تشتريها فلا فإنه لا يملك أحد أعضاءه حتى يبيعها والله أعلم.
شروط نقل الأعضاء
وأوضح الشيخ الخليلي أنه تأمل ما قيل في نقل الكلى لإسعاف المرضى الذين أصيبت كلاهم بمرض مزمن يستصعى علاجه، فوجد فقهاء المسلمين مختلفين في ذلك إلى قولين قول من تساهل وقول من تشدد والمسألة ليست بالهينة فإن جسد الإنسان ليس ملكا له ولا لغيره ولذلك لا يجوز له بيع شيء منه في حياته، كما ليس لورثته أن يتصرفوا فيه بعد مماته وهذا من تكريم الله للإنسان: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، لذلك لابد من وضع ضوابط تقيد الإباحة على رأي المجيزين حتى لا تتجاوز الإباحة حدود المصلحة فإن كل ما خرج عن حده انقلب إلى ضده.
وذكر الخليلي الضوابط في أن لا يصار إلى ذلك إلا مع الضرورة القصوى، بحيث يتعذر علاج كلية المريض إلا بهذه الطريقة، وأن تكون هذه العملية محكمة يقوم بها أطباء مهرة يضعون في حسابهم عدم الإضرار بمن تنقل منه الكلية وبمن تنقل إليه فإن الإنسان مسؤول عن صحة جسمه قبل أن يكون مسؤولا عن صحة جسم غيره، ورب دواء ينقلب إلى داء. وأن تكون منفعة المريض المنقولة إليه الكلية متيقنة أو راحجة شبه متيقنة وهذا يرجع على تقدير الأطباء المختصين المهرة. وأن لا يفتتح من خلال ذلك باب الاتجار عند ذوي الفاقة بأعضاء أبدانهم كما هو حاصل في الدول الفقيرة في هذا ما ينافي كرامة الإنسان التي فرضها ديننا الحنيف.
وبجانب هذا، على الجهات المختصة - كل في مجال اختصاصه- توعية الجماهير بأسباب فشل الكلى ووسائل الوقاية منه فإن الوقاية من العلاج وذلك على إطلاقه فكيف إذا كان العلاج يتوقف على نقل عضو من إنسان إلى آخر؟ ويتوقف ذلك على استخدام جميع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية لأجل هذا الغرض مع مشاركة مؤسسات التوعية الدينية على اختلافها من أجل تحقيق هذا الهدف فإن المحافظة على الصحة وتوقي ما يضر بها ضرورة تفرضها الحياة وواجب يحتمه الإسلام.
تركيب الأعضاء الصناعية
وأضاف عن تركيب الأعضاء الصناعية أنه يجوز استخدام الرجل أو اليد الصناعية لمن فقد هذه الأعضاء بدليل حديث عرفجة. وجانب تبديل العينين بأخريين مثلا امرأة عمياء عيناها تؤلمانها دون مفارقة للألم تريد استبدالها بعينين أخريتين فيجوز إن كانت العين التي تبدلها عين حيوان مذكى فلا مانع من ذلك وإلا فهو غير سائغ، لأن غير المذكى من الحيوانات كل فصل منه فهو نجس وإما الإنسان فلا يجوز له ولا لغيره التصرف في أي عضو من أعضائه.
من جهة ثانية، أكد الدكتور عيسى بن سالم السالمي طبيب استشاري أول أمراض الكلى بالمستشفى السلطاني، ورئيس لجنة تطوير خدمات العلاج لأمراض الكلى عن موضوع زراعة الكلى إنه لا يزال التبرع بالأعضاء من الأحياء يمثل المصدر الوحيد للتبرع في السلطنة وينحصر في التبرع بالكلى، ولا يتم التعامل مع المتبرعين المتوفين إكلينيكيا وهو يعتبر من المصادر المهمة وذلك لزراعة كل الأعضاء شاملة (القلب- الرئة- الكبد- الكلى- القرنية).
وأضاف عن واقع عمليات الزراعة أن المستشفى السلطاني يقوم بعمليات زراعة لعدد كبير من مرضى الفشل الكلوي بنجاح وكذلك يشاركها مستشفى الجامعة في هذا المجال ولكن بنسب محدودة.
وعن الإجراءات التي تتخذها مستشفيات السلطنة، يؤكد السالمي أنه من ناحية زراعة الكلى من متبرعين أقارب أحياء يتم تسهيل كل العقبات أمام المستقبل والمتبرع بما يحافظ على سلامتهما معا، للوصول إلى أحسن النتائج باستخدام أفضل التقنيات العلمية وأحدث الأدوية في هذا المجال.
إنشاء مركز لزراعة الأعضاء
وكشف السالمي عن خطة طموحة لإنشاء مركز زراعة أعضاء ولكن يحتاج إلى مجهودات كبيرة تتمثل في الدعم الإعلامي والتنوير الفكري في المجتمع مع دعم الجهات الدينية لترسيخ فكرة أن التبرع بعد الوفاة مشروع دينيا ويؤدي إلى فائدة كبيرة في المجتمع، وقد سبقتنا في هذا المجال السعودية والكويت من دول الخليج.
وأضاف أنه يوجد بالفعل خطة مشروع لإنشاء مركز متخصص لزراعة الأعضاء في السلطنة وستنفذ هذه الخطة في القريب العاجل، وسيكون أشهر الأعضاء التي يتعامل بها الكلى وجزء من الكبد للأحياء والمتوفين وكذلك زراعة الأعضاء الباقية من المتوفين.
وتابع إن هناك قائمة بأسماء المتبرعين لذويهم في المستشفى السلطاني وتحتاج كثيرا من الدعم لعمل بطاقة التبرع، ونأمل بجعل قبول التبرع بعد الوفاة بالبطاقة الشخصية أو ما شابهه، ليجعل الأمر أكثر تقبلا وتيسيرا لعمل مركز زراعة الأعضاء في المستقبل، فعمليات التبرع تتم في عيادة خاصة بها المستشفى السلطاني، ويتم إجراء كل الفحوصات المعملية وبالأشعة لضمان مدى سلامة المتبرع في حياته المستقبلية، على أمل أن يكون هناك تعاون ممنهج مع المراكز العربية والدولية.
وأوضح السالمي أن عدد متبرعي الكلى في العاميين الماضيين بلغ ما بين 100- 120 متبرعا ولكن ليس كلهم صالحين للتبرع ويستبعد عدد ليس بقليل لأسباب طبية، وهناك مميزات يحصل عليها المتبرع من المعاينة الطبية بصفة منتظمة والكشف المبكر عن الأمراض ومعالجتها في البداية.
نجاحات متواصلة
وأشار السالمي إلى أنه تم زراعة أعضاء لعدد لا بأس به من المرضى مع ضعف في عضلة القلب وقد تحسنت كفاءة القلب إلى ما يعادل الضعف بعد الزراعة، ونجحنا في زراعة الكلى لبعض المرضى المثارين مناعيا ونتمنى التطور في هذا المجال لدرجة زراعة المختلفين في فصيلة الدم وذلك بعد تحديث أجهزة تعييم المناعة، كذلك قمنا بزراعة لمريض بعد أن قام بزراعة نخاع الدم بنجاح وحالته مستقرة، لا توجد نسبة وفيات بين المتبرعين للكلى والمتلقين للكلى التي تمت زراعتها في السلطنة.
وقال الدكتور يحيى بن سليمان العزري، استشاري جراحة الكبد وزراعة الأعضاء بالمستشفى السلطاني إنه توجد في السلطنة حالات عديدة تعاني من فشل مزمن في الكلى والكبد، بالإضافة إلى فشل وظائف البنكرياس والذي ينتج عنه مرض السكري. وأضاف أنه في الوقت الحالي يقوم طاقم جراحة زراعة الكلى بالمستشفى السلطاني بإجراء عمليات زراعة الكلى فقط بمعدل عمليتين كل شهر، أما بالنسبة لعمليات نقل وزراعة الكبد لعلاج الفشل الكبدي وزراعة البنكرياس وغيرها من عمليات زراعة الأعضاء فإنها لا تجري حاليا في السلطنة.
وأشار إلى أنه في الوقت الحالي هناك توجه لدى وزارة الصحة لبدء نقل وزراعة الكبد في المستقبل وغيرها من الأعضاء، وتتطلب عمليات الكبد والبنكرياس بنية تحتية جيدة وطاقم طبي وجراحي مؤهل مع مختبرات عالية التقنية بالإضافة إلى وجود أجهزة جراحية متطورة لكي تحقق أعلى نسبة نجاح لهذا النوع من العمليات المعقدة، كما أن عمليات نقل وزراعة الأعضاء تتطلب وعيا كبيرا من المواطن العماني والأجنبي في السلطنة بأهميتها؛ وذلك لأن الحاجة ماسة للتبرع بالأعضاء كبديل للأعضاء التالفة.
طرق النقل
وأضاف العزري أنه يتم التبرع بالأعضاء عن طريق نقل إحدى الكلى أو بجزء من الكبد إذا كان المتبرع على قيد الحياة أو بأعضاء متعددة كالكليتين والكبد وغيرهما بعد توثيق الوفاة دماغيا، مشيرا إلى أن تقبل المواطنين في مجتمعنا قليل لعمليات التبرع سواء أكان بإحدى الكلى أو حتى بجزء من الكبد.
ومضى يقول إن حالات زراعات الكلى والكبد وغيرها تمثل أكثر من 95 % في الدول المتقدمة وتتم بنقل هذه الأعضاء من شخص متوفي دماغيا نتيجة جلطة أو نزيف في الدماغ، أما نقل الأعضاء من أشخاص على قيد الحياة فيتم في تلك الدول والعكس صحيح بالنسبة لدول الشرق الأقصى كالصين واليابان وكوريا وتركيا وإيران ومصر فنسبة التبرع من الأشخاص الذين على قيد الحياة لزراعة الكلى والكبد تفوق 80 % تقريبا، وهذا هو الوضع الحالي القريب من الوضع في السلطنة، ويعود السبب الرئيس لهذا الاختلاف بين الغرب والشرق لثقافة الناس وقلة وعيهم بالإضافة إلى طبيعتهم الاجتماعية وذلك على الرغم من وجود فتوى دينية تجيز التبرع حتى من الشخص المتوفي دماغيا، وهناك توجه أكثر في بعض دول الشرق الأقصى لنقل الأعضاء من أشخاص متوفين دماغيا؛ لأن عمليات نقل الأعضاء من المتوفين دماغيا تحتاج إلى طاقم جراحي أقل وعملية نقل الأعضاء من شخص على قيد الحياة إلى آخر مريض لا تخلو من التعقيدات ومخاطرها أكثر على شخص كان بصحة جيدة.
مرضى الفشل الكلوي
وعن مرضى الفشل الكلوي المزمن الذين لا يوجد لديهم متبرعين، يقول الدكتور العزري إنهم يواصلون عمليات الغسيل الكلوي بمعدل 3 مرات أسبوعيا في وحدات غسيل الكلى المنتشرة في معظم مناطق السلطنة، وحيث أن هذا النوع من المرضى يعانون من انتكاسات طبية بين الحين والأخر لأسباب ترتبط معظم الأحيان بالفشل الكلوي، فإنه يتم علاجهم في المستشفيات الحكومية المختلفة وإذا استدعى المستشفيات التخصصية، أما بالنسبة لمرضى الفشل الكبدي فلا يوجد حاليا أجهزة تعوض وظائف الكبد مثل الكلى وهم يعانون من انتكاسات طبية متكررة بين الخفيفة والحرجة تستدعي العلاج في العناية المركزة أو التدخل الجراحي أحيانا. بالنسبة لمرضى الكلى، يقوم أخصائي الكلى الباطنيين بمتابعة حالات الفشل الكلوي المفاجئ والمزمن الناتجة لأسباب عديدة ومختلفة وتقديم النصائح والارشادات لمنع حدوث حالات أخرى والتي يمكن علاجها قبل أن تصل إلى مرحلة الفشل الكلوي المتأخر والذي بدوره يحتاج إلى غسيل الكلى .
وأضاف أن المستشفيات تقوم بتوفير الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المصاحبة لفشل الكلى كالسكري والضغط وتصلب الشرايين وغيرها وعمل الجراحات اللازمة لتسهيل غسيل الكلى، بالنسبة لمرضى الفشل الكبدي فإن أخصائيي الكبد الباطنيين يقومون بعلاج الحالات التي يمكن علاجها بالأدوية المضادة للفيروسات الوبائية التي يمكن علاج بعضها أو إيقاف نمو الفيروس مثل الكبدي ب أو سي وغيرها من أمراض الكبد المزمنة التي يمكن إبطاء تطورها باستخدام بعض الأدوية قبل أن تصل إلى مرحلة الفشل المتأخر والذي لا يمكن علاجه إلا بزراعة الكبد، كذلك تقوم المستشفيات بتوفير فرص التدريب كل حسب اختصاصه للتعامل مع مثل هذه الحالات وتقوم وزارة الصحة بتوفير فرص التدريب خارج السلطنة لتقوية الكادر الطبي المحلي.
مركز عماني متخصص
وأشار استشاري جراحة الكبد وزراعة الأعضاء بالمستشفى السلطاني إلى فكرة إنشاء مركز عماني متخصص لاستقبال وزراعة الأعضاء ضمن مشروع مدينة قابوس الطبية وهذه المشروع تحت الدراسة حاليا، ومن المتوقع أن يكون له دور فعال في تطوير البنية التحتية المطلوبة لهذا المجال والمساعدة في تطوير الكادر الطبي في السلطنة، بالإضافة إلى نشر الوعي بين المواطنين في ما يتعلق بزراعة الأعضاء.
وزاد قائلا إن هناك فكرة وطنية قائمة لتسجيل المتبرعين، آملا أن تلقى الإقبال من المواطن العماني عند طرحها، أما بالنسبة لبطاقة التبرع، لم تستحدث بعد، ولكن هناك توجه لتوثيق موافقة المواطن على التبرع في البطاقة الشخصية عندما يتم استخراج بطاقة شخصية جديدة كما هو الحال في بعض الدول.
خطوات العملية
وقال العزري إن عمليات التبرع بالكلى بلغت نحو 24 إلى 30 شخصا يتبرعون سنويا بالكلى التي تجري بعد موافقة المتبرع والمريض على عملية النقل والزراعة.
وأضاف أن دراسة العامل النفسي للمتبرع بالكلى وأسباب التبرع مهمة لنا لكي نواصل عملية الزراعة، وعملية نقل الكلية يجب أن تكون برغبة صادقة واقتناع من المتبرع لمساعدة الشخص المريض وبدون أي ثمن مادي. وشرح العملية وتعقيداتها يتم في هذه المرحلة من قبل الأخصائيين، وبعد ذلك نبدأ الخطوات العملية بالتأكد من قدرة الشخص على التبرع بأخذ المعلومات الطبية اللازمة وفحص أجهزة الجسم المختلفة، فإذا ثبتت قدرة الشخص على التبرع فإننا نقوم بإجراء تحاليل الدم المناسبة والفحوصات المخبرية للتأكد من قدرة المريض على تقبل الكلية من الشخص المتبرع، فإذا وجد توافق بين المريض والمتبرع فإننا نقوم بعمل الأشعات الضرورية للتأكد من وضعية الكلى في الشخص المتبرع وصلاحيتها للنقل لشخص آخر. وبعد التأكد من ذلك نقوم بعملية الزراعة بنقل كلية من المتبرع في إحدى غرف العمليات ومن ثم تنقية الكلية من الشوائب باستخدام محاليل طبية خاصة وبعد ذلك زراعتها في الجزء السفلي من بطن المريض الذي يكون في غرفة العمليات المجاورة، ويكون هناك تنسيق ما بين طاقم النقل والزراعة لتقليل الوقت الذي تكون فيه الكلية المنقولة للزراعة بدون تغذية دموية.
ولفت العزري إلى وجود تعاون قائم مع المراكز العربية أو الدولية، مؤكدا أنه لا يوجد تعاون موثق على أي مستوى في مجال جراحة زراعة الأعضاء في ما يتعلق بالدعم اللوجيستي لإجراء هذه العمليات ولكن من المتوقع مع تطور برنامج زراعة الأعضاء سوف يوجد تعاون مع بعض المراكز المتخصصة في هذه المجالات لتوفير الدعم اللازم والخبرات المطلوبة لتحقيق أعلى نسبة من النجاح لهذه العمليات.
وأبرز العزري ما تقوم به وزارة الصحة من تكريم المتبرعين بين الحين والأخر من أهمية في إبراز قيمة العمل المقدم من أجل الآخرين، مشيرا إلى أنه في الوقت الحالي ما يقام من عمليات جراحة زراعة الكلى هو بحد ذاته إنجاز، حيث إن النظرة المستقبلية لتحقيق نجاح أكبر في هذا المجال تكمن في ثبات واستمرارية برنامج نقل وزراعة الكلى والقدرة على تطويره للتمكن من زيادة عدد حالات التبرع والقيام بعمل الحالات المعقدة مع إضافة عمليات زراعة الكبد في المستقبل لهذا البرنامج.