حياة وذكريات معمرة فلسطينية
الحاجة علمية تقضي معظم وقتها في العبادة وأداء الفرائض
أحمد فياض-غزة
ما إن تسمع صوت زائر في البيت حتى تقف المعمرة الفلسطينية علمية حلاوين حمودة التي أكملت عقدها الأول بعد المائة، مرحبة بالضيف عبر ابتسامة عريضة وصوت قوي، يشعرك بأنك أمام امرأة في مقتبل العمر.
وداخل منزلها الكائن في بلدة جباليا بشمال قطاع غزة حيث غرفة صغيرة تلفها الرطوبة من كل جانب، ويفوح منها عبق التاريخ، تسرد المعمرة ماضيها وكأنها تراه أمام ناظريها.
فهي تستذكر أيام الحكم العثماني قائلة "كانت المعيشة صعبة وعملت منذ صغري في مهنة الحصاد مع أمي وكان ذلك العمل مصدر رزقنا الوحيد فأقضي فيه كل وقتي، والدي وأخي الكبير كانا يخدمان في العسكرية العثمانية".
المعمرة تطحن القمح على مطحنتها اليدوية
تفاصيل ذكرياتها
وتضيف بحماسة "في تلك الفترة وبعد أن بلغت سن الخامسة عشرة تقدم محمد حمودة الملقب بين الناس بجوهر لخطبتي وتزوجته وعشت معه إلى أن توفي قبل أربعين عاما فكانت تلك الفترة أجمل فترات حياتي".
وكلما استغرقت الحاجة علمية في الحديث عن تفاصيل ذكرياتها، يقاطعها أحد أحفادها الذين تعرفهم جميعًا رغم كثرة أعدادهم، لكنها تعود لتواصل سرد تفاصيل الحياة خلال فترة الحكم البريطاني قائلة "كانت الحياة أفضل بكثير من أيام العثمانيين، كل شيء كان متوفرا صيفا وشتاء من أكل وشرب وملابس".
أنجبت الحاجة علمية تسعة أولاد أربع بنات وخمسة أبناء, أكبر بناتها توفيت عن عمر يناهز تسعين عاما قبل ثلاث سنوات، وفارق أربع من أبنائها الحياة ولا يزال ابنها الأصغر صالح الذي يبلغ 77 عاما على قيد الحياة وهو يعيش معها في نفس البيت ولها من الأحفاد وأبناء الأحفاد 150 يملؤون عليها المكان من حولها ويمنحونها القوة في الحياة.
غير أن مهنة الحاجة علمية جعلتها أمًّا لكثير من الفلسطينيين، إذ إنها تعمل "داية" تولد النساء منذ عشرات السنين، وعلى يديها ولد الكثيرون ومنهم من لا يزال يزورها حتى اليوم. وتعلق على ذلك قائلة "أتذكر كل حامل قمت بتوليدها من بداية عملي بهذه المهنة منذ أيام العثمانيين إلى اليوم".
وتضيف علمية -ومعالم التاريخ بارزة على وجهها- وهي تخرج الختم الخاص بالولادة من صندوقها الصغير الذي استخدمته في تصديق وثائق الولادة "لم أتقاض أي أجر طوال حياتي, فعملي لوجه الله تعالي, كنت أقبل بعض الهدايا البسيطة تسمى بالبشارة، وعلمت زوجة ابني التوليد وأصبحت تعمل داية".
المعمرة وهي تحتضن كفنها
أداء الفرائض
وتقضي الحاجة علمية معظم وقتها في العبادة وأداء الفرائض حيث تستيقظ الساعة الخامسة لتصلي الفجر وتحرص على إقامة الليل دائما وقراءة القرآن وسماع الراديو الذي ما زالت تحتفظ به داخل غرفتها الصغيرة التي تضم ثيابا قديمة وبعض الزجاجات البلاستكية.
وتعزو سر عمرها المديد إلى اعتمادها منذ نعومة أظافرها على نظام غذائي بسيط من مشتقات الحليب والخضار والعسل وزيت الزيتون والبيض والبقلة والخبيزة والأعشاب الطبيعية واللحوم الحمراء.
ولم تعتد الحاجة علمية على زيارة الأطباء, فهي تتمتع بصحة جيدة وما زالت تحتفظ بنشاطها وحيويتها ولم يسبق لها أن تعرضت لأزمات صحية رغم سنها المتقدمة فهي معتادة أن تخرج من المنزل لوحدها، وتمتلك ذاكرة قوية تساعدها على تذكر كافة الأحداث التاريخية التي مرت على فلسطين منذ ولادتها.
وتعلق المسنة الفلسطينية كيسا أبيض على الحائط بداخله كفنها بكافة متعلقاته جهزته بيدها واشترت قماشا أبيض له من بيت الله الحرام الذي حجت إليه أربع مرات طوال حياتها وقامت بخياطته بنفسها، وهي لا تخشى الموت بل تستعد له, وقد قامت بحفر وتجهيز قبرها ولا تزال تنتظر يوم لقاء ربها.
المصدر: الجزيرة
الحاجة علمية تقضي معظم وقتها في العبادة وأداء الفرائض
أحمد فياض-غزة
ما إن تسمع صوت زائر في البيت حتى تقف المعمرة الفلسطينية علمية حلاوين حمودة التي أكملت عقدها الأول بعد المائة، مرحبة بالضيف عبر ابتسامة عريضة وصوت قوي، يشعرك بأنك أمام امرأة في مقتبل العمر.
وداخل منزلها الكائن في بلدة جباليا بشمال قطاع غزة حيث غرفة صغيرة تلفها الرطوبة من كل جانب، ويفوح منها عبق التاريخ، تسرد المعمرة ماضيها وكأنها تراه أمام ناظريها.
فهي تستذكر أيام الحكم العثماني قائلة "كانت المعيشة صعبة وعملت منذ صغري في مهنة الحصاد مع أمي وكان ذلك العمل مصدر رزقنا الوحيد فأقضي فيه كل وقتي، والدي وأخي الكبير كانا يخدمان في العسكرية العثمانية".
المعمرة تطحن القمح على مطحنتها اليدوية
تفاصيل ذكرياتها
وتضيف بحماسة "في تلك الفترة وبعد أن بلغت سن الخامسة عشرة تقدم محمد حمودة الملقب بين الناس بجوهر لخطبتي وتزوجته وعشت معه إلى أن توفي قبل أربعين عاما فكانت تلك الفترة أجمل فترات حياتي".
وكلما استغرقت الحاجة علمية في الحديث عن تفاصيل ذكرياتها، يقاطعها أحد أحفادها الذين تعرفهم جميعًا رغم كثرة أعدادهم، لكنها تعود لتواصل سرد تفاصيل الحياة خلال فترة الحكم البريطاني قائلة "كانت الحياة أفضل بكثير من أيام العثمانيين، كل شيء كان متوفرا صيفا وشتاء من أكل وشرب وملابس".
أنجبت الحاجة علمية تسعة أولاد أربع بنات وخمسة أبناء, أكبر بناتها توفيت عن عمر يناهز تسعين عاما قبل ثلاث سنوات، وفارق أربع من أبنائها الحياة ولا يزال ابنها الأصغر صالح الذي يبلغ 77 عاما على قيد الحياة وهو يعيش معها في نفس البيت ولها من الأحفاد وأبناء الأحفاد 150 يملؤون عليها المكان من حولها ويمنحونها القوة في الحياة.
غير أن مهنة الحاجة علمية جعلتها أمًّا لكثير من الفلسطينيين، إذ إنها تعمل "داية" تولد النساء منذ عشرات السنين، وعلى يديها ولد الكثيرون ومنهم من لا يزال يزورها حتى اليوم. وتعلق على ذلك قائلة "أتذكر كل حامل قمت بتوليدها من بداية عملي بهذه المهنة منذ أيام العثمانيين إلى اليوم".
وتضيف علمية -ومعالم التاريخ بارزة على وجهها- وهي تخرج الختم الخاص بالولادة من صندوقها الصغير الذي استخدمته في تصديق وثائق الولادة "لم أتقاض أي أجر طوال حياتي, فعملي لوجه الله تعالي, كنت أقبل بعض الهدايا البسيطة تسمى بالبشارة، وعلمت زوجة ابني التوليد وأصبحت تعمل داية".
المعمرة وهي تحتضن كفنها
أداء الفرائض
وتقضي الحاجة علمية معظم وقتها في العبادة وأداء الفرائض حيث تستيقظ الساعة الخامسة لتصلي الفجر وتحرص على إقامة الليل دائما وقراءة القرآن وسماع الراديو الذي ما زالت تحتفظ به داخل غرفتها الصغيرة التي تضم ثيابا قديمة وبعض الزجاجات البلاستكية.
وتعزو سر عمرها المديد إلى اعتمادها منذ نعومة أظافرها على نظام غذائي بسيط من مشتقات الحليب والخضار والعسل وزيت الزيتون والبيض والبقلة والخبيزة والأعشاب الطبيعية واللحوم الحمراء.
ولم تعتد الحاجة علمية على زيارة الأطباء, فهي تتمتع بصحة جيدة وما زالت تحتفظ بنشاطها وحيويتها ولم يسبق لها أن تعرضت لأزمات صحية رغم سنها المتقدمة فهي معتادة أن تخرج من المنزل لوحدها، وتمتلك ذاكرة قوية تساعدها على تذكر كافة الأحداث التاريخية التي مرت على فلسطين منذ ولادتها.
وتعلق المسنة الفلسطينية كيسا أبيض على الحائط بداخله كفنها بكافة متعلقاته جهزته بيدها واشترت قماشا أبيض له من بيت الله الحرام الذي حجت إليه أربع مرات طوال حياتها وقامت بخياطته بنفسها، وهي لا تخشى الموت بل تستعد له, وقد قامت بحفر وتجهيز قبرها ولا تزال تنتظر يوم لقاء ربها.
المصدر: الجزيرة