إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

~ أنـثـى بين دهـالـيـز الــضـعـف ~

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ~ أنـثـى بين دهـالـيـز الــضـعـف ~

    وُلدت أنثى بـ مشيئة القادر الجبار المتعال ، هي سكنات الطهر في ملامح البراءة التي بلغت أقصى الكمال - ولله الكمال - ، بهاؤها شمس ضاحكة أكملت للتو من طلاء أقراصها الذهبية فـ ازدان الخير لـ محبيها ، وأما عن جمالها فـيكاد يفوق وصف القمر ليلة اكتماله .


    ويا للأسف حين تكون هبة الله بهذا القدر من الجمال ولكن الأعين ترى والألسن تصرخ فـ تكون مصدر الشؤم الذي لابد أن يغرب عن الأنام كـ غروب الشمس يتبعها حمرة الشفق ، نعم .. جُلّ خصالها الطيبة لم تروق للذائقة ، و عوضاً من أن تظل عار لهم ولعشيرتهم المبجلة ، أرادوا الخلاص منها فـ جعلوها شبيهة الموؤودة التي تدفن تحت الثرى قسراً وقلبها لا يزال ينبض بالحياة ، إنهم كالقوم الذين وصفهم الله في محكم آياته :
    ( وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مُسوَداً وهو كظيم )
    .



    تكبر تلك ( الضعيفة ) وترى بـ عينيها اللتين طغى السواد حولهن أزهاراً يانعة متفتحة ناضجة يختلن ضاحكات في حياة صُنعت لأجلهن وصنعنها بأنفسهن ، يمرحن ويضحكن ويتسابقن مع الفراشات إلى جداول المياه النقية حيث يمددن أجسادهن بـ أريحية وطمأنينة في البستان الأخضر الزاهي .
    تنهار دموعها على خديها ممزوجة بـ حسرة وألم وضعف على حالها البائس المشؤوم فـ تأبى إلا أن تغلق شرفتها الخشبية الصغيرة التي هي مصدر النور والحياة ، و تعود بـ خطى متثاقلة إلى حيث العزلة التي اختيرت لها استبداداً ورضيت عنها ضعفاً ..!


    فكرة تعلم الأبجدية كانت تراودها بين الحين والآخر ، تكبر ويكبر الحلم الجميل المستحيل معها ، إلى أن قررت أخيراً استشارة ذويها في الالتحاق بـ المؤسسة التربوية التي يزاولنها بنات حيّها من ذاتِ سنها ، استيقظت مبكراً ذات يوم وحظّرت الذي يشتهيه والديْها وتنفر منه هي ، وانتهزت فرصة الإفطار الصباحي حيث البشاشة ورحابة الصدر و صفاء الذهن ، تمتمت بـ تردد واضح على وجهها بأنها تود أن تتعلم كـ حال الفتيات الأخريات و أنكست رأسها أرضاً خجلاً من طلبها التي كانت تعلم أنه مرفوض و إلى الأبد ، لم تمض ِ ثوان ٍ إلا و ضربة يد والدها تكاد تكسر الطاولة بما فيها ، لم تتفاجأ من ردة الفعل المتوقعة وعادت إلى عزلتها ولهيب الجرح يشتد وهجاً في نفسها .


    وتستمر حكاية هذه البائسة الضعيفة .. إلى أن طرق باب بيتهم رجل خمسيني العمر مطلق اللحية فـ بدا على وجهه الوقار ، طالباً ابنتهم الوحيدة وقد أوهمهم بأنه تاجر حَمام وفي الحقيقة هو هاوٍ لجمع أصناف الحَمام المختلفة ولديه حيز صغير في بيته قد خصصه للتربية ، لم يتردد ذويها في الموافقة وكم كانوا يترقبون لحظة الخلاص منها بشوق ولهفة ، لم يفكروا كثيراً في كيفية إخبار ابنتهم بأمر زواجها فقد جاءها الخبر بأسلوب الأمر مع اللكنة القاسية التي لجمت لسانها فما عادت تقوى على الكلام إلى أن استغلوا ضعفها هذا فـ سلّموها لـ بعلها تمشي منقادة خلفه لا ثقة ولا قوة تضج أنفاسها ..!


    لم يكن بعلها الخمسيني أفضل حالٍ ممن عايشتهم قبلاً ، إلا أنه يستعطفها أحياناً ويلزمها أن تبدي رأيها في أمور تخصها كـ زوجة وربة بيت لكنها اعتادت أن تنقاد وتكون من قوم التبعية بل إنها وعلى ما يبدو قد عشقت العبودية وأصبحت تأنس بـالقرارات والتبعيات الذي مصدرها أفراد لم يدركوا يوماً معنى الحرية وإبداء الرأي .
    لم تسعى تلك ( الضعيفة ) أن تجعل من البؤس سعادة ، ومن العزلة حرية ، ومن التردد ثقة ، لقد استسلمت الأنثى المُستبَدة للتعاسة ، وجعلت من نفسها سلعة رخيصة رخص التراب يُداس عليها متى وكيفما شاءوا .. رضت أن تكون حياتها " ضعف " وإلى الأبد .

يعمل...
X