إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عندما تركت الصلاة ،، نجيب زامل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عندما تركت الصلاة ،، نجيب زامل

    سأضع موضوعاً هاهنا وأرجو من المشرفين نقله إلى مكانه الصحيح....
    يوم تركتُ الصلاة..
    نجيب الزامل







    "السرّ في الصلاة أنها لا تغير العالم. الصلاة تغيرنا نحن.. ونحن نغير العالم."
    .. كنتُ شابا صغيرا، وكانت التياراتُ تلاحقنا في كل مكان، في كل كتاب، في كل نقاش، كانت أيام الثانوية أصعب أيام، وهي أيام الشك والحيرة، والضياع والزوغان بين مدارس الفكر الوضعي، وأخذتني المدارس واستلهمت كبار مفكري العالم، فانقطعت مدة طويلة متبتلا بالفكر الألماني، ومع أني أقرأ من صغري بالإنجليزية، إلا أن تراجم الإنجليز لجوته، وتشيلر، وكانت، ونيتشه، وريلكه، أخذت بلبي، ثم تعرفت على شبنهاور فصقل فكر نيتشه في رأسي عن عنفوان القوة، وعدل البأس والجبروت، وكأنه دين يُبَشـّر به، أخذني نيتشه إلى مسوغاته، ومبرراته الصعبة التي كانت بمشقة تسلق جبال بافاريا، وكانت القمة هي ما أسماه مصطلحا "بالإرادة العلـّية"، ثم قذفني إلى شواطئ برتراند الرسل المتصوف المادي الرياضي، وهـُمْتُ بعد ذاك بمدارس الفابية مع برناردشو في شقـِّهِ الجاد، وتبتلتُ مع إنجلز.. وأخذ الفكرُ يجرفني تماما وبعيدا عن الروح المتصلة بالسماء، حيث اليقين كل شيء، حيث الإيمان هو الشمس التي تسطع من بعيد، ولكنها أقرب لك من أي عنصر في الكون، لأنها طاقة الوجود، فضعت كثيرا، وتجبرت بما سفحت من معلومات وكتب وظننت أني في تلك السن الباكرة قد جمعتُ سحرَ العلوم، وكأني خيميائي المعرفة.. ولم أعد أقرأ الكتبَ التي كنت أتوسدها في السابق حتى يغالبني النوم من أمهات الثقافة الدينية في التفسير والفقه الحديث، والأدب العربي.. ونفضتُ عني ما حسبت وقتها أنه عالمٌ عتيقٌ مليءٌ بغبار الغابر من التاريخ المعتم، إلى معارف تُشرق فيها أنوارُ العقل الإنساني متوهجا سواء في التاريخ أو المعاصر. .. ثم تركتُ الصلاة.
    وكان مدرسي, يرحمه الله, في اللغة العربية رجل من غزة متدين، وقويم الفكر، ويؤثرني لميلي إلى الاطلاع، ولظهوري في اللغة، ثم توطدتْ بيننا صداقةٌ غير صفيّة، حتى انتزعتني أفكار الوجودية، والتي كانت أول مزالقي نحو كل الفلسفات، وصار يقف ضد هذا التوجه ويحذرني كثيرا، ويقول لي لستَ في سنٍّ تحكم فيها على العالم، ولا على معارف أمتك ولا أمم الآخرين.. ارجع إلى منبعك وانهل منه، وتقو، ثم رِدْ من كل منهل، وستجد أنك ستتذوقه وتعرف مكوناته، ولكن لن تدخله جوفك لأن ذائقتك المعرفية المتينة من بنيان تشربك المعرفي لدينك وثقافتك ستمنعك من ذاك.. ولكني تماديت، وشعرت أنّ موجة مشرقة أخذتني منه بعيدا تاركا له كل بحار الظلام..
    وأنا في طريقي المادي الجديد، بدأت في سن السابعة عشرة أكتب لمجلة "الجمهور" اللبنانية، وكانوا يحسبوني شخصا كبيرا في بلادي ويخاطبوني كما يخاطبون الكبار، وتـُرسل لي تحويلات النقد، ثم صرتُ أكتب في مجلةٍ إنجليزيةٍ تصدر من البحرين، ودار اسمي تحت اسم المفكر المتحرر.
    وكانت كتاباتي تنضح عما في داخلي من معلومات وكتبٍ سفحتها سنوات لا أرفع رأسي من متن كتابٍ إلا إلى آخر، فأغوتني علوم الفلك والإنسان، والحفريات التاريخية، والطب، والجغرافيا.. وكنت أقرأ لعلماء أتأكد من كونهم غير روحانيين.. حتى لا يشوشوا علي بأفكار لا تثبت بالاستدلال المادي.. وانفتحت أمامي المجلاتُ والصحف، وصرت أكتب وأنا في الثانوية بغزارةٍ لمجلات وجرائد في لبنان, الكويت، إيران، البحرين، وأمريكا.. وانفتنتُ بنفسي.. وأرى أستاذي، وأكاد أطل عليه بمكابرةٍ من علٍ.
    " لماذا لم تعد تصلي ؟ " سألني أستاذي بحدة عميقة، فأجبته : " وهل تغير الصلاةُ العالم؟ " فأجابني إجابة طيرت عقلي، وخلخلت أركانَ نفسي التي ظننت أنها مكينة.. "نعم الصلاة لا تغير العالم، ولكنها تغيرنا فنغير نحن العالم".. ولكني صارعت أثر الجملة المريعة.. ومضيت في غيِّي.
    مرت سنوات، عدت للمنزل.. وكان بيتنا لا مهادنة فيه بالنسبة للصلاة وفي المسجد، كان أبي يجعل من خروجه للمسجد طقسا ضوئيا، ووالدتي توقظنا للصلاة قبل أن يصدح الأذان.. جرْجرتُ نفسي وعدتُ للصلاة، ولكن مكابرتي كانت في الداخل. ..
    .. ويوماً مرضتُ.. وقال لي الطبيب : " آسف يا نجيب، ستموت لا محالة بعد تسعة أشهر "..
    كنت في مدينة تاكوما الساحلية بأمريكا، ورحتُ وحيدا إلى تلة خضراء، ورأيت المحيط الجبّارَ شاسعا أمامي.. ولا شيء إلا أنا والسماء والماء.. والموت، والحياة. وسألت نفسي هل أغيرُ شيئا؟". ورحت متأملا، والدموع تنفر فتغطي شساعة المحيط بسرابيةٍ مهيبةٍ مبهمة.. وفجأة، قفزت تلك العبارة إلى رأسي: " الصلاة تغيرنا، ونحن نغير العالم".. وبسرعة ذهبت إلى حيث أقيم وأبرقت لأستاذي تلك الجملة بلا مقدمات ولا خواتيم.. وردّ علي. " لقد استردك الله.. عش مطمئنا."
    أعظم صلاة أخذت بمجامعي كانت على ساحل الأطلسي في تاكوما الأمريكية.. وعرفت أن الله حق.. وعرفت ما معنى الحق.. وأن معناه النهائي في السماء لا في الأرض..
    ولم أمُتْ.. حتى الآن.


    إني أشعر بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم في هذه الدنيا ، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني

    آرنستو تشي جيفارا


  • #2
    جميل جدا فعلا الصلاة تغيرنا وبذلك نستطييع ان نغير العالم ..

    حقيقة اعجبتني القصة كثيرا ..
    آللهم آغفر لي .. آللهم سآمحني .. آللهم تب عني ..

    تعليق


    • #3
      صحيح كلامك أختي الصلاة تغير الكثير ..


      شكرا على الموضوع الرائع ..
      كيفمـــــــــا أكــون .......... لا يشبهني الآخـــــــرون ...
      ّّّ melody life ّّّ

      تعليق


      • #4
        شكرآ لمروركم


        إني أشعر بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم في هذه الدنيا ، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني

        آرنستو تشي جيفارا

        تعليق


        • #5
          اشكرك اختي...
          تقبلي مروري
          sigpic


          オマーン。ローズ


          ( استغفر الله العظيم لذنبي وللمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات)



          تعليق


          • #6
            ( الصلاة لا تغير العالم بل تغيرنا نحن، ونحن نغير العالم ) قول جميل من ذلك المعلم الجليل لطالبه.

            لهذه المقولة أثر كبير لدى كل من يسمعها فهي خلاصة تجربة عن دواء ينتشل المريض بالأفكار والفلسفة الغربية من عالم الماديات الأصم والأجوف إلى عالم مليئ بالروحانيات الربانية والمنبع الديني الطاهر الذي يطهر النفس ويضئ الدرب لها ولمن حولها.
            فلصاحب المقالة تحية إكبار وإجلال، ولك أختي الجرح العربي عميق الشكر على الإختيار الهادف.
            ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


            زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

            الكتاب الأول

            تعليق


            • #7
              الصلاة تغيرنا

              نعم و لكن لم تغيره الصلاة إلا عندما أقبل إلى الله باليقين

              هذا ما يجب أن نعيه

              الجح العربي

              دمت بكل الخير
              sigpic



              فإما أن تكون أخي بحق ,,, فأعرف منك غثي من سميني

              وإلا فاطَّرحني و اتخذني ,,, عـدواً أتـّقيك و تـَتقـيـني

              تعليق


              • #8
                لنا ما في الدين الذي اغنانا عن الفلسفة العقيمة ..!!


                شكرا لك

                تعليق


                • #9
                  جميل وفي غاية الروعة
                  back

                  تعليق


                  • #10
                    تسلمي ع الموضوع الرائع
                    جعله الله في ميزان حسناتك أن شاء الله
                    sigpic
                    الحياه حلوه بس لازم نفهمها

                    تعليق

                    يعمل...
                    X