صدقاً لا أقصد المقارنة بين اشتغال أحمد الشقيري في خواطره وبين اشتغال
صالح الفهدي في قيمه , مشاهدة قيم صالح الفهدي تقود لا إراديا إلى منطقة
المقارنة مع خواطر الشقيري ؛ ربما لأن البرنامجين لهما علاقة بخطاب تصحيح
السلوك البشري نحو مجتمع فاعل ومؤثر إيجابيا , ولكن هناك فرق كبير بلا شك
بين الطرحين وأي محاولة مقارنة حتى من النوع اللاإرادي منها هو ظلم للقيم
وظلم للخواطر وظلم لأحمد وظلم لصالح .. ولكن عندما نرغب في الإستفادة من
عامل المقارنة هنا لصالح العمل الفني التلفزيوني المجرد والذي يستهدف نوعية
البرامج المعنية بجوانب إنسانية لها علاقة برسالة توعوية ، فلا بد أن نذكر
سبب تفوق خواطر المذهل في إيصال الرسالة وتقليدية برنامج قيم في طرح مشابه
لذات الرسائل تقريبا هو أدوات الطرح وفهم نفسية المتلقي وما الذي يؤثر
حاليا في المشاهد وما الذي يجعله يهرب , وبالمناسبة أنا هنا لا أطرح خواطر
كمثال بحسب الجزء الرمضاني الذي يُقدم هذه السنه بل أطرحه كسلسلة لها ثمان
سنوات , أتحدث هنا بالتحديد عن أدوات الطرح وليس عن تقارب المحتوى لأن
خواطر قد تعدى طرح مفهوم السلوكيات الفردية الأخلاقية إلى ما هو أبعد
كمشروع حضاري , تنويري , نقدي , وفي جزءه الأخير كمشروع يساعد في إيجاد
الحلول العملية لنقاط التغيير الحقيقية على مستوى فضح تكاسل وتواطوء
الحكومات العربية في تحقيق أبعاد التنمية الحقيقة وليست التنمية
البروبجنداوية البلاستيكية .
برنامج قيم يأتي بلغة الخطاب المباشر ذو الرائحة التوعوية , التربوية
الكلاسيكية , هذه اللغة التي توزعت بين جانبين يقوم عليها برنامج قيم وهي
تقديمات وشروحات صالح الفهدي ، وبين مشاهد درامية وكلا الجانبين فيهما من
الطرح المباشر الكثير , تسند هذه اللغة المباشرة في تقديمات صالح حركة
كاميرتين يتم التقطيع بينهما بين اللقطة الواسعة لصالح وبين اللقطة المقربه
وبين اللقطة المتوسطة له , الخطاب المباشر الذي يأتي تعليمياً أكثر من قبل
صالح يذكرنا بخطاب ( الشيّاب ) التربوي والذي يستند على قاعدة ” سوّي كذا
ولا تسوّي كذاك ” !! , الخطاب الجاف , إلى جانب أن إيحاء طرح كل قيمة من
القيم يصل إلى مستويات غاية في الوردية والأفلاطونية في عصر أصبحت فيه هذه
المستويات غير مؤثر طرحها بالشكل التقني المبهر فما بالنا بالشكل الكلاسيكي
.
هناك علاقة وثيقة بين مفهوم الكاريزمتيك لدى من يطرح حديثا أو مفاهيما
متعلقة بمسألة القبول ممن يشاهده وبين نوعية المطروح , وهنا أعتقد أن
الدكتور صالح الفهدي لم يمتلك الكثير من عناصر الشخصية الكاريزماتية
الجاذبة تلفزيونيا لا سيما عندما يكون في مقام مُلقي النصائح أو الإرشادات ,
نعم هناك صورة جديدة غير الصورة النمطية التي تعودنا أن نشاهدها لهكذا طرح
والتي كانت فيما سبق وهي مستمرة إلى الآن والمعتمدة على زرع خطاب الجانب
الأخلاقي أو السلوكي بواسطة صورة نمطية من الشخصيات التي لها شكل متدين
كاللحية والعمامة وملامح الملتزم دينياً ؛ ولأن خطاب الإصلاح السلوكي هذا
ينبع غالبا من البعد الديني الإسلامي , هذا القالب الذي كسره أحمد الشقيري
منذ 8 سنوات تقريبا عبر مشروعه التلفزيوني ، فأتى كشاب لديه ( سكسوكة )
يمتلك كاريزما جاذبة وعمق معرفي وثقافي متعدد وممتزج بمراحل حياته التي
تغيرت من اللهو إلى الإلتزام ، ويمتلك لغة خطاب تتراوح بين المباشرة
واللامباشرة تتخللها طبيعية التقديم وعدم تكلف ، وضمن قوالب بصرية مبتكرة
تراعي الإيقاع والتشويق , فالشقيري استفاد بشكل كبير من إطلاعه وتشربه من
الأساليب التلفزيونية الغربية , نعود إلى النموذج العماني الجديد في طرح
هذا النوع من الخطابات الإصلاحية السلوكية الأخلاقية , إذ يحاول الدكتور
الفهدي أن يغير الصورة النمطية التي تحدثنا عنها بأن يطرح نفسه كمقدم بلحية
حليقة على ( الزيرو ) وفق شكل عصري متوافق من حيث المصر والدشداشة وتقنيات
الشاشات العصرية – التي بالمناسبة لم يوفق فيها المخرج كثيرا ووضح كثيرا
أن الفهدي عندما يحرك يده كأنه يهم بتشغيل المادة من خلال الشاشة التي
أمامه أنها حركة مفتعلة وغير دقيقة وفعل الجرافيك فيها واضح وفاضح
،وبالمناسبة إعلان مصنع الدوحاني للاسمنت يستخدم ذات الفكرة القائمة على
إيحاء تحريك محتويات الشاشة ، وبالمناسبة أيضا المشاهد أصبح ذكي من الجانب
التقني لدرجة أنه يتفوق على جهابذة التقنية البصرية الآن فأتمنى أن تأخذ
شركات الإنتاج العمانية التي استفادت من الحلوى الديوانية هذا بعين
الإعتبار – !!
يحسب لصالح كسر نمطية مقدم هذه النوعية من البرامج كما يحسب للشركة المنتجة
أو للشركتين المنتجتين ( قدُس , قيم ) خلق بيئة مواقع تصوير تقديمات صالح
والتي تعتمد على الإضاءات والخلفيات ذات المواقع الطبيعية في السلطنة.
ولكن مع كسر الصورة النمطية هل يمتلك الفهدي الكاريزما المقنعة لإيصال تلك
النوعية من الرسائل التي تعودت الأجيال العمانية أن تصلها من شخصيات ذوات
لحى كثيفة ونبرة أكثر جفافا من نبرة صالح ؟؟
يتضح من التقديمات التي يظهر فيها صالح مقدما أن هناك أساسيات في إطلالة
التقديم التلفزيونية التي تأخذ بأسلوب الربط (stand up ) لم تكن موجودة ومن
بينها التوافق الحركي بين لغة جسد المذيع وبين الحديث الذي يدلي به ..
فصالح في قيم غير متوافق بين (body language ) حركة اليدين والوجه مثلا
وبين الحالات التعبيرية ذات الدلالة بمفهوم من مفاهيم القيم .. كأن يشبك
أصابع يديه في لحظة يشير كلامه إلى أن شيء ما فيه إيجابية وهذا نوع من عدم
التوافق يخلق نوع من الانفصال بين محتوى الطرح وبين حركة الجسد , أيضا وإن
حاول أن يكون ذو ملامح هادئة – وهي ضرورية لهكذا نوع من البرامج – إلا أن
هدوءه من نوعية الهدوء الذي يقتل الإيقاع الزمني لدقائق تقديمه ، ويجعل
المشاهد في ثواني يغير المحطة أو يشيح بوجهه هنا وهناك ، وإن لجأ المخرج
إلى تقطيع تقديمات صالح بين كاميرتين إحداهما تأخذ مقدمة الشاشة وأخرى
جانبية كنوع من إيجاد حالة إيقاع مع تغيير اتجاه نظرة صالح إلى كل كاميرا
إلا أن هدوء صالح وهو فيما يبدو هدوء في شخصيته الحقيقية ومستويات الطبقات
الصوتية التي لا تحتوي على كمية إقناع سمعية كافية مثل تنوع مستويات القرار
والجواب لدى الفهدي ، إلى جانب الوقوف على تقطيعات الكلام بالشكل الذي
يوحي بالأسلوب التعليمي كل هذا يجعل من المادة المقدمة أقرب إلى أن تكون
تستمع وتشاهد مدرس في فصل وليس إلى مقدم برنامج تلفزيوني . وقد لا يلام
صالح على مثل هذه التفاصيل كونها التجربة الأولى له ؛ ولأنها التجربة
الأولى وجب أن يراعي مسألة التقديم التلفزيوني خاصة في البرامج التي تتطلب
مستويات إقناع عالية متعلقة مثلا بإصلاح وإرشاد وتطوير القيم السلوكية
والأخلاقية عند الناس ، ووجب أن يدرك أنها يجب أن تتأسس بشكل صحيح ومن ثم
يمكن له أن يدخل هذا المجال .
, برنامج قيم في جانبه الآخر والمتعلق بالمشاهد التمثيلية يمارس ذات
التسطيح الذي فرّغ ذائقة الدراما العمانية عبر برامج وإعلانات وزارة
التربية والتعليم ووزارة الزراعة والأسماك سابقا ووزارة الكهرباء حاليا ،
وهو وحل المشاهد الدرامية الطلابية .. الدراما عندما تستغل في جانب تربوي ,
تعليمي , توجيهي وبدون توفر عناصر الجذب فهي طامة كبرى تقود إلى مستويات
تخلف بصري وذهني أكثر مما تقود إلى ترسيخ سلوك إيجابي أو تطوير ذائقة ,
وعندما تم توظيف الدراما بعيدا عن الأسلوب القصصي أو الروائي المعتاد
عالميا فإنها خرجت إلى إسناد القصص والبرامج الوثائقية فقط وكانت مثرية لها
.. أما أن يتم إدخال مشاهد درامية لتوضح مفهوم المواطنة , أو الإخلاص , أو
النقد .. فهنا يقع منتجوا قيم في تسطيح لا يرتقي بالمشاهد ، بل يجره إلى
منطقة المباشرة والتقليدية , وإن كان هدف المشاهد الدرامية توضيحية ويفترض
أن تكون مساعدة لشرح الفكرة اللفظية التي يذكرها صالح فبالشكل الذي تمت
معالجته دراميا وبصريا كان أقرب إلى حصة للمشاهدين في كيفية التعرف على
الممثل عندما يتصنع الأدوار ويتكلف في تأديتها !!
قيم البرنامج .. يخدم في هذه المرحلة تحديداً – وهي مرحلة ما بعد
الإعتصامات والإحتجاجات – يخدم بدون عمد ربما توجّه يقوم على محاولة إعادة
شحن الدماغ العماني ببعض مما يسمى حسب الإصطلاح الاعلامي ( التوعية ) تجاه
القيم المجتمعية , طبعا التوعية هنا ليست التوعية الحقوقية أو السياسية أو
النقدية .. بل هي توعية كالعادة توعية من نوعية ” سوي كذا ولا تسوي كذاك ”
ولذلك ربما تم تغيير موعد بث برنامج قيم الذي كان قبل التاسع من رمضان يبث
قبل نشرة الأخبار تقريبا وأصبح بعد التاسع من رمضان يبث بعد الفطور مباشرة ,
كمحاولة أن يصل تأثير الخطاب المباشر ( التوعوي والإرشادي ) إلى أكبر
شريحة ممكنة , ولتتم عملية الأدلجة القيمية بشكل أوسع .
طبعا يأتي تغيير موعد بث البرنامج بشكل غير احترافي لا يُحترم فيه المشاهد
على الإطلاق فبين يوم وليلة يتم التغيير على حسب التوجيه الذي يأتي .
ربما لأن هناك معتقد أن المشاهد العماني لم يتخلّ كثيرا عن عادته
التلفزيونية الرمضانية وهي أن يضع تلفزيون سلطنة عمان في وقت أذان المغرب
للإستماع للأذان ومن ثم يستمر عليه لما قبل أذان العشاء .. ولا يعلم من
يعتقد ذلك أن المشاهد العماني أصبح يضع القناة العمانية وقت أذان المغرب
وبعد أن يقول المؤذن لا إله الا الله يهرع إلى تغيير القناة بكبسة زرإلى
قنوات أخرى هرباً من إعلانات الشركات المساهمة في فوازير رمضان !!
حميد البلوشي
وش رايكم ف المقارنه وفي النقد ؟ ف المقال ككل ؟
وايش رايكم ف البرنامجين؟
وهل المقارنه بينهما عادله ؟
اخوكم>كريزي دريم
تعليق