سياسة التقشف... البدء بالوزراء والأغنياء
قاسم حسين
بدأ الإعلان مؤخراً عن عدة إجراءات تقشفية في أغلب دول الخليج؛ لمواجهة آثار انخفاض أسعار النفط إلى أقل من النصف خلال عامين.
الخطوات الأولى كانت بالإعلان عن رفع الدعم عن عددٍ من المواد والسلع والخدمات الأساسية، على رأسها الوقود والكهرباء، في عموم دول الخليج، إلا أن أكبر هذه الإجراءات ما أعلنته الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية قبل يومين، من تخفيضٍ في رواتب الوزراء بنسبة 20 في المئة، وأعضاء مجلس الشورى بنسبة 15 في المئة، وهكذا فيما يتعلق ببعض الامتيازات الأخرى.
هذه السياسة تتسم بدرجةٍ كبيرةٍ من الذكاء، فهي قد بدأت بالطبقة العليا، القريبة من أعلى الهرم الحكومي، ولم تبدأ بقاعدة الهرم التي تحتلها الطبقات الفقيرة التي تعيش شظف العيش، أو المنطقة الوسطى من الهرم التي تحتلها الطبقات الوسطى، والتي بدأت تتأثر بوضوح جرّاء ارتفاع الأسعار المستمر وثبات الأجور، وانخفاض قدرتها الشرائية مع زيادة تكاليف المعيشة.
الأمر الملكي في السعودية، بدأ بقرار تخفيض رواتب الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، وتخفيض الإعانة السنوية التي تُصرف لأعضاء الشورى لأغراض السكن والتأثيث والتأمين على السيارات بنسبة 15 في المئة. وهي خطوةٌ ذكيةٌ، هدفت إلى إشاعة حالةٍ من الرضا العام، حين يشعر المواطن بأن الإجراءات التقشفية لن تطاله وحده كما كان يحدث في السابق، وإنما أصبحت تطال كبار المسئولين. وهي بهذه الطريقة، تمهّد الطريق نفسياً لقبول أية إجراءات قد يُضطر إلى اتخاذها مستقبلاً، وتمسّ الغالبية العظمي من الناس. وبذلك كان الهدف امتصاص أية ردود فعل قد تصدر بصورة استباقية، من خلال إشاعة جوٍّ من الثقة بأن الإجراءات لن تمسّ المواطن وحده، وإنما سيدفع الوزراء والشوريين جزءًا من حصتهم في الزمن الصعب.
عندما بدأ انهيار أسعار النفط إلى أقل من النصف قبل عامين، لم يكن البعض يريد الاعتراف برياح المرحلة الصعبة المقبلة، ولذلك أصيب الكثيرون بالصدمة حين بدأ رفع الدعم فجأةً عن بعض السلع، لأنهم كانوا بعيدين عن حقائق الأمور، بسبب اعتمادهم على مصادر إعلامية وصحافية غير صادقة مع الجمهور. وحين بدأت بعض هذه الأطراف ترفع صوتها بالاحتجاج، بدت كمن يصرخ في البرية، كما ذهبت تهديدات بعض النواب باستجواب الوزراء أدراج الرياح، لأنها كانت في الوقت الضائع، وعلى ألسنة أشخاصٍ لا يملكون شيئاً من التأثير.
قبل عامٍ من الآن، وحين بدأت ملامح المرحلة تتضح أكثر، بدأنا نكتب عن تداعيات الأزمة على المواطن العادي، مع توقعات الخبراء المتشائمة بشأن انتعاش سوق النفط، وإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة التي لم تعد تعتمد على نفطنا... يومها تعرّضنا للانتقاد، وكتب البعض مشكّكاً وموجّهاً سيلاً من التهم الجاهزة. الآن، باتت الأمور واضحةً للجميع: استمرار انخفاض أسعار النفط، تراجع اقتصاديات الدول، مزيد من إجراءات التقشف، السحب من الاحتياطات، وبدء الاستدانة، مع تخفيض المستوى الائتماني لعددٍ من الدول، الذي يعني مزيداً من الشروط الخارجية والقيود على الاقتصاد الوطني.
في السعودية الشقيقة، بدأوا بالشرائح العليا، الأكثر رخاءً في زمن المغنم، ليقولوا إنهم أولى بالتضحية في أوقات الشدة وشد الحزام. أما نحن حين أردنا هندسة رفع الدعم، فقد بدأنا بالهرم مقلوباً، لتكون الطبقات الدنيا والوسطى، الأقل حظوةً في زمن المغانم، لتكون صاحبة النصيب الأوفر في تحمّل الأعباء، في زمن المغارم والعناء.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5136 - الخميس 29 سبتمبر 2016م
قاسم حسين
بدأ الإعلان مؤخراً عن عدة إجراءات تقشفية في أغلب دول الخليج؛ لمواجهة آثار انخفاض أسعار النفط إلى أقل من النصف خلال عامين.
الخطوات الأولى كانت بالإعلان عن رفع الدعم عن عددٍ من المواد والسلع والخدمات الأساسية، على رأسها الوقود والكهرباء، في عموم دول الخليج، إلا أن أكبر هذه الإجراءات ما أعلنته الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية قبل يومين، من تخفيضٍ في رواتب الوزراء بنسبة 20 في المئة، وأعضاء مجلس الشورى بنسبة 15 في المئة، وهكذا فيما يتعلق ببعض الامتيازات الأخرى.
هذه السياسة تتسم بدرجةٍ كبيرةٍ من الذكاء، فهي قد بدأت بالطبقة العليا، القريبة من أعلى الهرم الحكومي، ولم تبدأ بقاعدة الهرم التي تحتلها الطبقات الفقيرة التي تعيش شظف العيش، أو المنطقة الوسطى من الهرم التي تحتلها الطبقات الوسطى، والتي بدأت تتأثر بوضوح جرّاء ارتفاع الأسعار المستمر وثبات الأجور، وانخفاض قدرتها الشرائية مع زيادة تكاليف المعيشة.
الأمر الملكي في السعودية، بدأ بقرار تخفيض رواتب الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، وتخفيض الإعانة السنوية التي تُصرف لأعضاء الشورى لأغراض السكن والتأثيث والتأمين على السيارات بنسبة 15 في المئة. وهي خطوةٌ ذكيةٌ، هدفت إلى إشاعة حالةٍ من الرضا العام، حين يشعر المواطن بأن الإجراءات التقشفية لن تطاله وحده كما كان يحدث في السابق، وإنما أصبحت تطال كبار المسئولين. وهي بهذه الطريقة، تمهّد الطريق نفسياً لقبول أية إجراءات قد يُضطر إلى اتخاذها مستقبلاً، وتمسّ الغالبية العظمي من الناس. وبذلك كان الهدف امتصاص أية ردود فعل قد تصدر بصورة استباقية، من خلال إشاعة جوٍّ من الثقة بأن الإجراءات لن تمسّ المواطن وحده، وإنما سيدفع الوزراء والشوريين جزءًا من حصتهم في الزمن الصعب.
عندما بدأ انهيار أسعار النفط إلى أقل من النصف قبل عامين، لم يكن البعض يريد الاعتراف برياح المرحلة الصعبة المقبلة، ولذلك أصيب الكثيرون بالصدمة حين بدأ رفع الدعم فجأةً عن بعض السلع، لأنهم كانوا بعيدين عن حقائق الأمور، بسبب اعتمادهم على مصادر إعلامية وصحافية غير صادقة مع الجمهور. وحين بدأت بعض هذه الأطراف ترفع صوتها بالاحتجاج، بدت كمن يصرخ في البرية، كما ذهبت تهديدات بعض النواب باستجواب الوزراء أدراج الرياح، لأنها كانت في الوقت الضائع، وعلى ألسنة أشخاصٍ لا يملكون شيئاً من التأثير.
قبل عامٍ من الآن، وحين بدأت ملامح المرحلة تتضح أكثر، بدأنا نكتب عن تداعيات الأزمة على المواطن العادي، مع توقعات الخبراء المتشائمة بشأن انتعاش سوق النفط، وإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة التي لم تعد تعتمد على نفطنا... يومها تعرّضنا للانتقاد، وكتب البعض مشكّكاً وموجّهاً سيلاً من التهم الجاهزة. الآن، باتت الأمور واضحةً للجميع: استمرار انخفاض أسعار النفط، تراجع اقتصاديات الدول، مزيد من إجراءات التقشف، السحب من الاحتياطات، وبدء الاستدانة، مع تخفيض المستوى الائتماني لعددٍ من الدول، الذي يعني مزيداً من الشروط الخارجية والقيود على الاقتصاد الوطني.
في السعودية الشقيقة، بدأوا بالشرائح العليا، الأكثر رخاءً في زمن المغنم، ليقولوا إنهم أولى بالتضحية في أوقات الشدة وشد الحزام. أما نحن حين أردنا هندسة رفع الدعم، فقد بدأنا بالهرم مقلوباً، لتكون الطبقات الدنيا والوسطى، الأقل حظوةً في زمن المغانم، لتكون صاحبة النصيب الأوفر في تحمّل الأعباء، في زمن المغارم والعناء.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5136 - الخميس 29 سبتمبر 2016م