ميشيل شلهوب وصل إلى العالمية باسم «عمر الشريف»
باع قصره في باريس حتى لا يفلس وربح 4 ملايين دولار في صفقة فضة
[align=left]
[/align]
القاهرة: عنتر السيد
عمر الشريف هو نجم السينما العربي والعالمي، الذي جمع بين تجربتيه في السينما المحلية والعالمية.. قدم 26 فيلما مصريا، قبل أن يبدأ رحلته في السينما الأمريكية مع ديفيد لين في فيلم «لورانس العرب».. وعاد للسينما المصرية في تجارب متباعدة مثل «أيوب» و«الأراغوز» و«المواطن مصري».
ووقف عمر الشريف على المسرح الإنجليزي، وتزوج من سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وهو في مقتبل العمر، وأنجب منها ابنه الوحيد طارق رجل الأعمال حاليا. وحصد ورشح للعديد من جوائزالاوسكار وسيزار والجائزة الذهبية، وتم تكريمه في عدد من المهرجانات المحلية والدولية، مثل القاهرة وفينيسيا ودبي.
احترف عمر الشريف لعبة البريدج، بل أصبح أحد نجومها على المستوى العالمي، وعشق الفروسية واقتنى الخيول في مزرعته الخاصة في باريس، ومنحه ملك المغرب الراحل الحسن الثاني حصانا عربيا أصيلا، عندما علم أنه يعشق ألخيول، التي كان يقتنيها ويعدها لسباقات السرعة.
ولد عمر الشريف في ابريل (نيسان) عام 1932 بمدينة الإسكندرية، وكان والده تاجرا ثريا في الأخشاب، ودرس في مدرسة فيكتوريا، وكان زميلا للمخرج العالمي يوسف شاهين.. اسمه الحقيقي، الذي تاه وسط زحام الأيام «ميشيل شلهوب».
عشق المسرح المدرسي، وقدم العديد من تجاربه، وعمره لم يتجاوز الاثني عشر ربيعا، وكان طفلا منظما وأنيقا وذهب ذات يوم إلى عرافة من أصل يوناني، وقالت له «إنك لن تعيش كثيرا في مصر، وإنك ستصبح شهيرا على مستوى العالم كله، وسوف تملك الكثير من الأموال».
كان الشريف طالبا متفوقا لا يقل ترتيبه عن الأول دائما، حتى انه أصيب بدهشة شديدة، عندما حل ثانيا ذات مرة.. تسلل الحب الأول إليه وعمره 15 عاما، وكان ذلك في فرنسا من خلال رحلة صيفية قضاها بصحبة عمه وزوجته، وكانت حبيبة القلب، فتاة فرنسية تدعى يان لي مولور، ولكن قصة الحب انتهت سريعا، وكان والده تاجر الأخشاب، لا يبخل على ابنه، وما عليه إلا أن يرسل له الفواتير الليلية، التي كانت تزيد عن الـ60 جنيها في الأربعينات والخمسينات من سنوات القرن البائد، وكان ضمن أصدقائه أحمد رمزي، وكان الشريف يعيش حياتين متوازيتين، في النهار في مكتب الأخشاب في تجارة والده، الذي كان يعده ليكون تاجرا إلى جانب دراسته، إلا ان الحياة الثانية كانت ليلا، عندما كان يقوم بتقديم العديد من النصوص المسرحية خاصة الناطقة باللغة الفرنسية، التي كان يجيدها بطلاقة، فضلا عن عدة لغات أخرى، أجادها فيما بعد.
* صراع في الوادي
* كان بدايته في السينما، عندما التقى المخرج يوسف شاهين، الذي علم بقصة حبه للتمثيل، وقدمه في دور البطولة أمام فاتن حمامة، التي كانت أشبه بالمخطوبة إلى كل العالم العربي، وهي كانت لا توافق على أن يقبلها أحد على الشاشة.. وصارت قبلة الفيلم بينهما اشهر قبلة في السينما المصرية، حيث عقد قرانهما بعدها مباشرة، ووقتها أعلن ميشيل شلهوب إسلامه بسبب زواجه من فاتن حمامة، وأنجب منها ابنه طارق، الذي يعمل حاليا كرجل أعمال في الغردقة.
وعندما نقرأ خريطة أفلام عمر الشريف، نجد انه قدم 26 فيلما مصريا، ومن خلالها ارتبط اسمه بالأفلام الجادة، كما اهتم بتنوع أدواره، ولم يحدث أن هوي فيلما من أفلامه، لأن وجوده استطاع أن يغلفها بجدية، وذلك من خلال أدائه الطيب والتلقائي، حيث أصبحت أدواره أنماطا على الشاشة، إلا انه اعترف ذات مرة بقوله: «كنت كلما شاهدت أفلامي القديمة أضحك على نفسي، وأقول ما هذا «الهبل»، الذي أقدمه». وقال إن محمود مرسي أو يحيى شاهين، لا يقل بأي حال من الأحوال، عن تمثيل نحوم عالميين، كما ان تمثيل هذه الأيام، أفضل من تمثيل أيام زمان، الذي كان يتسم بالمبالغة أحيانا».
لقد كان دور أحمد، الذي يبحث عن حق أبيه الضائع في «صراع في الوادي»، بمثابة الضوء الأخضر، الذي انطلق منه الشريف من البوابة السحرية للشاشة الفضية، وتوالت أدواره وأعماله، فقدم دور رجب الباحث عن حقوق العمال في ميناء الإسكندرية من خلال فيلم سصراع في الميناء»، وقدم دور الفدائي الذي يذهب في عملية فدائية، عبر شبه جزيرة سيناء، لتدمير مستودعات مياه العدو في فيلم «أجراس السلام» مع المخرج كمال الشيخ، الذي قدم معه أيضا دورا متناقضا لشاب يقع في بحور الشباب والهوى والنساء، من خلال فيلم «سيدة القصر»، وقدم دور الصديق والخال لفاتن حمامة الفتاة العابثة، التي تعشق رجلا يكبرها سنا وتسعى للإيقاع بين أبيها وزوجته في فيلم «لا أنام»، وقدم عمر الشريف دور الزوج الباحث عن الحقيقة وسط نساء مذنبات أو بريئات في فيلمي «غلطة حبيبي» و«فضيحة في الزمالك»، وقدم دور ابن القتيل، الذي جاء يتحرى عن مقتل أبيه في فيلم «موعد مع المجهول»، وقدم دور العاشق الولهان، الذي يدفع حياته ضريبة للدفاع عن الوطن في فيلم «نهر الحب» مع فاتن حمامة.. فضلا عن عدد من الأدوار المهمة، التي قدمها الشريف في أفلامه «لوعة الحب» و«غرام الأسياد» و«إشاعة حب» و«في بيتنا رجل» و«بداية ونهاية» و«إحنا التلامذه» و«المماليك». وعمر الشريف، هو النجم الوحيد القادم من الشرق، الذي استطاع ان يعمل في السينما العالمية بهذه الكيفية، من حيث الشهرة والجدة والتواجد.
وفي تجربته العالمية ارتبط بتجارب سينمائية كبيرة ومهمة، وعمل مع كبار المخرجين، كما عمل أمام ممثلين كبار. ويكفيه فخرا انه بدأ حياته مع المخرج العالمي الكبير دافيد لين، المعروف بدقته المتناهية واختياراته الصعبة.
ويقول عمر الشريف عن تجربته مع لين «كانت تجربتي معه قوية جدا، خاصة حينما اسند إلي دور يوري زيفاغو، الطبيب الذي يصدم في تجربة الثورة الاشتراكية، ولكن تبقى تجربتي الأولى في السينما العالمية على يديه في فيلم «لورانس العرب»، الذي مكثت بسببه 730 يوما في صحراء الأردن، أثناء تصوير الفيلم مع النجم العالمي بيتر أوتول.. وعلى أية حال فإن ديفيد لين قد اختار ان نعيش في هذا الفيلم حياة البدو، بكل ما فيها من قسوة.. لقد كنا نعمل في الفيلم لمدة 28 يوما في الشهر، وفي اليوم الثامن والعشرين، كنا نعود إلى بيروت في إجازة لمدة 48 ساعة، يقضيها كل منا بالطريقة التي تناسبه، وقد تعودنا أنا وبتر ايتول، أن نقضي أجازتنا في بيروت، وكنا نبحث عن ملهى ليلي من أجل كسر القيود.. إن هذا لا يمكن نسيانه أبدا». وقد تمكن الشريف من ان يقف شامخا، أمام عمالقة من طراز رود شتايغر وجولي كريستي وألك غينس وتوم كتنوي، وغيرهم من نجوم ونجمات هوليوود، الذين سيأتي الحديث عنهم لاحقا، حيث ربطته ببعض من النجمات قصص حب ملتهبة.
* أدوار وأفلام عالمية:
* يقول الشريف، «لقد قدمت في السينما العالمية العديد من الأدوار، التي أرضت غروري وطموحي الفني مثل «جنكيز خان»، ودور القس في فيلم «الجواد الشاحب» من إخراج فريد زينمان، ودور الأمير النمساوي، الذي يموت من أجل حبيبته في فيلم «اماير لينج»، ودور ابن الزعيم الأفغاني في «الفرسان» من إخراج جون فرانكينهايمر، كما جسدت شخصية المناضل الشهير تشي غيفارا، وأعدت تجسيد شخصية الكابتن نيمو وقدمت دور الثائر اليوغسلافي في فيلم «الرولزرويس الصفراء»، وقمت بدور احد الأشقياء الباحثين عن الذهب في فيلم «ذهب ما كنا»، وأديت دور الضابط النازي الذي يحقق في أحدى الجرائم الجنسية، التي ارتكبها جنرال ألماني في فيلم «ليلة الجنرالات»، وقدمت دورا عصريا في فيلم «الموعد» من إخراج سيدني لوميت وأمام أنوك ايميه (إحدى النجمات العالميات، التي وقع في غرامهن عمر الشريف)، كما قدمت في فرنسا فيلم «الاهرامات الزرقاء»، من إخراج الممثلة الفرنسية ارييل دومباك».
وعندما بدأ عقد الثمانينات في القرن العشرين كانت الأفلام الكبيرة في السينما العالمية، قد باعدت خطواتها بينها وبين الشريف، وعلى حد قوله ان السبب في ذلك، يعود إلى انه تخطى الخمسين من عمره (73 عاما الآن)، ومن هنا أصبح لا يصلح لأدوار الشباب، كما يفعلون في السينما المصرية عندما ترى ممثلا تخطى عمره الخمسين، وما يزال يؤدي دور طالب الجامعة.. يتساءل الشريف.. كيف ؟ ويستطرد: «في هذا الوقت ظهر جيل جديد من المخرجين الشباب، بدأوا يسندون ادوار البطولات لممثلين من الشباب، ممن في سنهم ومن هنا كان علينا أنا وأبناء جيلي، ان نتوارى ولكن ليس إلى الأبد، لأن السينما العالمية كثيرا ما تتذكر نجومها بأفلام كبيرة، وفي أي وقت وقد قدمت مؤخرا بطولة فيلم «إبراهيم وأزهار القرآن»، والذي حصلت من خلاله على جائزة سيزار الفرنسية، وهي جائزة أكاديمية توازي جائزة الاوسكار الأمريكي.. كما حصلت على الجائزة الذهبية أكثر من مرة إلى جانب ترشيحات جوائز الاوسكار للكثير من أفلامي»، فالفيلم الجيد كما يقول الشريف، يخلق من الفنان نجما ويؤهله لأن يحصل على أفضل مائدة في أحسن مطعم، ويكون محط احترام الجميع وقال: «لقد واجهت حضارة تختلف كثيرا عن حضارتي، ومع هذا كنت أحس أنني في بيتي، فالشرقيون أكثر حرارة بالطبيعة.. والصداقة تلعب دورا مهما في حياتهم، واعتقد أن حبي للآخرين كان له دور كبير في نجاحي».
وعمر الشريف عاش حياته مترحلا.. متنقلا من مكان إلى مكان، ومن استديو إلى آخر، ومن دولة إلى دولة، وعندما يحط هذا العصفور لبناء عش غرامه، فسرعان ما ينوي الترحال لكسر حدة الملل، ورغبة في التغيير، وهكذا عمر الشريف، الذي عاش سنوات عمره ما بين عامي 65 ـ 85 متنقلا، وليس له بيت معين على اثر شهرته ونجوميته العالمية الطاغية في ذلك الوقت، فعاش ما بين أمريكا ولندن وباريس وكندا.. وفي هذا المنحى يقول: «لقد حالفني الحظ بصورة لا تكاد تصدق، ولكن دفعت لقاء ذلك ثمنا باهظا، وضحيت بحياتي الخاصة، عندما انفصلت عن فاتن حمامة، حينما وقع كلانا تحت ضغوط شديدة، وحكمت علينا الضغوط بالانفصال من دون شجار.. ولا شك ان طارق ابني، اعتبره صديقا لي، وأقضي الكثير من وقتي معه، عندما تتاح لنا الفرصة في السنوات الأخيرة».
وفي اعترافات الشريف لا ينكر أنه وقع في غرام نجمات أفلامه لبعض الوقت، ويخص بالذكر آفا غاردنر وانغريد برغمان وباربارا سترايسند وأنوك ايميه. وعندما نغوص في رحلة النجم العالمي عمر الشريف لنتذكر معا ملامح من هذا المشوار، نرى انه في عام 1966، عندما اشترك مع بيتر أتول في تمثيل فيلم «ليلة الجنرالات»، لمس عن قرب فظائع النازية في الدول التي دمرها هتلر، وفي ذلك يقول «عندما كنت ارتدي سترة ضابط بوليس ألماني وأسير في شوارع وارسو في برودة الشتاء، وعندما اتلفت حولي، وأنا في مقهى شهير، وجدت وجوها قد أصابها الرعب، ودموعا تسيل على الوجنات وصرخت بسرعة أنا لست ألمانيا، أنني أقوم بتمثيل فيلم أمريكي».
ويقول عمر الشريف: «في عام 1969 كنت أفكر في الزواج مرة أخرى، ولكن خسرت أموالا كثيرة.. بل خسرت كل شيء من أسهمي ومدخراتي، عندما انهار سوق الأوراق المالية الأمريكية، ولأول مرة في حياتي بدأت أواجه مشكلات مادية، واعترف بأنني كسبت أموالا طائلة ولكن صرفتها.. لأنني كنت أتصرف كأحد نجوم السينما، الذين يبعثرون أموالهم بسهولة.. فكان لا بد ان أغير أسلوب حياتي، وأتوقف نهائيا عن المقامرة».
ويستطرد الشريف، وهو يدلي بشهادته قائلا: لقد بعت القصر الذي كنت امتلكه في باريس، بعد أزمة البورصة الأمريكية وخسائري الخاصة.. لقد أدركت انه من السفه ان افقد كل ما افقد من أموال، لإدارة هذا القصر الكبير لكي أعيش فيه وحيدا، لقد احتفظت بالقصر طويلا، وكان لدي الشعور والأمل بلقاء امرأة مناسبة تجعلني أكون أسرة للمرة الثانية في حياتي، لأنني من عشاق الحياة الأسرية».
أضاف الشريف: «ان مليونيرا لبنانيا ـ ناجي أنطوان نحاس ـ نصحني بعد خسائري المالية الكبيرة، بشراء صفقة من الفضة بـ200 ألف دولار، فكسبت من ورائها 4 ملايين دولار، ثم كسبت ثانية من صفقة أخرى، إلى ان استعدت قوتي المالية.. فأكثر شيء تعلمت منه في حياتي هو الفشل والخطأ.. لأن النجاح لا يعلم شيئا».
وعمر الشريف سيلتقي مجددا في فيلم «ليلة مع الملك» مع بيتر أوتول، الذي أعلن عنه أخيراً، والفيلم مزمع تصويره ما بين لندن والدار البيضاء سيكلف إنتاجه 20 مليون جنيه.
ان السنوات الأخيرة من حياة هذا النجم العربي العالمي شهدت ازدهارا وتألقا فنيا.. فبعد ان قدم شخصية الشيخ الذي يلتقي طفلا يهوديا في فيلم «إبراهيم وأزهار القرآن»، وحلمه بأن يقدم شخصية المطران كابوتشي، بدأ عمر الشريف تصوير بعض المشاهد من فيلم تلفزيوني ضخم حول مؤسس الكنيسة الكاثوليكية «القديس بطرس» من إنتاج القناة التلفزيونية الإيطالية «راي1». وقال الشريف إنه وقع الاختيار على تونس والمغرب، لتصوير مشاهد حياة القديس بطرس، قبل مجيئه إلى روما، حيث أسس أول كنيسة مسيحية، وصار أول بابا في التاريخ.
ويبقى في النهاية أن نعرف العشق المتناهي بين الشريف والخيول العربية، فقد كانت علاقته في البداية من خلال شرائه نصف الحصان «سلانا» مع صديقه رفائيل حكيم احتل الترتيب الأول فيما بعد، في احد السباقات الكبرى، مما أدى بعمر الشريف إلى انفاق 20 مليون فرنك فرنسي، بهدف شراء خيول سباق والاعتناء بها في إسطبل خيول بمزرعة خاصة، كان يمتلكها في فرنسا، إلا ان هذه الخيول لم تحقق آماله، ولم تحصل على نتائج طيبة في السباقات المختلفة. وأخيرا فإن عمر الشريف، الذي كان يتردد بين الحين والآخر على القاهرة، رغبة في الاستقرار النهائي، كان لا يتمالك نفسه من البكاء عند الرحيل مرة أخرى للمكوث في الخارج، وقد سعى في الفترة الأخيرة للإقامة في القاهرة من اجل البحث عن ذاته من جديد في مصر وطنه الأول والأخير، قائلا: «مصر تعتبر بحق أشرف وسام على صدري، طوال رحلتي الطويلة في الغربة».
باع قصره في باريس حتى لا يفلس وربح 4 ملايين دولار في صفقة فضة
[align=left]
[/align]
القاهرة: عنتر السيد
عمر الشريف هو نجم السينما العربي والعالمي، الذي جمع بين تجربتيه في السينما المحلية والعالمية.. قدم 26 فيلما مصريا، قبل أن يبدأ رحلته في السينما الأمريكية مع ديفيد لين في فيلم «لورانس العرب».. وعاد للسينما المصرية في تجارب متباعدة مثل «أيوب» و«الأراغوز» و«المواطن مصري».
ووقف عمر الشريف على المسرح الإنجليزي، وتزوج من سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وهو في مقتبل العمر، وأنجب منها ابنه الوحيد طارق رجل الأعمال حاليا. وحصد ورشح للعديد من جوائزالاوسكار وسيزار والجائزة الذهبية، وتم تكريمه في عدد من المهرجانات المحلية والدولية، مثل القاهرة وفينيسيا ودبي.
احترف عمر الشريف لعبة البريدج، بل أصبح أحد نجومها على المستوى العالمي، وعشق الفروسية واقتنى الخيول في مزرعته الخاصة في باريس، ومنحه ملك المغرب الراحل الحسن الثاني حصانا عربيا أصيلا، عندما علم أنه يعشق ألخيول، التي كان يقتنيها ويعدها لسباقات السرعة.
ولد عمر الشريف في ابريل (نيسان) عام 1932 بمدينة الإسكندرية، وكان والده تاجرا ثريا في الأخشاب، ودرس في مدرسة فيكتوريا، وكان زميلا للمخرج العالمي يوسف شاهين.. اسمه الحقيقي، الذي تاه وسط زحام الأيام «ميشيل شلهوب».
عشق المسرح المدرسي، وقدم العديد من تجاربه، وعمره لم يتجاوز الاثني عشر ربيعا، وكان طفلا منظما وأنيقا وذهب ذات يوم إلى عرافة من أصل يوناني، وقالت له «إنك لن تعيش كثيرا في مصر، وإنك ستصبح شهيرا على مستوى العالم كله، وسوف تملك الكثير من الأموال».
كان الشريف طالبا متفوقا لا يقل ترتيبه عن الأول دائما، حتى انه أصيب بدهشة شديدة، عندما حل ثانيا ذات مرة.. تسلل الحب الأول إليه وعمره 15 عاما، وكان ذلك في فرنسا من خلال رحلة صيفية قضاها بصحبة عمه وزوجته، وكانت حبيبة القلب، فتاة فرنسية تدعى يان لي مولور، ولكن قصة الحب انتهت سريعا، وكان والده تاجر الأخشاب، لا يبخل على ابنه، وما عليه إلا أن يرسل له الفواتير الليلية، التي كانت تزيد عن الـ60 جنيها في الأربعينات والخمسينات من سنوات القرن البائد، وكان ضمن أصدقائه أحمد رمزي، وكان الشريف يعيش حياتين متوازيتين، في النهار في مكتب الأخشاب في تجارة والده، الذي كان يعده ليكون تاجرا إلى جانب دراسته، إلا ان الحياة الثانية كانت ليلا، عندما كان يقوم بتقديم العديد من النصوص المسرحية خاصة الناطقة باللغة الفرنسية، التي كان يجيدها بطلاقة، فضلا عن عدة لغات أخرى، أجادها فيما بعد.
* صراع في الوادي
* كان بدايته في السينما، عندما التقى المخرج يوسف شاهين، الذي علم بقصة حبه للتمثيل، وقدمه في دور البطولة أمام فاتن حمامة، التي كانت أشبه بالمخطوبة إلى كل العالم العربي، وهي كانت لا توافق على أن يقبلها أحد على الشاشة.. وصارت قبلة الفيلم بينهما اشهر قبلة في السينما المصرية، حيث عقد قرانهما بعدها مباشرة، ووقتها أعلن ميشيل شلهوب إسلامه بسبب زواجه من فاتن حمامة، وأنجب منها ابنه طارق، الذي يعمل حاليا كرجل أعمال في الغردقة.
وعندما نقرأ خريطة أفلام عمر الشريف، نجد انه قدم 26 فيلما مصريا، ومن خلالها ارتبط اسمه بالأفلام الجادة، كما اهتم بتنوع أدواره، ولم يحدث أن هوي فيلما من أفلامه، لأن وجوده استطاع أن يغلفها بجدية، وذلك من خلال أدائه الطيب والتلقائي، حيث أصبحت أدواره أنماطا على الشاشة، إلا انه اعترف ذات مرة بقوله: «كنت كلما شاهدت أفلامي القديمة أضحك على نفسي، وأقول ما هذا «الهبل»، الذي أقدمه». وقال إن محمود مرسي أو يحيى شاهين، لا يقل بأي حال من الأحوال، عن تمثيل نحوم عالميين، كما ان تمثيل هذه الأيام، أفضل من تمثيل أيام زمان، الذي كان يتسم بالمبالغة أحيانا».
لقد كان دور أحمد، الذي يبحث عن حق أبيه الضائع في «صراع في الوادي»، بمثابة الضوء الأخضر، الذي انطلق منه الشريف من البوابة السحرية للشاشة الفضية، وتوالت أدواره وأعماله، فقدم دور رجب الباحث عن حقوق العمال في ميناء الإسكندرية من خلال فيلم سصراع في الميناء»، وقدم دور الفدائي الذي يذهب في عملية فدائية، عبر شبه جزيرة سيناء، لتدمير مستودعات مياه العدو في فيلم «أجراس السلام» مع المخرج كمال الشيخ، الذي قدم معه أيضا دورا متناقضا لشاب يقع في بحور الشباب والهوى والنساء، من خلال فيلم «سيدة القصر»، وقدم دور الصديق والخال لفاتن حمامة الفتاة العابثة، التي تعشق رجلا يكبرها سنا وتسعى للإيقاع بين أبيها وزوجته في فيلم «لا أنام»، وقدم عمر الشريف دور الزوج الباحث عن الحقيقة وسط نساء مذنبات أو بريئات في فيلمي «غلطة حبيبي» و«فضيحة في الزمالك»، وقدم دور ابن القتيل، الذي جاء يتحرى عن مقتل أبيه في فيلم «موعد مع المجهول»، وقدم دور العاشق الولهان، الذي يدفع حياته ضريبة للدفاع عن الوطن في فيلم «نهر الحب» مع فاتن حمامة.. فضلا عن عدد من الأدوار المهمة، التي قدمها الشريف في أفلامه «لوعة الحب» و«غرام الأسياد» و«إشاعة حب» و«في بيتنا رجل» و«بداية ونهاية» و«إحنا التلامذه» و«المماليك». وعمر الشريف، هو النجم الوحيد القادم من الشرق، الذي استطاع ان يعمل في السينما العالمية بهذه الكيفية، من حيث الشهرة والجدة والتواجد.
وفي تجربته العالمية ارتبط بتجارب سينمائية كبيرة ومهمة، وعمل مع كبار المخرجين، كما عمل أمام ممثلين كبار. ويكفيه فخرا انه بدأ حياته مع المخرج العالمي الكبير دافيد لين، المعروف بدقته المتناهية واختياراته الصعبة.
ويقول عمر الشريف عن تجربته مع لين «كانت تجربتي معه قوية جدا، خاصة حينما اسند إلي دور يوري زيفاغو، الطبيب الذي يصدم في تجربة الثورة الاشتراكية، ولكن تبقى تجربتي الأولى في السينما العالمية على يديه في فيلم «لورانس العرب»، الذي مكثت بسببه 730 يوما في صحراء الأردن، أثناء تصوير الفيلم مع النجم العالمي بيتر أوتول.. وعلى أية حال فإن ديفيد لين قد اختار ان نعيش في هذا الفيلم حياة البدو، بكل ما فيها من قسوة.. لقد كنا نعمل في الفيلم لمدة 28 يوما في الشهر، وفي اليوم الثامن والعشرين، كنا نعود إلى بيروت في إجازة لمدة 48 ساعة، يقضيها كل منا بالطريقة التي تناسبه، وقد تعودنا أنا وبتر ايتول، أن نقضي أجازتنا في بيروت، وكنا نبحث عن ملهى ليلي من أجل كسر القيود.. إن هذا لا يمكن نسيانه أبدا». وقد تمكن الشريف من ان يقف شامخا، أمام عمالقة من طراز رود شتايغر وجولي كريستي وألك غينس وتوم كتنوي، وغيرهم من نجوم ونجمات هوليوود، الذين سيأتي الحديث عنهم لاحقا، حيث ربطته ببعض من النجمات قصص حب ملتهبة.
* أدوار وأفلام عالمية:
* يقول الشريف، «لقد قدمت في السينما العالمية العديد من الأدوار، التي أرضت غروري وطموحي الفني مثل «جنكيز خان»، ودور القس في فيلم «الجواد الشاحب» من إخراج فريد زينمان، ودور الأمير النمساوي، الذي يموت من أجل حبيبته في فيلم «اماير لينج»، ودور ابن الزعيم الأفغاني في «الفرسان» من إخراج جون فرانكينهايمر، كما جسدت شخصية المناضل الشهير تشي غيفارا، وأعدت تجسيد شخصية الكابتن نيمو وقدمت دور الثائر اليوغسلافي في فيلم «الرولزرويس الصفراء»، وقمت بدور احد الأشقياء الباحثين عن الذهب في فيلم «ذهب ما كنا»، وأديت دور الضابط النازي الذي يحقق في أحدى الجرائم الجنسية، التي ارتكبها جنرال ألماني في فيلم «ليلة الجنرالات»، وقدمت دورا عصريا في فيلم «الموعد» من إخراج سيدني لوميت وأمام أنوك ايميه (إحدى النجمات العالميات، التي وقع في غرامهن عمر الشريف)، كما قدمت في فرنسا فيلم «الاهرامات الزرقاء»، من إخراج الممثلة الفرنسية ارييل دومباك».
وعندما بدأ عقد الثمانينات في القرن العشرين كانت الأفلام الكبيرة في السينما العالمية، قد باعدت خطواتها بينها وبين الشريف، وعلى حد قوله ان السبب في ذلك، يعود إلى انه تخطى الخمسين من عمره (73 عاما الآن)، ومن هنا أصبح لا يصلح لأدوار الشباب، كما يفعلون في السينما المصرية عندما ترى ممثلا تخطى عمره الخمسين، وما يزال يؤدي دور طالب الجامعة.. يتساءل الشريف.. كيف ؟ ويستطرد: «في هذا الوقت ظهر جيل جديد من المخرجين الشباب، بدأوا يسندون ادوار البطولات لممثلين من الشباب، ممن في سنهم ومن هنا كان علينا أنا وأبناء جيلي، ان نتوارى ولكن ليس إلى الأبد، لأن السينما العالمية كثيرا ما تتذكر نجومها بأفلام كبيرة، وفي أي وقت وقد قدمت مؤخرا بطولة فيلم «إبراهيم وأزهار القرآن»، والذي حصلت من خلاله على جائزة سيزار الفرنسية، وهي جائزة أكاديمية توازي جائزة الاوسكار الأمريكي.. كما حصلت على الجائزة الذهبية أكثر من مرة إلى جانب ترشيحات جوائز الاوسكار للكثير من أفلامي»، فالفيلم الجيد كما يقول الشريف، يخلق من الفنان نجما ويؤهله لأن يحصل على أفضل مائدة في أحسن مطعم، ويكون محط احترام الجميع وقال: «لقد واجهت حضارة تختلف كثيرا عن حضارتي، ومع هذا كنت أحس أنني في بيتي، فالشرقيون أكثر حرارة بالطبيعة.. والصداقة تلعب دورا مهما في حياتهم، واعتقد أن حبي للآخرين كان له دور كبير في نجاحي».
وعمر الشريف عاش حياته مترحلا.. متنقلا من مكان إلى مكان، ومن استديو إلى آخر، ومن دولة إلى دولة، وعندما يحط هذا العصفور لبناء عش غرامه، فسرعان ما ينوي الترحال لكسر حدة الملل، ورغبة في التغيير، وهكذا عمر الشريف، الذي عاش سنوات عمره ما بين عامي 65 ـ 85 متنقلا، وليس له بيت معين على اثر شهرته ونجوميته العالمية الطاغية في ذلك الوقت، فعاش ما بين أمريكا ولندن وباريس وكندا.. وفي هذا المنحى يقول: «لقد حالفني الحظ بصورة لا تكاد تصدق، ولكن دفعت لقاء ذلك ثمنا باهظا، وضحيت بحياتي الخاصة، عندما انفصلت عن فاتن حمامة، حينما وقع كلانا تحت ضغوط شديدة، وحكمت علينا الضغوط بالانفصال من دون شجار.. ولا شك ان طارق ابني، اعتبره صديقا لي، وأقضي الكثير من وقتي معه، عندما تتاح لنا الفرصة في السنوات الأخيرة».
وفي اعترافات الشريف لا ينكر أنه وقع في غرام نجمات أفلامه لبعض الوقت، ويخص بالذكر آفا غاردنر وانغريد برغمان وباربارا سترايسند وأنوك ايميه. وعندما نغوص في رحلة النجم العالمي عمر الشريف لنتذكر معا ملامح من هذا المشوار، نرى انه في عام 1966، عندما اشترك مع بيتر أتول في تمثيل فيلم «ليلة الجنرالات»، لمس عن قرب فظائع النازية في الدول التي دمرها هتلر، وفي ذلك يقول «عندما كنت ارتدي سترة ضابط بوليس ألماني وأسير في شوارع وارسو في برودة الشتاء، وعندما اتلفت حولي، وأنا في مقهى شهير، وجدت وجوها قد أصابها الرعب، ودموعا تسيل على الوجنات وصرخت بسرعة أنا لست ألمانيا، أنني أقوم بتمثيل فيلم أمريكي».
ويقول عمر الشريف: «في عام 1969 كنت أفكر في الزواج مرة أخرى، ولكن خسرت أموالا كثيرة.. بل خسرت كل شيء من أسهمي ومدخراتي، عندما انهار سوق الأوراق المالية الأمريكية، ولأول مرة في حياتي بدأت أواجه مشكلات مادية، واعترف بأنني كسبت أموالا طائلة ولكن صرفتها.. لأنني كنت أتصرف كأحد نجوم السينما، الذين يبعثرون أموالهم بسهولة.. فكان لا بد ان أغير أسلوب حياتي، وأتوقف نهائيا عن المقامرة».
ويستطرد الشريف، وهو يدلي بشهادته قائلا: لقد بعت القصر الذي كنت امتلكه في باريس، بعد أزمة البورصة الأمريكية وخسائري الخاصة.. لقد أدركت انه من السفه ان افقد كل ما افقد من أموال، لإدارة هذا القصر الكبير لكي أعيش فيه وحيدا، لقد احتفظت بالقصر طويلا، وكان لدي الشعور والأمل بلقاء امرأة مناسبة تجعلني أكون أسرة للمرة الثانية في حياتي، لأنني من عشاق الحياة الأسرية».
أضاف الشريف: «ان مليونيرا لبنانيا ـ ناجي أنطوان نحاس ـ نصحني بعد خسائري المالية الكبيرة، بشراء صفقة من الفضة بـ200 ألف دولار، فكسبت من ورائها 4 ملايين دولار، ثم كسبت ثانية من صفقة أخرى، إلى ان استعدت قوتي المالية.. فأكثر شيء تعلمت منه في حياتي هو الفشل والخطأ.. لأن النجاح لا يعلم شيئا».
وعمر الشريف سيلتقي مجددا في فيلم «ليلة مع الملك» مع بيتر أوتول، الذي أعلن عنه أخيراً، والفيلم مزمع تصويره ما بين لندن والدار البيضاء سيكلف إنتاجه 20 مليون جنيه.
ان السنوات الأخيرة من حياة هذا النجم العربي العالمي شهدت ازدهارا وتألقا فنيا.. فبعد ان قدم شخصية الشيخ الذي يلتقي طفلا يهوديا في فيلم «إبراهيم وأزهار القرآن»، وحلمه بأن يقدم شخصية المطران كابوتشي، بدأ عمر الشريف تصوير بعض المشاهد من فيلم تلفزيوني ضخم حول مؤسس الكنيسة الكاثوليكية «القديس بطرس» من إنتاج القناة التلفزيونية الإيطالية «راي1». وقال الشريف إنه وقع الاختيار على تونس والمغرب، لتصوير مشاهد حياة القديس بطرس، قبل مجيئه إلى روما، حيث أسس أول كنيسة مسيحية، وصار أول بابا في التاريخ.
ويبقى في النهاية أن نعرف العشق المتناهي بين الشريف والخيول العربية، فقد كانت علاقته في البداية من خلال شرائه نصف الحصان «سلانا» مع صديقه رفائيل حكيم احتل الترتيب الأول فيما بعد، في احد السباقات الكبرى، مما أدى بعمر الشريف إلى انفاق 20 مليون فرنك فرنسي، بهدف شراء خيول سباق والاعتناء بها في إسطبل خيول بمزرعة خاصة، كان يمتلكها في فرنسا، إلا ان هذه الخيول لم تحقق آماله، ولم تحصل على نتائج طيبة في السباقات المختلفة. وأخيرا فإن عمر الشريف، الذي كان يتردد بين الحين والآخر على القاهرة، رغبة في الاستقرار النهائي، كان لا يتمالك نفسه من البكاء عند الرحيل مرة أخرى للمكوث في الخارج، وقد سعى في الفترة الأخيرة للإقامة في القاهرة من اجل البحث عن ذاته من جديد في مصر وطنه الأول والأخير، قائلا: «مصر تعتبر بحق أشرف وسام على صدري، طوال رحلتي الطويلة في الغربة».
تعليق