إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سننٌ لا تتبدل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سننٌ لا تتبدل

    جعل الله تعالى للتغيير في كل صعيد سُننًا اجتماعية لا تتخلف أحكامها بالتوفيق والسداد لمن اعتبرها بحكمة، كما لا تتخلف أحكامها أيضًا بالخطل والتخبط فيمن تجاوزها.
    وينتج فهمها واعتبارها، الاجتماع المدهش لعناصر النجاح الأربعة بأن يكون إنجاز المقاصد: أشمل وأثبت وأنجع وأسرع؛ كما يُنتج تضييعها ما هو أعظم من القصور والتذبذب والضعف والبطء.. إنه الفشل التام وذهاب الريح.
    يدفع الحماس بالبعض إلى اختصار الطريق على نحو مبتسر، يختزل مسافاته إلى حد تضييع المقاصد، ويحرق مراحله إلى درجة الرماد، وبما يؤدي في النهاية إلى اضطراب الأحوال وتصدع المجتمعات.
    لا يُستثنى من هذه السنن أي مجال أو منشط: سياسيًا كان، أو اجتماعيًا، أو اقتصاديًا، أو في مجال الجهاد أو الدعوة والاحتساب.
    إن اعتقاد بعض العاملين في الحقل الإسلامي أن مجرد حسن النية وسلامة المنهج كفيلةٌ بتغيير الأحوال الرديئة إلى حسنة بما يشبه السحر وهمٌ كبيرٌ، بل هو سببٌ لتعطيل حركة الإصلاح ومسيرة النهضة.
    فمع ما أوتي النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الرعيل الأول في مكة من قوة الإيمان، والثبات على الأمر إلا إنه صلى الله عليه وسلم لم يعلن على الملأ في مكة حربًا من داخلها، من أجل أن يكسب معركة سريعة، وذلك رغم صنوف الأذى والصد عن سبيل الله، التي مارستها قريش على المؤمنين.
    وحين هاجر مع أصحابه قصد لمقر هذه الكوكبة مجتمعًا دان فيه أكثره ـ أتباعًا ومتبوعين ـ لإمامته، وكان فيه من أسباب التحصين الطبيعي: حرار يثرب، وفيه من أسباب الأمن الغذائي: نخيل طيبة الباسقات.
    ثم راعى صلى الله عليه وسلم استمرار وثبات مقاصد العمل للإسلام بعد تحقق الانتصار الأول، لا أن يحقق نصرًا سريعًا لا يجد بيئة تلائمه، فيذوب كالثلج تحت لهيب شمس نهار حار، وكالفسيلة توضع في غير ما يناسبها من أرض وهواء وماء؛ فمآلها إلى ذبول، ثم تقذفها الرياحُ صفراءَ شاحبةً في منفى التجارب القاصرة:
    وهل يُنْبِتُ الخِطِّيَّ إلا وشيجُه وتُغرَس إلا في منابتها النخلُ
    ولو كان غير ذلك يجدي لاختصر الزمن، واختزل المدى، وجنب نفسه وأصحابه المعاناة العظيمة، دماء ودموعًا وآهات، ولوصل إلى هدفه ـ لو كان ذلك ممكنًا ـ بأقصر من ذلك الوقت.
    ولو تأملت لرأيت أن ظهور الإسلام على الدين كله، وسقوط ممالك الأمم الأخرى تحت سنابك خيل المسلمين لم يتحقق في عهده صلى الله عليه وسلم.
    ثم هل يا ترى كان بإمكان الشبيبة المؤمنة التي كانت في جيش عمرو بن العاص رضي الله عنه لو حققوا انتصارًا سريعًا عند دخولهم مصر أن يتمكنوا من قطف ثمار هذا النصر مدة طويلة لولا وجود دولة قوية عاصمتها المدينة، عُرفت هذه الدولة بالتماسك الداخلي والقوة الخارجية إعلاميًا وعسكريًا، وهو ما قوَّى نفوس المجاهدين الفاتحين ووطد دولتهم، وجعل قلوب المدافعين والمتربصين بين أقدامهم ؟:
    بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل المدافع يفتح الأمصارا
    وهذه قرطبة لم تسقط في أقصى المغرب إلا في حقبة كانت حوافر خيل التتار تقرع شوارع العاصمة الأخرى بغداد، وهي في أعلى حالات الأمان، فإذا ضعفنا هنا فسرح طرفك هناك حيث قوة نفوس الأعداء، وضعف قلوب الأحباء.
    ولهذا لا يمكن أن يتحقق جهاد في بقعة لا تتوفر فيها سمات مشروع الجهاد الناجح، وبيئته الصحيحة: أسباب الإمكان، وعوامل الاستمرار.
    لقد بدت بعض الأعمال ـ التي تشبه الجهاد في صورته دون مقاصده ـ مفرحةً لبعض المسلمين عظيمةَ النكاية بالكافرين، ولكنها ارتدت على العمل للإسلام ضررًا في مكانها، وفي أوربا، وبقية العالم: يقظة من العدو وحجرًا على حركة المسلمين، في وقت كان العمل في أوربا بقوانين الهجرة وتكثير النسل والمسلمين الجدد فيها يتجه إلى تكوين قوة ضاغطة كبرى تؤثر على المدى المتوسط في سياسيات هذه الدول بما ينفع الأمة ولو جزئيًا، ويكون مهيئًا لانفراجات مرحلية تدعم العمل للإسلام بما يوافق السنن في التغيير، فكان البديل: إجراءاتٍ أشدَ صرامة في قوانين الهجرة، وفي ملاحقة المسلمين، فعاد العمل هناك عقودًا إلى الوراء.
    إنها سنن لا تتبدل.
    فهناك معالم في مراعاة السنن في العمل للإسلام جاءت عفو الخاطر، منها:
    • أن من قواطع السنن الشرعية والاجتماعية أن العمل للإسلام في أي صعيد شأنه شأن المشروعات الأخرى في افتقاره إلى الخبير المتخصص فيها الذي يعرف من الشريعة مهمات مسائل ذلك المشروع أكثر من افتقاره إلى عالم فقيه؛ وذلك كمسائل الجهاد والسياسة والاقتصاد، والأمور الإدارية في العمل العلمي والدعوي والاحتسابي والإغاثي، فإذا وليها المتخصص كان لزامًا عليه رعاية السنن، والنظر في التجربة، وإذا وليها الفقيه غير المتخصص على اعتبار أن هذه المسائل مما يُظن في وسائلها ومراحلها وأكثر أحكامها أنها توقيفية أفسد في هذا أكثر مما يُصلح.
    وقد جعل الإمام ابن تيمية كما في "الاختيارات الفقهية" صحيفة 311 أن المعتبر في أمور الجهاد أمران: صحة الديانة، والخبرة بما عليه أهل الدنيا ثم قال: (.. فلا يؤخذ برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا).
    • أهمية وجود قيادة شخصية أو مؤسسية، أو هما معًا، تضمن عدم الاختلاف والفشل وذهاب الريح.
    • نحتاج إلى التحالف والتعاون مع الأفراد والدول والمؤسسات الكبيرة والصغيرة، وأن نستثمر في الجميع النواحي الإيجابية، وأن يكون العمل ضمن نسيج المجتمع لا خارجه؛ فالتكامل ضرورة لكل إصلاح، وقد أثبتت السنن شرعًا وواقعًا وتاريخًا أن المواجهات خارج إطارها تضر بالعمل للإسلام ضررًا بليغًا.
    • علينا أن نعيد النظر في حرب بعض التجارب السياسية والدعوية والعلمية التي قد نراها قاصرة، أو مخالفة؛ وذلك لأن عذرها أنها نتاج البيئة المحيطة ـ وهذا من رعاية السنن ـ وأن نعتبرها طريقًا ممهدة إلى تجربة أكثر نضجًا ودراية، وإنما عملنا ـ مع بناء منهج صحيح ـ: التكامل والتقويم والتشجيع، لا التعادي والحرب والتقريع، ومرد الناس في وسط المطاف وآخره إلى نصوص الوحيين، وهذا ظاهر لمن استجلى مسيرة العمل الإسلامي؛ حيث يعمل مع الناس من يُرى مخالفًا؛ فينتهي الأمر بمدعويه إلى الالتزام بالدين، وتعظيم الشريعة.
    وقد ثبت نحو هذا في السنة؛ حيث قَبِل النبي صلى الله عليه وسلم من وفد ثقيف الإسلام بشرط أن لا يتصدقوا ولا يجاهدوا، فقيل له في ذلك، فقال: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا". رواه أبو داود (3027) من حديث جابر رضي الله عنه، وهو صحيح.
    • أن لا نستعجل على الناس في فهمهم لما نريده منهم؛ فمواجهة المجتمعات لا يختلف عن مواجهة الدول والمؤسسات. وقد ظهر هذا جليًا في مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم للناس في أشياء كثيرة في مكة والمدينة.
    • أن ما لم يُبن على استجلاء التاريخ، ومعرفة الواقع والسنن فمآله إلى الفشل، وما بُني على ذلك فهو أثبت وأشمل وأنجع وأسرع، والتاريخ شاهد.
    • إن أخطر أوضاع المرء أن لا يتعلم إلا من أخطاء نفسه، فيما كان بإمكانه أن يتعلم من أخطاء الآخرين؛ فالسمة الأولى هي الأكثر في عالم الحيوان؛ حيث كمٌ مهول من الأخطاء ثم صواب واحد، والسمة الثانية هي الأكثر في عالم الإنسان؛ وذلك لأن هـذا الأخير يتأمل ويقارن ويستجلي ويتوقع، والآخر يُقمع على رأسه؛ فحينئذ يتأمل.
    • أن نعتبر "سياسية الممكن"، و"الحركة في الهامش المتاح"، وأن يكون التوسع في التأثير في المحيط المجاور إذا كان ممتنعًا أو ملتهبًا بقدر ما يسمح جسم ذلك المحيط بالحركة دون ضجيج؛ فإن عملنا غير ذلك كانت حركةُ النهضة المزعومة بالأمة عجلةً تدور مكانها، تطحن أبناءها، وتدل الأعداء على موضعها، وإذا لم نتمكن من هذا القدر من التأثير فلنعلم أن الوضع غير ملائم، والصبر علاج النفس المتعجلة، وفي هذا يقول سيدُ من اعتبر السنن: "ولكنكم تستعجلون".
    • إن فرح من يعادينا من الكفار بالأعمال التي تتجاوز سنن التغيير، وانتفاعهم بها شاهد كبير على تعرج شديد الانكسارات في مسيرة نهضتنا
    منقووووووووول
يعمل...
X