لم يكن نشر «دير شبيغل»، وقبلها موقع الكتروني عربي، معلومات عن حيازة المدعي العام ملفّاً يشير الى احتمال ضلوع حزب الله في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أمراً عابراً، بل يبدو أن لذلك دلالات على مواجهة دولية من نوع آخر للمقاومة وسلاحها
عمر نشابة
تزامن صدور تقرير «دير شبيغل» الذي أشار إلى أن لدى المدعي العام الدولي في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان معلومات عن ضلوع حزب الله في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع خطوة قضائية اتخذتها الإدارة الأميركية بحقّ مناصرين للحزب في أفريقيا. وتزامن نشر المقال في المجلة الألمانية مع إعادة فتح القضاء الأرجنتيني ملفّ التفجيرات التي وقعت في بوينوس أيرس عامي 1992 و1994 والتي اتهم حزب الله بتنفيذها. وظهرت أخيراً إشارات مشابهة تدلّ على تغيير لافت في تعامل الإدارة الأميركية مع حزب الله الذي تعدّه رسمياً «منظّمة إرهابية»، إذ يبدو أن مواجهته خلال المرحلة المقبلة ستكون عبر القضاء والمحاكم المحلية والدولية بطريقة مركّزة من خلال إعادة نبش ملفات قديمة مثل قضية تاج الدين وقبيسي وقضية تفجير مقرّ منظمة يهودية في الأرجنتين وملفات جديدة مثل ملف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فبعد مرحلة مساندة الأعمال الحربية التي استهدفت حزب الله خلال صيف 2006 (والتي أدّت إلى استشهاد مئات المواطنين وإلى تدمير واسع في المنشآت المدنية)، وبعد دعم الهجمات السياسية العلنية والمباشرة من جهة، والسرية وغير المباشرة منها من جهة أخرى، التي استهدفت سلاح المقاومة استهدافاً مركّزاً منذ اغتيال الحريري، يتحوّل التعامل الأميركي مع حزب الله إلى دعم الاتهامات والشبهات القضائية بحقّ أعضائه.
■ هجوم أميركي في أفريقيا
«سنواصل اتخاذ خطوات لحماية النظام المالي من التهديد الذي يمثله حزب الله ومن يدعمه». قال أول من أمس أحد المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ستيوارت ليفي، وهو يشغل منصب مساعد وزير الخزانة لمكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية. وأضاف ليفي أن «حزب الله ليس فقط منظمة إرهابية لها اتصالات عالمية، بل إنه أقر أخيراً علناً بأنه يدعم (حركة المقاومة الإسلامية) حماس».
تصريح المسؤول الأميركي الرفيع جاء إثر صدور قرار عن وزارة الخزانة الأميركية «يُخضع قاسم تاج الدين وعبد المنعم قبيسي للقانون الذي ينص على تجميد أرصدة أي إرهابيين مزعومين ومن يدعمهم»، ويحظر القرار على الأميركيين إجراء أي تعامل مع تاج الدين وقبيسي. وجاء في بيان لوزارة الخزانة أن تاج الدين «مساهم مالي مهمّ لحزب الله يشغّل شبكة من الشركات في لبنان وأفريقيا». واتهمه البيان بأنه يمرر الأموال من خلال شقيقه الذي زعم البيان أنه أحد قادة حزب الله في لبنان. كذلك اتهم البيان تاج الدين وأشقاءه بأنهم يديرون «شركات وهمية» لحساب حزب الله في أفريقيا. وكان تاج الدين قد «اعتقل عام 2003 في بلجيكا بتهمة الاحتيال وغسل الأموال وتهريب ألماس» بحسب ما ورد في البيان.
أما بشان قبيسي، فقد ذكر بيان وزارة الخزانة الأميركية أنه «يدعم حزب الله ويقيم في ساحل العاج وهو الممثل الشخصي للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، واستضاف عدداً من مسؤولي الحزب البارزين أثناء زيارتهم أفريقيا لجمع الأموال». وزعم البيان أن قبيسي ساعد على إنشاء صندوق رسمي لحزب الله في ساحل العاج استخدمت أمواله لتجنيد عناصر جديدة للحزب في لبنان.
■ عودة الهجوم القضائي الأرجنتيني
أما في أميركا اللاتينية، فأمرت المحكمة العليا أول من أمس بإعادة التحقيق مع كارلوس تيلدين، وهو أحد المواطنين الأرجنتينيين الخمسة الذين أُطلق سراحهم عام 2004 بعد اتهامهم بالهجوم على مقر منظمة يهودية في بوينس أيرس عام 1994. وكان ذلك الهجوم قد أدى إلى سقوط 85 قتيلاً و300 جريح، وإلى تدمير مقرّ المنظمة اليهودية.
وكانت المحكمة الأرجنتينية قد اتهمت تيلدين بإعداد الشاحنة الصغيرة التي استخدمها المفجّر إبراهيم حسين برّو في الهجوم، غير أن المحكمة لم تأخذ بشهادته التي مثّلت أبرز عنصر في الاتهام، بسبب مخالفات قانونية شابتها، إذ إن القاضي المكلف التحقيق خوان جوسي غاليانو سلّم يومها تيلدين 400 ألف دولار للحصول على شهادته، وذلك في تشرين الأول 1995. وتبيّن لاحقاً أن «الأموال قادمة من أجهزة استخبارات الدولة». لذا اختارت المحكمة العليا أول من أمس اعتماد العناصر الأولى للتحقيق التي تعود إلى ما قبل تسليم الأموال للمتّهم مقابل شهادته.
سيعاد إذاً التحقيق مع تيلدين الذي يرجّح مسؤولون في القضاء الأرجنتيني أنه سيدلي بمعلومات تشير إلى المسؤولية المباشرة لمسؤولين في حزب الله عن «الهجوم الإرهابي».
وأشاد أمس رئيس وفد الجمعيات الإسرائيلية الأرجنتينية الدو دونزيس بقرار المحكمة العليا، كذلك أشاد به مدير التعاونية اليهودية في بوينس أيرس غيلارمو بورغر. وكان قرار المحكمة في 2004 قد أثار استنكاراً واسعاً في أوساط الطائفة اليهودية الأرجنتينية، الأكبر في أميركا اللاتينية البالغ عدد أفرادها نحو 300 ألف.
وبالتوازي مع هذا القرار، يرجّح أن يضيف قضاة التحقيق أسماء لبنانيين يعملون لمصلحة حزب الله على قائمة أشخاص طالبوا بإصدار مذكرة توقيف دولية بحقهم، ومنهم الرئيس الأسبق للجمهورية الإسلامية في إيران علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
وكان النائب العام الأرجنتيني ألبرتو نيسمان قد أطلق الأسبوع الماضي، الإجراء الخاص بإصدار مذكرة توقيف دولية بحق كولومبي متهم بكونه المسؤول الرئيسي عن الشبكة المحلية التي نفذت الاعتداء «بتوجيهات من حزب الله وإيران».
■ التحضير لهجوم لاهاي
المعلومات من لاهاي تشير إلى تحضيرات يقوم بها المحققون التابعون لمكتب المدعي العام الدولي دانيال بلمار لاستدعاء مسؤولين في حزب الله للاستماع إلى إفاداتهم بخصوص معلومات وردت في ملفات قضائية أرسلت من لبنان. يشدّد بلمار على استقلالية عمله ونزاهته، لكنّه لا يغفل المعايير المهنيّة التي تستوجب الاستماع إلى إفادة مسؤولين في التنظيمات التي وردت للمحكمة ملفّات تتضمّن معلومات مفصّلة «تبدو للوهلة الأولى دقيقة» عن أشخاص «على علاقة بحزب الله» يشتبه في أنهم شاركوا في تنفيذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
يبحث المحققون الدوليون في مكاتب لايتسكندام (مقرّ المحكمة) مع بلمار في الأسلوب الأنجح لقيامهم بعملهم من دون توتير الوضع السياسي الداخلي ومن دون الحاجة إلى اللجوء إلى مجلس الأمن. فتُطرح أفكار عن لقاء على شكل اجتماع في قصر العدل في بيروت أو في أماكن أخرى تابعة للدولة. ويرفض مسؤولون في المحكمة اللقاء في أماكن يحدّدها الحزب، إذ إنّ ذلك مناقض للمنهجية المهنية.
■ مشكلة استدعاء بلمار مقاومين
«وحدها الأدلة هي التي توجّه التحقيق»، كرّر بلمار خلال المقابلات التي جمعته بـ«الأخبار». لكن بعض ما في حوزته يتطلّب استدعاء بعض المسؤولين في حزب الله للاستماع إلى إفاداتهم، ما قد يُسهم في دحض ما ورد في التقارير أو التأكّد من صحّتها، وقد يحوّل ذلك المعلومات التي تتضمّنها إلى أدلّة جنائية.
يؤكد أحد المسؤولين المقرّبين من بلمار أنه يتمسّك بعدم التعليق على ما ورد في وسائل الإعلام أخيراً، غير أنه يشدّد على أنه «سيحترم المعايير المهنية من دون أي توظيف سياسي أو شخصي أو غير ذلك». وفسّر المسؤول ذلك بأن المدعي العام سيطلب، بعيداً عن الإعلام، الاستماع إلى إفادات بعض الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التقارير، إضافة إلى مسؤولين في التنظيمات التي ذكر أنهم يعملون لحسابها. وكان بلمار قد طلب الاستماع إلى مسؤولين في حزب الله خلال وجوده في لبنان، وتمّ ذلك في مكتب المدعي العام القاضي سعيد ميرزا. أما في ما يخصّ المرحلة المقبلة من التحقيقات، فيفترض، بحسب المسؤول، أن يُستمَع إلى المزيد من الأشخاص في لبنان وفي الجمهورية الإسلامية في إيران. كذلك سيُستدعى بعض الأشخاص من العراق، ما سيستوجب توقيع اتفاقات تعاون بين المحكمة من جهة، وإيران والعراق من جهة ثانية.
لكن يتوقّع أن يؤدّي استدعاء مسؤولين من حزب الله إلى مشكلة للأسباب الآتية:
1ـــــ إن في صفوف المقاومة أشخاصاً وردت أسماؤهم على لائحة المطلوبين للشرطة الدولية (إنتربول) بتهم الضلوع بأعمال إرهابية، ومن بين هؤلاء الشهيد عماد مغنية والمقاومان علي عطوي وحسن عزّ الدين. ويُخشى أن يُستغلّ التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري لرصد المقاومين المطلوبين دولياً وتعقّبهم. 2ــــ إن الولايات المتحدة وعدداً من الدول الغربية تعدّ حزب الله تنظيماً إرهابيّاً، ما قد يعرّض المحقّقين لضغوط كبيرة لإدانة منتمين إلى الحزب باغتيال الحريري. 3ـــــ إنّ الجناح التنفيذي لحزب اللّه يعمل بطريقة سرّية، ويُتوقّع مهنياً أن يطلب المحققون الدوليون إيفادهم ببعض المعلومات التي تكشف عن سرّية التنظيم وتحرّكاته وإمكاناته. ولن يستجيب المحقَّق معهم لذلك، إمّا لأنّهم لا يعرفون وإمّا لأنّهم مدرّبون على عدم البوح بمعلومات كهذه لأيٍّ كان. وسيتطلّب ذلك استدعاء المدعي العام مسؤولين على مستوى أرفع، ما قد يزيد من الأمر تعقيداً. وقد يلجأ المحقّقون إلى الاعتماد على المعلومات التي بحوزتهم عند عدم تمكّن الأشخاص المعنيّين بها من تأكيدها أو نفيها. 4 ـــ إن المسؤولين في حزب الله لا يثقون بمسار العدالة الدولية، وخصوصاً في ما يتعلّق بجريمة اغتيال الرئيس الحريري. إذ إن أربعة قادة ضباط سجنوا على أساس توصية دولية لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر، ثمّ أطلق سراحهم من دون وجود أية أدلّة تسمح بإدانتهم أو حتى بالاشتباه بهم.
الأخبار اللبنانية
عدد الجمعة ٢٩ أيار ٢٠٠٩
عدد الجمعة ٢٩ أيار ٢٠٠٩