السلام عليكم ورحمة الله
اخترت لكم مما قرأت وأتمنى أن يدير احد المشرفين الحوار الجاد في الإجابة على السؤال المطروح كعنوان لهذا الموضوع، ولهم الشكـــــــــــر مقدما
عند حصر نتائج الاعتصامات التي استحوذت على المشهد العماني مؤخرا فإن الذي سيقفز إلى الذهن منها هي نتائج التغييرات التي أطاحت برؤوس الحكومة وجزء من هيكلتها، إضافة إلى التغييرات التي شهدتها الوحدات الحكومية الأكثر ارتباطا بالاحتجاجات، أما التغيير على المستوى الشعبي فإنه يأخذ عدة وجوه و قد تكون عودة اهتمام الفقهاء بالمشهد السياسي الداخلي أحد أبرز متغيرات المرحلة، فهل هي بداية مفاجئة لمرحلة جديدة من تعامل المؤسسة الدينية الإباضية مع المشهد السياسي العماني؟.
لم يكن وجه الشيخ أحمد الخليلي المبتسم في مقابلته مع خالد الزدجالي في برنامج “هنا عمان” بتاريخ 28 من فبراير 2011 م و الاعتصامات في أوج بدايتها مفاجئةً للمتابعين، إذ أن عين الاعتصامات التي تشكل قلقا حكوميا قد تكون أعطت الشيخ أملا في تغييرٍ يكون هو أحد مهندسيه أو موجهيه، وما لبثت الاعتصامات أن شملت ما يمكننا أن نطلق عليها ” اعتصامات الشيخ ” ليس لأنه وقف ورائها بالضرورة إنما لأنها تدور في فلكه فهي تدعو إلى تمكين الشيخ من سلطاته في معهد العلوم الشرعية تارة أو تدعو إلى إصلاحات ومطالب ذات طابع إسلامي بالمعنى الذي يراه الشيخ أحمد كاعتصام المتدينين أمام مكتب والي بوشر تارة أخرى، والاعتصام الذي قام به ما يقارب المائتي مواطن يحسبون على الاتجاه المتدين أمام مكتب والي إبراء، والذي وإن لم يدم لأكثر من 4 ساعات فإن المعتصمين كانوا مصرّين على ألا يفضوا اعتصامهم إلا بتسليم مطالبهم – التي تشمل استنكار وجود الأوبرا جنبا إلى جنب مع مطلب استقلال القضاء – للشيخ أحمد أو من يثقون أنه سيسلمه إياه، وفي الحقيقة لم يكتف الشيخ باستلام مطالب المعتصمين إذ أرجع الرسالة طالبا دعمها بعدد أكبر من الموقعين، أضف إلى ذلك المطالب التي طالب بها الشيخ بشكل مباشر في محاضرته في الجامعة بتاريخ 14/3 والتي كانت بعنوان ( الظاهر الخفي ) و التي تنوعت المطالب فيها بين إعلام يساهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و منهج جديد للتربية الإسلامية،إضافة إلى ما تطرق إليه في برنامج ” سؤال أهل الذكر” الذي بث في ذلك الأسبوع.
لقد كان واضحا أن المشروع السياسي الإباضي بقي في خانة غير المفكر فيه أو على الأقل لا يشكل أولوية لدى فقهاء الإباضية في العقود الثلاثة الأخيرة إذ ليس هناك فكر سياسي منشور وسواء أكان ذلك لثقة دوغمائية في أن نظام الإمامة التاريخي قادر على أن يستوعب بشكله التقليدي كل متغيرات العصر أو أن ذلك كان بسبب الخوف من مجرد طرح هذا المشروع حتى بشكل أكاديمي بحت فإن البديل الذي شكل أولوية لفقهاء الإباضية كان الدعوة بمفهومها الحديث الذي يركز على الجوانب العقائدية بوجهها اللاهوتي أو الجوانب الاجتماعية التربوية إضافة إلى العبادات والسنن،و هذه الدعوة بشكلها الحديث بعيدة عن مفهوم ” الدعوة” الذي يعطي انطباعا بالمعارضة السياسية في المراحل الأولى لتأسيس الإمامة كغيرها من الدعوات في القرون الأولى للهجرة والتي تعني أساسا دعوة لكيان سياسي أو مبايعة لشخص ما، وكانت النتيجة للدعوة الجديدة قاعدة شعبية كبيرة تلتزم بفكر دعوي يتمحور حول التميز العقدي و التاريخي،و يؤكد على الرمز و الهوية المذهبيان ولكن دون أن يحمل أي مشروع سياسي واضح سوى أمل بإعادة الإمامة يوما ما.
وكما جاء في بداية المقال فإن الاعتصامات الأخيرة أعادت ترتيب الأوراق و الأولويات، ولعل أهم ما جاء من تغييرات هو أمر السلطان بدراسة إعطاء صلاحيات تشريعية و رقابية لمجلس عمان، ومع ما حمله هذا التوجه من أمل للراغبين في المشاركة في السلطة فإنه و في الجانب الآخر هناك تخوف من تكرار تجارب سابقة في دول عربية تعرضت مشاريع منح الصلاحيات للمجالس البرلمانية فيها لفترة تجميد طويلة أو أنها تولد موزعة لصالح المجالس المعينة مقابل المجالس المنتخبة، و تجارب المغرب والأردن والبحرين نماذج حية لذلك، رغم كل هذه المخاوف فإن هناك احتمال كان لابد من الاحتياط له من قبل الفقهاء و هو احتمال إقرار الصلاحيات و اعتمادها خلال الفترة المقبلة من مجلس الشورى والتي يجري الترشح لها حاليا، فجرى الإعداد لترشح ممثلين ( عدول ) مرجعهم الرئيس هو رؤية الفقهاء للمستجدات .
وهكذا لم يكن مفاجئا ما نشهده اليوم من وجود مرشحين من قبل الفقهاء في عدة ولايات أو مدعومين منهم على الأقل في ولايات أخرى ممن ترشحوا في فترة إعادة فتح باب الترشح، و تبقى السيناريوهات مفتوحة لعدة احتمالات في حالة فوز مجموعة من المرشحين المحسوبين على المؤسسة الدينية كأعضاء منها أو كانتماء سياسي لها، فالفقهاء لديهم نمط تفكيرهم المستند إلى الشريعة التي يحق لمجتهدي العصر حصرا استخدامها تنفيذيا، فمن جانب يمكن أن يكون هذا تحديا واقعيا لمراجعة الكثير من المفاهيم و أنظمة التفكير الفقهي لتتوافق مع قيم العصر و روح القانون إضافة إلى تحديد دور العلماء وهذا الأمر يبدوا مستبعدا في ظل عدم وجود مشروع سياسي أو بوادر لهذا المشروع، وفي الجانب الآخر فإن هناك مخاوف من محاولة التحدث من منطلق ( أهل الحق) وبالتالي فإن معارضتهم ستكون ( بغيا ) لتتم الممارسات الفعلية لإقصاء الآخر استنادا إلى الدين، و قد يحاولون إسقاط مفاهيم تاريخية على نظام الشورى الذي بني في الأساس على مبدأ حق الفرد في الانتخاب أي أنه مبدأ ديمقراطي ينطلق نظريا من قيم الحرية و المساواة و يختلف جوهريا عن مفاهيم تاريخية من قبيل ” أهل الحل والعقد “، و مما يثر الانتباه في هذه المرحلة هو تبشير بعض (الدعاة) المحسوبين على هذا التيار بالانتماء القبلي وأهمية إحيائه ، وإن كان الأمر يبدو مجرد عودة إلى المبادئ القبلية كجزء من المحافظة على الهوية فإن الحقيقة المتمثلة في أن الإمامة الإباضية لا يمكن دراستها تاريخيا إلا من خلال علاقتها بالبنى القبلية التي شكلت الوجه الآخر للإمامة على طول تاريخها المتقطع تضع أمام أعيننا محاولات للتبشير بعفريت محبوس في قمقمه.
قد لا تحتمل المرحلة الحالية كل هذه السيناريوهات فالبعض يرى في ما يحدث مجرد ردة فعل مؤقتة لن تستمر طويلا خاصة إذا تأخر تحقيق الإصلاحات المطلوبة بإعطاء الصلاحيات التشريعية و الرقابية المأمولة، وقد يحدث أن يعود الفقهاء إلى دورهم الدعوي الحديث أو يستمرون في دعم المطالب السياسية، و تعلمنا التجارب الديمقراطية الحديثة في المنطقة وخاصة التجربة التركية أن الأفضل للفقهاء أن يتركوا المشاركة في السلطة للأصلح من قانونيين و قادة ممن يعتبرون الإسلام قيما روحية وأخلاقية أكثر منه رؤية فقهية سياسية لـ(مجتهد العصر) ، ثم يقومون بدورهم الذي ينبع من روحانية الإسلام و دوره الاجتماعي التربوي.
عن الكاتب: صالح بن علي الفلاحي
المصدر مجلة الفلق الالكترونية
اخترت لكم مما قرأت وأتمنى أن يدير احد المشرفين الحوار الجاد في الإجابة على السؤال المطروح كعنوان لهذا الموضوع، ولهم الشكـــــــــــر مقدما
عند حصر نتائج الاعتصامات التي استحوذت على المشهد العماني مؤخرا فإن الذي سيقفز إلى الذهن منها هي نتائج التغييرات التي أطاحت برؤوس الحكومة وجزء من هيكلتها، إضافة إلى التغييرات التي شهدتها الوحدات الحكومية الأكثر ارتباطا بالاحتجاجات، أما التغيير على المستوى الشعبي فإنه يأخذ عدة وجوه و قد تكون عودة اهتمام الفقهاء بالمشهد السياسي الداخلي أحد أبرز متغيرات المرحلة، فهل هي بداية مفاجئة لمرحلة جديدة من تعامل المؤسسة الدينية الإباضية مع المشهد السياسي العماني؟.
لم يكن وجه الشيخ أحمد الخليلي المبتسم في مقابلته مع خالد الزدجالي في برنامج “هنا عمان” بتاريخ 28 من فبراير 2011 م و الاعتصامات في أوج بدايتها مفاجئةً للمتابعين، إذ أن عين الاعتصامات التي تشكل قلقا حكوميا قد تكون أعطت الشيخ أملا في تغييرٍ يكون هو أحد مهندسيه أو موجهيه، وما لبثت الاعتصامات أن شملت ما يمكننا أن نطلق عليها ” اعتصامات الشيخ ” ليس لأنه وقف ورائها بالضرورة إنما لأنها تدور في فلكه فهي تدعو إلى تمكين الشيخ من سلطاته في معهد العلوم الشرعية تارة أو تدعو إلى إصلاحات ومطالب ذات طابع إسلامي بالمعنى الذي يراه الشيخ أحمد كاعتصام المتدينين أمام مكتب والي بوشر تارة أخرى، والاعتصام الذي قام به ما يقارب المائتي مواطن يحسبون على الاتجاه المتدين أمام مكتب والي إبراء، والذي وإن لم يدم لأكثر من 4 ساعات فإن المعتصمين كانوا مصرّين على ألا يفضوا اعتصامهم إلا بتسليم مطالبهم – التي تشمل استنكار وجود الأوبرا جنبا إلى جنب مع مطلب استقلال القضاء – للشيخ أحمد أو من يثقون أنه سيسلمه إياه، وفي الحقيقة لم يكتف الشيخ باستلام مطالب المعتصمين إذ أرجع الرسالة طالبا دعمها بعدد أكبر من الموقعين، أضف إلى ذلك المطالب التي طالب بها الشيخ بشكل مباشر في محاضرته في الجامعة بتاريخ 14/3 والتي كانت بعنوان ( الظاهر الخفي ) و التي تنوعت المطالب فيها بين إعلام يساهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و منهج جديد للتربية الإسلامية،إضافة إلى ما تطرق إليه في برنامج ” سؤال أهل الذكر” الذي بث في ذلك الأسبوع.
لقد كان واضحا أن المشروع السياسي الإباضي بقي في خانة غير المفكر فيه أو على الأقل لا يشكل أولوية لدى فقهاء الإباضية في العقود الثلاثة الأخيرة إذ ليس هناك فكر سياسي منشور وسواء أكان ذلك لثقة دوغمائية في أن نظام الإمامة التاريخي قادر على أن يستوعب بشكله التقليدي كل متغيرات العصر أو أن ذلك كان بسبب الخوف من مجرد طرح هذا المشروع حتى بشكل أكاديمي بحت فإن البديل الذي شكل أولوية لفقهاء الإباضية كان الدعوة بمفهومها الحديث الذي يركز على الجوانب العقائدية بوجهها اللاهوتي أو الجوانب الاجتماعية التربوية إضافة إلى العبادات والسنن،و هذه الدعوة بشكلها الحديث بعيدة عن مفهوم ” الدعوة” الذي يعطي انطباعا بالمعارضة السياسية في المراحل الأولى لتأسيس الإمامة كغيرها من الدعوات في القرون الأولى للهجرة والتي تعني أساسا دعوة لكيان سياسي أو مبايعة لشخص ما، وكانت النتيجة للدعوة الجديدة قاعدة شعبية كبيرة تلتزم بفكر دعوي يتمحور حول التميز العقدي و التاريخي،و يؤكد على الرمز و الهوية المذهبيان ولكن دون أن يحمل أي مشروع سياسي واضح سوى أمل بإعادة الإمامة يوما ما.
وكما جاء في بداية المقال فإن الاعتصامات الأخيرة أعادت ترتيب الأوراق و الأولويات، ولعل أهم ما جاء من تغييرات هو أمر السلطان بدراسة إعطاء صلاحيات تشريعية و رقابية لمجلس عمان، ومع ما حمله هذا التوجه من أمل للراغبين في المشاركة في السلطة فإنه و في الجانب الآخر هناك تخوف من تكرار تجارب سابقة في دول عربية تعرضت مشاريع منح الصلاحيات للمجالس البرلمانية فيها لفترة تجميد طويلة أو أنها تولد موزعة لصالح المجالس المعينة مقابل المجالس المنتخبة، و تجارب المغرب والأردن والبحرين نماذج حية لذلك، رغم كل هذه المخاوف فإن هناك احتمال كان لابد من الاحتياط له من قبل الفقهاء و هو احتمال إقرار الصلاحيات و اعتمادها خلال الفترة المقبلة من مجلس الشورى والتي يجري الترشح لها حاليا، فجرى الإعداد لترشح ممثلين ( عدول ) مرجعهم الرئيس هو رؤية الفقهاء للمستجدات .
وهكذا لم يكن مفاجئا ما نشهده اليوم من وجود مرشحين من قبل الفقهاء في عدة ولايات أو مدعومين منهم على الأقل في ولايات أخرى ممن ترشحوا في فترة إعادة فتح باب الترشح، و تبقى السيناريوهات مفتوحة لعدة احتمالات في حالة فوز مجموعة من المرشحين المحسوبين على المؤسسة الدينية كأعضاء منها أو كانتماء سياسي لها، فالفقهاء لديهم نمط تفكيرهم المستند إلى الشريعة التي يحق لمجتهدي العصر حصرا استخدامها تنفيذيا، فمن جانب يمكن أن يكون هذا تحديا واقعيا لمراجعة الكثير من المفاهيم و أنظمة التفكير الفقهي لتتوافق مع قيم العصر و روح القانون إضافة إلى تحديد دور العلماء وهذا الأمر يبدوا مستبعدا في ظل عدم وجود مشروع سياسي أو بوادر لهذا المشروع، وفي الجانب الآخر فإن هناك مخاوف من محاولة التحدث من منطلق ( أهل الحق) وبالتالي فإن معارضتهم ستكون ( بغيا ) لتتم الممارسات الفعلية لإقصاء الآخر استنادا إلى الدين، و قد يحاولون إسقاط مفاهيم تاريخية على نظام الشورى الذي بني في الأساس على مبدأ حق الفرد في الانتخاب أي أنه مبدأ ديمقراطي ينطلق نظريا من قيم الحرية و المساواة و يختلف جوهريا عن مفاهيم تاريخية من قبيل ” أهل الحل والعقد “، و مما يثر الانتباه في هذه المرحلة هو تبشير بعض (الدعاة) المحسوبين على هذا التيار بالانتماء القبلي وأهمية إحيائه ، وإن كان الأمر يبدو مجرد عودة إلى المبادئ القبلية كجزء من المحافظة على الهوية فإن الحقيقة المتمثلة في أن الإمامة الإباضية لا يمكن دراستها تاريخيا إلا من خلال علاقتها بالبنى القبلية التي شكلت الوجه الآخر للإمامة على طول تاريخها المتقطع تضع أمام أعيننا محاولات للتبشير بعفريت محبوس في قمقمه.
قد لا تحتمل المرحلة الحالية كل هذه السيناريوهات فالبعض يرى في ما يحدث مجرد ردة فعل مؤقتة لن تستمر طويلا خاصة إذا تأخر تحقيق الإصلاحات المطلوبة بإعطاء الصلاحيات التشريعية و الرقابية المأمولة، وقد يحدث أن يعود الفقهاء إلى دورهم الدعوي الحديث أو يستمرون في دعم المطالب السياسية، و تعلمنا التجارب الديمقراطية الحديثة في المنطقة وخاصة التجربة التركية أن الأفضل للفقهاء أن يتركوا المشاركة في السلطة للأصلح من قانونيين و قادة ممن يعتبرون الإسلام قيما روحية وأخلاقية أكثر منه رؤية فقهية سياسية لـ(مجتهد العصر) ، ثم يقومون بدورهم الذي ينبع من روحانية الإسلام و دوره الاجتماعي التربوي.
عن الكاتب: صالح بن علي الفلاحي
المصدر مجلة الفلق الالكترونية
تعليق