إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاحتقان والاضطراب صناعة حكومية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاحتقان والاضطراب صناعة حكومية

    الاحتقان والاضطراب صناعة حكومية

    سأطرح هذه القضية من خلال مشهدين

    المشهد الأول: في العام 2004م عندما اجتمعنا مجموعة من الشباب للبحث عن شقة وكنا من حديثي التعيين والفرحين بانضمامهم إلى قائمة الموظفين! والغير مدركين ما وراء كواليس هذه القائمة من تمييزات واختلافات، وأن ليس كل من توظف في القطاع العام قد دخل نادي الحكومة! وكأن القطاع العام ينقسم إلى قطاعين: قطاع أسرة الحكومة وقطاع الشعب!!

    عودا على بدء فقد قادنا البحث عن الشقة إلى المنطقة الواقعة خلف مجمع بوشر الصحي لألتقي بصاحب البناية وكان شابا أحسبه في بداية العقد الثالث من عمره وكان بملامح لا تنتمي إلى ملامح باقي الشعب العماني الكادح الذي ترتسم لفحات الشمس على وجهه، فقد كان مشرأب الملامح متورد الوجنتين ممتلئ الجسم، تحكي لك هيئته ما يعيش من حياة! قادني الحديث معه ليقول لي أن هذه الأرض قد حصل عليها من الحكومة وأن هذا المخطط قد وزع بأكمله بأوامر عليا! فسألته لمن وزع فقال: لكبار الضباط وكبار المسؤولين بالدولة ولبعض من أفراد الأسرة المالكة! فسألته لماذا؟ قال بما معناه هدية من الدولة!! طبعا هو قال هذا فرحا بما حصل عليه ومفتخرا بانتمائه لهذه الطبقة! ولا أعتقد أنه كان يستشعر أي نوع من الحرج في هذا، فهو يراه حقا له.

    طبعا بالنسبة لي هذا كان يمثل نقطة من نقاط تشكلات الوعي بالواقع، وثقبا يكشف عورة من عورات الحكومة، وأن الوطن الذي نعيش عليه -نحن معشرَ الشعب- لا نملكه! وأن المالك له فئة أخرى تتقاسمه كيفما شاءت! وإلا كيف تجرأوا على اقتسام هذه الأراضي فيما بينهم والتي لا تقل قيمة الواحدة منها في ذلك الوقت فيما أحسب 50 ألفا! أليس من المفروض أن تعرض للبيع بسعر السوق وأموالها تذهب لخزينة الدولة ليستفيد منها كل الشعب؟!

    المشهد الثاني: في العام 2011م عندما ألتقيت بواحد من اللذين تخرجوا معي وقد صادقه الحظ أو المحسوبية ليدخل جهاز الشرطة الموقر، ويبدأ يعطيني بعضا من تفاصيل حياته، وأنه الآن قد أكمل أهداف العماني الأساسية السيارة والزواج والبيت! فبادرته: "ما شاء الله أنت سريع" فرد: الحمد لله الديوان ما قصر أعطاني 25 ألفا!! فقلت له كيف؟!! فقال: أحنا الضباط يحقلنا من الديوان! فأنا ملازم أول ويحقلي 25 ألف!!

    طبعا دارت في الذهن مجموعة من الأسئلة وعلى رأسها من أين جاء هذا الاستحقاق وما أهدافه وما نتائجه؟! ولماذا نحن لا يحق لنا وهؤلاء يحق لهم؟! وللأسف كانت الإجابات مفزعة دوما! وليس أقلها أننا بإزاء دولة بوليسية، وليس يراد من هذا إلا تكريس الوضع البوليسي! أو خلق طبقة من الموالين المشتراة ذممهم. وإلا فما معنى أن يعطى هؤلاء وأمثالهم من القطاعات العسكرية الأخرى ومن أصحاب المناصب مثل هذه العطايا التي تستنزف أموال الشعب!! وفي المقابل هناك طبقة عريضة يسكنها البؤس والفقر تعز عليها لقمة الأرز!

    هذان مشهدان فقط من مشاهد واقعنا التي ألفناها في السنين الماضية ومازالت تسايرنا وقائعه إلى اليوم، طبقة تعطى الأراضي المسقطية التي لا يحلم بها المواطن، وتعطى عشرات الآلاف من مائدة الديوان الزاخرة، وتركب أكثر السيارات فراهة بأرقام بيضاء وعَلَمية وصفراء؛ وطبقة تخوض معارك يومية من أجل أن تبقى على قيد الحياة، أو من أجل أن تحصل على وظائف المائتي ريال التي لن تمكنها حتى من تحصيل قوتها .

    لكن ثم ماذا بعد هذا! أليس احتقان ثم اضطراب!، أليس هذا جزء كبير مما شكل أسباب الأحداث الأخيرة! الشعب يرى وينظر ويبصر ويدرك، وليس مثل الظلم معلّم! كيف يمكن أن تتحقق المواطنة في ظل مثل هذا الوضع الذي يكرس شعورا دفينا بالتهميش والظلم؟ ويكرس لدى الفرد أنه ليس إلا ساكن في وطن بالإيجار، أو عامل في مزرعة يخدم فيها ليأكل من مرميّ فضلاتها!.

    الشعور بالرضى والعدالة الاجتماعية لا يمكن أن يتحقق في مثل هكذا وضع، ثروات توزع هنا وهناك، وأموال تؤكل وتنهب بلا حسيب ولا رقيب، وشعب مغيب غير معترف به، ليس من حقه أن يعرف ما يدخل ويخرج من مال، وشفافية معدومة لا تلوح بوادرها في الأفق، وتعتيم اعلامي قلّ نظيره، وقوانين تصاغ في ليل لتكرس الظلم الاجتماعي.

    العدالة الاجتماعية تحتاج عمريّة، لا تجوع فيها الشاة إلا يطرح السؤال لماذا جاعت؟ ولا يدخل الريال في جيب إلا يسأل من أين جاء وأين سيذهب؟ وتحتاج محمديّة تقطع فيها يد الوزير قبل يد المواطن المسكين.

    جمال بن علي الحراصي


يعمل...
X