إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأزمة الاقتصادية الاميركية وتأثيراتها على الخارطة الجيواستراتيجية الدولية ‏

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأزمة الاقتصادية الاميركية وتأثيراتها على الخارطة الجيواستراتيجية الدولية ‏

    ‏ ربما أن المتتبع للتاريخ يدرك تمام الإدراك أن الأزمة الاقتصادية الاميركية الراهنة , او ما أطلق عليها ‏تسمية " أزمة الرهن العقاري " , والتي تعيش انعكاساتها جميع دول العالم بلا استثناء بشكل او بآخر , ‏وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية " الدولة الرأسمالية الأكبر في التاريخ الحديث " , ليست باستثناء فريد ‏في تاريخ الاقتصاد العالمي بشكل عام , والحديث على وجه التحديد , او أنها أزمة اقتصادية لم يشهد العالم ‏مثيلا لها من قبل , مع أننا نستطيع أن نطلق عليها تسمية الحرب العالمية الاقتصادية الأولى في القرن الحادي ‏والعشرون , لما ترتب عليها من اتحاد شبه عالمي لاحتوائها وتقليص أخطارها على الاقتصاد العالمي , وعليه ‏فان ذلك يجعلنا نتصور أن العالم سيشهد مستقبلا العديد من الحروب والأزمات الاقتصادية المماثلة , ربما تكون ‏أشرس بكثير مما يمر به العالم اليوم جراء الأزمة الراهنة 0 ‏
    ‏ ولو عدنا بالتاريخ الى الوراء , سنجد أن العالم قد مر سابقا بمثل هذا النوع من التحولات والأزمات ‏الاقتصادية العالمية , كما هو حال الأزمة الاقتصادية التي مرت بالإمبراطورية الرومانية في زمن الإمبراطور ‏يوستنيانوس الأول ( 483 – 565 م ) , والأزمات البريطانية في الأعوام 1668 م و1720 م و 1945 م , ‏وفي فرنسا في العام 1882 م والتي تسببت بانهيار مصرف الاتحاد العام الفرنسي وانهيار بورصتا ليون ‏وباريس , وفي أوربا بالعام 1870م بسبب صعوبة السيطرة على النقد في الولايات المتحدة الاميركية , وفي ‏الولايات المتحدة الاميركية في الفترة من 1878م - 1892 م والتي تسببت بارتفاع حالات الإفلاس ‏الاقتصادي , وأزمة العام 1907 م والتي عرفت بأزمة الرعب في وول ستريت , وفي الأعوام 1929م والذي ‏أطلق عليها تسمية الكساد العالمي الكبير , والذي أصاب المؤسسات الاقتصادية‎ ‎وأسواق المال‎ ‎العالمية‎ ‎سواء في‎ ‎أوروبا‎ ‎أو في‎ ‎الولايات‎ ‎المتحدة الأمريكية بالكساد والإفلاس , كذلك في العام 1987 م في نفس البورصة سالفة ‏الذكر , وفي روسيا التي عانت من مثل هذه الأزمات كما حدث ذلك في الأعوام 1988 م و 1997 م جراء ‏الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت أسيا , وبالطبع في الأزمات الاقتصادية سالفة الذكر لا تشكل سوى رصيد لا ‏يذكر في سجل الأزمات الاقتصادية عبر التاريخ 0‏
    ‏ و- من وجهة نظرنا الشخصية – فأن تلك الأزمات الاقتصادية السابقة واللاحقة لن تزيد عن كونها ‏نتاج طبيعي لدورة التاريخ ككل , وامتداد حتمي يتكرر بطريقة او بأخرى , وذلك لتشكيل القوى العالمية ‏المتنافسة اقتصاديا وجيواستراتيجيا خلال مرحلة تاريخية معينة , والمعروف في عالم الاقتصاد بان الاقتصاد ‏الرأسمالي يتعرض بين الحين والآخر لما يسمى بالدورات الاقتصادية , وتسمى‎ ‎دورات كندارتيف‎ ‎نسبة إلى ‏العالم كندارتيف , وتتراوح أعراضها ما بين الكساد الاقتصادي والركود‎ ‎‏, راجع - القاموس‎ ‎الاقتصادي‎ - ‎حسن‎ ‎النجفي‎ - ‎‏1977 ‏‎ ‎وللعلم فان من بينها – أي – تلك الأزمات الاقتصادية , ما يكون مصطنعا – أي - يقع في ‏دائرة المؤامرة والافتعال والاحتيال والأعمال اللامشروعة , وذلك لأحداث تغيرات سياسة او اقتصادية ما , كما ‏حدث جراء الثورتين الانجليزية (1640 -1649 م ) والفرنسية في العام 1789 م , والحوادث التي سبقت ‏الثورة الروسية في العام 1917 م , ولمزيد من الاطلاع حول أمثلة تلك الأزمات ونتائجها وانعكاساتها العالمية ‏راجع كتاب ‏Federal Reseve Act‏ ‏The‏ لليوستاس مولينز 0‏
    ‏ ومنها بالطبع ما يتكون نتيجة بعض الظواهر الاقتصادية السائدة في جميع الاقتصادات الرأسمالية , ‏ومنها ما ينتج عن الأزمات والكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والتي تتسبب بخسائر جسيمة في الاقتصاد ‏‏, والسياسية كالتدخلات الإنسانية والحروب القومية والعالمية , كالحرب العالميتين الأولى والثانية , وردات ‏الفعل المضادة للتصرفات السياسية العالمية , كما حدث نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 ‏م - انظر كتاب ما بعد الامبراطورية لايمانويل تود - , واليوم ببروز روسيا من جديد على الساحة الدولية ‏كدولة منافسة لأحادية القطب , مما أشعل من جديد – وان أنكر البعض ذلك - , الحرب الباردة , وما يمكن أن ‏يترتب على ذلك من إعادة ظاهرة التسلح العالمي بعواقبه الوخيمة على الاقتصاد العالمي 0‏
    ‏ وكون الاقتصاد اليوم هو اقتصاد قاري عالمي تديره العولمة – أي – شبكات الاعتماد المتبادل , وتحركه ‏الشركات العملاقة الكبرى العابرة للقومية عن بعد , فانه من المنطق أن تنعكس نتائجه الايجابية والسلبية على ‏مختلف دول العالم في حال إصابته او تأثره بحدث ما , فليس في الجغرافيا الاقتصادية او العولمة التجارية اليوم ‏ما يدل على استقلالية المنتجات الوطنية او المحلية , او نقاءها من نكهة العولمة الاقتصادية العابرة للقارات , او ‏حتى سلامة الاقتصاديات العالمية البعيدة عن موقع الأزمات من التأثر بها , او الصغيرة الغير محسوبة على ‏الاقتصاد العالمي او الأسواق العالمية , بل على العكس , فالكل أصبح يعيش في قرية صغيرة جدا , ويتسوق ‏من نفس " السوبر ماركت العالمي الكبير " , وفي هذا السياق جادل كل من كارل ماركس وفريدريك انغلز بان ‏‏( كل الصناعات الوطنية الراسخة من القدم قد دمرت او أنها في طريقها الى الدمار 0000 وبدلا من العزلة ‏القديمة المحلية والوطنية والاكتفاء الذاتي , لدينا تفاعل متصل في كل اتجاه , انه الاعتماد العالمي الشائع بين ‏الأمم ) , انظر – كارل ماركس وفردريك انغلز , البيان الشيوعي , مطبعة جامعة أكسفورد 1992 م _ وقد ‏ظهر هذا البيان لأول مرة في العام 1848م 0 ‏
    ‏ وانطلاقا مما سبق ذكره , فإننا نشخص للازمة الاقتصادية الراهنة ونتائجها وانعكاساتها , ومن منظور ‏تاريخي سياسي بالتالي :- ‏
    ‏ أولا :- أن العالم اليوم يمر بمفترق طريق رئيسي نحو بناء منظومة القوى العالمية خلال القرن الحادي ‏والعشرون , و- بمعنى آخر – انه يعيش فترة من التقلبات السياسية والاقتصادية العالمية الناتجة عن الحتمية ‏التاريخية للصراع الجيواستراتيجي على العالم , وما الأزمة الاقتصادية الاميركية الراهنة سوى نتاج انعكاسات ‏وتوجهات مختلفة منها ما هو داخلي وآخر خارجي , ستحول دون استمرار الهيمنة والسيادة الاميركية على ‏العالم , وكما يقول الفيلسوف البريطاني جون غراي بان ( ما يجري في الأسواق يخطف الأبصار ويشد انتباهنا ‏جميعا , غير أن هذا الغليان أكثر من مجرد أزمة مالية كبيرة ، ما نراه اليوم هو تحول تاريخي لا رجعة عنه ‏في موازين القوى العالمية , فأن عصر القيادة الأميركية للعالم قد ولى إلى غير رجعة , لقد سقط جراء هذه ‏العاصفة نموذج كامل للحكم وإدارة الاقتصاد في تغير يشبه في آثاره إلى حد بعيد آثار انهيار الاتحاد السوفيتي, ‏فما يجري في واشنطن يعني نهاية شكل واحد من أشكال الرأسمالية هو الشكل الغريب والمتقلب الذي وجد في ‏أميركا خلال السنوات العشرين الماضية ، هذه التجربة المالية والمصرفية القائمة على سياسة عدم التدخل هي ‏بالذات ما سقط وتلاشى ) 0‏
    ‏ كذلك وقد أشار لنفس الفكرة السابقة أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين الأميركيين المعاصرين , ففي مقال ‏بعنوان " انهيار أميركا كمؤسسة " نشرته مجلة نيوزويك , كتب فرانسيس فوكوياما يقول :- ( إن الولايات ‏المتحدة لن تنعم بوضعها الذي ظلت تتمتع به حتى الآن كقوة مهيمنة على العالم , وهو ما أكده الغزو الروسي ‏لجمهورية جورجيا في 7 أغسطس من هذا العام , وأضاف أن قدرة أميركا على صياغة الاقتصاد الدولي عبر ‏الاتفاقيات التجارية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ستضعف وستتضاءل معها موارد البلاد المالية , كما أن ‏المفاهيم والنصائح وحتى المعونات التي تقدمها للعالم لن تحظى بذلك الترحيب الذي تتلقاه الآن ) 0‏
    ‏ ثانيا :- إن الأزمة الاقتصادية العالمية التي تأثرت بها جل دول العالم , وانطلقت من الولايات المتحدة ‏الاميركية , ليست سوى مجرد دورة اقتصادية حتمية وطبيعية لتحرير قيود وأغلال الاقتصاد العالمي من احتكار ‏بعض القوى الرأسمالية الكبرى , ولو تسبب ذلك بانهيار الاقتصاد العالمي ككل , فانه لابد أن يحدث لتتشكل من ‏خلالها المنظومة الاقتصادية العالمية خلال القرن الحادي والعشرون , بحيث ستنهار بعض المؤسسات ‏الاقتصادية العالمية الكبرى في الولايات المتحدة الاميركية وأوربا على حساب أخرى في أسيا كاليابان والصين ‏على سبيل المثال لا الحصر , والتي نتوقع أن يتدرج اقتصادها بالصعود خلال الشهور القليلة القادمة , وهو ما ‏سيترتب عليه تلقائيا إعادة تشكيل القوى الكبرى " اقتصاديا على اقل تقدير " على الخارطة الجيواستراتيجية ‏العالمية القادمة خلال القرن الحادي والعشرون0 ‏
    ‏ ثالثا :- سيجتاز العالم عاجلا أم آجلا هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة , كما تجاوز غيرها خلال فترة زمنية ‏قصيرة وبشكل تدريجي , وذلك بعودة الاستقرار الى الأسواق العالمية , - وبتصوري الشخصي – بان ‏الاقتصاد العالمي سيتعافى من آثارها وأعراضها الجانبية الكارثية في مدة زمنية قياسية , ربما يكون أقصاها ‏نهاية العام 2009 م , أما بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية فان الخيار الذي تواجهه اليوم – على حد تعبير ‏أستاذ الاقتصاد السياسي الاميركي فرانسيس فوكوياما - يذهب إلى أبعد من خطة الإنقاذ أو حملة الانتخابات ‏الرئاسية , فالنموذج الأميركي يقف على المحك على نحو مؤلم في وقت تبدو فيه النماذج الأخرى الصيني منها ‏أو الروسي أكثر جاذبية 0‏
    ‏ وختاما ففما لابد أن نذكره هنا , كما نهبنا عليه في عدد من المقالات والتحليلات السابقة , ونتيجة ‏للحوادث والتغيرات العالمية التي بدأت تظهر على السطح بشكل متوالي , وهو أن السنوات القليلة المتبقية من ‏العقد الأول للقرن الحادي والعشرون ستكون حاسمة ومصيرية في عدد من الجوانب ذات الارتباط العالمي ‏العولمي المتبادل , فاقتصاديا ستبدأ عدد من القوى الاقتصادية العالمية بالتراجع والانكماش بشكل تدريجي , ‏وذلك نتيجة لعدد من التحولات الدولية المرتبطة بالاقتصاد العالمي , بداية بمصادر الطاقة الحيوية والصراع ‏على احتواء واحتكار مصادرها الطبيعية , على حساب قوى أخرى كانت مهمشة وغير محسوبة كقوى عظمى ‏قبل ذلك , كما سيتغير النظام السياسي العالمي تدريجيا نحو نظام حكم الكثرة الناتج عن تراجع القطبية الاميركية ‏‏, وبالتالي ستتبدل الخارطة الجيواستراتيجية العالمية بشكل ملفت للنظر , وخصوصا من خلال بروز عدد من ‏القوى النامية كقوى منافسة يحسب لها ألف حساب على الصعيد العالمي , - انظر مقالنا الحتمية التاريخية ‏للصراع الجيواستراتيجي على العالم - , أما عسكريا ففما يتوقع أن يكون خلال هذه الفترة هو ظهور عدد من ‏التحالفات العسكرية ذات الطابع الدفاعي الاستراتيجي , وخصوصا في القارة الأسيوية , وهو ما سيزيد من ‏خطر نشوب عدد من الحروب ذات الطابع الاستفزازي " عروض العضلات العسكرية " خلال القرن الحادي ‏والعشرون , انظر مقالنا – الفوضى القادمة في السياسات العسكرية , ومقال كوارث المستقبل " انتصار العقيدة ‏العسكرية 0‏


    باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ‏
    كاتب مستقل " صحيفة الوطن " سلطنة عمان ‏
    مشرف عام الواحة السياسية والدراسات السياسية والجيواستراتيجية بمنتديات المعهد ‏العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية – الأردن


    المقال منشور الى الان في المواقع التالية / 0000
    مركز الخليج للابحاث بدولة الامارات
    صحيفة الوطن بسلطنة عمان
    صحيفة الحوار المتمدن ( الموقع الشخصي )
    صحيفة الساعة السورية الالكترونية
    صحيفة المثقف
    صحيفة الحقيقة الدولية
    صحيفة العالمية الاميركية
    صحيفة المدى العراقية
    موقع المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية بالاردن
    منتديات واتا - يتبع الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب




    ‏ ‏
    ‏ ‏
يعمل...
X