إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الثابت والمتغير في الصراع العربي الإسرائيلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الثابت والمتغير في الصراع العربي الإسرائيلي

    ‏ لقد أثبتت لنا العديد من التجارب , بان مفهوم النجاح الحقيقي في إدارة الأزمات الدولية , لا يمكن أن ‏ينحصر في الحصول على نتائج ملموسة على المدى القصير, دون الأخذ بالاعتبار إلى نوعية تلك النتائج , ‏أو مدى محصولها الاستراتيجي وفاعليتها المستقبلية على ارض الواقع , كما لا يمكن أن نتعامل مع قضية ‏ما, أكانت تلك القضية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها من القضايا المصيرية , دون معرفة عميقة ‏بتلك القضية , وشمولية تحيط بمختلف زواياها وجوانبها الظاهرة والخفية , مع ضرورة التزام الحياد التام ‏في التعامل , والصراحة في الطرح والمكاشفة وقت اتخاذ القرار , ومن ابرز تلك القضايا التي لا زلنا نتعامل ‏معها دون مستوى تلك الأسس والقواعد , قضية الصراع العربي الإسرائيلي , وعلى وجه الخصوص من ‏خلال جهلنا أو تجاهلنا لبعض الثوابت والمتغيرات في هذا الصراع , وذلك بهدف اللعب على ورقة المتغير , ‏للحصول من خلالها على بعض المكاسب , وتجنب التشدق والتفيهق والمغامرة حول ثابت ندرك مسبقا ‏استحالة تغييره , وخصوصا إذا ما كان في صالح العدو أو الطرف الآخر0 ‏
    ‏ مع ضرورة استخدام نفس الورقة في حال كان ذلك الثابت في صالحنا , ومن أهم تلك الثوابت ‏التي استحال تغييرها على مدى مسيرة هذا الصراع , حيث اعتبرت من المقدسات الإسرائيلية ‏والثوابت السياسية التي لا يمكن المساس بها – من وجهة النظر الإسرائيلية على اقل تقدير- , قضية ‏اللاجئين الفلسطينيين , وضرورة التوسع والاستيطان في الفكر الصهيوني , والأرض مقابل السلام , ‏على سبيل المثال لا الحصر, وبالطبع فان ذلك لا يعني تخلينا عن ثوابتنا نحن , واعتبارها من المتغيرات ‏كما يريدنا الطرف الآخر أن نعتبرها , كتنازلنا عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم , أو ‏التمسك بخيار الأرض العربية الفلسطينية التي انتزعتها إسرائيل بقوة السلاح والنار و تحالف القوى ‏العظمى , مقابل سلام " في علم الغيب " , وإنما هي دعوة لممارسة العملية السياسية من خلال إدارة ‏نموذجية وعقلانية تعتمد الحوار البناء والهادف , بعيدا عن المماطلة والتسويف والسفسطة السياسية , ‏وتتعامل في ذلك بإرادة سياسية ثابتة وقوية , ونضج سياسي واع بما يجري من تحولات عالمية , وإلا فان ‏النتيجة بالطبع ستكون مجرد مضيعة للوقت والجهد والمال 0 ‏
    ‏ وقد كان مصطلح الأرض مقابل السلام , هو الأقدم في سياق ذلك الصراع التاريخي , فأيهما الثابت ‏والمتغير في قضية الصراع العربي مع إسرائيل ؟ اهو الأرض أم السلام , حيث تبدأ من هنا حكاية عقود ‏من المد والجزر , لم تنتهي بعد , كانت إحدى أهم نتائجها التاريخية والسياسية , مكتبة دولية ‏عربية اسرائيلة , امتلأت رفوفها بالأوراق والمستندات والاتفاقيات والمعاهدات التي لم تسمن ولم تغني ‏من جوع , وظلت إسرائيل منذ ظهورها إلى الوجود بقرار ظالم من منظمة الأمم المتحدة بتاريخ ‏‏29 نوفمبر 1947م , المسمار الذي دقته الصهيواميريكية العالمية في خاصرة الأمتين الإسلامية والعربية , ‏وذلك بهدف أن يكون هذا الورم الخبيث , سبب في إضعاف وتقسيم هذا الوطن العربي , وتقزيم ‏قضاياه وزعزعة استقراره ونشر الفوضى والتشرذم بين كياناته 0 ‏
    ‏ ومن يومها وجل الاهتمام العالمي والإقليمي يدور حول معادلة سياسية واحدة , آلا وهي معادلة ‏الأرض الفلسطينية العربية المسلوبة من قبل هذا العدو , مقابل سلام إسرائيلي زائف , لم نشهد منه حتى ‏يومنا هذا , سوى مئات الأكاذيب والألاعيب , ومئات المجازر والاعتداءات والقمع والإرهاب , بحق الشعب ‏الفلسطيني المسلم العربي الأعزل , ودول الجوار الإقليمي , لحل معضلة ذلك الصراع , لذا فإننا ومن خلال ‏هذا الطرح سنحاول اختصار و تمحيص وتحليل وتجزئة هذا الخيار الايديوبوليتيكي , لحل معضلة الصراع ‏العربي الإسرائيلي , وذلك من خلال استقراء ثقافة الحرب والسلام في أيديولوجيا السياسة الإسرائيلية , ‏وتأثير ذلك في العقيدة السياسية و الصراع التاريخي – من وجهة النظر الإسرائيلية – مع العرب , ‏واستخلاص أهم النتائج التراكمية لمعطيات ذلك التوجه الصهيواميريكي من خلال وجود هذه المستعمرة في ‏قلب عالمنا الإسلامي والعربي , والتي كان على رأسها الفشل المتواصل في تحقيق نتائج ملموسة في قضية ‏السلام مع إسرائيل بشكل عام والقضية الفلسطينية العربية على وجه الخصوص 0 ‏
    ‏ فبداية لابد أن نفهم حقيقة الأرض وأهميتها في العقيدة الصهيونية , ومدى تأثيرها السيكولوجي ‏على صانع القرار الإسرائيلي , وعلى وجه التحديد عندما يتعلق الأمر بخيار الأرض مقابل ‏السلام , فالصهيونية الحديثة وكما سبق واشرنا في العديد من الأطروحات السابقة , قد أعادت إلى الواجهة ‏السياسية الإسرائيلية أهمية التمسك بالأرض , فللأرض في العقيدة اليهودية والصهيونية مكانة تاريخية ‏ودينية راسخة وعميقة , بحيث لا يمكن التنازل عنها أو التساهل فيها , ومن هذه القاعدة المتلازمة ‏للمنطق السياسي الصهيوني , تم بناء جل التوجهات السياسية الإسرائيلية الإستراتيجية نحو عملية السلام ‏مع العرب , وبالطبع فان ذلك لم يبرز بشكل مباشر ومعلن في لغة الخطاب السياسي الإسرائيلي كثيرا , ‏‏– أي – أن إسرائيل قد أظهرت في كثير من الأحيان ليونة بالغة التعقيد , توحي بإمكانية التنازل والتساهل ‏نحو هذا الثابت السياسي والتاريخي والعقائدي , ولكن ذلك الصمت حيال هذا الموضوع قد كان ‏يخترق في بعض الأوقات , حيث تفضح الألسنة ما تخفي القلوب المريضة - وللأسف – فان العرب لم ‏يفهموا عمق هذا الثابت المقدس في العقيدة السياسية الصهيونية , أو أنهم تجاهلوا ذلك رغبة في المغامرة ‏أو العزف على أوتار الأمل , فانساقوا وراء يم من المماطلات والمسوغات التي لعبت كأوراق خاسرة ‏على طاولة الحوار العربي الإسرائيلي 0‏
    ‏ فللأرض في العقيدة اليهودية والصهيونية كما تطالعنا به كتبهم الدينية والتاريخية ودورياتهم ‏الثقافية والسياسية منزلة خاصة , تتعدى كونها مساحة جغرافية أو إقليم وطني , فهي رمز لاهوتي , ‏يجري من خلاله تبليغ سلسلة من الرسائل المقدسة للشعب التائه – بحسب ذلك المعتقد ألظلامي ‏لحاخاماتهم - , وبالطبع فان في هذا الموضوع حديث طويل , تناولته العديد من الأبحاث التاريخية ‏التي وضحت صور التحريف والتزييف في لغة الخطاب السياسي والديني الصهيوني , وعلى وجه ‏التحديد بخصوص موضوع الأرض في سياقها العقائدي القديم , أما حديثا فينظر جل صانعي القرار ‏السياسي الإسرائيلي في الوقت الراهن إلى موضوع الأرض , من نفس السياق التاريخي الذي نظر ‏إليه مؤسسيها , كثيودور هيرتزل و مناحيم بيغن وغولدا مائير وبن غوريون وموشي ديان , فلا فرق ‏مؤثر , أو ملحوظ في نظرة صانعي القرار السياسي الإسرائيلي الحديث والقديم بخصوص هذا ‏الشأن , وبالتالي فان موضوع الأرض موضوع ثابت لا يمكن المساس به , وبمعنى آخر , لا يملك أي ‏احد في إسرائيل أو خارجها صلاحية التغيير أو التنازل عن بعض منه 0 ‏
    ‏ وهو ما تؤكده بعض تصريحاتهم التي تناولتها بعض الصحف العالمية , والتي تثبت لنا صعوبة ‏التفاوض حول هذا الثابت لإحلال السلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والعرب , وأبرزها – على ‏سبيل المثال لا الحصر - ما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 15 / أكتوبر / 1971 م , عن احد ‏ابرز قادتهم السياسيين ومؤسسي مستعمرتهم الكبرى , وهو مناحيم بيجن , حيث يقول :- إن وجود ‏هذه ( الدولة ) هو تجسيد للوعد الإلهي , ومن السخف أن يطالب احد بإثبات شرعيتها بغير ذلك , وهذه ‏هي المسلمة الأساسية التي صاغتها جولدا مائير , وكررها مرة ثانية وبكل صراحة في مباحثات أوسلو ‏بقوله :- لقد وعدنا بهذه الأرض ولنا الحق فيها , وبالتالي فقد جاءت الممارسات العملية على ارض الواقع ‏بعد ذلك وقبله , متطابقة مع تلك الرؤية الغريبة التي تقول :- استولوا على الأرض , واطردوا السكان , ‏مثلما فعل يشوع خليفة موسى – عليه السلام , وعليه فان الصهيونية الحديثة لا تبني مطالبتها بحق ملكية ‏الأرض على التاريخ فحسب ( بل على الكتاب المقدس أيضا – كما يزعم ذلك قادتهم – وخصوصا على وعد ‏الله بان يعطي الأرض لإبراهيم ونسله ملكا أبديا ) ( التكوين 17 : 8 ) وعليه فان اليهود يعتبرون كتابهم ‏المقدس صك ملكية يثبت حقهم في المطالبة بملكية الأرض , كما يقول ذلك كولن تشابمن أستاذ الدراسات ‏الإسلامية في كلية اللاهوت للشرق الأدنى في بيروت 0 ‏
    ‏ وختاما لابد أن ندرك جميعا , أن استعداد إسرائيل لمناقشة السلام بشكل كامل وحول جميع المسائل , ‏وبأي ثمن صعب للغاية , وخصوصا في ظل وجود تلك الثوابت التاريخية والإيديولوجية التي لم تستطع جل ‏الأطروحات السياسية حلها إلى يومنا هذا , وعلى رأسها قضية الأرض مقابل السلام , فأي تدقيق في سجلات ‏إسرائيل التاريخية يظهر لنا ( أنها كانت دائما تفضل الأرض على السلام , وترفض تقديم تنازلات , وكانت ‏هذه هي الحال طوال تاريخ إسرائيل ) , حتى أن صديقا لإسرائيل من وزن هنري كيسينجر اعترف بتفضيل ‏إسرائيل للأرض , قائلا :- لقد بنى الفلسطينيون سياستهم طوال نصف قرن تقريبا على الأمل في النهاية لخلق ‏مجموعة من الضغوط الدولية والعربية لتدمير إسرائيل 000 وفي مواجهة هذه المواقف تبنت إسرائيل ‏المماطلة بوصفها أفضل إستراتيجية لمواجهة الثمن الذي قد تدفعه إسرائيل إن هي ناقشت خيار السلام 0 ‏
يعمل...
X