أهْلاً ..
صَبَاْحُكُمْ نَوَاْرِسُ تُعَاْنِقُ اْلغَيْمَ ..
/
اْلتَجْرُبَةُ الأوْلَى لِي فِي عَاْلمْ اْلمَسْرَحْ
(اْلثكْنَةُ اْلخَاْمِسَةُ)اْلنَصُ اْلحَاْئِزُ عَلَى جَاْئِزَةِ أفْضَلِ نَصٍ
مَسْرَحي فِي مَهْرَجَاْنِ / لَيَّاْلي نَزْوى اْلمَسْرَحيَّةِ2
http://www.eshabiba.com/articletext.ASPx?ID=89947
:
وصف الشخوص /
1- قاسم (جندي بنصف عقل): عينين غائرتين باهتتين , به بقايا جروحٍ وضماداتٍ صغيرة منتشرة على الوجة ,أشعث الشعر وطويل قليلاً , أنف طويلٌ , بشرة تميل للإسمرار , لحية طويلة , شارب كث , ثياب عسكرية مرقعة ورثة , حذاء بالي في أحدى القدمين والآخر بجوربٍ فقط.
2- راشد (الممرض القائم عليه): هادئ الملامح , رجل رضي سمحْ , عينين يملؤهما السلام , أبيض البشرة , بلا لحية أو شارب , يعتمر نظارة , يفترش جسده بلباس مطهم أبيض.
وصف المسرح : لا يتعدى إلا إلى سرير حديدي مفروش بملاءة سوداء والجدران بها شخابيط ورموز غريبة , كرسة خشبي وأمامه طاولة خشبية بها مزهرية على شكل كأس تتوسطه وردة حمراء , والإضاءة كئيبة وكسولة.
المشهد الأول /
قاسم (بصوت خائف ومهزوز يجعله متماسك وقوي , ينط من فراشه):الثكنة الخامسة إنتبااااااااه ..تااااااهيه.. الجنود إلى الأمام سر.
وببلاهة ينظر إلى الجدران مملوءة بالرموز ويتحسسها باطراف أصابعه ويلوح للهواء يلتقط ما يتطاير فيها خفية , يُتمتم بأشياء غير مفهومة كأنه يُحدث جيشاً لا يراه سواه قائلاً : واحد .. اثنان .. هيّا سيروا .. هيييييي أنت هناك حذاءك متسخْ .. وأنت أيها الأحمق ارفع ذقنك قليلاً ..
وفجأة .. يشعر بإرتباك شديد , يعدو حول الغرفة واضعا يديه حول أذنيه , وبصوت لاهث : انفجااااااااااااااار خذوا الاااارض
يسكُن لوهلة , مضطجعا عند احدى زوايا الغرفة , واضعا رأسه بين ركبتيه , ورويدا رويدا يرفع رأسه , تنتشر في عينيه إمارات الحزن والفزع المضطرب , ويتهدج صوتهُ : أرجوكم لااااا .. لاااا تصعقوني , لا أعرف الشفرة السريةْ.
(في هذه الأثناء يدخل راشد)
راشد(تحلق فوقه غمامة استفهام) : ما بكَ يا قاسم؟!
انتشر صمت رهيب , دون أن ينبس أي منهما بكلمة وعيني راشد تتفحصان ملامح قاسم , في ترقب لإجابة ما !
ابتسم راشد ابتسامة خبيثة , ولمعت عيناه ولعب معه الدور الآتي :
راشد (بصوت جهوري) : قف أيها الجندي قاسم
قاسم(وهو يُخرج رأسه من بين ركبتيه بعد ان ارجعه بينهما , ينظر يمنة ويسرة في خوف) : هااااه من .؟! من ؟! اتركوني أرجوكم ..
راشد(والصوت يرتفع) : قلت قف أيها الجندي أمامك الكولونيل دي مورينو ..
قاسم (ينتصب بإرتجاف) :من ..؟! الكولونيل (ينطق اسمه بتلعثم شاداً على بعض الحروف) دددددي مورينـــــ وووو
راشد(واحدى حاجبيه مرفوع ويبتسم بدهاء) : أين موقع القيادة التعبوية أيها الأبلة
قاسم (بانت عليه امارات الشرود والتيه)وبلا وعي ينظر للسقف : أغرب عن وجهي !
راشد (صوته الغاضب يرتفع) : إذاً سنحقنك !
(وتتحول ملامحه لشخص هادئ بخبث وبلا مبالاة وببرودة مشاعر) :تخيّل جسدك المليء بالثقوب جراء الحُقن ..؟!
قاسم (ممسكٌ بيديه الإثنتين, ويعد اصابعه) : حقنة واحد , اثنان , ثلاثة , أربعة
, حقن (ويرتفع الصوت تدريجيا)ً حُقن ..( ويرتفع أكثر) حقن , وينطق كلمة(ثُقب بإمتداد) : ثُقب !
(واضعا نظره إلى الأعلى , واصبعه تُشير للسقف) : هنالك ثقب في السماء
(يُقاطعه راشد بسخرية) : أووووه ثُقب إذاً مفزعٌ حقاً , (وهو يلوح بيده أمام عيني قاسم كالساحر) : ووووووووه!
قاسم(وناظريه ملتصقان بالسقف , وذهنه شارد في شيء ما وبحزن) : ثُقب أُعد لنزول مخلوقات ملائكية !
(يُقاطعه راشد يقهقهة هستيرية): ملاااااااائكية ..؟! قال ملائكية قال هاهاهاهاهاه
(ويُكمل قاسم بنبرة أكثر وجع) : ها هي آتية .. أنظر (يمد يده إلى راشد ويضربه في كتفه) : حزم ضوئية تنشرها هذه المخلوقات.
يعم الصمت كلاهما .. نظرات قاسم اشبه بحالم يترقب الرحمة وهو يركع , كأنه يُصلي للمسيح .. راشد ينظر بفضولٍ إلى قاسم وقد علت ثغره سخرية وبعد دقائق :
راشد : يا لك من جندي معتووه
(ودون أن يعيره قاسم أي انتباه ) : تعالي إليّ يا فراشاتي الملائكية ... اسقيني رحيقكِ إنني في عالمي الثكنة الخامسة .. تعالي !
(فجأة يصبح قاسم رقيق المشاعر , يتحرك إلى أن يصل إلى الطاولة الخشبية ويلتقط الوردة يشتمها بنفس عميقٍ , واضعا نظره على راشد) : في الحب يحتاج الرجل أن يكون دفق المشاعر
وبمحاولة من راشد يستفز فيها قاسم : وفي الحرب يحتاج الرجل أن يكون بلا مشاعر
(يرتبك قاسم يُصاب بحالة نزق وتيه , وكأن صاعقةً قد اردتهُ مخبولاً)
يزدردُ ريقه قائلاً : حــ .... ــرب , حـ ...... ـــرب !
(وبنبرة مأساوية يُكمل) :قصفونا ! قصفوا الثكنة الخامسة
(وينبطحُ أرضاً في حركة بطولية واضعا يديه على راسه حيث يشبك الاصابع على الراس والوردةُ ما زالت تتشبثُ بهِ , والخوف بادٍ على صوتهِ) : الثُقب انبلج حينها , دخلت كائناتٌ ملائكيةٌ .. فراشات ضوئيةٌ .. ماتوا جميعا لقد ماتو !
(رشاد ولإستخفاف) : من هم الذين ماتوا؟!
قاسم : جميع من كانوا في الثكنة الخامسة , يوسف , علي .. الجميع (يرتفع صوته الحزين) الجميع تركوني!
(البُكاء المرير يُغطي صوت قاسم , الحشرجة تتعالي وبعد دقائق) : تضرجت الثكنة بالدماء , سقفها نصف مفتوحٍ الأجساد غارقة في هيبة الموتِ !
(راشد وقد حرك الأسى شعور وبإللتفافة ود ) : هيّا صديقي لا تبتئس , ما رأيك أن تأخذ دوائك وتنام ؟!
(قاسم والبلادةُ تُغطي ملامحهُ) : أنظر (يلتقط الوردة) : لقد سقوا الورود من دماء رفاقي
(يشتم الوردة بنزق , ونفس حاد , يقطع اوراقها الواحدة تلو الآخرى , وهو يردد) : تحبني لا تحبني تحبني لا تحبني
(ضوءٌ يلوح في المسرح .. يصمت قاسم . يرتعد قليلاً ويرجع للخلف , يهرول في أنحاء الغرفة , وبخبلٍ) : ها هن فراشاتي قد أتين حاملات نورهن الوضّاء .. دعيني أمسككِ , تعالي .. تعالي
(راشد بعد أن فقد أعصابه) : كفى أيها المخبول .. لقد أصابني الصُداع بسببكَ
(يتنبه قاسم لراشد وقد شعر بالخوف من صوته) : ولكن ... (ينظر يمين راشد .. ومن ثم يساره) : أين ذهبتِ إلى أين .؟!
(ويستأنف مرة آُخرى ما بدأ به في الوردةِ): تُحبني .. لا تُحبني (وفي شرودٍ تام ينظر إلى الفراغ , يُلقي بالوردةِ , ويعدو في الغرفةِ وهو يقول ) : سأمسك بكِ صغيرتي !
(يسكن فجأة من عدوهِ , ينظر إلى راشد بدهشةٍ) أين ذهبتْ ..؟! لقد دخلت فيكَ (يهز جسد راشد بعنف)
(يبدأ بملامسة وجه راشد , وينظر إليه بحنان متأبطاً ذراعهُ)
أحبيني .. بلا عقد
وضيعي في خطوط يدي
أحبيني .. لأسبوع .. لأيام .. لساعات..
فلست أنا الذي يهتم بالأبد..
(ويُحاول أن يُراقصهُ , حينها يشعر راشد بالحنق الشديد , محاولا الإفلات منهُ) : اتركني أيها الأبله , يا ربي أي احمق قد تورطتُ معهُ ..؟!
(بعد أن يفلت راشد من قبضة قاسم , يتصرف بحركة سريعة وذكية ماسحا رأس قاسم بهدوء) : هيّا يا عزيزي استرحْ وخذ دوائكَ
(بإيماءة رضية من قاسم يقبل الأمر يأخذ الدواء يتظاهر بإبتلاعه , يشرب الماء , يأوي إلى فراشه , ويخرج راشد من غرفة قاسم ينطفى النور في المسرح قليلاً , وتُصبح الغرفة شبه معتمة )
(يصدر صرير ريحٍ في المسرح , تلتقطه أذني قاسم , يثبُ من سريرهِ في حركة بهلوانيةٍ , يبصقُ على حبة الدواءِ , ويُردد) : يظنني أبله لآكل حبة الدواء وأنام .. يُريدون أن يجروني للحرب .. (وبحزنٍ) : للثكنة الخامسةِ ..!
(صريرُ الريح ما زال مستمراً , يستمع إليه قاسم بوجل , يذهب للزاوية حيث الطاولة , يآخذ المزهرية , وكأنه يُحدث أحداً على الهاتف ) حوّل .. حوّل هنا الجندي قاسم .. حوّل !!
(يضرب بالمزهرية عرض الحائط) : إنها لا تعمل .. لا يسمعوني ! القيادة لا تجيب)
(يهدأ بالتدريج , يُحاول أن يأخذ نفسا عميقاً , والمزهريةُ في يدهِ , يسير بخطوات متثاقلةٍ نحو سريرهِ , فجأة ينبطحْ أسفل السرير) : انفجااااااااااااااااااااار .. إننا نتعرض للقصف سيوبيدوننا عن بكرة ابينا .. حوّوووووول
(يصمت قليلاً ثم) : حوّل أرسلو لنا القوة المساندة.. الثكنة الخامسة تتعرض للقصفْ !
(يُهرول في أنحاء الغرفةِ وهو يقول ): سيأتون الآن , سيصعقوني .. التعذييييييييب .. سأهرب الآنْ
(يُكمل هرولته , دون هداية , ومن ثم يضرب رأسه بالحائط حينها يدخل راشد والغضب قد غطى على ملامحهِ) : ما بكَ ..؟!
(وبصمت مُهيبٍ ينتصب قاسم بحركة عسكرية رافعا يده لتحية عسكرية)
(يزداد حنق راشد) : أجبني أيها الغبي .. هل أكل القط لسانك..؟!
(قاسم وبحزم يُنادي) : الله ..الثكنة الخامسة.. القائد ..
(ويرق قلبهُ وعيناه تبدو عليهما الحزن) : وليلى !
(يكررها في هستريا تامة , مرات عديدةٍ ) : الله .. الثكنة الخامسة .. القائد .. وليلى !
(فجأة يتلقى لطمة من راشد قائلاً لهُ ) : هلا سكتت أيها الجرذ الغبي ..؟!
(يزحف قاسم بوهن إلى سريرهُ ويُلقي نفسهُ فيهِ) ليلى .. غاليتي لقد خلفوكِ أشلاء جسدٍ !
(راشد وبإستغراب وعطف) : ومن تكون ليلى هذهِ ..؟!
(قاسم والبُكاء يغطي صوته) : ليلى غاليتي .. ليلى المسافة ما بين برزخي وبعثي !
(ويقفُ في اجلالٍ كشاعر أرهقتهُ الحروفُ والقصيدُ ليتلو ):
ليلى ابادوكِ ..!
بسم من ..؟!
بسم من فعلوا ذلكَ !
شكرا لكم .. شكرا ايها الغُزاةُ
أخذوكِ حبيبتي
ما أحفلهم بمأتمكِ
فليشربوا نخبَ موتكِ
دعوني أغني لها
إلى أينَ أخذوكِ
وأنتِ ما زلتِ تتراقصينَ في دمائي
الليلُ يا حبيبتي يعطشُ
والحب
والأمنياتُ
حتّى السماء
حين زرعو القنابل في الماءِ !
كيفَ لي أن أفنّد شروحاتي
والقصيد يتيمٌ من بعدكِ !!
(يُصفقُ راشد قاطعا على قاسم الجو المأساوي الذي كان يعيشهُ ليقول): إذاً أنتَ شاعرٌ ..؟!
(يضرب على كتفِ قاسم عدة ضربات): هدئ من روعك يا أبن الملوح) !!
(قاسم وبإبتسامةٍ حزينةٍ) : أخذوها يا رفيقي .. لقد أتت الفراشاتُ الضوئيةُ من لثُقْ , ...
(يُقاطعهُ راشد في مللٍ مزمجراً) : ها قد عُدنا لموضوعِ الثُقب مرة أُخرى
(قاسم وبتلعثم) : ولكن ... ولكن الفراشاتُ أخذن روح ليلى إلى السماء من خلال الثقب
(راشد وهو يُحاول أن يُمسك أعصابهُ) طيّب .. هلا شرحتَ لي حكاية ليلى والثقب ..؟!
(قاسم قد رسمت السعادة نفسها على مُحيّاهُ) : رايتُ للى تمشي على حبل الصراطِ عروسا مزدانةً .. والفراشاتُ وصيفاتها يُحلقن في فرحٍ !
(يُمسكُ يديه على بعضٍ وبعينيهِ الحالمتينِ): آهٍ غاليتي كم كنتِ جميلةً .. فلتهنئي .. سآتيكِ قريباً
(راشد وقد فقد أعصابهُ) : ياللللللللللللللللللللله!
(قاسم وفي فزعٍ ينتصبُ) : من .. من ..؟! الكولونيل دي لومينو أس .. أعني دي مورينو !
(يرفعُ يده مائلاً ويهتف) : الله الوطن .. القائد و ... و .. لا شيء (بإبتسامةٍ خائفة)
(راشد والتعب قد أكل ملامحهُ) : أكادُ أجن .. حتما سأجن إن أكملتُ هذهِ الليلةَ معكَ .. ولكنني مجبر على مراقبتكَ َ
(قاسم وهو يلتمس الحائط) : ليلى آه يا ليلى .. أُقبل ذا الجدار .. وذاك الجدارِ
راشد: حسنا يا قيس زمانك. أرقد , حتى يتسنى لي أن استريح
(قاسم وهو راكعٌ أمام راشد) : أتوسلكَ دعني أذهب إلى الثكنة الخامسةِ . هناك ليلى بين الأنقاضِ .. تستغيثُ بي ..!
(راشد فاقداً لأعصابهِ ويركلهُ) : اللعنة على الثكنة وليلى والثقب...
(ينقضُ قاسم على راشد بحركه هستيرية ليطيح به أرضاً) : أريد أن اذهب إلى ليلى !
(راشد والفزعُ ملتصقٌ بعينيهِ) : اهدأ يا صاااح .. سآخذك إلى ليلى فقط ابعد يديكَ عن عنقي !
(يهدأ قاسم رويداً رويداً , يضطجع واضعا راسهُ بين ركبتيهِ) : ليلى سيحرموني منكِ .. لا ارجوكم لا تفعلوا ذلكَ !
(في حين يقف راشد يُعدل من هندامهِ , ويركل قاسم في حنقٍ عدة ركلات): ايها الغبي المعتوه كدت أن تقتلني
(قاسم لا يُحرك ساكناً)
(يخفتُ المسرحُ تنتشر موسيقى حزينة , ويُغلق السِتار !)
يُتَبّعْ :كاشخ:
تعليق