يــــا ابنتي
علي الطنطاوي رحمه الله
نشرت سنة 1954م
يا بنتي انا رجل يمشي الى الخمسين قد فارق الشباب وودع احلامه واوهامه ، ثم اني سحت في البلدان ولقيت الناس وخبرت الدنيا فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي لم تسمعيها من غيري، لقد كتبت وناديت ندعو الى تقويم الاخلاق ومحو الفساد وقهر الشهوات حتى كلت منا الاقلام وملت الالسنة وما صنعنا شيئا ولا ازلنا منكرا بل ان المنكرات لتزداد والفساد ينتشر والسفور والحسور والتكشف تقوى شرّته وتتسع دائرته ويمتد من بلد الى بلد حتى لم يبق .
بلد اسلامي - فيما احسب - في نجوة منه حتى الشام التي كانت فيها الملاءة السابغة وفيها الغلو في حفظ الاعراض وستر العورات قد خرج نساؤها سافرات حاسرات كاشفات السواعد والنحور.
ما نجحنا وما اظن اننا سننجح ، اتدرين لماذا؟
لاننا لم نهتد الى اليوم الى باب الاصلاح ولم نعرف طريقه ، ان باب الاصلاح امامك انت يا بنتي ومفتاحه بيدك فاذا امنت بوجوده وعملت على دخوله صلحت الحال ، صحيح ان الرجل هو الذي يخطو الخطوة الاولى في طريق الاثم لا تخطوها المراة ابدا ولكن لولا رضاك ما اقدم ولولا لينك ما اشتد انت فتحت له وهو الذي دخل ، قلت للص تفضل .. فلما سرقك اللص صرخت اغيثوني يا ناس سرقت ..... ولو عرفت ان الرجال جميعا ذئاب وانت النعجة لفررت منهم فرار النعجة من الذئب ، وانهم جميعا لصوص لاحترست منهم احتراس الشحيح من اللص.
واذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها . فالذي يريده منك الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة ، وشر عليك من الموت عليها ، يريد منك أعز شئ عليك : عفافك الذي تشرفين ، وبه تفخرين ، وبه تعيشين ، وحياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها ، أشد عليها بمئة مرة من الموت على النعجة التي فجعها الذئب بلحمها ... إي والله، وما رأى شاب فتاة إلا جردها بخياله من ثيابها ثم تصورها بلا ثياب.
إي والله ، أحلف لك مرة ثانية ، ولا تصدقي ما يقوله بعض الرجال ، من أنهم لا يرون في البنت إلا خلقها وأدبها، وأنهم يكلمونها كلام الرفيق ، ويودونها ود الصديق ، كذب والله، ولو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم ، لسمعت مهولا مرعبا ، وما يبسم لك الشاب بسمة ، ولا يلين لك كلمة ، ولا يقدم لك خدمة ، إلا وهي عنده تمهيد لما يريد ، أو هي على الأقل إيهام لنفسه أنها تمهيد.
وماذا بعد؟ ماذا يا بنت؟ فكري. تشتركان في لذة ساعة ، ثم ينسى هو ، وتظلين أنت أبدا تتجرعين غصصها ، يمضي (خفيفا) يفتش عن مغفلة أخرى يسرق منها عرضها، وينوء بك أنت ثقل الحمل في بطنك ، والهم في نفسك ، والوصمة على جبينك ، يغفر له هذا المجتمع الظالم ، ويقول : شاب ضل ثم تاب ، وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة ، لا يغفر لك المجتمع أبدا.
ولو انك إذ لقيته نصبت له صدرك ، وزويت عنه بصرك ، وأريته الحزم والاعراض ... فإذا لم يصرفه عنك هذا الصد ، وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد ، نزعت حذاءك من رجلك ، ونزلت به على رأسه ، لو أنك فعلت هذا ، لرأيت من كل من يمر في الطريق عونا لك عليه، ولما جرؤ بعدها فاجر على ذات سوار ، ولجاءك _ إن كان صالحا _ تائبا مستغفرا ، يسأل الصلة بالحلال ، جاءك يطلب الزواج.
والبنت مهما بلغت من المنزلة والغنى والشهرة والجاه ، لا تجد البنت أملها الاكبر وسعادتها إلا في الزواج ، في أن تكون زوجا صالحة ، وأما موقر’ ، وربة بيت . سواء في ذلك الملكات و الاميرات ، وممثلات هوليود ذوات الشهرة والبريق الذي يخدع كثيرات من النساء . وأنا أعرف أدبيبتين كبيرتين في مصر والشام ، أديبتين حقا ، جمع لهما المال والمجد الادبي ، ولكنهما فقدتا الزوج فقدتا العقل وصارتا مجنونتين ، ولا تحرجيني بسؤالي عن الاسماء إنها معروفة!! .
الزواج اقصى اماني المراة ولو صارت عضوة البرلمان وصاحبة السلطان ، والفاسقة المستهترة لا يتزوجها احد، حتى الذي يغوي البنت الشريفة بوعد الزواج ان هي غوت وسقطت تركها وذهب- اذا اراد الزواج- فتزوج غيرها من الشريفات لانه لا يرضى ان تكون ربة بيته وام بنته امراة ساقطة.
والرجل وان كان فاسقا داعرا اذا لم يجد في سوق اللذات بنتا ترضى ان تريق كرامتها على قدميه وان تكون لعبة بين يديه إذ لم يجد البنت الفاسقة او البنت المغفلة التي تشاركه في الزواج على دين ابليس وشريعة القطط في شباط طلب من تكون زوجته على سنة الاسلام فكساد سوق الزواج منكن يا بنات لو لم يكن منكن الفاسقات ما كسدت سوق الزواج ولا راجت سوق الفجور ..
فلماذا لا تعملن ، لماذا لا تعمل شريفات النساء على محاربة هذا البلاء ؟ انتن اولى به واقدر عليه منا لأنكن اعرف بلسان المراة وطرق افهامها ولانه لا يذهب ضحية هذا الفساد الا انتن : البنات العفيفات الشريفات البنات الصيّنات الديّنات في كل بيت من بيوت الشام بنات في سن الزواج لا يجدن زوجا ، لان الشباب وجدوا من الخليلات ما يغني عن الحليلات ، ولعل مثل هذا في غير الشام ايضا ... فألفن جماعات منكن من الاديبات والمتعلمات و مدرسات المدرسة و طالبات الجامعة تعبد أخواتكن الضالات الى الجادة، خوّفنهن الله ، فان كن لا يخفنه فحذرهن المرض ، فان كن لا يحذرنه فخاطبهن بلسان الواقع ، قلن لهن : انكن صبايا جميلات فلذلك يقبل عليكن الشباب ويحومون حولكن ولكن هل يدوم عليكن الصبا والجمال ؟ ومتى دام في الدنيا شئ حتى يدوم على الصبيّة صباها وعلى الجميلة جمالها ؟ فكيف يكن اذا صرتن عجائز محنيات الظهور مجعّدات الوجوه من يهتم يومئذ بكنومن يسأل عنكن ، اتعرفن من يهتم بالعجوز ويكرمها ويوقرها ؟ اولادها وبناتها وحفدتها وحفيداتها ، هناك تكون عجوز ملكة في رعيتها ومتوجة على عرشها على حين تكون الاخرى ... انتن اعرف بما تكون عليه!
هل تساوي هذه اللذة تلك الآلام ؟ وهل تشتري بهذه البداية تلك النهاية ؟
وأمثال هذا الكلام لا تحتجن الى من يدلكن عليه، ولا تعدمن وسيلة الى هداية أخواتكن المسكينات الضالات ، فإن لم تستطعن ذلك معهن فاعملن على وقاية السلمات من مرضهن ، والناشئات
الغافلات من أن يسلكن طريقهن .
علي الطنطاوي رحمه الله
نشرت سنة 1954م
يا بنتي انا رجل يمشي الى الخمسين قد فارق الشباب وودع احلامه واوهامه ، ثم اني سحت في البلدان ولقيت الناس وخبرت الدنيا فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي لم تسمعيها من غيري، لقد كتبت وناديت ندعو الى تقويم الاخلاق ومحو الفساد وقهر الشهوات حتى كلت منا الاقلام وملت الالسنة وما صنعنا شيئا ولا ازلنا منكرا بل ان المنكرات لتزداد والفساد ينتشر والسفور والحسور والتكشف تقوى شرّته وتتسع دائرته ويمتد من بلد الى بلد حتى لم يبق .
بلد اسلامي - فيما احسب - في نجوة منه حتى الشام التي كانت فيها الملاءة السابغة وفيها الغلو في حفظ الاعراض وستر العورات قد خرج نساؤها سافرات حاسرات كاشفات السواعد والنحور.
ما نجحنا وما اظن اننا سننجح ، اتدرين لماذا؟
لاننا لم نهتد الى اليوم الى باب الاصلاح ولم نعرف طريقه ، ان باب الاصلاح امامك انت يا بنتي ومفتاحه بيدك فاذا امنت بوجوده وعملت على دخوله صلحت الحال ، صحيح ان الرجل هو الذي يخطو الخطوة الاولى في طريق الاثم لا تخطوها المراة ابدا ولكن لولا رضاك ما اقدم ولولا لينك ما اشتد انت فتحت له وهو الذي دخل ، قلت للص تفضل .. فلما سرقك اللص صرخت اغيثوني يا ناس سرقت ..... ولو عرفت ان الرجال جميعا ذئاب وانت النعجة لفررت منهم فرار النعجة من الذئب ، وانهم جميعا لصوص لاحترست منهم احتراس الشحيح من اللص.
واذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها . فالذي يريده منك الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة ، وشر عليك من الموت عليها ، يريد منك أعز شئ عليك : عفافك الذي تشرفين ، وبه تفخرين ، وبه تعيشين ، وحياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها ، أشد عليها بمئة مرة من الموت على النعجة التي فجعها الذئب بلحمها ... إي والله، وما رأى شاب فتاة إلا جردها بخياله من ثيابها ثم تصورها بلا ثياب.
إي والله ، أحلف لك مرة ثانية ، ولا تصدقي ما يقوله بعض الرجال ، من أنهم لا يرون في البنت إلا خلقها وأدبها، وأنهم يكلمونها كلام الرفيق ، ويودونها ود الصديق ، كذب والله، ولو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم ، لسمعت مهولا مرعبا ، وما يبسم لك الشاب بسمة ، ولا يلين لك كلمة ، ولا يقدم لك خدمة ، إلا وهي عنده تمهيد لما يريد ، أو هي على الأقل إيهام لنفسه أنها تمهيد.
وماذا بعد؟ ماذا يا بنت؟ فكري. تشتركان في لذة ساعة ، ثم ينسى هو ، وتظلين أنت أبدا تتجرعين غصصها ، يمضي (خفيفا) يفتش عن مغفلة أخرى يسرق منها عرضها، وينوء بك أنت ثقل الحمل في بطنك ، والهم في نفسك ، والوصمة على جبينك ، يغفر له هذا المجتمع الظالم ، ويقول : شاب ضل ثم تاب ، وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة ، لا يغفر لك المجتمع أبدا.
ولو انك إذ لقيته نصبت له صدرك ، وزويت عنه بصرك ، وأريته الحزم والاعراض ... فإذا لم يصرفه عنك هذا الصد ، وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد ، نزعت حذاءك من رجلك ، ونزلت به على رأسه ، لو أنك فعلت هذا ، لرأيت من كل من يمر في الطريق عونا لك عليه، ولما جرؤ بعدها فاجر على ذات سوار ، ولجاءك _ إن كان صالحا _ تائبا مستغفرا ، يسأل الصلة بالحلال ، جاءك يطلب الزواج.
والبنت مهما بلغت من المنزلة والغنى والشهرة والجاه ، لا تجد البنت أملها الاكبر وسعادتها إلا في الزواج ، في أن تكون زوجا صالحة ، وأما موقر’ ، وربة بيت . سواء في ذلك الملكات و الاميرات ، وممثلات هوليود ذوات الشهرة والبريق الذي يخدع كثيرات من النساء . وأنا أعرف أدبيبتين كبيرتين في مصر والشام ، أديبتين حقا ، جمع لهما المال والمجد الادبي ، ولكنهما فقدتا الزوج فقدتا العقل وصارتا مجنونتين ، ولا تحرجيني بسؤالي عن الاسماء إنها معروفة!! .
الزواج اقصى اماني المراة ولو صارت عضوة البرلمان وصاحبة السلطان ، والفاسقة المستهترة لا يتزوجها احد، حتى الذي يغوي البنت الشريفة بوعد الزواج ان هي غوت وسقطت تركها وذهب- اذا اراد الزواج- فتزوج غيرها من الشريفات لانه لا يرضى ان تكون ربة بيته وام بنته امراة ساقطة.
والرجل وان كان فاسقا داعرا اذا لم يجد في سوق اللذات بنتا ترضى ان تريق كرامتها على قدميه وان تكون لعبة بين يديه إذ لم يجد البنت الفاسقة او البنت المغفلة التي تشاركه في الزواج على دين ابليس وشريعة القطط في شباط طلب من تكون زوجته على سنة الاسلام فكساد سوق الزواج منكن يا بنات لو لم يكن منكن الفاسقات ما كسدت سوق الزواج ولا راجت سوق الفجور ..
فلماذا لا تعملن ، لماذا لا تعمل شريفات النساء على محاربة هذا البلاء ؟ انتن اولى به واقدر عليه منا لأنكن اعرف بلسان المراة وطرق افهامها ولانه لا يذهب ضحية هذا الفساد الا انتن : البنات العفيفات الشريفات البنات الصيّنات الديّنات في كل بيت من بيوت الشام بنات في سن الزواج لا يجدن زوجا ، لان الشباب وجدوا من الخليلات ما يغني عن الحليلات ، ولعل مثل هذا في غير الشام ايضا ... فألفن جماعات منكن من الاديبات والمتعلمات و مدرسات المدرسة و طالبات الجامعة تعبد أخواتكن الضالات الى الجادة، خوّفنهن الله ، فان كن لا يخفنه فحذرهن المرض ، فان كن لا يحذرنه فخاطبهن بلسان الواقع ، قلن لهن : انكن صبايا جميلات فلذلك يقبل عليكن الشباب ويحومون حولكن ولكن هل يدوم عليكن الصبا والجمال ؟ ومتى دام في الدنيا شئ حتى يدوم على الصبيّة صباها وعلى الجميلة جمالها ؟ فكيف يكن اذا صرتن عجائز محنيات الظهور مجعّدات الوجوه من يهتم يومئذ بكنومن يسأل عنكن ، اتعرفن من يهتم بالعجوز ويكرمها ويوقرها ؟ اولادها وبناتها وحفدتها وحفيداتها ، هناك تكون عجوز ملكة في رعيتها ومتوجة على عرشها على حين تكون الاخرى ... انتن اعرف بما تكون عليه!
هل تساوي هذه اللذة تلك الآلام ؟ وهل تشتري بهذه البداية تلك النهاية ؟
وأمثال هذا الكلام لا تحتجن الى من يدلكن عليه، ولا تعدمن وسيلة الى هداية أخواتكن المسكينات الضالات ، فإن لم تستطعن ذلك معهن فاعملن على وقاية السلمات من مرضهن ، والناشئات
الغافلات من أن يسلكن طريقهن .
يتبع-
تعليق