ساردون ينثرون أعذب الحكايا وشعراء ينشدون للأوطان هواجس الروح -
متابعة إعلامية وحضور أدبي وفني أسهم في نجاح الأيام وأكد على أهمية التواصل الثقافي بين البلدين -
تغطية: محمد الحضرمي
بكلمات الشكر والثناء، وتبادل الكتب الأدبية، اختتمت مساء أمس الأول في تونس الأيام الثقافية العمانية التونسية، التي تواصلت مدة أربعة أيام، جمعت بين السينما والتراث والسرد والشعر، وذلك تحت رعاية سعادة حسين بن عمر بن عبدالله آل إبراهيم سفير السلطنة المعتمد لدى تونس، وحضور د. محمد بن مبارك العريمي رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، ورشيد بن سلامة رئيس نادي اليونسكو المدينة، وجمع غفير من الكتاب والأدباء التونسيين والوفد الثقافي العماني، فيما كان اليوم الأول من هذه الفعالية حافلا بالحضور والافتتاح الرسمي، والتعرف على الكِتاب العُماني والتونسي، والصور الضوئية العمانية، التي كشفت جوانب من جمال البيئة العمانية، جاء اليوم الأخير والذي كان الشعر فيه مسك الختام، مدهشا بحضور كثير من شخصيات المشهد الثقافي التونسي المختلفة الأطياف، ففيهم روائيون ومسرحيون ومخرجون ومغنون، وفيهم شعراء وأدباء، امتلأت بهم القاعة، معبرين عن سرورهم البالغ، للقائهم بالوفد الثقافي العماني، الذي مثل السلطنة خير تمثيل، كل بحسب إبداعه وتوجهه الثقافي.
وفي الأمسية الشعرية الختامية أنشد مجموعة من الشعراء العمانيين للأوطان وهواجس الروح وهم: د. محمود السليمي الذي قدم قصيدة احتفائية بتونس، قال في مطلعها: «لم تلهني العثرات من أيامي.. وأتيت أقبس من ربيع سام»، ثم أنعش الحضور بالقراءة السمائلية، بلحنها الرقيق، حيث قرأ مجموعة من قصائد الشاعر العماني حمود العيسري، بعد ذلك ألقى الشاعر عبدالرزاق الربيعي قصيدة «فاطمة» قال فيها:
ذهب اللذين وفاطمة
تركت أصابعها
تسيل على رماد أصابعي
في وحشة الأسماء
حيث الريح تصهل
في الجبال المعتمة.
وقرأ محمد الحضرمي في هذا الأمسية نصوصا مختلفة، بعضها من مجموعة «في السهل يشدو اليمام»، وأخرى نصوصا من خارج المجموعة، وقرأ الزميل الشاعر خميس السلطي قصائد من الشعر التقليدي، الذي أعطى لونا خاصا من الشعر العماني للحضور التونسي، ثم كان مسك الختام للشاعر سماء عيسى، حيث قرأ هو الآخر نصوصا متفرقة من قصائده النثرية الجديدة.
تليها قراءات شعرية لمجموعة من الشعراء التونسيين، الذين تفاعلوا مع الأمسية، وأطربت الحضور المغنية التونسية لمياء الرياحي، التي غنت مجموعة من الأغاني التونسية كختام بديع للأمسية الأخيرة.
ساردون وقاصون ومداخلات نقدية
وفي الأمسية القصصية التي سبقت اليوم الختامي، شارك مجموعة من الساردين والقاصين العمانيين بأعذب الحكايا وهم محمد بن سيف الرحبي، وسليمان بن علي المعمري، وبشرى خلفان، ويعقوب الخنبشي، جميعهم قرأوا نصوصا من إبداعهم السردي والقصصي الجديد، تليها محاضرة للهادي الإسماعيلي الذي قدم ورقة حول تطور الحركة القصصية في تونس.
وأثرت تعقيبات الكتاب التونسيين الأمسية السردية، حيث داخلوا حول تجربة الساردين العمانيين، من بينهم الكاتب يوسف عبدالعاطي، الذي أثنى كثيرا على نصوص يعقوب الخنبشي، كونه أضفى على الكرسي والرصاصة أنسنة، يتعاطف معها القارئ وهو يقرأ أو يسمع النص.
كما تحدث عن الكاتب القاص محمد الرحبي، الذي لم يتصور أنه من عمان، فقد كان يحسب أنه من الأردن، أو من الإمارات، لأنه لم يلق أي تعريف به في المجموعة القصصية التي تحصل عليها عنه. وهنا يشير الكاتب التونسي إلى ضرورة أن يقدم الكاتب سيرة ذاتية مختصرة عنه في كتابه الذي يصدره، حتى يعرفه القارئ، ويربط بينه وبين نصوصه، أو يفسر نصوصه تفسيرا صادقا بعد أن تعرف على مكان ووطن وبيئة الكاتب.
وقال عنه بأنه يرسم بالكلمات لوحات أدبية بديعة، بينما نحن في حاجة إلى عمق أكثر، بحاجة أن نرى صورة الكاتب العماني في النصوص الأدبية.
كما كان من بين حضور الأمسية القصصية الروائي العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي المقيم في تونس، حيث داخل على القراءات القصصية العمانية، ووصف الكاتب سليمان بن علي المعمري أنه حكاء، اما بشرى فهي أقرب إلى ان تكون شاعرة.
تطور في العلاقات الثقافية
وكانت الأيام الثقافية قد افتتحت مساء الأحد الماضي، وذلك تحت رعاية معالي د.المهدي المبروك وزير الثقافة التونسي، وبحضور جمع غفير من الشخصيات الرسمية والثقافية، فكانت أياما مفعمة بالنشاط، قدمت قطوفا يانعة من أزاهير الأدب العماني الحديث، وقد قدم سعادة حسين بن عمر بن عبدالله آل إبراهيم سفير السلطنة المعتمد لدى تونس، بعد ختام الأيام الثقافية العمانية التونسية شكره للقائمين على الفعالية، وإخراج هذه الأيام الثقافية العمانية التونسية بالصورة الجميلة والثرية بالتنوع والتعدد، سواء في مجال الأدب أو المسرح، أو الكتاب، وتمنى على مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة وتونس التعاون؛ لأنه يطور العلاقات الثنائية بين البلدين، وأشار في حديثه إلى نجاح الأيام الثقافية، ويعزو ذلك إلى قدرات وكفاءة المشاركين.
أواصر الأخوة بين المثقفين
وأكد رشيد بن سلامة رئيس نادي اليونسكو المدينة، أن الفعالية أثبتت قوة الصلة بين الشعبين التونسي والعماني، كما أكدت على أواصر الأخوة بين المثقفين لكلا البلدين.
وتحدث سلامة إلى أن هذه الأيام هي بمثابة الخطوة الأولى في مشوار طويل، تسعى مؤسسات المجتمع المدني في تونس إلى تطويره، ودراسته، وهي ستكون الخطوة الأولى للقيام بأعمال أخرى في سبيل التعريف بالثقافة العمانية، والثقافة التونسية العمانية.
الأسرة العربية لحمة واحدة
وكان من بين المشاركين في الأيام الثقافية العمانية التونسية د. زكريا المحرمي، الذي قدم محاضرة قيمة حول التسامح في عمان، ضمن فقرات اليوم التراثي، فخرج بمجموعة من الانطباعات الطيبة من هذه التظاهرة، حيث أكد أن الفعالية تمثل استعادة للإنسان العماني للثقة بالنفس، وقدرته على تقديم نفسه للآخر بكل جدارة.
ويرى د. المحرمي أن سبب نجاح الفعالية هو في قدرة الإنسان على جذب وكسب النجاح والفعالية، إلى جانب الثقة بالنفس.
وتحدث عن حفاوة التونسيين بالعمانيين في هذه التظاهرة، مؤكدا على نهمهم وتعطشهم للإبداع العماني، وهذا يدل على أن أفراد الأسرة العربية يعيشون لحمة واحدة، وأن الثقافة نسيج واحد.
وأضاف المحرمي: هناك إرادة بتدعيم التواصل الثقافي العماني العربي، وهذا التوجه مفيد ويعزز الجانب الثقافي العماني، والأمن الثقافي في البلد.
تواصل ثقافي قديم
وقال أيضا: هناك تواصل وإرث كبير يجمع بين الثقافتين، فكثير من علماء وفقهاء تونس على تواصل مع علماء وفقهاء عمان في العصور الماضية، وفيما يتعلق بالثورة التونسية والربيع العربي، فكان للإنسان العماني حضوره الفاعل، ليس فقط تسجيلا تضامن، وإنما محاولة منه قراءة المتغير التونسي، وفهم الطبيعة الاجتماعية لهذا المجتمع، والتحولات التي حصلت بعد الربيع العربي.
كما تحدث عن مكاسبه الشخصية من هذه الرحلة، حيث قال: إن أكبر مكسب شخصي فيها هو الالتقاء بالإنسان التونسي، واكتشاف طبيعته، وأبعاده الثقافية، ومحاولة قراءة ودراسة الأسباب التي ولَّدت ظاهرة الربيع العربي في هذه البلاد، ولا يمكن أن نفهمها من خلال القراءة النظرية، وإنما من خلال التفاعل مع الإنسان التونسي، الذي فكر في تفتح الزهرة الأولى لهذا الربيع، وكذلك قراءة الواقع الاجتماعي التونسي، وأنا كمثقف وباحث يسعدني كثيرا أن أستكنه المستقبل العربي والداخل العماني، باعتبار أن المجتمعات العربية منفتحة مع بعضها، وكثير من التداخل والتثاقف.
مد الجسور الثقافية
وخرجت القاصة بشرى خلفان بانطباع عن هذه الأيام الثقافية العمانية التونسية، أكدت فيها أنها جاءت في وقت من الأهمية بمكان، وهو الوقت الذي تصدر فيه المشهد السياسي والوضع العربي بشكل عام.
وتقول أيضا: نحن كعمانيين نمد جسورا ثقافية، ونحن الآن في تونس بعد عهد جديد وبعد تفتح الربيع العربي، جئنا محملين بالثقافة، ومد جسور التواصل.
وتقول أيضا: بعد أن انتهينا من الأمسية القصصية، والتقينا بالمثقفين التونسيين، اطلعنا على المشهد التونسي، من خلال أوراق العمل التي قدموها.
كما تحدثت بشرى عن فكرة الخروج بالثقافة العمانية، إلى خارج أسوار الوطن، ووصفته بأنه خطوة مهمة جدا، وهذا يعطي الأديب حقه. وفي حديثها عبرت عن شكرها لإدارة الجمعية الجديدة التي استطاعت ان توجد برنامجا حيا، يتفاعل مع المثقفين العمانيين، وهو برنامج مختلف ومهم.
وشائج ثقافية بين البلدين
أما الباحث الأدبي محمود السليمي فتحدث عن هذه التظاهرة، ووصفه بالإنجاز؛ نظرا لما أوجده من فرصة في التلاقي والتفاعل مع أخيه الباحث والمثقف التونسي، والدكتور السليمي الذي شارك في هذه الأيام الثقافية العمانية التونسية، ببحث أدبي عن المدرسة السلوكية في عمان، يؤكد على سعادته في أن يكون أحد المشاركين، نظرا لما تحمله من سبق في المجيئ إلى هذا المكان، وهذا في حد ذاته مغنم ومكسب، ويضيف أيضا: لاشك أن هذا التلاقي بين النقاد والأدباء العمانيين، وزملائهم من تونس يعد مكسبا ومغنما ثقافيا وأدبيا.
وتحدث عن الوشائج التي تجمع بين التونسيين والعمانيين، وهي وشائج من التواصل الفكري والثقافي. ويؤكد د. السليمي أنه تعرف على شخصيات مثقفة، من خلال حضور أمسياتهم، والتفاعل مع إبداعات مشاركيها.
ويضيف أيضا: إن هذه المشاركة تعطني دافع التواصل مع المثقفين والباحثين التونسيين، ووجودي هنا في العاصمة التونسية في حد ذاته مغنما.
حضور تاريخي وذاكرة
وتوجه الكاتبة المسرحية آمنة الربيع شكرها إلى إدارة الجمعية العمانية للكّتاب والأدباء على سعيها للإيفاء بما وعدت به في برنامجها الانتخابي، كما تشكر نادي اليونسكو المدينة بتونس، وبتعاونهما معا نجحت الأيام الثقافية العمانية التونسية، وأضافت آمنة: في هذه التظاهرة تعريف بالإبداع العماني، ومشاركتنا في تونس جزء من هذا الوعد الذي منحتنا إياه الإدارة الجديدة للجمعية، وتونس بالنسبة لنا حضور تاريخي وذاكرة، ومن يدخل تونس لا يمكن أن تمر زيارته دون أن يكتشف البعد الحضاري والثقافي والإنساني، الذي لمسناه في الأيام القليلة، وفي اعتقادي أننا اكتشفنا جمالياته، وهذا يساهم إلى شكل من أشكال التمازج والانسجام، مع الانسان التونسي.
وحققت آمنة الربيع مكاسب ثقافية شخصية، من بينها زيارتها لمبنى الإذاعة الذي شيد في زمن الحبيب بورقيبة، وقد شاركت في برنامج حواري مع الإذاعة الثقافية، فهذا بحد ذاته مكسبا.
كما التقت بالمسرحي عز الدين المدني، وهو من الشخصيات المهمة في الساحة التونسية والعربية، والتقت كذلك بعبدالقادر رضوان، الذي يعد أحد الأوائل الذين خدموا الحركة المسرحية في السلطنة، حيث عمل في السلطنة قبل سنوات.
تعظيم القيم والأخلاق
من جانب آخر جاءت الأيام الثقافية التي نظمتها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في تونس بالتعاون مع نادي اليونسكو المدينة بتونس، ضمن برنامج الجمعية الذي خططت له خلال فترة الإدارة القادمة، ويتضمن البرنامج إقامة أيام ثقافية في كل من مصر والمملكة المتحدة وروسيا وغيرها من الدول، وذلك بواقع ثلاث دول في كل عام، ويهدف البرنامج تقديم فعاليات ثقافية عمانية خارج أراضي الوطن، للتعريف بالثقافة العمانية، إنسانا وإبداعا. وهذا ما أكد عليه د. محمد بن مبارك العريمي في سياق كلمته التي ألقاها في حفل افتتاح الأيام الثقافة العمانية التونسية، حيث الهدف منها تعظيم القيم والأخلاقِ والمُثل.
زيارات لأهم معالم تونس
وحظيت المشاركة العمانية في الأيام الثقافية بتونس بحضور إعلامي كبير، حيث غطت الصحف في تونس كل ايام البرنامج، بدءا بالمؤتمر الصحفي، الذي كشف عن تفاصيل الفعاليات، ولقيت الأمسيات السينمائية والتراثية والقصصية والشعرية حضورا من التغطيات الصحفية والإعلامية، وكذلك المشاركة في البرامج التلفزيونية والإذاعية.
جدير بالذكر أن الوفد الثقافي العماني قد قام برحلات سياحية وثقافية، تعرف فيها على أهم معالم مدينة تونس، حيث زار مدينة سيدي بوسعيد، وتوقف عند أطلال قرطاج الأثرية، كما زار شارع الحبيب بورقيبة الذي شهد انطلاقة الثورة في تونس، وراح في جولة داخل المدينة العتيقة، وجامع الزيتونة الأثري الذي يعد أحد أهم الجوامع الأثرية في العالم.
جريدة عمان