أعلنت مجلة دبي الثقافية في عددها الأخير (89) الصادر في شهر أكتوبر الجاري عن طباعة جميع نتاج الأيام الثقافية العمانية التونسية التي أقيمت بالعاصمة التونسية تونس في الفترة من 25- 29 من شهر يونيو لعام 2012م في كتابٍ يصدر ضمن سلسلة"كتاب دبي الثقافية " متكفلةً بتوزيعه أيضاً في العالم العربي وخارجه بناء على توصية من رئيس تحريرها الأستاذ سيف المري كما جاء ص 116على هامش نشرها تقرير عنوانه "أيام ثقافية عمانية تجسد مساحة الحوار" كتبه عبد الرزاق الربيعي
هذه المبادرة لاقت ترحيباً كبيراً من قبل الوسط الثقافي بالسلطنة، حيث يتضمن الكتاب برنامج الأيام الثقافية العمانية التي أقيمت من المحاضرات والأمسيات الثقافية والشعرية، بالإضافة إلى الأعمال السينمائية والموسيقية والمسرحية ومعرضٍ للكتاب العماني والصور التي أبرزت جماليات الطبيعة في عمان .
أبرز الأعمال التي قدمت في الأيام الثقافية العمانية التونسية تمثلت في ورقةٍ نقدية حملت عنوان "المسرح في عمان، بحث في الواقع، وقراءة في المتغيرات" للكاتبة آمنة الربيع، والورقة السينمائية الموسومة بـ "الفيلم العماني من مرحلة الكاميرا الرقمية فصاعداً" تناولها السينمائي والكاتب عبدالله خميس تخللها عرض سبعة أفلام عمانية روائية قصيرة تتراوح مدتها بين 5 إلى 7 دقائق فازت بجوائز محلية وعربية، ومحاضرة الدكتور محمود السليمي حول "المدرسة السلوكية في الشعر العماني"، ومحاضرة "الهوية المجتمعية في التراث الثقافي العماني" للدكتورة عائشة الدرمكية، كما قدم د. زكريا المحرمي ورقةً عنون لها "التسامح في عمان"، بالإضافة إلى القراءات القصصية والشعرية من قبل عدد من الشعراء والقاصين وهم سماء عيسى وعبدالرزاق الربيعي ومحمد الحضرمي وخميس السلطي ومحمد الرحبي وسليمان المعمري ويعقوب الخنبشي وبشرى خلفان.
منابت الخير
حول هذه المبادرة الأدبية يقول الدكتور محمد العريمي رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء: "نثمِّن هذه اللفتة الجميلة من مجلة دبي الثقافية، وهي بادرةٌ تتسامى بحجم نبل الهدف والمقصد، وأجمل ما فيها أنها جاءت كمبادرة ذاتية من دون أن نسعى إليها، فقد اعتادت هذه المجلة أن تقدم مثل هذه الوقفات المميزة في مختلف ميادين الثقافة بالبلدان العربية، ومن المؤمل أن يظهر الكتاب بحلةٍ أدبيةٍ زاهية تليق بالمكانة الأدبية في عمان ، فكم نسعد في الجمعية العمانية للكتاب والأدباء أن نساهم في أن نوصل صوت المفكر العماني وفكره وإشعاعات حرفه، وفي المقابل فإن الكتاب يقدم رؤية ثقافية وقراءة استشرافية للواقع الثقافي في السلطنة، ذلك أن جميع الأعمال التي قدمت كانت ترصد ببهاء الحركة الثقافية في السلطنة وترسم ملامح المشهد الأدبي في العهد الزاهر لعمان ، فلم تغلف أبداً بغلافٍ شخصي، بل بدا جلياً وندياً اعتزاز الكاتب والمفكر والمثقف العماني بجذوره ومنابت الخير في وطنه، فكانوا جميعاً يشمخون برؤوسهم التي رأوها تعلو فلك الثريا، لعظمة تاريخية الأرض التي نشأوا بها والمحضن الخالد الذي احتواهم، فليس شيءٌ يدور في الأذهان غير محبة عمان .
القراءات التي قدمت في الأيام الثقافية العمانية في تونس عالجت الكثير من القضايا المتعلقة بالواقع التكويني المحلي للمبدع العماني، مع تقديم صورةٍ مفصلةٍ للتسامح في عُمان، وسبر أغوار المدرسة السلوكية في الشعر العماني عبر عمودين يقوم عليهما شعر السلوك ويرتكز؛ وهما الشاعران العملاقان الشيخ جاعد بن خميس الخروصي والشيخ ناصر بن عديم الرواحي المعروف بأبي مسلم البهلاني، مع استقصاء الحركة المسرحية في السلطنة وفق مراقبة المتغيرات، عوضاً عن الفيلم العماني وتطوره ورصد معالم تدرجاته، ناهيك عن تتبع الهوية المجتمعية للتراث العماني.
الكتاب بلا شك سيسهم في التعريف بالكاتب العماني وتقديمه بصورةٍ أوسع، ذلك من خلال قوة التوزيع التي تتمتَّع بها دبي الثقافية في مختلف أنحاء العالم، إذ أن سياسة المجلة قائمةً على هذا التوجه منذُ تمخضات ولادتها، بل أنها أضحت تزداد انتشاراً وتوهجاً وألقاً، وما يمكن قوله أنها مبادرةٌ تدفعنا للعمل أكثر".
غيثٌ هتون
أما الشاعر سماء عيسى فيقول عن المبادرة بانشراح: "تأتي هذه المبادرة كغيمةٍ بيضاء محملة بغيثٍ هتون، تنعش به القلوب، وتبتسم من خلاله النفوس، بحق هي مبادرةٍ رائعة، ومشروع أدبي ترفع له"العقيرة"، وهو سيسهم في زيادة التعريف بالمبدع العماني وتقديمه للقارئ بشكلٍ أوسع، كما أنها حصاد طيبٌ للجهد الذي تقوم به الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، ويأتي كتعظيمٍ للأيام الثقافية المشتركة بين عددٍ من الهويات المختلفة". في حين اكتفت القاصة بشرى خلفان بالقول: "هي بادرةٌ جميلة؛ وكنتُ أتمنى لو أن أحد المؤسسات الصحفية العمانية تبنت مثل هذه البادرة على المستوى المحلي".
تسويقُ ثقافة
بينما عبرت الدكتورة عائشة الدرمكي عن سعادتها بهذه المبادرة بالقول: "في الواقع مجلة دبي الثقافية دوماً داعمة للثقافة في منطقة الخليج بل في الوطن العربي، ولا أدل على ذلك من مبادرتها بفكرة طباعة الأعمال التي قُدمت في الأسبوع الثقافي العماني التونسي الذي قدمته الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في العاصمة تونس الصيف الماضي. وهذا بلا شك إنما يجعل أواصر التعاون الثقافي المشترك أمراً واقعاً وملموس؛ إذ يعزز الكاتب والباحث من ناحية ويعزز المؤسسة الثقافية الأهلية من ناحية أخر.
ولئن كانت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء مبادرة إلى إقامة مثل تلك الأسابيع الثقافية في عواصم عربية وغير عربية، فإن أمر طباعة تلك الأعمال سوف يشجع الجمعيات الثقافية الأهلية في منطقة الخليج خاصة إلى التفكير في مثل تلك الأسابيع بهدف تسويق ثقافة المنطقة إلى الآخر بشكل يليق بها. فمنطقة الخليج عامة فيها الكتَّاب والأدباء ممن لا ينقصهم سوى التسويق لإبداعاتهم وكتاباتهم في المجالات المتعددة، فهم أصحاب أقلام ورؤى وأفكار واعدة تستحق الاعتناء والاحتواء. ولذلك فلا شيء يمكن أن يقال هنا سوى تقديم الشكر الجزيل لإدارة مجلة دبي الثقافية على هذه المبادرة القيِّمة وللجمعية العمانية للكتاب والأدباء على هذا التفاني في خدمة المشهد الثقافي في السلطنة .
مسؤولية عظمى
في الوقت ذاته يقول د. محمود السليمي: "لأن يتم توثيق هذه الفعاليات وإخراجها في شكلٍ أنيق سواءً كانت كتيبات أو ضمن ملحق في دوريات ثقافية لها مردود إيجابي على النشاط الثقافي الذي تتم ممارسته داخل السلطنة أو خارجها.. لا شك طباعة الكتاب يعني أن هناك نشاطاً قوياً للجمعية داخل السلطنة وخارجها تقوم عبره بإيصال المثقف العماني وإظهار نتاجه على الساحة العربية في الشق الفكري أو البحث المتخصص كلٌ في بابه.. أسعدتني المجلة بهذا العمل الرائع ، فالخبر أضفى على النفس بهجة وسروراً وحملنا مسؤولية عظمى من حيث الاستمرار وتوهج العطاء وتقديم الرؤى والأفكار التي ترتقي بنا ونرتقي بها، ووطننا الغالي عمان يستحق منا بذل الوسع والجهد والطاقة في تقديم صورةٍ مثالية عن الفكر العماني الذي لا يمكن اختزاله في كتاب، وإنما هو ممتدٌ وضارب في القدم وموغلٌ في الحضارة".
صورة مشرقة
أما الشاعر عبدالرزاق الربيعي فيقول: "حتى وقت قريب كانت أنشطة المؤسسات الثقافية المدنية العمانية لا تتعدى حدود مسقط أو الأماكن التي تعمل بها، وكان مد البصر إلى خارج حدود ذلك ضربا من الأحلام التي يتم إجهاضها وهي في لحظات تشكلها الأولى، ومحاولتها الخروج إلى الواقع حيث تواجه صعوبات كثيرة أهمها عدم وجود الدعم المادي، أما المؤسسات الحكومية فكانت بالكاد تقيم نشاطا سنويا أو نشاطين خارج السلطنة، بعد عرّ وجر وإذا ما وسعت خطاها فإنها تقيم أنشطتها داخل ولايات السلطنة بالكثير، وظلت محصورة داخل الحدود، وكان خروج الأدباء العمانيين إلى خارج حدود السلطنة يكون عبر الدعوات الشخصية التي تصل إليهم من المهرجانات الخليجية والعربية فكانت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء أولى المؤسسات التي استهوتها الفكرة ، لذا أقامت الأيام الثقافية العمانية في تونس بمشاركة أكثر من عشرين مبدعا عمانيا فقدمت صورة عن المشهد الثقافي العماني أبهرت من تابع تلك الأنشطة، وظن الكثيرون أن تلك الأيام تقف خلفها مؤسسة حكومية، لكنها فوجئت حين علمت أنها لم تكن سوى مبادرة لمؤسسة مدنية رأت أن من واجبها إيصال صوت المبدع العماني إلى أبعد نقطة ممكنة، فبدأت بتونس التي "خرجت توا من رحم الربيع العربي" كما وصفها الكاتب المبدع محمد بن سيف الرحبي ضمن برنامج وضعته بدعم من مؤسسات عمانية، وكان ذلك الدعم مشوبا بحذر لكونها الخطوة الأولى والخطوات الأولى غير محسوبة النتائج، وكان من الصعب على تلك المؤسسات المصرفية أن تراهن على مجهول، وأقيمت الأيام وكانت صورة مشرقة أكدت أن نشر النتاج الفكري والإبداعي لا يقع على عاتق المؤسسات الثقافية المحكومة بميزانية محددة بل هي مسؤولية الجميع من القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني وجميع الأفراد، واجتهدت وأصابت ونالت أجرين: أجر المبادرة وأجر تحفيز المؤسسات الأخرى، وما مبادرة مجلة دبي الثقافية في نشر جميع نتاج الأيام الثقافية العمانية في كتاب إلا دليلٌ صادقٌ على نجاحها، وهي مبادرةٌ تلقى الترحيب الكامل من الأدباء والمثقفين العمانيين".
أفكار نيرة
بيد أن الكاتبة والناقدة آمنة الربيع تقول: "الخطوة جديرة بالتقدير العالي. وأجهل إذا كانت هذه الخطوة المهمة هي تقليد قديم في بعض المجلات، لهذا أخال أن مبادرة مجلة دبي الثقافية لنشر نتاج الأيام الثقافية العمانية التونسية في كتاب لتوزيعه بآلاف النسخ داخل الوطن العربي وخارجه سوف يُكرس لابتداع أفكار نيرة من هذا القبيل. والناظر إلى مجلة دبي الثقافية اليوم يراها مجلة لها وزنها الكبير وعيارها الثقيل بين المجلات الثقافية الخليجية والعربية، وقد استطاعت مجلة دبي أن تحقق ثباتا بين الطلب والعرض في السوق العربي، فهي من جهة مجلة يكتب فيها الأدباء والمثقفين والشعراء والباحثين العرب والمعروفين كثيرا، ومن جهة متقابلة فهي مجلة بها نكهة محلية خليجية واضحة.
وحول المبادرة أيضا... المتابعون للنشاط الثقافي لجمعية الكتاب والأدباء، إضافة إلى حراكها المدني، نشاطا لا يمكن تجاهله، فالجمعية من أكثر مؤسسات المجتمع المدني في عمان نشاطا وحركة، فلا يكاد يمضي أسبوعا إلاّ ولدى الجمعية ما تقدمه على صعيد الفعاليات الثقافية، والندوات الفكرية، والإستضافات...وغيرها من الأنشطة التي بغير شك قد رفعت من قدر الجمعية ، وذيوع صيتها خليجيا وعربيا. وخطوة الأسابيع الثقافية التي وضعتها إدارة الجمعية العمانية للتعريف بالمبدع العماني وبالأدب وبالثقافة العمانية في خارج السلطنة من الخطوات الناجحة وغير النمطية، وإقامة الفعالية في تونس له دلالته التاريخية بوجود علاقات غائرة في القدم بين عمان وتونس، وله كذلك دلالته المعنوية، فالجمعية أول مؤسسة مدنية عمانية وعربية تقدم فعاليتها في تونس الجديدة.. تونس الحرية والانفتاح.. تونس التعدد الفكري..لهذه الأسباب مجتمعة أثّمن مبادرة مجلة دبي الثقافية.. المجلة الثقافية الواسعة الانتشار والتي بمبادرتها سوف تساهم بقدر غير قليل في نشر الثقافة الجادة، من منطلق أن الأوراق التي قُدمت بالتعاون مع نادي اليونسكو بتونس ، كانت متميزة وممتعة.. كما أن كتاب دبي الثقافية النسخة المجانية المرفقة مع كل عدد من أعداد المجلة، يمتاز بالتنوع المعرفي، ويمكِّن في المستقبل للثقافة الواعية والمستنيرة".
وعي حضاري
يرى الدكتور زكريا المحرمي أن نشر المعرفة هي الطريق الآمن لزرع الطمأنينة وبناء الأمم، ويقول أيضاً عن مشروع طباعة الناتج في كتابٍ خاص: "المبادرة تؤكد ريادة مجلة دبي الثقافية في دعم مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي، كما تؤكد على عمق اللحمة بين الثقافة العمانية العريقة والثقافة الإماراتية التي تشترك معها في التاريخ والرموز والإنجازات الحضارية. كما تأتي هذه المبادرة لتأكيد الوعي الحضاري لدى القائمين على المجلة في أن المسار الأصوب لبناء أمة عربية قوية موحدة هو من خلال نشر المعرفة وترسيخ الوعي لدى الشعوب وقد كانت الأيام الثقافية العمانية التونسية رافدا من روافد ترسيخ هذا الوعي الحضاري، خاصة وأن هذه الأيام الثقافية جسرت المسافة بين الشرق العربي والمغرب العربي من خلال الكتابة والقراءة والفن والإبداع".