بعد أن تمكنت واحدة من أفراد العائلة من تجميع ما يمكن تجميعه من الصديقات والأقارب وتعذر الأخريات من باب مشاغل الحياة، انعزلت المتقدمات في العمر لتبادل الأحاديث التي تهم جيلهن وتعزية بعضهن البعض على ضياع أخلاق جيل فات وبعض (النميمة) من باب تحلية الجلسة. أما من شارك الجلسة من الأطفال فقد انشغل باللعب على أجهزة الآي باد والآي بود لضمان راحة الأمهات باستمتاعهن بالجلسة واللاتي بدورهن (الأمهات) انفردن في زاوية وبدأت كل واحدة منهن بإخراج هاتفها النقال، فبدأن باستعراض الصور في الإنستجرام على الرغم من أن جميعهن يتبع بعضهن البعض، ومن ثم وزعت الأدوار بحيث تقوم كل واحدة منهن بتصوير طبق من الأطباق التي ستقدم على المائدة، ومجموعة أخرى ستقوم بتصوير الحقائب مع الأساور التي وضعت على اليد، وأخرى تصور الشيلة (غطاء الرأس بدون إظهار الوجه)، بينما كانت هناك بعض الهواتف وجهت لتصوير حذاء، واختفى البعض في ردهات المنزل لتصوير بعض الزوايا والإضاءة مع السقف المزخرف، فانقلبت الجلسة إلى أستوديو تصوير، وبعد أن انتهين من التقاط الصور، بدأت جلسة اختيار المؤثرات وتعديل العيوب تمهيداً لنشرها.وفي وسط حلقة التصوير تلك تكفلت إحدى المجتمعات بإقناع أخرى لم تكن تشارك معهن في الحوار بأن تفتح حسابا لها في الإنستجرام وبين تردد وافقت، ولكن اشترطت بأن تستأذن من زوجها لأخذ موافقته!!! وبالفعل اتصلت بزوجها ولكن تعذر عليها الوصول إليه في تلك اللحظات، دخلت إحدى النشيطات في الإنستجرام كما يبدو من حماسها قائلة: (افعلي مثلي، فأنا استشرت زوجي قبل أن أفتح حسابا فقال: أجلي الفكرة لأن وسائل التواصل الحديثة بها من الأشياء والأشخاص التي أخاف عليك منها كما أنها لا تروق لمكانتك الاجتماعية!! وبالفعل وافقته الرأي ولكن بعد أن عرفت أنه يملك حسابا في تويتر مربوطا بالفيس بوك وحسابا في الانستجرام وبأسماء مستعارة فتحت حسابا لي باسم مستعار في الإنستجرام، واليوم لدي متابعون بالآلاف وأقضي معظم يومي في إضافة الصور وتصفح الصور الجديدة) اقتنعت الأولى بالنصيحة ودشنت حسابها الجديد باسم مستعار، أما من كانت تصغرهن سنًّا فأضافت بكل فخر واعتزاز (اشترط عليّ خطيبي في الفترة الحالية أن استمر في تويتر والإنستجرام بشرط أن أستشيره فيما أنشر، وأحيانًا يطلب مني أن أحذف بعض التغريدات التي لا تتوافق مع توجهاته، أما بعد الزواج فسيكون هناك حديث آخر وقد أتوقف عن المشاركة وأكتفي بالمتابعة!)، واستمر التجمع على هذا المنوال بين إرسال صور وإضافتها ومشاركتها مع الآخرين.خرجت من تلك الجلسة وأنا أتساءل: في أي جزء من العالم نعيش؟ وأي عقول تحملها رؤوسنا؟ وأي ضعف ما زالت تتمتع به المرأة ونحن نتفاخر بأننا تخطينا مرحلة المساواة ونتحدث عما هو أكبر من فتح حساب في وسائل التواصل الحديثة، أو من المشاركة باسم مستعار خوفًا من الزوج أو غيره من الذكور الذين ولتهم المرأة شؤون عقلها وقراراتها، بينما هو يفعل ما يحلو له من دون الرجوع إليها، الناس تتحدث عن حياة على سطح القمر، بينما هناك عالم يقضي وقته في مناقشة فتح حساب في وسائل التواصل من عدمه، فلتسمح لي المرأة التي حجمت تفكيرها لهذه الدرجة وجعلت من الرجل المفتاح الذي يدير شؤون حياتها واكتفت هي بالتنفيذ فكيف لهذه المرأة أن تدير شؤون منزل وتربية أطفال وتنشئة أجيال بينما هي غير قادرة على مواجهة عالم وسائل التواصل الحديثة التي يعيشها فيها العالم اليوم ويعتمد عليها وسيعتمد عليها مستقبلًا في كل مجالات الحياة، نعم هناك بعض الأمور التي يجب استئذان الرجل فيها ولكن هناك أمورا لا ينبغي أن نخسر وقتنا في الحديث عنها.ومن جانب آخر أتفق أن يكون هناك نقاش بين الطرفين إذا تمادى أحدهما في استخدام أي وسيلة على حساب البيت وتربية الأبناء وعدم احترام أوقات الوجبات والجمعات العائلية، أو وضع صور لا تتماشى مع القيم والعادات الإسلامية كما هو المنتشر بين الشباب والشابات في مجتمعنا العماني والعربي بشكل عام، أو تتحول التجمعات العائلية إلى جلسات تصوير لوضعها في الإنستجرام، فالنقاش من أجل المنفعة شيء يتقبله العقل بكل أريحية ولكن أن أفرض رأيا من أجل استعراض عضلات ذكورية فهذا ما لا يجب أن تتقبله المرأة.انتهت الجلسة الافتراضية بحصيلة جديدة من الصورة، وغابت الغاية من أجل تلك العزيمة وهي صلة الرحم والتواصل الاجتماعي وكأن تجمعًا لم يكن.
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
قبل التحليق ...هل يجب أن تستأذن الأنثى؟
تقليص