[align=center]القصة الاولى
كيف مات حبيب هند!؟
كان في المدينة جارية تدعى هنداً من أحسن الناس وجهاً وأكملهم عقلاً وأعذبهم صوتاً. وقد روت الأشعار وأحسنت الغناء حتى سمع بها يزيد بن عبدالملك فأدخلها تحت ملكه. وسرعان ما أخذت بمجامع قلبه فقال لها ذات يوم (من فرط حبه لها): هل لك أحد من قرابتك تريدين أن أسدي إليه معروفاً إكراماً لك. فقالت: أما قرابة فلا، ولكن لي في المدينة ثلاثة أصدقاء أحب أن ينالهم شيء من الخير الذي صرت فيه. فكتب يزيد إلى نائبه في المدينة أن أبعثهم إلي وادفع لكل واحد منهم عشرة آلاف درهم. وحين وصلوا إلى بابه أدخلهم إليه وبالغ في إكرامهم وسألهم عن حوائجهم.. فأما اثنان فذكرا حوائجهما فقضاها لهما. أما الثالث فكان متيماً بالجارية فقال: مالي حاجة يا أمير المؤمنين. فقال يزيد: ويحك ألست أقدر على حاجتك!؟ قال وهو ينظر للجارية: بلي، ولكنني ما أظنك تقضيها. فقال: اسألني يا فتى. قال: ولي الأمان يا أمير المؤمنين. قال يزيد: نعم قال حاجتي أن تأمر هنداً أن تغني ثلاث مرات أشرب في كل مرة كأساً. فتغير وجه يزيد فقام ودخل على الجارية يسألها، فقالت: يا مولاي إكراماً لي نفذ ما طلب. فخرجا على الفتى سوياً وقال له: ماذا تريدها أن تغني؟ قال الفتى: هذا الشعر (وذكر قصيدة جاء في مطلعها):
لا أستطيع سُلوّاً عن مودتها
وليصنع الحب بي فوق الذي صنعا
فغنت هند وهو يشرب حتى انتهت فقال يزيد: ثم ماذا يا فتى؟ قال: أن تغني هذه القصيدة:
تخيرت من طيبة عود أراك
لهند ولكن من يبلغه هندا
فغنت الجارية وهو يشرب حتى انتهت قال يزيد: وماذا بعد يا فتى. قال: أن تغني هذه القصيدة:
مني الوصال ومنكمُ الهجر
حتى يفرق بيننا الدهر
فغنت هند حتى إذا وصلت إلى قوله «يفرق بيننا الدهر» سقط مغشياً عليه. وحين قامت لتسعفه وجدته قد مات فأخفت دموعها خوفاً من يزيد فقال لها: بكيه يا جارية فوالله لو عاش لعاد بك إلى المدينة!!!
القصة الثانيه
--------------------------------------------------------------------------------
قال الأصمعي : بينما أنا أسير في البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت
أيا معشر العشاق بالله خبروا
إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع
فكتبت تحته
يداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور ويخضع
ثم عدت في اليوم الثاني فوجدت مكتوباً تحته
فكيف يداري والهوى قاتل الفتى
وفي كل يوم قلبه يتقطع
فكتبت تحته
إذا لم يجد صبراً لكتمان سره
فليس له شيء سوى الموت أنفع
ثم عدت في اليوم الثالث فوجدت شاباً ملقى تحت ذلك الحجر ميتاً وقد كتب قبل موته
سمعنا وأطعنا ثم متنا فبلغوا
سلامي على من كان للوصل يمنع
رفع صور
القصة الثالثه
اقدم قصة حب مدونة .. قصة الأميرة والشحاذ . . . . أسطورة فرعونية
في أصيل يوم من الأيام كان الشيخ (( حابي )) في بستانه الصغير ، أمام داره المتواضعة يتعهد نخيلاته ، فاسترعى انتباهه خفق أقدام ، فالتفت نحو مصدر الصوت ، فإذا فتى يسير صوبه ، وهو يجر في جهد قدميه المتعبتين ، وقد علاه الغبار ، فاختفت ملامحه ، بيد ان الناظر اليه يستطيع ان يلمح في عينيه على الفور حيرة الغريب .
وكان الفتى يحمل في يده صرة ، فخف الشيخ للقائه ، وما ان اقترب منه حتى سمعه يقول في صوت هامس : الشيخ ( حابي ) ؟
ـ هأنذا … ما مطلبك يا بني ؟
ووجد (حابي) الفتى يتخاذل أمامه ، فاسرع إليه ، واسنده إلى صدره محيطاً اياه بذراعيه ، وقال له : أمريض أنت ؟
ـ بل جائع
و سار به ( حابي ) إلى داره برفق ، وأجلسه بجوار الباب على مصطبة عارية ، و تركه برهة ، ثم عاد إليه بإبريق مملوء لبناً ، فاخذ الغريب يعب منه حتى شبع ، وبعد ان تنفس طويلاً تمتم بكلمات الشكر لمضيفه ، ثم اطرق وقتاً ، وأخيرا رفع رأسه ، وسرح بصره في الشيخ ، والكلمات حيرى على شفتيه .
و ابتسم الشيخ ابتسامة تنطوي على عطف و طيبة ، و قال : تكلم يا بني ، لا تخش بأساً ... ما حاجتك ؟ ان ( حابي ) لا يرد حاجة لغريب .
فامسك الفتى بيد الشيخ ، وضغطها في انفعال ، و قال : لقد حدثوني انك تأتي بالمعجزات ، فسعيت إليك اطلب معجزة .
فتأمل الشيخ وجه ضيفه طويلاً ، يحاول كشف ما خلف تلك الصفحة المتربة التعبة ، ثم قال : معجزة ؟! ... لست كاهناً يا بني !
ـ أنت اعظم من كاهن .
ـ افصح عن غرضك !
ـ ان قوة تعاويذك وعقاقيرك يا أبت من روح الآلهة .
ـ أنا حكيم زاهد ، قد انجح في مداواة النفوس و تطبيب الأجسام .
و حدق الفتى في الشيخ بعين جاحظة ، ثم هبط أمامه وقال وقد تشبث بثوبه : وحق ( ايزيس ) لتنتزعنّ نفسي من بين جوانحي ، ولتلقين بها بعيداً عن جسدي !
ـ هدئ من روعك .
ـ أني امقت هذه النفس الخاملة الميتة ، لتخلقني خلقاً جديداً ولتجعلني رجلاً ذا بأس واقتدار !
و جعل الشيخ يلاطف الفتى ، ثم أنهضه في وداعة ، وأجلسه بجواره ، وبعد حين قال له في هدوء ورزانة : ارو لي قصتك يا بني ... أني مصغ إليك .
و دعم الفتى وجهه براحتيه ، وراح يرسل الطرف أمامه في ذلك الفضاء العظيم حيث يبسط الغسق على الكون غلالته السوداء ، وأنصت برهة إلى ما يحيط به من صمت شامل ، ثم تكلم قائلا : أنا ( راموسي ) ، ولكن ماذا يهمك من اسمي ؟ ان ( راموسي ) نكرة لا يحس وجوده أحد .
ـ تكلم ...
ـ اني اسكن على مسيرة شهر من هنا .
ـ في بلدة ( رنسي ) ؟
ـ نعم .
ـ ذات المعابد الأربعة و المسلات الخمس ؟
فواصل ( راموسي ) حديثه ، و قد رق صوته و ضعف : و حيث تسكن الأميرة (أشمس) !
و طأطأ رأسه حيناً ، ثم رفع عينيه بغتةً و سددها في وجه (حابي) و قال في صوت غير متساوق النبرات : أريد أن أكون عظيماً ... أريد أن أكون مثرياً تزخر خزانتي بالأموال ... أريد ...
فابتسم الشيخ في هدوء و قاطعه قائلاً : انه ليس بالطلب المستحيل .
فاستنار وجه الشاب بلمعة متلألئة ، و قال : إذن ستأتي لي بمعجزة !
ـ ان ما تسميه أنت معجزة يا بني ، اسميه أمرا قد يستعصي على بعض الناس ، ولكنه في مقدور آخرين …
فهوى ( راموسي ) على يدي الشيخ ، و انهال عليهما تقبيلا . و هو يقول : شكراً .. شكراً .. سأذكر ذلك ما حييت ، وسأعوضك عنه أضعافا مضاعفة …
ثم رفع رأسه وقال : أما الآن فليس لي ما أقدمه لك سوى ... وتعثر لسانه بكلمات فسكت ، وأشار إلى الصرة التي بجواره ، وفتحها بيد راعشة أمام ( حابي ) ، فنظر فيها الشيخ فإذا خليط من قطع المعادن ، بينها شيء قليل من الفضة و الذهب ، وتابع ( راموسي) كلامه ، وقد غص من بصره : هي كل ما تبقى لي مما أملك .
ـ أبقها لك .
ـ إنها قليلة ... اعرف ذلك .
ـ لا ، فهي كثيرة إذا كانت منك ، و هذا يكفي ... و لكني لست في حاجة الى عطاء الناس .
ـ أبي !
ونهض ( حابي ) في هدوء ، وهو يقول : ألا ترى يا بني إن المساء قد اقبل يحمل في أعطافه برد الليل و أنا كما ترى شيخ !
وتركا المصطبة ، و دخلا قاعة غير رحيبة ، بسقف منخفض ، تكاد تكون عارية إلا من حصير وغطاء ، وأشعل ( حابي ) مصباحه الزيتي ، ثم جلس وأراح ظهره على الجدار وطوى يده الى صدره ، وجلس ( راموسي ) قبالة الشيخ متربعاً ، لا يفصله عنه إلا المصباح ، و انقضت برهة لم يتكلم فيها أحد منهما، ثم سمع ( حابي ) يردد في صوته الرزين : أني مصغ إليك .
فلم يحول الفتى عينيه عن المصباح ، وقال : كيف أبدأ لك قصتي ، حقاً انه لجنون ما فكرت فيه ، غير أني لست نادماً على شيء …..
لقد كنت أحيا يا أبت متبطلاً ، أخرج من داري المهدمة إلى النهر ، أتنزه على شاطئه حيث بساتين الأمراء أقضي اليوم كله أتنقل بينها أستمتع بمرأى الرياحين ، وأستنشق عرفها الذكي ، فإذا تعبت استرح بجوار الماء ، وأخرجت الناي أناجيه و يناجيني .
ـ أموسيقي أنت ؟
ـ لم اجرب أن أصفر إلا لنفسي .
وأخرج ( راموسي ) من ثنايا ثيابه ناياً من غاب ، ساذج المظهر و أراه الشيخ قائلاً : انه صديقي الذي لا يفارقني أبدا ... صديقي المطلع على سري ، العالم بما يجيش في قلبي من أماني و أطماع .
ـ أماني وأطماع قد تبدو لك بعيدة التحقيق ...
ـ إنني أضعها بين يديك ؛ فافعل بها ما تشاء …
ـ ألم تكن راضياً عن حياتك الهادئة ؟
ـ كل الرضا .
ـ إذن ( هي ) التي غيرت حالك .
ـ نعم هي ( أشمس ) أميرة الأميرات ، و أقربهن صلة بفرعون الأعلى .
ـ أتم حديثك .
ـ رأيتها يوماً تتنزه في بستانها ، فسحرني جمالها من أول نظرة ، رايتها ترتاد الخمائل في حاشيتها ، فجعلت أرقبها خلف دغل من الأشجار ، وأضاءت نفسي فجأة شمس وهاجة كشفت لي دنيا عظيمة كانت مختفيةً عني ، وإذا أنا اقطع عهداً بأنها لن تكون لسواي ، ولما عدت الى داري ، وراجعت هجسات ضميري ، هزئت بنفسي وكلي سخط وألم ، ولكن عهدي ما زال ثابتاً على الرغم من كل شيء ،لا يتقهقر ولا يتزايل ، بل يتقدم في جرأة وإقدام ، ولكن كيف أنفذ ذلك العهد ؟ هذا ما كان يحيرني ويؤلم قلبي ، منذ ذلك اليوم جعلت طريقي إلى بستانها ، لا أعرف سواه ، أقضي على مقربة منه يومي ، أراها ولا تراني فإذا صعدت في قصرها انتحيت نحو الشاطئ و تخيرت مكاناً ظليلاً ، وبثثت شكواي للناي ، فكنت أسمعه أحياناً يهمس لي : ( لماذا لا تحاول التقرب إليها ؟ لماذا لا تكشف لها عن كوامن صدرك ؟ ) .
ـ و لماذا لم تذعن لما أوحى لك به صفيك الناي ؟
ـ أتريد مني أن استمع لذلك الساذج الغرير ؟ ألم اقل لك من هي ؟ إن فيها من دم الآلهة يا أبي ، كلنا نعلم ان عظماء تقدموا إليها بقلوبهم فردتهم خائبين ، لقد أمضيت يا أبت الليالي الطوال أفكر في مصيري معها ،لا بد ان تقع معجزة تحولني من صعلوك بائس ، إلى أمير يفوق جميع الأمراء ، يرضاه فرعون و ترعاه ( إيزيس ) ، وكان أن اشتد بي الضيق يوماً ، فجريت صوب النهر و هممت أن ألقي بنفسي الى التماسيح ، وفي تلك الساعة الفاصلة سمعت هاتفاً يقول لي : ( اذهب الى ( حابي ) الحكيم ، فعنده تتم المعجزة ! ) .
فتمتم الشيخ ( حابي ) : أقال لك الهاتف ذلك ؟
ـ قسماً بإيزيس ، لقد سمعت صوته واضحاً يرن في أذني ، و كانت التماسيح قد خرجت برؤوسها تنظر الي متنمرة ، فوجدتني في لحظة أنفر متراجعاً عن النهر ، وانطلقت أعدو …
أكنت أعدو حقاً ؟ لا ادري ! كنت أحس أني محمول بقوة خارقة غير منظورة ، وفي الغد بعت ما أملك وجمعت مالي ، وحملت زادي ، وسرت وجهة دارك .
فأمسك ( حابي ) بيدي ( راموسي ) و ضغطهما وهو يقول : ستتم المعجزة يا ولدي ... فاعتمد عليّ .
ـ إذن ستجعلني أمير الأمراء ؛ وستجعل من ( أشمس ) زوجة لي ؟
ـ إن علمي لا يتطاول إلى مثل هذه الأمور .
ـ كيف ؟
ـ كل ما أقدر عليه أن أعمل على تغيير نفسيتك .
ـ أوضح يا أبي !
ـ سيتغير فيك كل شيء ... شمائلك الأصيلة ستنقلب الى ضدها : الخمول سيغدو نشاطاً متأججاً ، والقناعة ستكون طمعاً صاخباً ، والرحمة ستفسح مكانها للقسوة والعنف ، ستكون حياتك يا ( راموسي ) كالبركان الفوار ؛ لا يخبو له لهب ، ولا يسكن له زئير !
فطأطأ ( راموسي ) رأسه ، و قال : أبت !
ـ ليس ثمة طريق لما تطلب من ثروة وجاه إلا هذا الطريق .
و صمت ( راموسي ) لحظة ، ورأسه منحن على صدره ، وبغتة رفع وجهه الى ( حابي ) وقال : ولكن .. حبي ؛ حبي للأميرة .. أيعتريه تغير ؟
ـ حبك باق كبقاء الروح الخالدة ، و لكن …
ـ ماذا ؟
ـ أواثق أنك ستكون سعيداً بنفسك الجديدة بعد أن تتم المعجزة ، وأنه لن يراودك الحنين إلى نفسك الأولى ؟
ـ كلا .. كلا .. !
ودارت عجلة الحياة ، الأيام تلو الأيام ، والأشهر اثر الأشهر، وكان ملك المغرب قد دفعه الطمع إلى امتلاك ( مصر) ، فسيّر إليها الجيوش الكثيفة ، فغزت المناطق الشمالية في غير عسر، ثم اندفعت في طريقها تكتسح أمامها جند الوطن ، ولم يجد تعيين القائد الكبير ( روادا ) أميراً على الجيش الذي أرسله فرعون لإنقاذ البلاد ، إذ أصيب ( روادا ) بهزيمة نكراء ، وقتل في المعركة ، وكاد الجيش يتفكك ويندثر، لولا ان قيض الله شاباً من بين المحاربين تقدم لقيادته ، فاخذ يجمع شمله ، ويبث فيه روحاً جديداً ، فلم ينقض وقت طويل حتى انقلبت الهزيمة الى هجوم ، ثم أنتهى الهجوم الى مطاردة للعدو، فاكتساح كامل له ، واصبح هذا الشاب قائداً للجيش ، ولقب نفسه بـ " الأمير الأسود " ، اذ كان يرتدي السواد دائماً ، ولم يكتف الامير الاسود بصد هجوم الغزاة ، بل تابع زحفه في جرأة غريبة ، ففتح ( مملكة المغرب ) بأسرها ، وأخضعها لفرعون ، فصارت تابعة لمصر .
كانت ( رنسي ) المدينة ذات المعابد الأربعة والمسلات الخمس ، حاضرة ( مصر ) الثانية ، تحتفل احتفالا رائعاً بقدوم الجيش المنتصر وعلى رأسه أميره الأسود ، فقد عاد محملاً بأسلاب وغنائم ، لم يأت بها قائد منتصر من قبل ، وكان موكبه حافلاً بالأسرى العظام من الأمراء والحكام وسراة الدولة المغلوبة ، أما بقية الدهماء فقد اكتفى بقطع أيديهم ، واطلق سراحهم ، كي لا يعطلوا سير الموكب بكثرة عددهم ، ولكنه أحتفظ بتلك الأيدي ، فحملها معه ليقدمها الى فرعون رمزاً للخضوع والطاعة .
وتمت مراسيم الاستقبال في عظمة و فخامة جديرتين بالقائد العظيم والفاتح الكبير ، و لكن الأميرة ( أشمس ) أولى سيدات البيت الفرعوني تخلفت عن حضور الاحتفال وأرسلت تعتذر لفرعون، وكان فرعون يعرف ما طرأ عليها من شذوذ في طباعها واعتزالها العالم ، فقبل عذرها على مضض ، و لكن رسول الأمير الأسود جاءها يحمل من الأمير نفسه رغبته في زيارتها قبل الغروب لأمر ذي بال فلم تجد مخلصاً من استقباله وأمرت أن يعدوا القصر لهذا القدوم .
و أخذ الأتباع يعملون بجد واهتمام في تزيين القصر ، فما كادت الشمس تؤذن بالمغيب حتى بدا القصر خلال الظلام كأنه قطعة من لؤلؤ يتألق ، وانتشر الطيب الذكي في أرجائه ، فكأنه روضة فواحة من الأزهار النضرة .
وجاء الأمير في الموعد في حفل من قواده ، ودخل القصر وهو يضرب الأرض بقدميه الصلبتين ضربات شديدة ، تردد صداها في جوانب المكان ، وجعل يلتفت يمنة و يسرة بوجهه الرائع ، الذي تدل كل لمحة من لمحاته على رجولة قوية قاسية ، وكانت لعينه الواسعة إشعاعات قوية باهرة ، لا تقوى عين على تحديها .
وما ان دخل البهو الكبير ، ورأى الاميرة واقفة في صدره ، تحف بها وصيفاتها حتى توقف بغتة ، واتسعت حدقتا عينيه ، وتفتح وجهه في لحظة بنور متالق تشيع فيه الاحلام ، وامسك بيد رفيق له بجانبه وشد عليها وطالت وقفته على هذه الحال ، والناس من حوله صامتون ، واخيرا همس رفيقه في اذنه : مولاي ! … ان الاميرة تنتظرك … تقدم …
وتقدم الامير الاسود بخطوات لم تردد صداها جوانب المكان هذه المرة ، وركع امامها ، فانهضته وهي تقول : نحن الذين يجب ان نركع امام المنقذ العظيم .
ورفع وجهه اليها وقال في صوت متخافت : عفوا مولاتي .. امام هذا الجمال الالهي ، يستشعر للقائد العظيم ضآلة نفسه وتفاهة مجده .
ـ سيدي ! …
ـ ليس ثمة عظيم امامك يا مولاتي .. كلنا من اتباعك المخلصين .
وتهامس الناس فيما بينهم دهشين حيارى … لم يشاهد الامير على هذه الصورة ، حتى في حضرة فرعون الاعلى .
وبدات الجموع تتفرق ، والمكان يخلو للضيف وربة القصر، واخذ القائد يروي وقائعه ويعدد اسلابه ، ويذكر ما ناله من مال وضياع ، تعادل اموال فرعون العظيم ، وختم حديثه قائلا : ان الاميرة لتعلم ان فرعون بلا عقب ، وهو الان شيخ مثقل بالمرض ، وقد طالبه الكهنة بتبني أمير يجعله وليا للعهد ، امير اهل لهذا المنصب الخطير .
ـ وهل وقع اختيار الملك على هذا المحظوظ ؟ …
فابتسم الامير ابتسامة ذات معنى ، وقال : لقد اتم اختياره سرا ، وسيعلنه غدا في الهيكل الكبير .
وصمتت ( اشمس ) وهي تتفحص الامير طويلا .. ثم انحنت في خشوع ، وهي تقول : يسعدني ان اكون اول من يقدم طاعته لصاحب التاجين ، وارث ملك الفراعنة العظيم .
فامسك الامير بيدها ، وقال : هذا الملك العظيم ، وهذا النصر الباهر ، وهذه الاموال التي لايستطيع ان يحصيها احد ، وكل ما كسبته وما سأكسبه اضعه تحت قدميك انت يا اميرتي ويا مولاتي … اقدم لك هذا ازاء شيء واحد منك .
فاسبلت الاميرة جفنيها .
وتابع الامير حديثه في لهجة مشبوبة : كلمة منك يا ( اشمس ) تجعل هذا الوادي الفسيح بسكانه وكنوزه ، هذا الملك الضخم ، طوع يديك ، قولي كلمة الرضا ، ثم مرى فلن يعصي لك احدا امرا .
ـ الا نذهب الى المستشرف فنلقى نظرة على البستان ؟
فاجابها الامير وهو حائر : كما تريدين .
وذهبا الى المستشرف ، واطالت الاميرة النظر الى الحديقة وهي تصعّد بصرها في اشجارها وازهارها ، ثم قالت : ايسمح لي الامير ان اقص عليه قصة صغيرة ؟
فاجابها وهو يزداد عجبا : اني مصغ اليك يا اميرة .
ـ كان في الزمان الغابر فتاة من الاثرياء ، من اسرة رفيعة النسب ، تحيا ناعمة البال في قصرها ذي البستان الكبير ، حياة ترف ورغد ، ولم يكن لها مطمع تصبواليه ، الا العثور على زوج تنعم معه بحب ووفاء ، شانها في ذلك شان كل فتاة ، وحج الى قصرها اعلى الامراء شأنا ، واعظمهم وسامة وثراء ، يطلبونها للزواج ، فردتهم بلا امل .
ـ ولم ذلك ؟
ـ لانها كانت مخدوعة في نفسها مغرورة بجمالها فلم يرقها واحد من هؤلاء الامراء .
ـ ومن كانت تنتظر ان يتقدم لها بعد هؤلاء ، وهم صفوة البلد ؟ .
وتريثت الاميرة في اجابتها ، وهي تسرح طرفها في الافق ، حيث الظلام يقبل في وحشته وصمته واسراره… وقالت : هي نفسها لم تكن تدري ، ولكنها على الرغم من ذلك كانت تنتظر وتؤمل !
ـ وهل طال انتظارها ؟
ـ لا .
ـ اذن عثرت على ضالتها ؟
ـ نعم ايها الامير …
ـ أكان قائد غازيا ؟
ـ او وزيرا خطيرا ؟
ـ لا .
ـ لا ! … اذن هو ملك من نسل الالهة ! .
ـ ولا هذا ايضا …
ـ من يكون اذن ؟
ـ وارسلت الاميرة تنهدة خفيفة ، وقالت في صوت هامس : شاب رقيق الحال ، مرهف الشعور .
ـ وما مهنته ؟
ـ ليست له مهنة ، كان يقضي ايامه يجوب البساتين ، ويتنزه على ضفاف الانهار ، يستمتع بمحاسن الطبيعة.
_ انها حياة اقرب الى التبطل والصعلكة …
فتمتمت الاميرة بلهجة الحالم وهي تستقبل بعينيها كتائب الظلام المتراكم : قد يكون ذلك ولكنه الوحيد الذي استطاع ان يصهر كبريائها ، ويحطم تاج غرورها .
ـ هو !… أممكن ذلك ؟
ـ اجل .. لقد احبته الفتاة … احبت فيه ذلك الشاعر المرهف الحس ينشدها اعذب الحانه وارقها ! .
ـ أكان شاعرا ينظم لها القصائد ؛ وينشدها اياها ؟ ام كان ينظم قصائده بلا كلام ، وينشدها اياها من مزماره الرخيم ؟
فاصابت الاميرة هزة شديدة ، وقال في صوت جياش : لا ، فهي لم تره ، بل اغرمت به على البعد . ولا تدري أرآها ام لا .
ـ لا ريب في انه رآها …
ـ ليس ذلك مؤكدا ، فأنظار هذا الشاعر الجوال كانت اقصر من ان تخترق خمائل البستان او جدران القصر ، لتكشف الفتاة وتلتقي بانظارها .
ـ يا للفتى البائس ! … لو علم انها تضمر له هذا الحب لطار اليها ، وارتمى تحت قدميها يلثمها في عبادة .
ـ من يدري ايها الامير ؟… انه فتى غريب الاطوار ، يعيش وفق هواه … قد يرفض حبها لو تقدمت به اليه .
ـ محال !! …
ـ لو كان يعلم كيف احبته هذه الفتاة وكيف ترضى ان تعيش معه ، تقاسمه حياته الطليقة في دنياه الرحبة الوضاءة ، لقبل منها هذا الحب !
وتمتم الامير بكلمات متقطعة ، وقد شد بيده على حاجز المستشرف حتى كادت اصابعه تدمى .
وتابعت الاميرة حديثها : لقد برمت الفتاة بحياة الثروة والجاه التي تحياها ، واتضحت امامها بشاعتها ، واحست ثقلها المرهق يحبس انفاسها … فرغبت ان تفر من بيئتها ، تستبدل الكوخ الساذج الهادئ بالقصر المنيف الصاخب والرداء الخفيف المزين بالازهار بالثوب اللامع باللألئ … لقد برمت بكل شيء يحيط بها واشتدّت بها الرغبة ان تهرب ، فتلحق بشاعرها تقضي حياتها في حمى مزماره .
ـ ولكنها لم تفعل ! …
ـ لقد كادت … ولكن الفتى اختفى فجأة .
ـ أهرب ؟…
ـ ان الناس يرجفون بموته فقد تكون التماسيح اكلته … ومن ثم اسدلت الفتاة على حياتها سترا غليظا يحجبها عن العالم اجمع …
ـ قد تسلوه يوما ، فترضى الزواج بامير كبير .
ـ ان القصة تحدثنا ان الفتاة قضت في عزلتها عامين ، وهي لم تتغير فيها … وبقيت تترقب شاعرها الفقير كما هو ، بردائه الساذج ، وقلبه الكبير … ولن تستبدل به احدا مهما عظم قدره واتسع ماله !
ـ وهنا تنتهي القصة … اليس كذلك ؟
ـ تكاد تنتهي ، والبقية في كلمتين … اتريد ان اتمها لك ؟
فقال الامير ، وهو يضغط كلماته في حسرة مكتومة : اذا رغبت ، اتممتها انا لك !
فتمايلت الاميرة وعرضت على وجهها ابتسامة ، وقالت : كيف ؟ أو تعرفها ؟
فقال الامير في شيء من السهوم : ان براعتك في رواية القصة قد جعلتني احزر خاتمتها !
وراح الامير يحدّ بصره في نجوم الليل البعيدة كانه يريد ان يستلهمها كلمة نصح او هداية .. ولكن لم تطل وقفته على هذه الصورة ، فانحنى امام الاميرة يقول : لن انسى ما حييت حسن احتفائك بي .
وقبّل يدها قبلة طويلة عميقة ، ثم ترك المكان لا يلوي على شيء ، واقلّته على الفورعجلته الحربية ، بعد ان استأذن رفاقه في ان ينصرف وحده ، وانطلقت به العربة هائمة في اديم الصحراء تشق امامها سجف الظلام شقا .
( تمت )
هذاا ترى اوول مووضووع حاالي [/align]
كيف مات حبيب هند!؟
كان في المدينة جارية تدعى هنداً من أحسن الناس وجهاً وأكملهم عقلاً وأعذبهم صوتاً. وقد روت الأشعار وأحسنت الغناء حتى سمع بها يزيد بن عبدالملك فأدخلها تحت ملكه. وسرعان ما أخذت بمجامع قلبه فقال لها ذات يوم (من فرط حبه لها): هل لك أحد من قرابتك تريدين أن أسدي إليه معروفاً إكراماً لك. فقالت: أما قرابة فلا، ولكن لي في المدينة ثلاثة أصدقاء أحب أن ينالهم شيء من الخير الذي صرت فيه. فكتب يزيد إلى نائبه في المدينة أن أبعثهم إلي وادفع لكل واحد منهم عشرة آلاف درهم. وحين وصلوا إلى بابه أدخلهم إليه وبالغ في إكرامهم وسألهم عن حوائجهم.. فأما اثنان فذكرا حوائجهما فقضاها لهما. أما الثالث فكان متيماً بالجارية فقال: مالي حاجة يا أمير المؤمنين. فقال يزيد: ويحك ألست أقدر على حاجتك!؟ قال وهو ينظر للجارية: بلي، ولكنني ما أظنك تقضيها. فقال: اسألني يا فتى. قال: ولي الأمان يا أمير المؤمنين. قال يزيد: نعم قال حاجتي أن تأمر هنداً أن تغني ثلاث مرات أشرب في كل مرة كأساً. فتغير وجه يزيد فقام ودخل على الجارية يسألها، فقالت: يا مولاي إكراماً لي نفذ ما طلب. فخرجا على الفتى سوياً وقال له: ماذا تريدها أن تغني؟ قال الفتى: هذا الشعر (وذكر قصيدة جاء في مطلعها):
لا أستطيع سُلوّاً عن مودتها
وليصنع الحب بي فوق الذي صنعا
فغنت هند وهو يشرب حتى انتهت فقال يزيد: ثم ماذا يا فتى؟ قال: أن تغني هذه القصيدة:
تخيرت من طيبة عود أراك
لهند ولكن من يبلغه هندا
فغنت الجارية وهو يشرب حتى انتهت قال يزيد: وماذا بعد يا فتى. قال: أن تغني هذه القصيدة:
مني الوصال ومنكمُ الهجر
حتى يفرق بيننا الدهر
فغنت هند حتى إذا وصلت إلى قوله «يفرق بيننا الدهر» سقط مغشياً عليه. وحين قامت لتسعفه وجدته قد مات فأخفت دموعها خوفاً من يزيد فقال لها: بكيه يا جارية فوالله لو عاش لعاد بك إلى المدينة!!!
القصة الثانيه
--------------------------------------------------------------------------------
قال الأصمعي : بينما أنا أسير في البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت
أيا معشر العشاق بالله خبروا
إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع
فكتبت تحته
يداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور ويخضع
ثم عدت في اليوم الثاني فوجدت مكتوباً تحته
فكيف يداري والهوى قاتل الفتى
وفي كل يوم قلبه يتقطع
فكتبت تحته
إذا لم يجد صبراً لكتمان سره
فليس له شيء سوى الموت أنفع
ثم عدت في اليوم الثالث فوجدت شاباً ملقى تحت ذلك الحجر ميتاً وقد كتب قبل موته
سمعنا وأطعنا ثم متنا فبلغوا
سلامي على من كان للوصل يمنع
رفع صور
القصة الثالثه
اقدم قصة حب مدونة .. قصة الأميرة والشحاذ . . . . أسطورة فرعونية
في أصيل يوم من الأيام كان الشيخ (( حابي )) في بستانه الصغير ، أمام داره المتواضعة يتعهد نخيلاته ، فاسترعى انتباهه خفق أقدام ، فالتفت نحو مصدر الصوت ، فإذا فتى يسير صوبه ، وهو يجر في جهد قدميه المتعبتين ، وقد علاه الغبار ، فاختفت ملامحه ، بيد ان الناظر اليه يستطيع ان يلمح في عينيه على الفور حيرة الغريب .
وكان الفتى يحمل في يده صرة ، فخف الشيخ للقائه ، وما ان اقترب منه حتى سمعه يقول في صوت هامس : الشيخ ( حابي ) ؟
ـ هأنذا … ما مطلبك يا بني ؟
ووجد (حابي) الفتى يتخاذل أمامه ، فاسرع إليه ، واسنده إلى صدره محيطاً اياه بذراعيه ، وقال له : أمريض أنت ؟
ـ بل جائع
و سار به ( حابي ) إلى داره برفق ، وأجلسه بجوار الباب على مصطبة عارية ، و تركه برهة ، ثم عاد إليه بإبريق مملوء لبناً ، فاخذ الغريب يعب منه حتى شبع ، وبعد ان تنفس طويلاً تمتم بكلمات الشكر لمضيفه ، ثم اطرق وقتاً ، وأخيرا رفع رأسه ، وسرح بصره في الشيخ ، والكلمات حيرى على شفتيه .
و ابتسم الشيخ ابتسامة تنطوي على عطف و طيبة ، و قال : تكلم يا بني ، لا تخش بأساً ... ما حاجتك ؟ ان ( حابي ) لا يرد حاجة لغريب .
فامسك الفتى بيد الشيخ ، وضغطها في انفعال ، و قال : لقد حدثوني انك تأتي بالمعجزات ، فسعيت إليك اطلب معجزة .
فتأمل الشيخ وجه ضيفه طويلاً ، يحاول كشف ما خلف تلك الصفحة المتربة التعبة ، ثم قال : معجزة ؟! ... لست كاهناً يا بني !
ـ أنت اعظم من كاهن .
ـ افصح عن غرضك !
ـ ان قوة تعاويذك وعقاقيرك يا أبت من روح الآلهة .
ـ أنا حكيم زاهد ، قد انجح في مداواة النفوس و تطبيب الأجسام .
و حدق الفتى في الشيخ بعين جاحظة ، ثم هبط أمامه وقال وقد تشبث بثوبه : وحق ( ايزيس ) لتنتزعنّ نفسي من بين جوانحي ، ولتلقين بها بعيداً عن جسدي !
ـ هدئ من روعك .
ـ أني امقت هذه النفس الخاملة الميتة ، لتخلقني خلقاً جديداً ولتجعلني رجلاً ذا بأس واقتدار !
و جعل الشيخ يلاطف الفتى ، ثم أنهضه في وداعة ، وأجلسه بجواره ، وبعد حين قال له في هدوء ورزانة : ارو لي قصتك يا بني ... أني مصغ إليك .
و دعم الفتى وجهه براحتيه ، وراح يرسل الطرف أمامه في ذلك الفضاء العظيم حيث يبسط الغسق على الكون غلالته السوداء ، وأنصت برهة إلى ما يحيط به من صمت شامل ، ثم تكلم قائلا : أنا ( راموسي ) ، ولكن ماذا يهمك من اسمي ؟ ان ( راموسي ) نكرة لا يحس وجوده أحد .
ـ تكلم ...
ـ اني اسكن على مسيرة شهر من هنا .
ـ في بلدة ( رنسي ) ؟
ـ نعم .
ـ ذات المعابد الأربعة و المسلات الخمس ؟
فواصل ( راموسي ) حديثه ، و قد رق صوته و ضعف : و حيث تسكن الأميرة (أشمس) !
و طأطأ رأسه حيناً ، ثم رفع عينيه بغتةً و سددها في وجه (حابي) و قال في صوت غير متساوق النبرات : أريد أن أكون عظيماً ... أريد أن أكون مثرياً تزخر خزانتي بالأموال ... أريد ...
فابتسم الشيخ في هدوء و قاطعه قائلاً : انه ليس بالطلب المستحيل .
فاستنار وجه الشاب بلمعة متلألئة ، و قال : إذن ستأتي لي بمعجزة !
ـ ان ما تسميه أنت معجزة يا بني ، اسميه أمرا قد يستعصي على بعض الناس ، ولكنه في مقدور آخرين …
فهوى ( راموسي ) على يدي الشيخ ، و انهال عليهما تقبيلا . و هو يقول : شكراً .. شكراً .. سأذكر ذلك ما حييت ، وسأعوضك عنه أضعافا مضاعفة …
ثم رفع رأسه وقال : أما الآن فليس لي ما أقدمه لك سوى ... وتعثر لسانه بكلمات فسكت ، وأشار إلى الصرة التي بجواره ، وفتحها بيد راعشة أمام ( حابي ) ، فنظر فيها الشيخ فإذا خليط من قطع المعادن ، بينها شيء قليل من الفضة و الذهب ، وتابع ( راموسي) كلامه ، وقد غص من بصره : هي كل ما تبقى لي مما أملك .
ـ أبقها لك .
ـ إنها قليلة ... اعرف ذلك .
ـ لا ، فهي كثيرة إذا كانت منك ، و هذا يكفي ... و لكني لست في حاجة الى عطاء الناس .
ـ أبي !
ونهض ( حابي ) في هدوء ، وهو يقول : ألا ترى يا بني إن المساء قد اقبل يحمل في أعطافه برد الليل و أنا كما ترى شيخ !
وتركا المصطبة ، و دخلا قاعة غير رحيبة ، بسقف منخفض ، تكاد تكون عارية إلا من حصير وغطاء ، وأشعل ( حابي ) مصباحه الزيتي ، ثم جلس وأراح ظهره على الجدار وطوى يده الى صدره ، وجلس ( راموسي ) قبالة الشيخ متربعاً ، لا يفصله عنه إلا المصباح ، و انقضت برهة لم يتكلم فيها أحد منهما، ثم سمع ( حابي ) يردد في صوته الرزين : أني مصغ إليك .
فلم يحول الفتى عينيه عن المصباح ، وقال : كيف أبدأ لك قصتي ، حقاً انه لجنون ما فكرت فيه ، غير أني لست نادماً على شيء …..
لقد كنت أحيا يا أبت متبطلاً ، أخرج من داري المهدمة إلى النهر ، أتنزه على شاطئه حيث بساتين الأمراء أقضي اليوم كله أتنقل بينها أستمتع بمرأى الرياحين ، وأستنشق عرفها الذكي ، فإذا تعبت استرح بجوار الماء ، وأخرجت الناي أناجيه و يناجيني .
ـ أموسيقي أنت ؟
ـ لم اجرب أن أصفر إلا لنفسي .
وأخرج ( راموسي ) من ثنايا ثيابه ناياً من غاب ، ساذج المظهر و أراه الشيخ قائلاً : انه صديقي الذي لا يفارقني أبدا ... صديقي المطلع على سري ، العالم بما يجيش في قلبي من أماني و أطماع .
ـ أماني وأطماع قد تبدو لك بعيدة التحقيق ...
ـ إنني أضعها بين يديك ؛ فافعل بها ما تشاء …
ـ ألم تكن راضياً عن حياتك الهادئة ؟
ـ كل الرضا .
ـ إذن ( هي ) التي غيرت حالك .
ـ نعم هي ( أشمس ) أميرة الأميرات ، و أقربهن صلة بفرعون الأعلى .
ـ أتم حديثك .
ـ رأيتها يوماً تتنزه في بستانها ، فسحرني جمالها من أول نظرة ، رايتها ترتاد الخمائل في حاشيتها ، فجعلت أرقبها خلف دغل من الأشجار ، وأضاءت نفسي فجأة شمس وهاجة كشفت لي دنيا عظيمة كانت مختفيةً عني ، وإذا أنا اقطع عهداً بأنها لن تكون لسواي ، ولما عدت الى داري ، وراجعت هجسات ضميري ، هزئت بنفسي وكلي سخط وألم ، ولكن عهدي ما زال ثابتاً على الرغم من كل شيء ،لا يتقهقر ولا يتزايل ، بل يتقدم في جرأة وإقدام ، ولكن كيف أنفذ ذلك العهد ؟ هذا ما كان يحيرني ويؤلم قلبي ، منذ ذلك اليوم جعلت طريقي إلى بستانها ، لا أعرف سواه ، أقضي على مقربة منه يومي ، أراها ولا تراني فإذا صعدت في قصرها انتحيت نحو الشاطئ و تخيرت مكاناً ظليلاً ، وبثثت شكواي للناي ، فكنت أسمعه أحياناً يهمس لي : ( لماذا لا تحاول التقرب إليها ؟ لماذا لا تكشف لها عن كوامن صدرك ؟ ) .
ـ و لماذا لم تذعن لما أوحى لك به صفيك الناي ؟
ـ أتريد مني أن استمع لذلك الساذج الغرير ؟ ألم اقل لك من هي ؟ إن فيها من دم الآلهة يا أبي ، كلنا نعلم ان عظماء تقدموا إليها بقلوبهم فردتهم خائبين ، لقد أمضيت يا أبت الليالي الطوال أفكر في مصيري معها ،لا بد ان تقع معجزة تحولني من صعلوك بائس ، إلى أمير يفوق جميع الأمراء ، يرضاه فرعون و ترعاه ( إيزيس ) ، وكان أن اشتد بي الضيق يوماً ، فجريت صوب النهر و هممت أن ألقي بنفسي الى التماسيح ، وفي تلك الساعة الفاصلة سمعت هاتفاً يقول لي : ( اذهب الى ( حابي ) الحكيم ، فعنده تتم المعجزة ! ) .
فتمتم الشيخ ( حابي ) : أقال لك الهاتف ذلك ؟
ـ قسماً بإيزيس ، لقد سمعت صوته واضحاً يرن في أذني ، و كانت التماسيح قد خرجت برؤوسها تنظر الي متنمرة ، فوجدتني في لحظة أنفر متراجعاً عن النهر ، وانطلقت أعدو …
أكنت أعدو حقاً ؟ لا ادري ! كنت أحس أني محمول بقوة خارقة غير منظورة ، وفي الغد بعت ما أملك وجمعت مالي ، وحملت زادي ، وسرت وجهة دارك .
فأمسك ( حابي ) بيدي ( راموسي ) و ضغطهما وهو يقول : ستتم المعجزة يا ولدي ... فاعتمد عليّ .
ـ إذن ستجعلني أمير الأمراء ؛ وستجعل من ( أشمس ) زوجة لي ؟
ـ إن علمي لا يتطاول إلى مثل هذه الأمور .
ـ كيف ؟
ـ كل ما أقدر عليه أن أعمل على تغيير نفسيتك .
ـ أوضح يا أبي !
ـ سيتغير فيك كل شيء ... شمائلك الأصيلة ستنقلب الى ضدها : الخمول سيغدو نشاطاً متأججاً ، والقناعة ستكون طمعاً صاخباً ، والرحمة ستفسح مكانها للقسوة والعنف ، ستكون حياتك يا ( راموسي ) كالبركان الفوار ؛ لا يخبو له لهب ، ولا يسكن له زئير !
فطأطأ ( راموسي ) رأسه ، و قال : أبت !
ـ ليس ثمة طريق لما تطلب من ثروة وجاه إلا هذا الطريق .
و صمت ( راموسي ) لحظة ، ورأسه منحن على صدره ، وبغتة رفع وجهه الى ( حابي ) وقال : ولكن .. حبي ؛ حبي للأميرة .. أيعتريه تغير ؟
ـ حبك باق كبقاء الروح الخالدة ، و لكن …
ـ ماذا ؟
ـ أواثق أنك ستكون سعيداً بنفسك الجديدة بعد أن تتم المعجزة ، وأنه لن يراودك الحنين إلى نفسك الأولى ؟
ـ كلا .. كلا .. !
ودارت عجلة الحياة ، الأيام تلو الأيام ، والأشهر اثر الأشهر، وكان ملك المغرب قد دفعه الطمع إلى امتلاك ( مصر) ، فسيّر إليها الجيوش الكثيفة ، فغزت المناطق الشمالية في غير عسر، ثم اندفعت في طريقها تكتسح أمامها جند الوطن ، ولم يجد تعيين القائد الكبير ( روادا ) أميراً على الجيش الذي أرسله فرعون لإنقاذ البلاد ، إذ أصيب ( روادا ) بهزيمة نكراء ، وقتل في المعركة ، وكاد الجيش يتفكك ويندثر، لولا ان قيض الله شاباً من بين المحاربين تقدم لقيادته ، فاخذ يجمع شمله ، ويبث فيه روحاً جديداً ، فلم ينقض وقت طويل حتى انقلبت الهزيمة الى هجوم ، ثم أنتهى الهجوم الى مطاردة للعدو، فاكتساح كامل له ، واصبح هذا الشاب قائداً للجيش ، ولقب نفسه بـ " الأمير الأسود " ، اذ كان يرتدي السواد دائماً ، ولم يكتف الامير الاسود بصد هجوم الغزاة ، بل تابع زحفه في جرأة غريبة ، ففتح ( مملكة المغرب ) بأسرها ، وأخضعها لفرعون ، فصارت تابعة لمصر .
كانت ( رنسي ) المدينة ذات المعابد الأربعة والمسلات الخمس ، حاضرة ( مصر ) الثانية ، تحتفل احتفالا رائعاً بقدوم الجيش المنتصر وعلى رأسه أميره الأسود ، فقد عاد محملاً بأسلاب وغنائم ، لم يأت بها قائد منتصر من قبل ، وكان موكبه حافلاً بالأسرى العظام من الأمراء والحكام وسراة الدولة المغلوبة ، أما بقية الدهماء فقد اكتفى بقطع أيديهم ، واطلق سراحهم ، كي لا يعطلوا سير الموكب بكثرة عددهم ، ولكنه أحتفظ بتلك الأيدي ، فحملها معه ليقدمها الى فرعون رمزاً للخضوع والطاعة .
وتمت مراسيم الاستقبال في عظمة و فخامة جديرتين بالقائد العظيم والفاتح الكبير ، و لكن الأميرة ( أشمس ) أولى سيدات البيت الفرعوني تخلفت عن حضور الاحتفال وأرسلت تعتذر لفرعون، وكان فرعون يعرف ما طرأ عليها من شذوذ في طباعها واعتزالها العالم ، فقبل عذرها على مضض ، و لكن رسول الأمير الأسود جاءها يحمل من الأمير نفسه رغبته في زيارتها قبل الغروب لأمر ذي بال فلم تجد مخلصاً من استقباله وأمرت أن يعدوا القصر لهذا القدوم .
و أخذ الأتباع يعملون بجد واهتمام في تزيين القصر ، فما كادت الشمس تؤذن بالمغيب حتى بدا القصر خلال الظلام كأنه قطعة من لؤلؤ يتألق ، وانتشر الطيب الذكي في أرجائه ، فكأنه روضة فواحة من الأزهار النضرة .
وجاء الأمير في الموعد في حفل من قواده ، ودخل القصر وهو يضرب الأرض بقدميه الصلبتين ضربات شديدة ، تردد صداها في جوانب المكان ، وجعل يلتفت يمنة و يسرة بوجهه الرائع ، الذي تدل كل لمحة من لمحاته على رجولة قوية قاسية ، وكانت لعينه الواسعة إشعاعات قوية باهرة ، لا تقوى عين على تحديها .
وما ان دخل البهو الكبير ، ورأى الاميرة واقفة في صدره ، تحف بها وصيفاتها حتى توقف بغتة ، واتسعت حدقتا عينيه ، وتفتح وجهه في لحظة بنور متالق تشيع فيه الاحلام ، وامسك بيد رفيق له بجانبه وشد عليها وطالت وقفته على هذه الحال ، والناس من حوله صامتون ، واخيرا همس رفيقه في اذنه : مولاي ! … ان الاميرة تنتظرك … تقدم …
وتقدم الامير الاسود بخطوات لم تردد صداها جوانب المكان هذه المرة ، وركع امامها ، فانهضته وهي تقول : نحن الذين يجب ان نركع امام المنقذ العظيم .
ورفع وجهه اليها وقال في صوت متخافت : عفوا مولاتي .. امام هذا الجمال الالهي ، يستشعر للقائد العظيم ضآلة نفسه وتفاهة مجده .
ـ سيدي ! …
ـ ليس ثمة عظيم امامك يا مولاتي .. كلنا من اتباعك المخلصين .
وتهامس الناس فيما بينهم دهشين حيارى … لم يشاهد الامير على هذه الصورة ، حتى في حضرة فرعون الاعلى .
وبدات الجموع تتفرق ، والمكان يخلو للضيف وربة القصر، واخذ القائد يروي وقائعه ويعدد اسلابه ، ويذكر ما ناله من مال وضياع ، تعادل اموال فرعون العظيم ، وختم حديثه قائلا : ان الاميرة لتعلم ان فرعون بلا عقب ، وهو الان شيخ مثقل بالمرض ، وقد طالبه الكهنة بتبني أمير يجعله وليا للعهد ، امير اهل لهذا المنصب الخطير .
ـ وهل وقع اختيار الملك على هذا المحظوظ ؟ …
فابتسم الامير ابتسامة ذات معنى ، وقال : لقد اتم اختياره سرا ، وسيعلنه غدا في الهيكل الكبير .
وصمتت ( اشمس ) وهي تتفحص الامير طويلا .. ثم انحنت في خشوع ، وهي تقول : يسعدني ان اكون اول من يقدم طاعته لصاحب التاجين ، وارث ملك الفراعنة العظيم .
فامسك الامير بيدها ، وقال : هذا الملك العظيم ، وهذا النصر الباهر ، وهذه الاموال التي لايستطيع ان يحصيها احد ، وكل ما كسبته وما سأكسبه اضعه تحت قدميك انت يا اميرتي ويا مولاتي … اقدم لك هذا ازاء شيء واحد منك .
فاسبلت الاميرة جفنيها .
وتابع الامير حديثه في لهجة مشبوبة : كلمة منك يا ( اشمس ) تجعل هذا الوادي الفسيح بسكانه وكنوزه ، هذا الملك الضخم ، طوع يديك ، قولي كلمة الرضا ، ثم مرى فلن يعصي لك احدا امرا .
ـ الا نذهب الى المستشرف فنلقى نظرة على البستان ؟
فاجابها الامير وهو حائر : كما تريدين .
وذهبا الى المستشرف ، واطالت الاميرة النظر الى الحديقة وهي تصعّد بصرها في اشجارها وازهارها ، ثم قالت : ايسمح لي الامير ان اقص عليه قصة صغيرة ؟
فاجابها وهو يزداد عجبا : اني مصغ اليك يا اميرة .
ـ كان في الزمان الغابر فتاة من الاثرياء ، من اسرة رفيعة النسب ، تحيا ناعمة البال في قصرها ذي البستان الكبير ، حياة ترف ورغد ، ولم يكن لها مطمع تصبواليه ، الا العثور على زوج تنعم معه بحب ووفاء ، شانها في ذلك شان كل فتاة ، وحج الى قصرها اعلى الامراء شأنا ، واعظمهم وسامة وثراء ، يطلبونها للزواج ، فردتهم بلا امل .
ـ ولم ذلك ؟
ـ لانها كانت مخدوعة في نفسها مغرورة بجمالها فلم يرقها واحد من هؤلاء الامراء .
ـ ومن كانت تنتظر ان يتقدم لها بعد هؤلاء ، وهم صفوة البلد ؟ .
وتريثت الاميرة في اجابتها ، وهي تسرح طرفها في الافق ، حيث الظلام يقبل في وحشته وصمته واسراره… وقالت : هي نفسها لم تكن تدري ، ولكنها على الرغم من ذلك كانت تنتظر وتؤمل !
ـ وهل طال انتظارها ؟
ـ لا .
ـ اذن عثرت على ضالتها ؟
ـ نعم ايها الامير …
ـ أكان قائد غازيا ؟
ـ او وزيرا خطيرا ؟
ـ لا .
ـ لا ! … اذن هو ملك من نسل الالهة ! .
ـ ولا هذا ايضا …
ـ من يكون اذن ؟
ـ وارسلت الاميرة تنهدة خفيفة ، وقالت في صوت هامس : شاب رقيق الحال ، مرهف الشعور .
ـ وما مهنته ؟
ـ ليست له مهنة ، كان يقضي ايامه يجوب البساتين ، ويتنزه على ضفاف الانهار ، يستمتع بمحاسن الطبيعة.
_ انها حياة اقرب الى التبطل والصعلكة …
فتمتمت الاميرة بلهجة الحالم وهي تستقبل بعينيها كتائب الظلام المتراكم : قد يكون ذلك ولكنه الوحيد الذي استطاع ان يصهر كبريائها ، ويحطم تاج غرورها .
ـ هو !… أممكن ذلك ؟
ـ اجل .. لقد احبته الفتاة … احبت فيه ذلك الشاعر المرهف الحس ينشدها اعذب الحانه وارقها ! .
ـ أكان شاعرا ينظم لها القصائد ؛ وينشدها اياها ؟ ام كان ينظم قصائده بلا كلام ، وينشدها اياها من مزماره الرخيم ؟
فاصابت الاميرة هزة شديدة ، وقال في صوت جياش : لا ، فهي لم تره ، بل اغرمت به على البعد . ولا تدري أرآها ام لا .
ـ لا ريب في انه رآها …
ـ ليس ذلك مؤكدا ، فأنظار هذا الشاعر الجوال كانت اقصر من ان تخترق خمائل البستان او جدران القصر ، لتكشف الفتاة وتلتقي بانظارها .
ـ يا للفتى البائس ! … لو علم انها تضمر له هذا الحب لطار اليها ، وارتمى تحت قدميها يلثمها في عبادة .
ـ من يدري ايها الامير ؟… انه فتى غريب الاطوار ، يعيش وفق هواه … قد يرفض حبها لو تقدمت به اليه .
ـ محال !! …
ـ لو كان يعلم كيف احبته هذه الفتاة وكيف ترضى ان تعيش معه ، تقاسمه حياته الطليقة في دنياه الرحبة الوضاءة ، لقبل منها هذا الحب !
وتمتم الامير بكلمات متقطعة ، وقد شد بيده على حاجز المستشرف حتى كادت اصابعه تدمى .
وتابعت الاميرة حديثها : لقد برمت الفتاة بحياة الثروة والجاه التي تحياها ، واتضحت امامها بشاعتها ، واحست ثقلها المرهق يحبس انفاسها … فرغبت ان تفر من بيئتها ، تستبدل الكوخ الساذج الهادئ بالقصر المنيف الصاخب والرداء الخفيف المزين بالازهار بالثوب اللامع باللألئ … لقد برمت بكل شيء يحيط بها واشتدّت بها الرغبة ان تهرب ، فتلحق بشاعرها تقضي حياتها في حمى مزماره .
ـ ولكنها لم تفعل ! …
ـ لقد كادت … ولكن الفتى اختفى فجأة .
ـ أهرب ؟…
ـ ان الناس يرجفون بموته فقد تكون التماسيح اكلته … ومن ثم اسدلت الفتاة على حياتها سترا غليظا يحجبها عن العالم اجمع …
ـ قد تسلوه يوما ، فترضى الزواج بامير كبير .
ـ ان القصة تحدثنا ان الفتاة قضت في عزلتها عامين ، وهي لم تتغير فيها … وبقيت تترقب شاعرها الفقير كما هو ، بردائه الساذج ، وقلبه الكبير … ولن تستبدل به احدا مهما عظم قدره واتسع ماله !
ـ وهنا تنتهي القصة … اليس كذلك ؟
ـ تكاد تنتهي ، والبقية في كلمتين … اتريد ان اتمها لك ؟
فقال الامير ، وهو يضغط كلماته في حسرة مكتومة : اذا رغبت ، اتممتها انا لك !
فتمايلت الاميرة وعرضت على وجهها ابتسامة ، وقالت : كيف ؟ أو تعرفها ؟
فقال الامير في شيء من السهوم : ان براعتك في رواية القصة قد جعلتني احزر خاتمتها !
وراح الامير يحدّ بصره في نجوم الليل البعيدة كانه يريد ان يستلهمها كلمة نصح او هداية .. ولكن لم تطل وقفته على هذه الصورة ، فانحنى امام الاميرة يقول : لن انسى ما حييت حسن احتفائك بي .
وقبّل يدها قبلة طويلة عميقة ، ثم ترك المكان لا يلوي على شيء ، واقلّته على الفورعجلته الحربية ، بعد ان استأذن رفاقه في ان ينصرف وحده ، وانطلقت به العربة هائمة في اديم الصحراء تشق امامها سجف الظلام شقا .
( تمت )
هذاا ترى اوول مووضووع حاالي [/align]
تعليق