السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية مباركة طيبة لكم جميعا
وصياما مقبولا وإفطارا شهيا ومن حسنات إلى حسنات إن شاء الله
لا تعليق ولا تعقيب .
أنقل لكم اجزاء كتاب
صِفَةُ نِسَاءِ الْجَنَّة
تَأْلِيفُ : عبد العزيز بن محمد
أتمنى لكم قراءة طيبة
تحية مباركة طيبة لكم جميعا
وصياما مقبولا وإفطارا شهيا ومن حسنات إلى حسنات إن شاء الله
لا تعليق ولا تعقيب .
أنقل لكم اجزاء كتاب
صِفَةُ نِسَاءِ الْجَنَّة
تَأْلِيفُ : عبد العزيز بن محمد
أتمنى لكم قراءة طيبة
الجزء الاول
مُشَوِّقُ الأَرْوَاح
إِلَى
نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح
أو
صِفَةُ نِسَاءِ الْجَنَّة
تَأْلِيفُ
عبد العزيز بن محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيّئات أعمالنا.مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له.ومَن يُضلل فلا هاديَ له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم.
أمّا بعد.
فإنّ الله تعالى خلق عباده لأمرٍ عظيم هو عبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون )[ الذاريات:56 ].
وأكْرَمُ الخلق عند الله أتْقَاهم وأحسنهم عبادةً لله، كما قال تعالى( إنّ أكْرَمَكم عند الله أتْقَاكم ) [ الحُجُرات:13 ].
والإنسان إذا لم يعبد الله وحده، فإنّه يكون مَطِيَّةً للشيطان، تلعب به الأهواء،وتذهب به الشهوات،ويَعْمى قلبه، ويمشي مُكِبّاً على وجهه.
قال تعالى ( ومَن يَعْشُ عن ذِكْرِ الرَّحمن نُقَيِّضْ له شيطاناً فهو له قَرِيْن وإنّهم لَيَصُدّونهم عن السبيل ويحسبون أنّهم مهتدون ) [الزخرف:36ـ37].
فإبليس اللعين لا يَهْنأ بالتوحيد والعبادة.ولِخُبْثه وفساده وشدّة عَداوته لِبني آدم قَطَع على نفسه لَيُغْوِيَنّهم، إلا عباد الله المُخْلَصين فإنّه موقنٌ بأن لا سبيل له إليهم.
( قال ربّ بما أغويتني لأُزَيِّنَنّ لهم في الأرض ولأُغْوِيَنّهم أجمعين إلا عبادك منهم المُخْلَصين ) [ الحِجْر:39ـ40 ].
فعباد الله المُخْلَصون لا سلطان لإبليس عليهم، كما قال تعالى ( إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ وكفى بربّك وكيلاً ) [ الإسراء:65 ].
وقال تعالى ( فإذا قَرَأتَ القرآن فاستعذْ بالله مِن الشيطان الرجيم إنّه ليس له سلطانٌ على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون إنّما سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنه والذين هم به مشركون ) [ النحْل:98ـ100 ].
فسلطان اللعين على أوليائه وأتباعه،على المشركين بالله،على المتّبعين لأهوائهم،على العاصين لأمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام.
فإبليس يسعى في إغواء بني آدم بِكلّ ما يوصله إلى ذلك.تارةً بالشبهات، وتارةً بالشهوات التي أغوى بها كثيراً مِن أتباعه.ومِن ذلك أنْ صوّر لهم اللذة المحرّمة بصورة النعيم وقرّة العين.وزيّن لهم إطلاق الأبصار في الحرام والتعدّي بالفروج ليستر بضاعته الفاسدة التي توجب دار البوار.
فأولياء الشيطان إنّما يفعلون ما يدعوهم إليه إِمامهم اللعين مِن إطلاق أبصارهم في الحرام والتعدّي بفروجهم مِن أجل ماذا ؟ مِن أجل شهوةٍ دنيئة، ولذّةٍ حقيرة، ما أسْرَعَ انقضاءها،وما أعظم ضررها.إذا نظرتَ إلى اللذة وجدتها قصيرة الأمَد، لكنّها تُذهب الإيمان وتطمس النور.تنزع حُلَّة البَهَاء.وتسلب زينة الحياء.تشغل الفِكْر عن الطاعة، وتقذف بالفكر صريعاً إلى حضيض الصُوَر الخسيسة.فترى المصاب بهذا المرض ـ مرض الشهوة وطلب اللذة المحرّمة ـ تراه مفتوناً أيّ فتنة.عبداً لشهوته.أسيراً لِهَواه.مُكَبَّلاً عن الخير.لا هَمَّ له إلا في تحصيل لذّته.فما أشدّ حِرْمانه.وما أبْيَنَ خسرانه.ما أسْفَهه ثمّ ما أسْفَهه.
وقبل كلّ ما سبق مِن المفاسد فإنّ أسِيْرَ هَوَاه قد أسخط ربّه جلّ وعلا بمعصيته.فهو مُتَوَعَّدٌ بالعذاب العظيم.قد ضَيَّعَ آخِرَته، وسعى في تفويت اللذة العظيمة في جنّات النعيم.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 311 ):
( فمَن استوفى طيّباته ولذّاته وأذهبها في هذه الدار حُرِمَها هناك، كما نَعَى سبحانه وتعالى على مَن أذهب طيّباته في الدنيا واستمتع بها.ولهذا كان الصحابة ومَن تبعهم يخافون مِن ذلك أشدّ الخوف ) ـ إلى أنْ قال ـ: ( فمَنْ ترك اللذة المحرّمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون.ومَن استوفاها هنا حُرِمَها هناك أو نقص كمالها.فلا يجعل الله لذّة مَن أوضع في معاصيه ومحارمه كلذّة مَن ترك شهوته لله أبداً).انتهى كلام ابن القيّم.
فيا أيّها العبد اللبيب أُنظرْ إلى مفاسد اللذة المحرّمة، ووَازِنها معها، فستعلم أيّ مرضٍ هو قد أُصيبَ به ذلك المفتون ـ عافانا الله وإيّاك ـ فما أخطره.فهو مرض الهَلَكة لِمَن أُصيب به فلم يعالج نفسه بالوحي.فكم ضلّ بهذا المرض مِن مهتد.وكم غوى به مِن راشد.وكم في طريقه مِن قتيل.بعد عزّته صار الحقيرَ الذليل.
فمرض الافتتان بالنساء مرض خطير ومنتشر، يورث مفاسد كثيرة.وقد حذّرنا منه النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم.فعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( إنّ الدنيا حُلوةٌ خَضِرة.وإنّ الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون.فاتّقوا الدنيا.واتّقوا النساء.فإنّ أولّ فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه مسلم ( 17/55 ـ الشرح ).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( ما تَرَكْتُ بعدي فتنةً أَضَرّ على الرِّجال مِن النساء ) رواه البخاريّ ( 7/11 ) ومسلم ( 17/54 ـ الشرح ).
وقد أردتُ أن أُبَيِّن بمشيئة الله تعالى في هذا الكتاب صفات نساء الجنّة اللاتي بشّر الله تعالى بها المؤمنين المتّقين.فمعرفة صفاتهنّ مِن أسباب اتّقاء فتنة النساء،ومِن أسباب ترك اللذة المحرّمة.
فكيف يختار لنفسه سلوك سبل أهل الغفلة مَنْ علم صفات نساء الجنّة وعرف حسنهنّ وجمالهنّ ؟ وكيف يختار سبل المحرومين الذين رضوا لأنفسهم بالهَوَان، فباعوا اللذة العظيمة في الجنّة بلذّةٍ حقيرة منقطعة ناقصة مُنَغَّصة مُنَغِّصة توجب الحرمان والعقاب ؟
فأهل الإيمان والتقوى يوجب لهم الترغيبُ والترهيبُ المُسَارَعةَ إلى الطاعة، واجتنابَ ما حرّم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
فأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب.وأن يَدَّخِرَ لي به عظيم الثواب.وأن يهدينا وسائر إخواننا إلى جنّات النعيم.
صِفَاتُ نِسَاءِ الجَنَّة
أزواجٌ مُطَهَّرة
قال الله تعالى ( وبَشِّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار كلّما رُزِقوا منها مِن ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا مِن قبل وأُتُوا به مُتَشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وهم فيها خالدون ) [ البقرة:25 ].
قال ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 283 ):
( فتأمّلْ جلالة المُبَشِّر ومنزلته وصدقه، وعظمة مَن أرسله إليك بهذه البشارة، وقدر ما بشّرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره.وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجِنان وما فيها مِن الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المُطَهَّرة، ونعيم القلب وقرّة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه ).وقال تعالى ( زُيِّنَ للناس حبُّ الشَهَوات مِن النساءِ والبنينَ والقناطيرِ المقنطَرةِ مِن الذهب والفضّة والخيل المُسَوَّمة والأنعامِ والحَرْث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مُطَهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) [ آل عمران:14ـ17 ].
وقال تعالى ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وندخلهم ظلاً ظليلاً ) [ النساء:57 ].
فهذه بشارةٌ عظيمة بشّر الله تعالى بها عباده المؤمنين المتّقين.فأزواجهم في الجنّة طاهرات مِن كلّ قذرٍ وخبث وآفة، سواء في ذلك ظاهرهنّ وباطنهنّ.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) (283ـ284):
( والمُطَهَّرة التي طُهِّرتْ مِن الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكلّ قذر وكلّ أذى يكون مِن نساء الدنيا.فطُهِّر مع ذلك باطنها مِن الأخلاق السيّئة والصفات المذمومة.وطُهِّر لسانها مِن الفحش والبذاء.وطُهِّر طرفها مِن أن تطمح به إلى غير زوجها.وطُهِّرتْ أثوابها مِن أن يعرض لها دنس أو وسخ ).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في ( النهاية في الفتن والملاحم ) ( 2/509 ):
( وقال تعالى ( لهم فيها أزواجٌ مطهّرة ) [ النساء:57 ] أي مِن الحيض والنفاس والبول والغائط والبصاق والمخاط.لا يصدر منهنّ شيءٌ مِن ذلك.وكذلك طُهِّرتْ أخلاقهنّ وأنفاسهنّ وألفاظهنّ ولباسهنّ وسجيّتهنّ ).وإذا كان هذا وَصْف نساء الجنّة فيا أيّها العاقل اللبيب حيّ على الجنّة بالعمل الصالح، أُبذل جهدك في طاعة الله تعالى وطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، عسى أن تنجو مِن المرهوب، وتفوز بالمرغوب.
وتأمّل قوله تعالى ( ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب ) [ آل عمران:14 ] لِيُرشد تعالى عباده إلى ثواب الآخرة ويرغّبهم فيه، ولِيَعلموا أنّ الآخرة خيرٌ وأبقى فيتّقوا الله.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( عدّة الصابرين ) (169ـ170) بعد أن ذكر قوله تعالى ( زُيِّنَ للناس حبُّ الشهَوات ) الآية:
( فأخبر سبحانه أنّ هذا الذي زيّن به الدنيا مِن ملاذّها وشهواتها، وما هو غاية أماني طُلابها ومُؤثريها على الآخرة، وهو سبعة أشياء: النساء اللاتي هنّ أعظم زينتها وشهواتها وأعظمها فتنة.والبنين الذين بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزّه.والذهب والفضّة اللذَين هما مادّة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها.والخيل المُسَوَّمة التي هي عزّ أصحابها وفخرهم وحصونهم وآلة قهرهم لأعدائهم في طلبهم وهربهم.والأنعام التي مِنها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم وأمتعتهم وغير ذلك مِن مصالحهم.والحرث الذي هو مادّة قوتهم وقوت أنعامهم ودوابّهم وفاكهتهم وأدويتهم وغير ذلك.
ثمّ أخبر سبحانه أنّ ذلك كلّه متاع الحياة الدنيا.ثمّ شوّق عباده إلى متاع الآخرة، وأعلَمَهم أنّه خيرٌ مِن هذا المتاع وأبقى فقال ( قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد ). [ آل عمران:15 ].
ثمّ ذكر سبحانه مَن يستحقّ هذا المتاع ومَن هم أهله الذين هم أولى به فقال ( الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) [ آل عمران:16ـ17 ].فأخبر سبحانه أنّ ما أعدّ لأوليائه المتّقين مِن متاع الآخرة خير مِن متاع الدنيا.وهو نوعان: ثواب يتمتّعون به، وأكبر منه وهو رضوانه عليهم ).
نسأل الله تعالى أن يُبَلّغنا جنّته إنّه غفور رحيم كريم.
خَيْراتٌ حِسان
قال الله تعالى ( فيهنّ خَيْراتٌ حِسان ) [ الرحمن:70 ].
( فالخيرات جمع خَيْرة.وهي مخففة مِن خَيّرة.كسيّدة وليّنة.وحِسان جمع حسنة.فهنّ خيرات الصفات والأخلاق والشيم.حِسان الوجوه ) حادي الأرواح لابن القيّم ( 290ـ291 ).
وقال ابن القيّم أيضاً في ( روضة المحبّين ) ( 243 ):
( وهي التي قد جمعتْ المَحاسن ظاهراً وباطناً، فكمل خَلْقها وخُلُقها.فهنّ خيرات الأخلاق حِسان الوجوه ).
ومما يبيّن حُسْنهنّ ما ورد في صحيح البخاريّ ( 4/20ـ21 ) مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( لَرَوحةٌ في سبيل الله أو غَدوةٌ خيرٌ مِن الدنيا وما فيها.ولَقَابُ قوْسِ أحدكم مِن الجنّة أو موضع قِيدٍ يعني سَوْطَه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها. ولو أنّ امرأةً مِن أهل الجنّة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض لأضاءتْ ما بينهما ولَمَلأته ريحاً.ولَنَصِيْفها(1)على رأسها خيرٌ مِن الدنيا وما فيها ).
وقد ورد ما يدلّ على أنّ نساء الجنّة يزدادون حسناً وجمالاً، ففي صحيح مسلم ( 4/2178 ) عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ( إنّ في الجنّة لَسُوْقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهبّ ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ).
يُغَنِّينَ أزواجهنّ بِأَحْسَن أَصوَات
__________
(1) أي خِمَارها.وإذا كان هذا قدر الخِمَار فما قدر لابسته.
مُشَوِّقُ الأَرْوَاح
إِلَى
نِسَاءِ بِلادِ الأَفْرَاح
أو
صِفَةُ نِسَاءِ الْجَنَّة
تَأْلِيفُ
عبد العزيز بن محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيّئات أعمالنا.مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له.ومَن يُضلل فلا هاديَ له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم.
أمّا بعد.
فإنّ الله تعالى خلق عباده لأمرٍ عظيم هو عبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون )[ الذاريات:56 ].
وأكْرَمُ الخلق عند الله أتْقَاهم وأحسنهم عبادةً لله، كما قال تعالى( إنّ أكْرَمَكم عند الله أتْقَاكم ) [ الحُجُرات:13 ].
والإنسان إذا لم يعبد الله وحده، فإنّه يكون مَطِيَّةً للشيطان، تلعب به الأهواء،وتذهب به الشهوات،ويَعْمى قلبه، ويمشي مُكِبّاً على وجهه.
قال تعالى ( ومَن يَعْشُ عن ذِكْرِ الرَّحمن نُقَيِّضْ له شيطاناً فهو له قَرِيْن وإنّهم لَيَصُدّونهم عن السبيل ويحسبون أنّهم مهتدون ) [الزخرف:36ـ37].
فإبليس اللعين لا يَهْنأ بالتوحيد والعبادة.ولِخُبْثه وفساده وشدّة عَداوته لِبني آدم قَطَع على نفسه لَيُغْوِيَنّهم، إلا عباد الله المُخْلَصين فإنّه موقنٌ بأن لا سبيل له إليهم.
( قال ربّ بما أغويتني لأُزَيِّنَنّ لهم في الأرض ولأُغْوِيَنّهم أجمعين إلا عبادك منهم المُخْلَصين ) [ الحِجْر:39ـ40 ].
فعباد الله المُخْلَصون لا سلطان لإبليس عليهم، كما قال تعالى ( إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ وكفى بربّك وكيلاً ) [ الإسراء:65 ].
وقال تعالى ( فإذا قَرَأتَ القرآن فاستعذْ بالله مِن الشيطان الرجيم إنّه ليس له سلطانٌ على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون إنّما سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنه والذين هم به مشركون ) [ النحْل:98ـ100 ].
فسلطان اللعين على أوليائه وأتباعه،على المشركين بالله،على المتّبعين لأهوائهم،على العاصين لأمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام.
فإبليس يسعى في إغواء بني آدم بِكلّ ما يوصله إلى ذلك.تارةً بالشبهات، وتارةً بالشهوات التي أغوى بها كثيراً مِن أتباعه.ومِن ذلك أنْ صوّر لهم اللذة المحرّمة بصورة النعيم وقرّة العين.وزيّن لهم إطلاق الأبصار في الحرام والتعدّي بالفروج ليستر بضاعته الفاسدة التي توجب دار البوار.
فأولياء الشيطان إنّما يفعلون ما يدعوهم إليه إِمامهم اللعين مِن إطلاق أبصارهم في الحرام والتعدّي بفروجهم مِن أجل ماذا ؟ مِن أجل شهوةٍ دنيئة، ولذّةٍ حقيرة، ما أسْرَعَ انقضاءها،وما أعظم ضررها.إذا نظرتَ إلى اللذة وجدتها قصيرة الأمَد، لكنّها تُذهب الإيمان وتطمس النور.تنزع حُلَّة البَهَاء.وتسلب زينة الحياء.تشغل الفِكْر عن الطاعة، وتقذف بالفكر صريعاً إلى حضيض الصُوَر الخسيسة.فترى المصاب بهذا المرض ـ مرض الشهوة وطلب اللذة المحرّمة ـ تراه مفتوناً أيّ فتنة.عبداً لشهوته.أسيراً لِهَواه.مُكَبَّلاً عن الخير.لا هَمَّ له إلا في تحصيل لذّته.فما أشدّ حِرْمانه.وما أبْيَنَ خسرانه.ما أسْفَهه ثمّ ما أسْفَهه.
وقبل كلّ ما سبق مِن المفاسد فإنّ أسِيْرَ هَوَاه قد أسخط ربّه جلّ وعلا بمعصيته.فهو مُتَوَعَّدٌ بالعذاب العظيم.قد ضَيَّعَ آخِرَته، وسعى في تفويت اللذة العظيمة في جنّات النعيم.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 311 ):
( فمَن استوفى طيّباته ولذّاته وأذهبها في هذه الدار حُرِمَها هناك، كما نَعَى سبحانه وتعالى على مَن أذهب طيّباته في الدنيا واستمتع بها.ولهذا كان الصحابة ومَن تبعهم يخافون مِن ذلك أشدّ الخوف ) ـ إلى أنْ قال ـ: ( فمَنْ ترك اللذة المحرّمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون.ومَن استوفاها هنا حُرِمَها هناك أو نقص كمالها.فلا يجعل الله لذّة مَن أوضع في معاصيه ومحارمه كلذّة مَن ترك شهوته لله أبداً).انتهى كلام ابن القيّم.
فيا أيّها العبد اللبيب أُنظرْ إلى مفاسد اللذة المحرّمة، ووَازِنها معها، فستعلم أيّ مرضٍ هو قد أُصيبَ به ذلك المفتون ـ عافانا الله وإيّاك ـ فما أخطره.فهو مرض الهَلَكة لِمَن أُصيب به فلم يعالج نفسه بالوحي.فكم ضلّ بهذا المرض مِن مهتد.وكم غوى به مِن راشد.وكم في طريقه مِن قتيل.بعد عزّته صار الحقيرَ الذليل.
فمرض الافتتان بالنساء مرض خطير ومنتشر، يورث مفاسد كثيرة.وقد حذّرنا منه النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم.فعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( إنّ الدنيا حُلوةٌ خَضِرة.وإنّ الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون.فاتّقوا الدنيا.واتّقوا النساء.فإنّ أولّ فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه مسلم ( 17/55 ـ الشرح ).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( ما تَرَكْتُ بعدي فتنةً أَضَرّ على الرِّجال مِن النساء ) رواه البخاريّ ( 7/11 ) ومسلم ( 17/54 ـ الشرح ).
وقد أردتُ أن أُبَيِّن بمشيئة الله تعالى في هذا الكتاب صفات نساء الجنّة اللاتي بشّر الله تعالى بها المؤمنين المتّقين.فمعرفة صفاتهنّ مِن أسباب اتّقاء فتنة النساء،ومِن أسباب ترك اللذة المحرّمة.
فكيف يختار لنفسه سلوك سبل أهل الغفلة مَنْ علم صفات نساء الجنّة وعرف حسنهنّ وجمالهنّ ؟ وكيف يختار سبل المحرومين الذين رضوا لأنفسهم بالهَوَان، فباعوا اللذة العظيمة في الجنّة بلذّةٍ حقيرة منقطعة ناقصة مُنَغَّصة مُنَغِّصة توجب الحرمان والعقاب ؟
فأهل الإيمان والتقوى يوجب لهم الترغيبُ والترهيبُ المُسَارَعةَ إلى الطاعة، واجتنابَ ما حرّم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
فأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب.وأن يَدَّخِرَ لي به عظيم الثواب.وأن يهدينا وسائر إخواننا إلى جنّات النعيم.
صِفَاتُ نِسَاءِ الجَنَّة
أزواجٌ مُطَهَّرة
قال الله تعالى ( وبَشِّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار كلّما رُزِقوا منها مِن ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزِقنا مِن قبل وأُتُوا به مُتَشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وهم فيها خالدون ) [ البقرة:25 ].
قال ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) ( 283 ):
( فتأمّلْ جلالة المُبَشِّر ومنزلته وصدقه، وعظمة مَن أرسله إليك بهذه البشارة، وقدر ما بشّرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره.وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجِنان وما فيها مِن الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المُطَهَّرة، ونعيم القلب وقرّة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه ).وقال تعالى ( زُيِّنَ للناس حبُّ الشَهَوات مِن النساءِ والبنينَ والقناطيرِ المقنطَرةِ مِن الذهب والفضّة والخيل المُسَوَّمة والأنعامِ والحَرْث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مُطَهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) [ آل عمران:14ـ17 ].
وقال تعالى ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواجٌ مُطَهَّرةٌ وندخلهم ظلاً ظليلاً ) [ النساء:57 ].
فهذه بشارةٌ عظيمة بشّر الله تعالى بها عباده المؤمنين المتّقين.فأزواجهم في الجنّة طاهرات مِن كلّ قذرٍ وخبث وآفة، سواء في ذلك ظاهرهنّ وباطنهنّ.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( حادي الأرواح ) (283ـ284):
( والمُطَهَّرة التي طُهِّرتْ مِن الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكلّ قذر وكلّ أذى يكون مِن نساء الدنيا.فطُهِّر مع ذلك باطنها مِن الأخلاق السيّئة والصفات المذمومة.وطُهِّر لسانها مِن الفحش والبذاء.وطُهِّر طرفها مِن أن تطمح به إلى غير زوجها.وطُهِّرتْ أثوابها مِن أن يعرض لها دنس أو وسخ ).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في ( النهاية في الفتن والملاحم ) ( 2/509 ):
( وقال تعالى ( لهم فيها أزواجٌ مطهّرة ) [ النساء:57 ] أي مِن الحيض والنفاس والبول والغائط والبصاق والمخاط.لا يصدر منهنّ شيءٌ مِن ذلك.وكذلك طُهِّرتْ أخلاقهنّ وأنفاسهنّ وألفاظهنّ ولباسهنّ وسجيّتهنّ ).وإذا كان هذا وَصْف نساء الجنّة فيا أيّها العاقل اللبيب حيّ على الجنّة بالعمل الصالح، أُبذل جهدك في طاعة الله تعالى وطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، عسى أن تنجو مِن المرهوب، وتفوز بالمرغوب.
وتأمّل قوله تعالى ( ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسْن المآب ) [ آل عمران:14 ] لِيُرشد تعالى عباده إلى ثواب الآخرة ويرغّبهم فيه، ولِيَعلموا أنّ الآخرة خيرٌ وأبقى فيتّقوا الله.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في ( عدّة الصابرين ) (169ـ170) بعد أن ذكر قوله تعالى ( زُيِّنَ للناس حبُّ الشهَوات ) الآية:
( فأخبر سبحانه أنّ هذا الذي زيّن به الدنيا مِن ملاذّها وشهواتها، وما هو غاية أماني طُلابها ومُؤثريها على الآخرة، وهو سبعة أشياء: النساء اللاتي هنّ أعظم زينتها وشهواتها وأعظمها فتنة.والبنين الذين بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزّه.والذهب والفضّة اللذَين هما مادّة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها.والخيل المُسَوَّمة التي هي عزّ أصحابها وفخرهم وحصونهم وآلة قهرهم لأعدائهم في طلبهم وهربهم.والأنعام التي مِنها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم وأمتعتهم وغير ذلك مِن مصالحهم.والحرث الذي هو مادّة قوتهم وقوت أنعامهم ودوابّهم وفاكهتهم وأدويتهم وغير ذلك.
ثمّ أخبر سبحانه أنّ ذلك كلّه متاع الحياة الدنيا.ثمّ شوّق عباده إلى متاع الآخرة، وأعلَمَهم أنّه خيرٌ مِن هذا المتاع وأبقى فقال ( قل أؤنَبِّئُكم بخيرٍ مِن ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري مِن تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهَّرةٌ ورِضوانٌ مِن الله والله بصيرٌ بالعباد ). [ آل عمران:15 ].
ثمّ ذكر سبحانه مَن يستحقّ هذا المتاع ومَن هم أهله الذين هم أولى به فقال ( الذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) [ آل عمران:16ـ17 ].فأخبر سبحانه أنّ ما أعدّ لأوليائه المتّقين مِن متاع الآخرة خير مِن متاع الدنيا.وهو نوعان: ثواب يتمتّعون به، وأكبر منه وهو رضوانه عليهم ).
نسأل الله تعالى أن يُبَلّغنا جنّته إنّه غفور رحيم كريم.
خَيْراتٌ حِسان
قال الله تعالى ( فيهنّ خَيْراتٌ حِسان ) [ الرحمن:70 ].
( فالخيرات جمع خَيْرة.وهي مخففة مِن خَيّرة.كسيّدة وليّنة.وحِسان جمع حسنة.فهنّ خيرات الصفات والأخلاق والشيم.حِسان الوجوه ) حادي الأرواح لابن القيّم ( 290ـ291 ).
وقال ابن القيّم أيضاً في ( روضة المحبّين ) ( 243 ):
( وهي التي قد جمعتْ المَحاسن ظاهراً وباطناً، فكمل خَلْقها وخُلُقها.فهنّ خيرات الأخلاق حِسان الوجوه ).
ومما يبيّن حُسْنهنّ ما ورد في صحيح البخاريّ ( 4/20ـ21 ) مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ( لَرَوحةٌ في سبيل الله أو غَدوةٌ خيرٌ مِن الدنيا وما فيها.ولَقَابُ قوْسِ أحدكم مِن الجنّة أو موضع قِيدٍ يعني سَوْطَه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها. ولو أنّ امرأةً مِن أهل الجنّة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض لأضاءتْ ما بينهما ولَمَلأته ريحاً.ولَنَصِيْفها(1)على رأسها خيرٌ مِن الدنيا وما فيها ).
وقد ورد ما يدلّ على أنّ نساء الجنّة يزدادون حسناً وجمالاً، ففي صحيح مسلم ( 4/2178 ) عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ( إنّ في الجنّة لَسُوْقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهبّ ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ).
يُغَنِّينَ أزواجهنّ بِأَحْسَن أَصوَات
__________
(1) أي خِمَارها.وإذا كان هذا قدر الخِمَار فما قدر لابسته.
نكتفى بهذا القدر ههنا
عبدالله عمر
عبدالله عمر
تعليق