إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

@@ أحفظ القرآآن ولاتخف من النسيان @@

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • @@ أحفظ القرآآن ولاتخف من النسيان @@

    أهميه حفظ القرآن الكريم

    الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا رسول الله ، بعثه الله بالحق ودين الهدى ،وأنزل عليه كتاباً مبيناً بأفصح لسان وأروع تصوير وأغلب بيان ، ويتجلى ذلك فيمعانيه الجليلة وتراكيبه المحكمة التي قصرت البلاغة بحدودها الواسعة عن استيعابه ،لما هو به زاخر من آيات عظام وإبداع لا يرقى إليه بيان آخر ، قال عز من قال : " لوأنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله " .إن القرآن الكريمنور الله في الأرض ، والمعجزة الخالدة للنبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليهوسلم ، وهو المنبع الأول بكل ما يتصل بالعقيدة الإسلامية وأحكام الشريعة ، وما يتصلبالمعاملات ومبادىء الأخلاق وقواعد السلوك وسائر الفضائل والمكارم .ولذلك فإن تحفيظالقرآن الكريم لشباب وأبناء الأمة الإسلامية واجب ينبغي القيام به ، وفضيلة ينبغيالتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى . لأن في ذلك تربية لهم على ما فيه من فضائل ،وصقلاً لعقولهم وتدريباً لأذهانهم على حفظ واستيعاب ما ينفعهم .كما أن في حفظ كتابالله من ناشئة الأمة الإسلامية وشبابها تأكيد لحفظ القرآن الكريم الذي تكفل الله عزوجل به : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " إن إلتزام شباب الأمة الإسلاميةوأبنائها بحفظ القرآن الكريم ، والتعمق في شرح معانيه ، وتفسيره يساعد الناشئةوالأمة الإسلامية بكاملها على الاستفادة من منهج القرآن في الحياة ، ذلك المنهجالذي يسمو بالإنسان إلى المنزلة الكريمة التي أرادها الله ، وسيجدون في كتاب اللهما تقصر عنه مستجدات العصر الحاضر والعصور السابقة له .إن إبتداء نزول القرآنالكريم بالأمر العظيم (أقرأ) شاهد جلي على عناية الإسلام بالعمل والمعرفة والبحث فيمختلف الميادين ، وإذا ما أرادت الأمة الإسلامية تحقيق غد مشرق ، يقوده جيل مزوّدبالعلم والمعرفة والحكمة والفكر والسلوك فما عليها إلا الاعتصام بالقرآن الكريم ،وترغيب أبنائها بحفظه بكامله فهو موحّد كلمتنا ، ودليل تطورنا الفكري والثقافيوالحضاري ، وهو المعبر عن أصالة هويتنا الإسلامية ، وموجه المستقبل المشرق لأمةالإسلام إن شاء الله .ولا بد في ختام هذه العجالة من الإشادة باهتمام وزارة الشئونالإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بتحفيظ القرآن الكريم ، وتقديم الجوائز ،وأسأل الله تعالى أن يعين ويوفق كل مخلص يعمل لخدمة القرآن الكريم وإعلاء كلمةالمسلمين أنه سميع عليم .مقال للدكتور/ إبراهيم* بن عبدالعزيز الشدي(وكيل وزارةالمعارف للشؤون الثقافية)-مجلة الدعوة-العدد1634



    تفسير الأحاديث والايات التي تدل على حكم النسيان والمقصود بها

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين (عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).
    هذا الحديث أخرجه الإمام ابن ماجه والإمام البيهقي وصححه الإمام ابن حبان رحمه الله وحسنه جمع من الأئمة والحديث حسن قال المصنف رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) إن الله تجاوز يعني عفا وصفح عفا وصفح وسامح سبحانه وتعالى لهذه الأمة تجاوز لي عن أمتي الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمتان أمة الدعوة وأمة الدعوة هي كل من ولد أو وجد منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة هذه أمة الدعوة.
    والأمة الثانية هي أمة الإجابة أمة الإجابة وهم من استجاب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به عليه الصلاة والسلام إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، الخطأ ضد العمد فالفعل الذي يقع من الإنسان إما أن يكون قصده تعمده وإما أن يكون فعله من دون قصد فالذي فعله من دون قصد يسمى خطأ قال والنسيان النسيان ضد الاستذكار ضد ما يذكر قد يفعل الإنسان فعلا وهو لا يريد فعله ناسي أن هذا الفعل سيفعل كما سيأتي وما استكرهوا عليه يعني ما حملوا عليه كرها وقهرا فيحملون على هذا الفعل وهم لا يريدونه فيفعلونه قهرا هذا الحديث كما قال الإمام النووي أنه اشتمل على فوائد مهمة لو جمعت في مصنف لو جمعت لبلغت مصنفا لما تحتوي عليه هذه القواعد الكبيرة من هذه القواعد والفوائد أن نعم الله سبحانه وتعالى على الناس نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ومن هذه النعم نعمة التشريع الذي شرعه الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة وشرعه على هذه الأمة بما تطيق ولذلك لا يجازيها ربنا جل وعلا إلا بما تطيق ومن هنا جاء اليسر والسماحة في مواضع كثيرة من هذا التشريع من هذه المواضع وهي الفائدة الثانية رفع الحرج عن الأفعال التي تقع من الإنسان وهو لا يريد وقوعها مثل الخطأ والنسيان وما يقع إكراها وهذا كما هو دلت عليه السنة في هذا الحديث أيضا جاء في كتاب الله عز جل مثل قوله سبحانه وتعالى ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286 ]. قال الله فعلت قال الله لقد فعلت فهذا يدل على رفع التكليف على الإنسان في مثل هذه الحالات فلا يؤاخذ ولا يجازى عندما يقع الفعل خطأ وعندما يقع الفعل نسيانا وعندما يقع الفعل إكراها والإكراه أيضا جاء في قوله جل وعلا ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106 ]. فهذا يدل على أن هذه الأشياء من مواضع التيسير والسماحة في هذا الدين فلا يحاسب الإنسان على هذه الأفعال التي وقعت خطأ أو نسيانا أو إكراها والخطأ والنسيان والإكراه يقع من المكلف تجاه حقوق الله سبحانه وتعالى كما يقع تجاه الناس فأما ما يقع تجاه حقوق الله فالخطأ مثل أن يدعو الإنسان من لفرح أو لغضب أو لشيء ثم يخطأ في دعائه مثل الشخص الذي تاهت ناقته وعليها متاعه ثم بعد إعياء وتعب شديد نام تحت ظل شجرة فلما استيقظ وجد الناقة والمتاع عنده فمن شدة الفرح دعا ربه قال اللهم أنت عبدي وأنا ربك من شدة الفرح لأنه وجد متاعه اللهم أنت عبدي وأنا ربك فالله جل وعلا لا يؤاخذه في هذا الكلام أو في هذا الدعاء الخطأ فما كان حقوق الله فهو معفو عنه لا إثم فيه ويتجاوز الله سبحانه وتعالى عنه وقد يكون من حقوق العباد مثل القتل الخطأ القتل جريمة كبيرة بلا شك جريمة عظيمة ولذلك من قتل متعمدا ﴿ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ [النساء: 93]. فالقتل جريمة كبيرة فإذا تعمد إنسان قتل مسلم فجريمة كبيرة كذلك إذا تعمد قتل غير مسلم وهو ليس محارب للمسلمين وإنما هو معاهد أو ذمي أو مستأمن فهذه جريمة كبيرة بلا شك ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهد لم يرح رائحة الجنة) فإذا القتل جريمة عظمى لكن إذا وقع القتل خطأ هذه الجريمة العظمة جزاؤها ماذا لا إذا كان عمدا القصاص لكن إذا كان مع القصاص أيضا الإثم عند الله يعني القصاص في الدنيا والإثم عند الله سبحانه وتعالى لكن إذا وقع هذا القتل خطأ انتقل من القصاص إلى الدية ثم أيضا العفو عند الله تعالى ليس عليه إثم إنما وقع هذا الخطأ وقع الخطأ فإذا كان من حقوق العباد فحق العباد قائم وهو الدية لكن معفو عنه عن الإثم وخففت العقوبة من القتل إلى أن تكون حقا لولي المقتول وهي الدية وهي الدية أما النسيان ففي حقوق الله سبحانه وتعالى معفو عنه كذلك لذلك من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان فهل يفطر لا يفطر لأنه أكل أو شرب ناسيا ولذلك الله سبحانه وتعالى عفا عن هذا النسيان قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما أطعمه الله وسقاه) فمن أكل أو شرب ناسيا فلا يؤاخذ ولذلك حتى الناسي في الصلاة لو أخطأ في صلاته نسيانا فيجبره بإيش بسجود السهو إذا كان النسيان واجب أما إذا كان ركنا فيعيده فقط ولا إثم عليه ما دام ناسيا إذا النسيان في حقوق الله سبحانه وتعالى كذلك لا يحاسب عليه الإنسان والنسيان في حقوق العباد كثيرة أن ينسى حق ماله لأخيه فإذا تذكر هذا الحق فحينئذ يعيد إليه هذا المال أو هذا الحق ولا يعاقب عليه ما دام ناسيا ولم يجد إثباتا أما الإكراه فالإكراه أيضا لأنه كسر على النفس أن تفعل شيئا فلو أكره إنسان مثلا على في عقيدته بأن يقول أنا لا أعبد الله والنار على رأسه فله أن يقول ذلك ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106]. فلا يحاسب على هذا ولا يعتبر خرج من الإيمان ولا يعتبر خرج من الإيمان كذلك في الحقوق في هذه الدنيا فلو أكره إنسان أن يطلق زوجته فطلقها إكراها قال أهل العلم لا يقع الطلاق لأن هذا بغير إرادته إذا هذه أمثلة على أن الإنسان من فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته بهذه الأمة أنه لا يحاسبه على ما وقع منه خطأ أو نسيانا أو بإكراه هذا إذا كانت في حقوق الله أما في حقوق العباد فترد الحقوق عليهم ولا يأثم فترد الحقوق عليهم ولا يأثم الإنسان هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى ومن تيسيره على هذه الأمة وهذا موضع من مواضع التيسير والرحمة وإلا فالمواضع كثيرة لذلك الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه رفع عن هذه الأمة الأوزار والأسرار التي كانت على الأمم السابقة فالأمم السابقة إذا ارتكب إنسان كبيرة من الكبائر الذنوب فما كفارته القتل لكن هذه الأمة التوبة فقط يتوب والله سبحانه وتعالى يتوب على من تاب وما رفعه الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة كثير وأمة محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأمم زمانا لكنها أول الأمم عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة....


    الرجااء عدم الرد إلا أن أنتهي

  • #2
    هذه محاضرة قيمة للشيخ محمدالمنجد طالب العلموالحفظ


    عناصر الموضوع :
    1. الحفظ نعمة وعبادة
    2. ماهية الحفظوميزاته
    3. أهمية الحفظ في طلب العلم
    4. الأمور المساعدةعلى الحفظ
    5. وظائف طالب العلم
    6. أوقات الحفظ
    7. أماكن الحفظ
    8. أبحاث متعلقة بالذاكرة
    9. أولويات الحفظ
    10. من أخبار الحفاظ

    طالب العلم والحفظ:
    وضح الشيخ في هذه المادة أهمية الحفظ في طلب العلم،وماهيته وميزاته، وأنه نعمة من الله قد تكون فطرة وقد تكتسب، ثم تطرق الشيخ إلىالأمور المساعدة على الحفظ واستفاض فيها مبيناً أهمية التكرار وإخلاص النية، والعملبالمحفوظ، والمذاكرة مع الأصحاب، والتعليم، والمداومة على الحفظ والصلاح وفعلالخيرات وترك المحرمات، والتقلل من الدنيا، والحجامة، والأدعية والأذكار ورفع الصوتبالقراءة والتمهل بها... إلى غير ذلك من الأمور المساعدة على الحفظ. ثم بين وظائفطالب العلم، وما هي الأوقات والأماكن المناسبة للحفظ، مذيلاً إياها بذكر جملة منالأبحاث المتعلقة بالذاكرة، وما هي الأوليات في الحفظ، ثم ختمها بجملة من أخبارالحفاظ.

    الحفظ نعمةوعبادة:
    الحمد لله رب العالمين،الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأصلي وأسلم على عبده ونبيه محمد صلى الله عليهوسلم، وعلى آله وصحبه والتابعين. الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لميعلم، والحمد لله الذي هدانا لهذا الدين، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله،والحمد لله الذي جعل كتابه محفوظاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. فحفظالله كتابه بأمور كثيرة: منها صدور أهل العلم: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِيصُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49]. وحفظه بحفظ شرحه وبيانه في سنةنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لما ألهم أوائل هذه الأمة حفظ أحاديث النبي صلى اللهعليه وسلم التي تبين كلام الله. وقد أنزل الله هذا الكتاب على أمة أمية، وهم العربالذين ما كانوا يعرفون القراءة والكتابة إلا في النادر، وكانت معيشتهم في جو منالصفاء، جعلت قرائحهم متقدة، وأذهانهم صافية، ولذلك كان الحفظ عليهم سهلاً، حتىإنهم كانوا يسمعون الخطبة والقصيدة الطويلة فيحفظون ذلك، وما روي أنهم استعادواالخطيب والشاعر شيئاً من كلامهما. فصفاء أذهانهم وصِحّت أجسادهم، ونقاوة البيئةوقلة الكتابة فيهم كانت من العوامل التي ساعدت على شدة الحفظ، فأنزل الله الكتابعلى تلك الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب، وهدى الله من العرب حملة كتابه ووراثنبيه، الذين تلقوا عن النبي الكريم العلم فحفظوه، ثم أدوا ذلك كله إلينا بأمانة،فرضي الله تعالى عنهم وعمن نقل عنهم، ورضي الله عن الحفاظ الذين دونوا أحاديث النبيعليه الصلاة والسلام حتى وصلت إلينا كاملة متقنة. والحفظ من النِعم التي أنعم اللهبها على الإنسان، ولو لم يكن الإنسان يحفظ لكان في حياته همٌ وصعوبة بالغة، ولكنالله أنعم علينا بهذه الذاكرة التي نحفظ بها. إن موقع الحفظ في الدين موقع عظيم،ويكفي شرفاً الحافظ لكتاب الله أن الله جعله من أسباب حفظ كتابه، وأن الحافظ من أهلالعلم، وينبغي أن يضيف إلى علمه بحفظ الكتاب علماً بفقه الكتاب. وقد كان حفظ الكتابوحفظ الحديث من العبادات العظيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يُريدالزواج ولم يكن يملك ولا خاتماً من حديد، لم يأمره عليه الصلاة والسلام بالاستدانة،وإنما قال له ميسراً: (ماذا معك من القرآن؟) لما طالب بالمهر وليس عند الرجل شيء،قال له عليه الصلاة والسلام في نهاية الأمر: (ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورةكذا وسورة كذا وسورة كذا، -عدها- قال: أتقرأهن عن ظهر قلب؟ -هذا الحفظ- قال: نعم،قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن) فكان حفظه سبباً في تيسير زواجه. والكلامفي فوائد الحفظ كثير، ولكن قلنا: إن الحافظ له أجر عظيم، ويكفي في ميزاته أن جسدالحافظ لا تمسه النار يوم القيامة، فإن القرآن إذا جُمع في إهاب -وهو جلد الحافظ ،نفس الحافظ التي بين جنبيه- لا تمسه النار، طالما كان قائماً بأمرالله.

    ماهية الحفظوميزاته:
    وحفظ بعض كتاب الله أيضاًله ميزات، فنحن نعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من حفظ عشر آيات من أول سورةالكهف عُصم من فتنة الدجال)، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحفظون هذاالكتاب، كما كان الله عز وجل قد يسر لنبيه حفظه: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُوَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:17-18].وكانجبريل يراجع حفظ النبي عليه الصلاة والسلام كل سنة مرة ، وفي السنة التي تُوفي فيهاصلى الله عليه وسلم راجع معه الحفظ مرتين. وأما سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإنالنبي صلى الله عليه وسلم قد ندب لحفظها، ومن أمثلة ذلك ما أخرجه الإمام البخاريرحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب العلم: باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفدعبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وراءهم. ولذلك جاء في الحديثأنه علمهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاءالزكاة، وصيام رمضان، وأن يُعطوا من المغنم الخُمس، ونهاهم عن أربع: عن الحنتم،والدباء، والنقير، والمزفت، وهي بعض الأواني التي إذا وضع فيها الشراب صار مسكراً،وربما قال: الموقير، وقال -وهذا هو الشاهد- : (احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم). أماالحفظ فقد سأل مهنا رحمه الله أحمد : ما الحفظ؟ قال: الإتقان هو الحفظ، وقال عبدالرحمن بن مهدي رحمه الله: الحفظ الإتقان. وسنبين إن شاء الله في هذا الدرس أموراًتتعلق بالحفظ نظراً لأهميته في طلب العلم، وطالب علم بغير حفظ لا يساوي شيئاً،ولعلنا نتكلم بإذن الله عن أهمية الحفظ بالنسبة للكتابة، وكذلك بعض الطرق والوسائلفي الحفظ، والأمور المعينة على الحفظ، وأوقات الحفظ، وأماكن الحفظ، وذكر بعض سيرالحفاظ فيما يتعلق بالحفظ، ونورد بعض الفوائد من النظريات الحديثة المتعلقة بالحفظوالذاكرة والنسيان.

    أهمية الحفظفي طلب العلم:
    ينبغي لطالب العلم أنيكون جُل همته مصروفاً إلى الحفظ والإعادة، فلو صح صرف الزمان إلى ذلك كان الأولى،أهم شيء لطالب العلم أن يحفظ، غير أن البدن مطية، وإجهاد السير مظنة الانقطاع، وكانالخليل بن أحمد رحمه الله يقول مبيناً أهمية الحفظ لطالب العلم: الاحتفاظ بما فيصدرك أولى من حفظ ما في كتابك، واجعل كتابك رأس مالك، وما في صدرك للنفقة. وقال عبدالرزاق رحمه الله: كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علماً. لأن الصفحاتوالكتب التي فيها ذكر الله لا يُمكن أن تدخل الحمام، لكن الحفظ الذي يكون في صدرالحافظ يذهب معه في كل مكان. وقال هبة الله البغدادي :
    علمي معي أينما همت يتبعني بطني وعاء له لا بطنصندوق
    إن كنت في البيت كان العلم فيه معيأو كنت في السوق كان العلم في السوق
    وقالعبيد الله الصيرفي:
    ليس بعلم ما حوىالقمطر ما العلم إلا ما حواه الصدر
    وقالابن شديد الأزدي :
    أأشهد بالجهل في مجلسوعلمي في البيت مستودع
    إذا لم تكن حافظاًواعياً فجمعـك للكـتب لا ينـفع
    فبعضالناس يكثرون من شراء الكتب، وترى كثيراً من الشباب إذا صارت الفرصة في معارضالكتاب اشتروا الكتب، وهذا أمر مهم لا يمكن التزهيد فيه؛ أن يحوي المراجع عنده،ويشتري من الأمهات والكتب المهمة والرسائل النافعة ما يعينه على الطلب والبحث، ولكنالأهم من هذا كله هو الحفظ. وبعض الأغبياء يهونون من أمر الحفظ، فإذا رأوا شخصاًحفظ صحيح البخاري مثلاً، قالوا: وماذا استفادت الأمة لما زادت نسخه من صحيحالبخاري؟ فهؤلاء ما علموا أهمية الحفظ ولا علموا فائدته. الحفظ: هو الذي يجعل العلمفي صدرك فتستفيد منه، فإذا احتجت إليه كان معك؛ في تعليم، وفي دعوة، وفي نصيحة وفيفتوى، حتى في تحضير الدروس، وعدد من العلماء الكبار لا يحضرون الدروس؛ لأن العلم فيصدورهم محفوظ، ومن العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، لم يكنيحضر دروسه مطلقاً؛ لأن العلم في صدره مستودع، ومتى احتاجه وجده، فلو كان في سفرليس معه مكتبته ولا مراجع فعنده العلم في صدره.

    الأمور المساعدة على الحفظ:
    والحفظ كما لا يخفى أمر صعب، قال ابن الجوزي رحمه الله: ما رأيت أصعب على النفس من الحفظ للعلم والتكرار له، خصوصاً تكرار ما ليس في تكرارهوحفظه حظ مثل مسائل الفقه، بخلاف الشعر والسجع فإن له لذة في إعادته وإن كان صعباً؛لأن النفس تلتذ به مرة ومرتين، فإذا زاد التكرار صعُب عليها، ولكن دون صعوبة الفقهوغيره من المستحسنات عند الطبع، فترى النفس تخلد إلى الحديث والشعر والتصانيفوالنسخ؛ لأنه يمر بها كل لحظة ما لم تره فيكون هناك تجديد، فهو في المعنى كالماءالجاري لأنه جزء بعد جزء، لكن الحفظ ما هو إلا إعادة لشيء موجود قد لا يشعر الشخصوهو يعيده بشيءجديد. وهذا من أسباب الملل، وهذا مما يبين صعوبة الحفظ، ولكن الحفظلا يأتي إلا بالمران، ومجاهدة النفس، قال الزهري رحمه الله: إن الرجل ليطلب وقلبهشعب من الشعاب -يطلب العلم وقلبه شعب صغير- ثم لا يلبث أن يصير وادياً لا يوضع فيهشيء إلا التهمه. أول الحفظ شديد يشق على الإنسان، فإذا اعتاده سهل عليه، وكانالعلماء يقولون: كل وعاء أفرغت فيه شيئاً فإنه يضيق، إلا القلب فإنه كلما أُفرغ فيهاتسع. وقال بعض أهل العلم: كان الحفظ يثقل عليّ حين ابتدأت، ثم عودته نفسي إلى أنحفظت قصيدة رؤبة:
    وقاتم الأعماق خاويالمخترقن
    قال: حفظتها في ليلة. وهي قريبمن مائتي بيت، وكانت هذه انطلاقة.


    يتبع

    تعليق


    • #3
      تكرار المحفوظ:
      ومن أعظم الأمور التي تُساعد على الحفظ، بل هو السببالحقيقي في الحفظ، بل لا يُوجد سبب يفوقه أصلاً -التكرار، مهما حاولت أن تأتيبوسيلة أو سبيل للحفظ لا يمكن أن تأتي بأعظم ولا أحسن ولا أفضل، ولا أشد أثراً ولاأعظم مردوداً من التكرار، فالتكرار هو الحفظ، وهو الوسيلة الحقيقية للحفظ. وتكرارالمحفوظ وإعادته على النفس يحصل به الإتقان، وهكذا كان العلماء يقرءون المراتالكثيرة، يعيدون مراراً وتكراراً حتى يحفظوا، قال بعضهم: سمعت صائحاً يصيح: والأعمشعن أبي صالح عن أبي هريرة ، والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، ساعة طويلة، فكنتأطلب الصوت إلى أن رأيت ابن زهير وهو يدرس مع نفسه من حفظه حديث الأعمش . وعن معاذبن معاذ قال: كنا بباب ابن عون ، فخرج علينا شعبة وعقد عقداً بيديه جميعاً، فكلمهبعضنا، فقال: لا تكلمني فإني قد حفظت عن ابن عون عشرة أحاديث أخاف أن أنساها، فهولازال يعيد ويكرر حتى يحفظ. وكان أبو إسحاق الشيرازي يعيد الدرس مائة مرة، إذا أرادأن يحفظ درساً أعاده مائة مرة. وكان الكيا من فقهاء الشافعية يعيده سبعين مرة. وكانالحسن بن أبي بكر النيسابوري يقول: لا يحصل الحفظ لي حتى يُعاد خمسين مرة. لابد منالإعادة، لا تفكر -يا طالب العلم- بأن تأتي بوسيلة أخرى غير التكرار والإعادة مهمااجتهدت وصعدت ونزلت، وبحثت ونقبت، لا يمكن أن تأتي بوسيلة للحفظ غير الإعادةوالتكرار، قد تختلف وسائل الإعادة والتكرار، لكن يبقى الأصل هو الإعادة والتكرار،ولما سُئل البخاري رحمه الله تعالى عن سبب حفظه، قال كلاماً معناه: لم أجد أنفع منمداومة النظر، الإعادة ومداومة النظر هما سبيل الحفظ. وحُكي أن فقيهاً أعاد الدرسفي بيته مرات كثيرة، فقالت له عجوز في بيته: قد والله حفظته أنا، فقال: أعيديه،فأعادته، فلما كان بعد أيام، قال: يا عجوز! أعيدي ذلك الدرس، فقالت: ما أحفظه، قال: أنا أكرر الحفظ لئلا يصيبني ما أصابك. فلابد من تكرير الكلام مراراً وتكراراً، هذاهو سبب الحفظ. وكلما كان التكرار أكثر ثبتت قاعدة الحفظ، فلا يحتاج إلى أوقات أخرىلاسترجاعه عند النسيان، التأسيس البطيء الذي يكون فيه التكرار الكثير قاعدة للحفظ. ثم لابد من المراجعة المستمرة بين الحين والحين، لأنهم قالوا: إن القلوب تربٌوالعلم غرسها، والمذاكرة ماؤها، فإذا انقطع عن التُرب ماؤها جف غرسها، فلابد منالإعادة والمراجعة. ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعاهدوا القرآن فإنهأشد تفصياً من صدور الرجال -أشد هرباً من صدور الرجال- من النعم من عقلها) أي: الإبل التي تحاول دائماً التفلت. ولذلك تعاهدوا القرآن: أي كرر وراجع ، ثم كرروراجع ، ثم كرر وراجع ، دائماً، هذا هو الحفظ. وكان بعضهم لا يخرج كل غداة حتى ينظرفي كتبه، ويتعاهد المحفوظ دائماً، ومراجعة الحفظ السابق أولى من حفظ شيء جديد، لأنالمحافظة على رأس المال أولى من جمع الأرباح. وقال الخليل بن أحمد : تعاهد ما فيصدرك أولى بك من أن تحفظ ما في كتبك، ولذلك بعض العلماء كان لهم أوقات مراجعة؛ لايخرج لأحد، ولا يسمح لأحد أن يأتي إليه، ولا يُعطي موعداً أبداً في وقت المراجعة؛من السابقين واللاحقين، ومن المعاصرين على سبيل المثال الشيخ علي الزامل النحوياللغوي، العلامة في القصيم ، له بعد الفجر وقت يومي يراجع فيه حفظه من القرآن، وهوضرير ومعه رجل ضرير آخر يراجع معه، ولا يمكن أن يقبل موعداً أو درساً في هذا الوقت؛لأنه وقت مراجعة.

      يتبع

      تعليق


      • #4
        مذاكرةالمحفوظات مع الإخوان:
        ومن الأمورالمهمة في الحفظ: مذاكرة المحفوظات مع الإخوان، والمذاكرة مع الأصحاب، قيل إن ابنعباس كان يقول: يا سعيد ! اخرج بنا إلى النخل، ويقول: يا سعيد ! حدث، فأقول: حدثوأنت شاهد، قال: إن أخطأت فتحت عليك. قال إبراهيم رحمه الله: إنه ليطول عليّ الليلحتى ألقى أصحابي فأذاكرهم، يشتاق إلى أصحابه لكي يتذاكر معهم العلم، يقرأ عليهمويقرءون عليه، ويسرد عليهم ويسردون عليه. وكانوا أيضاً في هذه التسميعات وهذا السردالمزدوج كان ينبه بعضهم بعضاً على أشياء، ويمتحن بعضهم بعضاً في أشياء، قال أبو بكربن أبي داود لـأبي عليّ النيسابوري الحافظ: يا أبا علي ! إبراهيم عن إبراهيم عنإبراهيم من هم؟ وهذا سند فيه ثلاثة أو أربعة أسماؤهم متشابهة، من هم؟ فقال: إبراهيمبن طهمان عن إبراهيم بن عامر البجلي عن إبراهيم النخعي ، فقال: أحسنت. وينبغيللعاقل أن يكون جُلّ زمانه للإعادة، خصوصاً الصبي والشاب، فإنه يستقر المحفوظ عندهاستقراراً لا يزول، وكان من فعل بعض السلف في إعادة العلم ما يلي، وعلى رأسهمالزهري رحمه الله: روي عن الزهري أنه كان يرجع إلى منزله وقد سمع حديثاً كثيراً،فيعيده على جارية له من أوله إلى آخره كما سمعه، ويقول لها: إنما أردت أن أحفظه. وكان غيره يعيد الحديث على الصبيان، يجلسهم في الطريق ويسرد عليهم حفظه، لأجلالاسترجاع، إذا لم يلق أصحابه ليحفظ معهم فإنه يسرد على النساءوالصغار.

        العملبالمحفوظ:
        ومما يعين على الحفظ: العمل بما تحفظ، وهذا من أهم الأمور، وهو ثمرة العلم، ولذلك فإن الله عز وجل نبهناعلى العمل مراراً في القرآن الكريم، وأخبر أن العاملين هم الناجون الفائزون يومالدين، وأن الإثم في ترك العمل بالعلم، وقد تواترت على ذلك الآيات والأحاديثوالشواهد الكثيرة في أهمية العمل بالعلم، وألف العلماء وصنفوا في اقتضاء العلمالعمل. ولاشك أن العمل بالعلم يزيد الحفظ (استعمال الآثار وتوظيف السنن) الإمامأحمد رحمه الله ما كان يضع حديثاً في مسنده إلا ويعمل به، حتى إنه احتجم وأعطىالحجام ديناراً، لأجل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إسماعيل بن إبراهيم بنمُجمع بن جارية يقول: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، فإذا عملت بالعلم كانذلك سبباً عظيماً للحفظ.


        تعليق


        • #5
          تعليمالعلم:
          ومن أسباب الحفظ: تعليم العلمللناس، ونشره بينهم، وقد قدمنا قبل قليل قصة ابن شهاب الزهري رحمه الله أنه كانيسمع العلم من عروة وغيره، فيأتي إلى جارية له وهي نائمة فيُوقظها، فيقول: اسمعي،حدثني فلان كذا وفلان كذا، فتقول: مالي ولهذا الحديث؟ فيقول: قد علمت أنك لاتنتفعين به، ولكن سمعته الآن فأردت أن أستذكره. وكان يجمع الأعاريب فيحدثهم، يريدأن يحفظ. الداعية إلى الله إذا حفظ العلم فإنه يؤديه إلى الناس، وتعليم الناس زكاةالعلم، تبليغه إلى الناس، وكلما بلغته كلما رسخ في ذهنك؛ لأن التبليغ نوع منالتكرار والإعادة، ولذلك فإن العلماء الذين يفتون الآن، يحفظون أدلة الفتاوى،ففتواهم من أسباب حفظهم للأدلة، رغم تقدم أسنانهم لكنهم كثيراً ما سردوه على مسامعالناس، لقد ألقوه إليهم وسئلوا فأجابوا، فمن كثرة الإلقاء والإجابة عن الأسئلة رسخالعلم في الأذهان.

          المداومة علىالحفظ ولو على القليل:
          ومن القواعدالمهمة في الحفظ: المداومة ولو على القليل، ولعل من الحكمة في نزول القرآن منجماًومفرقاً، ولم ينزل جملة واحدة أنه أَثبتُ في الحفظ، فحفظ النبي صلى الله عليه وسلم،قال الله عز وجل: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُجُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً [الفرقان:32] وكانت طريقة الصحابة رضي الله عنهم أخذ عشر آيات يحفظونها ويفقهونهاويعملون بها، ثم يأخذون العشر التي تليها وهكذا، وتعلم ابن عمر سورة البقرة في ثمانسنين وقيل غير لك. قال حماد بن أبي سليمان لتلميذ له: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولاتزد عليها. وكان أحمد بن الفرات لا يترك كل يوم إذ أصبح أن يحفظ شيئاً وإن قلّ. فإذاً: لابد من المداومة على الحفظ؛ لأن بعض الناس قد يحفظ أياماً ويترك أسابيع لايحفظ فيها، وهذه الذاكرة كلما استمر المران كلما ازدادت قابليتها للحفظ أكثر، وإذاتركتها انكمشت، ولذلك فإن المداومة مهمة، والمداومة المداومة على الأعمال الصالحةأصل من أصول الشريعة، كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى اللهأدومه وإن قل). وإذا كان ما جمعته من العلم قليلاً، وكان حفظك له ثابتاً كثرتالمنفعة به ولو كان قليلاً، ولو قرأت أشياء كثيرة جداً، أنهيت كتباً، لكن ما قرأتغير محفوظ لديك قلّت المنفعة، مهما كانت قراءتك واسعة، إذا كانت هذه القراءة غيرمحفوظة قلّت المنفعة، ولو كان الشيء الذي اطلعت عليه قليلاً، لكنه محفوظ متقن، فإنالمنفعة كبيرة.

          إخلاصالنية:
          ولاشك أن من أكبر الأسبابالمعينة على الحفظ وينبغي البدء به، ولكن حتى لا نكون في شيء من التكرار الذي يقللأهمية هذا الأمر أحياناً فنقوله الآن: وهو النية في الحفظ، ما هي النية؟ هل هيللمباهاة؟ هل هي لمناقشة العلماء وإظهار العلم، أو لمماراة السفهاء؟ أو لتصرف وجوهالناس إليك؟ إن كانت هذه هي النية فالنار النار، كما أخبر النبي صلى الله عليهوسلم، وكلما كان الإنسان أخلص لله كان حفظه أفضل وأشد بركة، قال ابن عباس : [إنمايحفظ الرجل على قدر نيته].

          تعليق


          • #6
            الصلاحوترك المحرمات:
            ومن الأمور المهمة فيالحفظ: الصلاح وترك المحرمات، سأل رجل مالك بن أنس رحمه الله: يا أبا عبد الله ! هليصلح لهذا الحفظ شيء؟ قال: إن كان يصلح له شيء فترك المعاصي، وهذا معنى الأبياتالتي تنسب إلى الشافعي رحمه الله:
            شكوتإلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
            وقال اعلم بأن العـلم فضـل وفضل الله لا يؤتاهعاصـي
            ولهذين البيتين ألفاظ كثيرة،فالمعاصي كما ذكر ابن القيم رحمه الله تُذهب العلم وتُنسي المحفوظات؛ لأن المعصيةلها شُؤم، وشُؤم المعصية ينعكس على العلم المحفوظ، وعدد من الناس حفظوا كتاب اللهثم نسوه، من أسباب نسيانهم لآيات كثيرة من كتاب الله المعصية، فلما طال عليهم الأمدقست قلوبهم، ولما قست القلوب ذهبت الأشياء المحفوظة، وضيع اليهود والنصارى كتابالله بالمعاصي، وقد وكل حفظه إليهم: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [المائدة:44] فضاع، وكان من عقاب الله لهم: ضياع هذه الكتب منهم بسبب معاصيهم، وقدذكر الله هذا في كتابه. ولذلك كلما كان الطالب أتقى لله كان حفظه أحسن، وقد يوجدنماذج من العصاة يحفظون، ولكن حفظهم لا بركة فيه، وقد يكون حفظهم من باب الاستدراجلهم، ولا تجد فيه نفعاً، لكن أهل التقى حفظهم نافع ومبارك.

            فعل الطاعات:
            ومن أسباب الحفظ: الطاعات؛ صلاة الليل وقراءة القرآن منأسباب الحفظ، حتى قال بعض العلماء: ليس شيء أزيد للحفظ من قراءة القرآن نظراً، وقدجاء في الحديث الحسن : (من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف) فالقراءة فيالمصحف نظراً وغيباً وتدبراً من الأشياء المعينة على الحفظ. ولاحظ أن الحافظ لكتابالله يسهل عليه حفظ ما بعده، حفظ القرآن يُسهِّل ويُذلِّل الصعوبات في الحفظ، لأنالإنسان إذا جمع القرآن وتذلل لسانه بهذه الآيات، والله ييسر هذا الأمر: وَلَقَدْيَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] فإن حفظ ما بعدالقرآن يسهل بسبب حفظ القرآن.

            التقلل من الدنيا:
            ومن أسباب الحفظ: التقلل من الدنيا، وأنتم تذكرون أن أباهريرة رضي الله عنه كان متقللاً من الدنيا، وكان ذلك من أهم أسباب حفظه، حتى عدهاابن حجر رحمه الله فائدة في حديث أبي هريرة ، قال: وفيه أن التقلل من الدنيا أمكنُللحفظ. فإذاً: ترك المعاصي وفعل الطاعات من أسباب الحفظ، وفعل المعاصي من أسبابنسيان العلم، قال عبد الله : إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها. وقيللـسفيان بن عيينة : بم وجدت الحفظ؟ قال: بترك المعاصي.


            تعليق


            • #7
              الحجامة:
              ومن أسباب الحفظ التي وردت في الأحاديث: الحجامة، كما جاءفي الحديث الحسن عند ابن ماجة والحاكم وابن السني وأبي نعيم مرفوعاً من حديث ابنعمر : (الحجامة على الريق أمثل، وفيها شفاء وبركة، وتزيد في الحفظ وفي العقل). والحجامة مؤكد عليها في الشريعة، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما مررت علىملأ من الملائكة في المعراج إلا وأمروني أن أوصي أمتي بالحجامة) فالحجامة منالأشياء التي تزيد الحفظ، نعم هي ليست كل شيء، فبعض الناس يفكر أنه لو احتجم اليومغداً يحفظ صحيح البخاري ، هذا لا أساس له، لكن قال عليه الصلاة والسلام: ( وتزيد فيالحفظ ) قال: (فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الجمعةويوم السبت ويوم الأحد، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم الذي عوفي فيهأيوب من البلاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء، فإنه اليوم الذي ابتلي فيه أيوب ... الحديث) هذا الحديث حسنه الألباني ورواه ابن ماجة وغيره كماتقدم.

              الأدعيةوالأذكار:
              ومن أسباب الحفظ العظيمة: الأدعية والأذكار، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ماء زمزم لما شرب له) وقدشرب عدد من العلماء ماء زمزم وهم يدعون الله أن يُعطيهم حافظة قوية، وشرب ابن حجرماء زمزم وسأل الله أن يُبلغه مرتبة الذهبي في الحفظ، فالدعاء وشرب ماء زمزم منأسباب الحفظ. ولاشك أن من أسباب الحفظ العظيمة: ذِكر الله عز وجل، قال الله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24] ذكر الله مما يزيل النسيان، ويُقربالأشياء في الذهن، وذكر الله من أدوية النسيان، سواء كان النسيان نسيان الذهنوالذاكرة، أو كان نسيان غفلة، فإن ذكر الله علاجه.

              رفع الصوت بالقراءة:
              ومن الأمور المعينة على الحفظ: الجهر ورفع الصوت بالقراءةفيما يراد حفظه؛ لأن الجهر بالقراءة يجعل حاسة السمع مشتركة في الحفظ مع حاسةالبصر، وإن كان الرجل أعمى فإن حفظه يكون شديداً؛ لأجل أن منفذ السمع إلى القلبأقوى وأشد من منفذ البصر، ولذلك قلنا: العرب كانوا يحفظون الخطبة الطويلة والأبياتالكثيرة من أول مرة، ما كانوا يقرءون ولا يكتبون. وهكذا تلقَّى معظم الصحابةالأحاديث، تلقوها وحفظوها بالسماع، فالسماع مهم جداً، قال الر بن بكار : دخل عليأبي وأنا أروي في دفتر ولا أجهر -أروي فيما بيني وبين نفسي- فقال: إنما لك منروايتك هذه ما أدى بصرك إلى قلبك. فإذا أردت الرواية فانظر إليها واجهر بها، فإنهيكون لك ما أدى بصرك إلى قلبك وما أدى سمعك إلى قلبك. وهم يقولون الآن: إنه كلمااشتركت حواس أكثر في الحفظ كان الحفظ أكثر، وهذه مسألة يختلف فيها الناس؛ بعض الناسلا يحفظ إلا إذا رفع صوته، وبعض الناس يكون عنده الحفظ أحسن إذا كان يقرأ بصمتوينظر، فينطبع في ذهنه، حتى إن بعض الحُفاظ كان يضع يده على صفحة إذا أراد أن يحفظالصفحة التي تليها، حتى لا تختلط عليه السطور. وينبغي للدارس أن يرفع صوته في درسهحتى يُسمع نفسه، فإن ما سمعته الأذن يرسخ في القلب، ولهذا كان الإنسان أوعى لمايسمعه، وعن أبي حامد أنه كان يقول لأصحابه: إذا درستم فارفعوا أصواتكم فإنه أثبتللحفظ وأذهب للنوم، وكان يقول: القراءة الخفية للفهم -القراءة الخفية إذا أردت أنتتدبر وتفكر وتنظر- والرفيعة -التي فيها رفع صوت- للحفظ. يقول: القراءة الخفيةللفهم، والرفيعة للحفظ.

              تعليق


              • #8
                التمهل فيالقراءة:
                وكذلك من أسباب الحفظ: التمهل في القراءة، وكان بعضهم يقرأ الكتاب ثم يذاكر به حرفاً حرفاً كأن قارئاًيقرأه عليه فيفسره له. أي: قراءة مبينة، مفسرة، مترسلة، بطيئة، حتى يكون أرسخعلماً، وبعض الناس يحفظ إذا سرد أكثر.

                حسن الاستماع لما يراد حفظه:
                وكذلك مما يعين على الحفظ: حُسن الاستماع لما يراد حفظه،عن سفيان قال: كان يُقال: أول العلم: الصمت -أول شيء أن يأتي الطالب ويجلس فيالحلقة فلا يتكلم ولا كلمة، المبتدئ يجلس عند الشيخ لا يتكلم ولا كلمة، فقط يسمع،لا يسأل ولا يقاطع ولا شيء، يسمع فقط- والثاني: الاستماع له وحفظه، والثالث: العملبه، والرابع: نشره وتعليمه. ونُقل عنه أنه قال: تعلموا هذا العلم، فإذا علمتموهفاحفظوه، فإذا حفظتموه فاعملوا به، فإذا عملتم به فانشروه بين الناس، وقال هذاالناظم:
                يا طالباً للعلم كي تحضى بهديناً ودنياً حظوة تعليه
                اسمعه ثم احفظهثم اعمل به لله ثم انشره في أهليه
                عدمإرهاق النفس وإملالها وحملها على ما لا تطيق
                وينبغي لمن يريد الحفظ: ألا يرهق نفسه ويملها، فإذا تعبمن الحفظ أخذ قسطاً من الراحة، وكيف كانت راحة العلماء؟ يجعلون أوقات التعب منالإعادة والتكرار، وللنسخ ونقل الأشياء، وكانوا يجعلونها كذلك في قراءة الأشياءالتي فيها نوع من الترويح؛ كالأشعار والأمثال، والقصص والطرائف وغير ذلك. وينبغي أننعلم أن الناس في الحفظ طاقات متفاوتة؛ فمنهم من يحفظ عشر ورقات في ساعة، ومنهم منلا يحفظ نصف صفحة في أيام، فإذا أراد الذي مقدار حفظه نصف صفحة أن يحفظ عشر ورقاتتشبهاً بغيره؛ لحقه الملل، وأدركه الضجر، ونسي ما حفظ، فليستقر كل امرئ على مقدارما يستوعبه، وعليه أن يشفق على نفسه من أن يحملها فوق ما تطيق، لكن كيف يعرفالإنسان طاقته؟ الجواب: بالتجربة. ولا ينبغي للعاقل أن يزج نفسه فيما يستفرغ جهوده،فيتعلم في يوم ضعف ما يتحمل، فهذا وإن تهيأ له أنه حفظها هذه المرة، وأنه ضبطها فيهذا اليوم، فإنه في الغد سيثقل عليه جداً إعادة ما مضى وحفظ شيء جديد، وهذا كمنيحمل حملاً ثقيلاً يرهق نفسه في أول يوم ، فيحدث ضررٌ، نعم هو حمله، لكن حصل ضرر فيجسده، في الغد لا يستطيع أن يحمل شيئاً. وينبغي أن يجعل الحافظ لنفسه مقدراً كلمابلغه وقف عليه لا يزيد؛ لأجل المراجعة، ويستريح ثم يواصل الحفظ، ولا يأخذ الطالبنفسه بما لا يُطيق، بل يقتصر على اليسير الذي يضبطه ويحكم حفظه ويتقنه، قال سفيان : كنت آتي الأعمش ومنصور ، فأسمع أربعة أحاديث وخمسة ثم انصرف كراهة أن تكثر وتتفلت. وعن شعبة قال: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين، فيحدثني ثم يقول: أزيدك؟ فأقول: لا. حتى أحفظهما وأتقنهما. وقال بعضهم: من طلب العلم جملة فاته جملة. وقال بعضهم: إنماكنا نطلب حديثاً أو حديثين. وعن الزهري قال: إن هذا العلم -هذه تجارب حفاظ- إنأخذته بالمكابرة عسُر عليك، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذاً رفيقاً تظفربه.


                تعليق


                • #9
                  التدرجوالاقتصاد:
                  فمن الأمور المهمة فيالحفظ: التدرج والاقتصاد وتقليل المحفوظ مع المداومة على الحفظ فهذا أصل عظيم، ولاتشرع في شيء جديد حتى تحكم ما قبله، ومن لم يجد نشاطاً في الحفظ بعد مدة من الحفظفليتركه، فإن مكابرة النفس لا تصلح. وقال ابن الجوزي : اعلم أن المتعلم يفتقر إلىدوام الدراسة، ومن الغلط الانهماك في الإعادة ليلاً ونهاراً فإنه لا يلبث صاحب هذهالحال إلا أياماً ثم يفتر ويمرض، فمن الغلط تحميل القلب حفظ كثير أو الحفظ من فنونشتى، فإن القلب جارحة من الجوارح، فمن الناس من يحمل مائة رطل، ومنهم من يعجز عنحمل عشرين رطلاً، فكذلك هذه القلوب أوعية بعضها يستوعب كثيراً وبعضها يستوعبقليلاً، فليأخذ الإنسان على قدر قوته، فإنه إذا استنفذ القوة في وقت ضاعت منهأوقات، والصواب أن يأخذ قدر ما يُطيق ويعيده في وقتين من النهار والليل. مثلاً: قال: أنا أستطيع أن أحفظ خمس آيات، يقول: أحفظ خمس آيات، نقول: أعدها مرتين بالليلثم أعدها في النهار. فكم ممن ترك الاستذكار بعد الحفظ فأضاع زمناً طويلاً فياسترجاع محفوظه، أي: أنه ينبغي على الإنسان أن يراجع باستمرار؛ لأنه إذا راجع وحفظبتأني سهل عليه الاسترجاع، وإذا حفظه دُفعة واحدة الآن صعب عليه أن يسترجعه فيمابعد. وكذلك ذكرنا أنه لابد من ترفيه النفس مع الإعادة يوماً في الأسبوع، يجعل يوماًفي الأسبوع للمراجعة ليثبت المحفوظ، وتأخذ النفس قوة كالبنيان يترك أياماً حتىيستقر ثم يبنى عليه، لا يبنى مرة واحدة وإلا فإنه ينهار.

                  الاهتمام بالغذاء المناسب:
                  وكذلك مما يعين على الحفظ: الاهتمام بالغذاء المناسب، فإنالتخمة من الأسباب المانعة من الحفظ، ولذلك كانوا يقللون الطعام؛ لأن كثرة الطعامتتخم النفس وتجعل القلب مشغولاً ومثقلاً، فلا تتمكن النفس من الحفظ، وكانوا يعتنونبأنواع الطعام، وليس فقط بكميته، ومن الأشياء المجربة التي ذكروها مما يزيد الحفظ: شُرب العسل وتناول الب، والرمان الحلو، والحبة السوداء، واللبان على الريق، ليساللبان الذي تستخدمونه الآن، الذي يعملون منه بالونات للأطفال، وإنما هو نوع مناللبان كانوا يمضغونه على الريق. وكانوا يجتنبون الأشياء الحامضة، حتى كان الزهريرحمه الله يجتنب التفاح الحامض، وهذا مجرب؛ الحوامض مما يقلل الحفظ، وكان العلامةمحمد الأمين الشنقيطي رحمه الله كما حكى عنه بعض أولاده، قال: كان أبي يزجرنا زجراًشديداً إذا رأى مع أحدنا لبناً حامضاً. وهذه الأشياء نسبتها في الحفظ قليلة،فالب لا يجعل غير الحافظ حافظاً أو اللبان، وإنما هي أشياء معينة ومساعدة، ونحننذكر العوامل وإن كانت نسبتها في الحفظ كثيرة أو قليلة من باب جمعها وذكرها. وكذلكإصلاح المزاج من الأصول العظيمة في الحفظ، ولاشك أن بعض الأطعمة تؤثر في الأمزجةفتسبب تعكيراً، وتسبب أشياء في المعدة، وشيئاً من الغثيان، والغثيان يضادالحفظ.


                  يتبع

                  تعليق


                  • #10
                    السعيللتذكر:
                    وكذلك من الأمور المهمة: السعي للتذكر، بعض الناس إذا سئل عن شيء وهو لا يتذكره يمضي، لكن ينبغي عليه لكييمرن ذاكرته أن يتوقف يتذكر، ويعتصر ذهنه وذاكرته حتى يتذكر؛ لكي يدرب الذهنوالذاكرة على استرجاع المعلومات، أما كلما نسي شيئاً للوهلة الأولى تركه ومضى فإنهيتعود على النسيان السريع، أما إذا كان يعود نفسه كلما نسي شيئاً أن يحاول جاهداًأن يتذكره فإنه يكون أحسن وأنفع في استرجاع المعلومات.

                    وظائف طالب العلم:
                    ومما يُضعف الذاكرة: كثرة الكتابة والاعتماد على الأشياءالمكتوبة. أما بالنسبة لوظائف طالب العلم فهي كثيرة، يحتاج أن يحفظ وأن يقرأ وأنينسخ، وربما احتاج أن يُلقي ويُدرس، فعليه أن يُوزع هذه الأشياء على وقتها، قال ابنالجوزي رحمه الله: ولما كانت القوة تُكلفه فهي تحتاج إلى تجديد، وكان النسخوالمطالعة والتصنيف لابد منه مع أن المهم الحفظ، وجب تقسيم الزمان على الأمرين،فيكون الحفظ في طرفي النهار وطرفي الليل، ويوزع الباقي بين عمل النسخ والمطالعةوراحة البدن وأخذهِ لحظِّه، ولا ينبغي أن يقع الغبن بين الشركاء، فإنه متى أخذأحدهم فوق حقه أثر الغبن وبان أثره، وإن النفس لتحدب إلى النسخ والمطالعة والتصنيفعن الإعادة والتكرار؛ لأن ذلك أشهى وأخف عليها، ومع العدل والإنصاف يتأتى كل مراد. فإذاً: حسن توزيع الوظائف -يا طالب العلم!- على الوقت من الأمورالمهمة.

                    أوقاتالحفظ:
                    فإذا قلت: ما هي الأوقاتالمناسبة للحفظ؟ إن العمر مراحل: الطفولة والصبا وسن الشباب، ثم الكهولة والشيخوخةوالهرم، فلاشك أن أحسن الأوقات للحفظ هو الصبا والطفولة والفترة المبكرة من العمر،فللحفظ أوقات من العمر أفضلها الصبا، وما يقاربه من أوقات الزمان، وقديماً قالوا: حفظ الغلام الصغير كالنقش في الحجر، وحفظ الرجل الكبير كالكتابة على الماء. وقالعلقمة : ما حفظت وأنا شاب كأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة. وعن الحسن قال: [قدمواإلينا أحداثكم فإنهم أفرغ قلوباً وأحفظ لما سمعوا، فمن أراد الله أن يتمه له أتمه]. وعن معمر قال: جالست قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة فما سمعت منه شيئاً وأنا في ذلكالسن إلا وكأنه مكتوب في صدري. لقد أكملنا سن الطفولة، والعلماء كانوا يحفظونالقرآن وهم أبناء ثمان سنين وتسع وعشر، فهل فاتنا القطار أم لا؟ الجواب: لا. لم يفتالقطار، مهما بلغ الإنسان من التقدم في السن فإنه يستطيع أن يحفظ، وليس هناك سن لايستطيع أن يحفظ فيها شيئاً مادام العقل باقياً، فمادام العقل باقياً فالحفظ ممكن،لكن كلما كان في الصغر كان أسهل. ولو فاتك أنت وقت الحفظ الجيد، ينبغي ألا يفوتك: أولاً: أن تحفظ فيما بقي من عمرك، وثانياً: أن تتدارك هذا مع ولدك الصغير، فلوفاتتنا أشياء نتيجة لعدم التربية الجيدة في الماضي، فإننا نستدرك هذا مع أولادناالآن، فنجعلهم يحفظون ونساعدهم على الحفظ، ونجعل لهم الجوائز التشجيعية حتى لايندموا إذا كبروا، ويكون لك من الأجر نصيب عظيم. وأما بالنسبة للوقت المناسب للحفظفي اليوم، من ذلك: قالوا من أفضلها: أفضلها أوقات الأسحار وأنصاف النهار، والغدواتخير من العشيات، وأوقات الجوع خير من أوقات الشبع، وقال بعضهم ينصح ولده بالحفظ فيالليل: أحب لك النظر في الليل، فإن القلب بالنهار طائر وبالليل ساكن. وقال أبو بكرالخطيب البغدادي رحمه الله: المطالعة في الليل لخلو القلب، فإن خلوه يسرع إليهالحفظ. وعن عبد الرزاق قال: كان سفيان الثوري عندنا ليلة، قال: وسمعته قرأ القرآنمن الليل وهو نائم، ثم قام يصلي فقضى ح من الصلاة، ثم قعد فجعل يقول: الأعمشوالأعمش والأعمش ، ومنصور ومنصور ومنصور ، ومغيرة ومغيرة ومغيرة ، فقلت: يا أبا عبدالله ! ما هذا؟ قال: هذا ح من الصلاة، وهذا جزئي من الحديث. وقال الشافعي : الظلمة أجلى للقلب. أي يستطيع الإنسان أن يحفظ في هدوء الليل أكثر. وقال أحمد بنالفرات : لم نزل نسمع شيوخنا يذكرون أشياء في الحفظ، فأجمعوا أنه ليس شيء أبلغ فيهإلا كثرة النظر، وحفظ الليل غالب على حفظ النهار. وقال إسماعيل بن أبي أويس : إذاهممت أن تحفظ شيئاً فنم وقم عند السحر -أي: قبيل الفجر- فأسرج سراجك -والآن اضغطالزر- وانظر فيه -في هذا الكتاب- فإنك لا تنساه بعد إن شاء الله. أي إن حفظ الأسحارقبيل الفجر من أحسن أنواع الحفظ، فإذا نام مبكراً فإنه يستيقظ نشيطاً ويكون ذهنهصافياً؛ لأنه ليس قبل اليقظة شيء إلا الراحة، ولا يكون مشغولاً بأشياء كثيرة، وسمعأشياء كثيرة، بل قام من النوم وذهنه صافٍ قبيل الفجر وقد نام مبكراً ، فهذا يكون منأصفى الأوقات للحفظ على الإطلاق. وقال ابن جماعة الكناني رحمه الله: الخامس في آدابالمتعلم في نفسه: أن يقسم أوقات ليله ونهاره، ويغتنم ما بقي من عمره، وأجود الأوقاتللحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار -جمع بكرة: وهي أول النهار- وللمطالعة والمذاكرةالليل، وللكتابة وسط النهار. وقالوا في أجود أوقات الحفظ: الأسحار، وبعده وقتانتصاف النهار، وبعده الغدوات دون العشيات، وحفظ الليل أسرع من حفظ النهار. وقيللبعضهم: بم أدركت العلم؟ قال: بالمصباح والجلوس إلى الصباح. وقال آخر: بالسفروالسهر، والبكور في السحر. والسحر: آخر الليل، وانتصاف النهار: عند الظهيرة،والغدوات: أول النهار.

                    تعليق


                    • #11
                      أماكنالحفظ:
                      أما بالنسبة لأماكن الحفظ،فقد قالوا: إنها في الغُرف العالية أحسن من السُفل؛ لأن المكان العالي يكون فيالغالب خالياً، لا زوجة ولا أولاد ولا ضوضاء، ولا دخول ولا خروج، وكل موضع بعيد عمايُلهي فإنه يجعل القلب خالياً لأجل الحفظ، وليس بالمحمود أن يتحفظ الرجل بحضرةالنبات والخضرة، ولا على شطوط الأنهار، ولا على قوارع الطريق، لكثرة الشواغلوالصوارف والأشياء المارة والعابرة، فالعجب من بعض الطلاب الذين يذاكرون في الحدائقالعامة أيام الامتحانات. وقالوا: لا يحمد الحفظ بحضرة خضرة ولا على شاطئ نهر؛ لأنذلك يُلهي، والأماكن العالية للحفظ خيرٌ من السوافل، والخلوة أصلٌ، وجمع الهم أصلالأصول، لذا ينبغي تفريغ الذهن من الشواغل.

                      أبحاث متعلقة بالذاكرة:
                      ونذكر هنا بعض الأشياء من الأبحاث الحديثة المتعلقةبالذاكرة، وهي أشياء يسيرة جداً لأن الجري وراء هذه متعب، وبعض الأبحاث الطبيةوالنفسية فيها فوائد، ولكن (اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً)، فهؤلاء العلماء المجربونقد تكلموا. من الأشياء الموجودة عند المعاصرين ويستفاد منها:
                      1/ قالوا: الذاكرة في الإنسان مثل العضلة في الجسم، كلمازدت في تمرينها واعتنيت بها كبرت وتوسعت، وإذا أهملتها تضاءلتوضعفت.
                      2/ وقالوا: إذا استمر أي شخص فيالحفظ والمراجعة بقيت ذاكرته قوية ونشيطة، مادام عقله سليماً فاعلاً قادراً علىالتركيز وإن جاوز الخمسين، أي: يستطيع أن يحفظ وإن جاوز الخمسين مادام مواظباً علىالمراجعة والحفظ ومادام عقله موجوداً.
                      3/ وقالوا: إن الذاكرة عند الكثيرين غير مستغلة، وبإمكان الذاكرة أن تتسع لأعدادخيالية من الجزئيات والمعلومات. وقالوا: ليست كثرة المعلومات هي التي تشوش الذاكرة،وإنما الطريقة الخاطئة في إدخال المعلومات واستخراجها، وضعف القُدرة على التركيزوالتفكير.

                      تعليق


                      • #12
                        4/ وقالوا: إن التكرير كان ولايزال هو الوسيلة التقليدية للحفظ، ولكن التكرار له قواعد ينبغي الالتزام بها. منهذه الأشياء، وقد مرت معنا، لكن هم يقولون إنها من تجاربهم واكتشافاتهم: قام أحدالعلماء الألمان بتجربة جمع فيها مجموعة وأعطاهم نصاً معيناً في يوم واحد، قال: احفظوه اليوم، فاحتاجوا إلى تكراره ثمان وستين مرة حتى حفظوه، ثم طلب منهم حفظ نصآخر مثل ذلك في الطول والصعوبة على فترة ثلاثة أيام، فاحتاجوا لتكراره أربع وثلاثينمرة فقط، أي: النصف. فإذا كان عندك شيء تريد أن تحفظه، فكررته مثلاً خمسين مرة إلىأن تحفظه اليوم، ولم تفعل شيئاً في الأيام القادمة، هذا أسرع للنسيان وأصعب للحفظأيضاً من أن تقرأه في كل يوم عشر مرات لمدة خمسة أيام، أي: نفس عدد مرات التكرار لوجعلتها موزعة على الأيام فهو أحسن في الحفظ وأثبت من أن تجعلها في يوم واحد، ثم لاتفعل شيئاً في الأيام التي بعدها.
                        5/ وقالوا: العقل كالجسم يتعب عند الاستهلاك الشديد، ويحتاج إلى فترة راحة، ومن النادرأن تتعدى فترة التركيز عند أي شخص ساعة أو ساعة ونصف، وبعد ذلك يتوتر الجهازالعصبي، ويبدأ الذهن في رفض المعلومات التي تصل إليه، فلابد أن يتخلل وقت الحفظفترات قصيرة من الراحة والاسترخاء، وهم يقولون: الموسيقى، ونحن نقول: تجديد الوضوء،ودخول الخلاء، وشرب شيء من المباحات لا بأس.
                        6/ وقالوا: كلما ازداد الاهتمام بالموضوع، وأحس الشخصبأهميته كان حفظه أسرع وأشد، وكلما كان كارهاً مرغماً كان الذهن أسرع في الشرود،ويكون الحفظ أصعب، ولذلك الطلاب الذين يذاكرون لأجل النجاح ويحفظون، الحفظ عندهمصعب، أما طالب العلم الذي همه العلم؛ يحيا لأجل هذا العلم، لطاعة الله، ليعبد اللهعلى بصيرة، ويعلم قدر جلالة الكتاب العزيز، فإن انصرافه لهذا أشد وأفضل وأعلى وأحسنمن انصراف صاحب الدنيا إلى كتبه ودراسته الدنيوية بلا شك؛ لأن صاحب العلم يشعر أنالعلم الذي عنده أهم بكثير وأجل، ولذلك العلماء حفظوا أشياء لا يستطيع الآنالكيميائي ولا الفيزيائي أن يحفظ مثلهم.
                        7/ وقالوا كذلك: إذا تخيلت صوراً لما تحفظ يكون حفظكأثبت، وهم يضربون أمثلة، ونحن يمكن أن نقول مثلاً: إذا أراد إنسان أن يحفظ آياتفيها بناء الكعبة، فلو أنه وضع في ذهنه صورتها مثلاً والطائفين حولها، أو البناءكيف يبنى وهو يقرأ ليحفظ، ربما يكون أثبت له، وكذلك لو قرأ نصوصاً في الجهاد فكانيستحضر في ذهنه صوراً للجهاد والجياد والسيوف والطِعَان، فربما تكون أيضاً الصورةمرتبطة بالمقروء، ولذلك من أصعب الأشياء حفظ الأرقام المجردة، لكن لو قلت: خمسصلوات وكذا فربطت الأشياء بالأشياء صار أسهل.
                        8/ ولذلك عندهم من القواعد في الحفظ: الترتيب والتصنيف،فلو أخذنا مثلاً عشرين أداة من الأدوات وجعلناها مبعثرة، فإذا أردت أن تحفظهاجميعاً يكون أصعب من أن لو صنفتها فوضعت مثلاً أدوات الطبخ جانباً، وقلت: هذه فيخانة، وأدوات الكتابة جانباً، وقلت: هذه في خانة، وما يتعلق باللباس في جانب، وقلت: هذه في خانة، وحفظت كل خانة لوحدها، هذا يكون أحسن. فإذاً: تصنيف الأشياء وترتيبهايُعين على الحفظ. وكذلك من الأشياء التي تُستفاد في قضية الترتيب: الترتيب في حفظالقرآن، لو أراد إنسان أن يحفظ سورة البقرة مثلاً، من الأشياء المعينة على الحفظ أنيعرف مواضيع السورة، وأن يعرف ترتيب المواضيع في السورة، فمثلاً: بدأ بذكرالمؤمنين، ثم المنافقين، ثم اليهود، ثم خلق آدم، ثم بناء الكعبة، وهكذا، فحفظ ترتيبالمواضيع من الأمور المهمة، ولذلك يوجد تفاسير تعتني بذكر مواضيع السورة قبلالبداية في تفسير السورة، فمثلاً من كتب علوم القرآن في هذا كتاب البقاعي رحمهالله، وكذلك كتاب الفيروزآبادي بصائر ذوي التمييز، فهذان كتابان فيهما ذكر مواضيعكل سورة. وكذلك من الكتب الحديثة التي تعتني بهذا كتاب الأستاذ سيد قطب رحمه اللهيبين في مقدمة كل سورة ماذا تتناول السورة من المواضيع. وينبغي أن ننتبه إلى أنالنظريات الحديثة تُزهد في الحفظ، وتُركز على الفهم، وتقول: المهم الفهم، وربمايُزهدون في الحفظ، فلا تستمع لهم؛ لأننا نعرف أن الأمر مكون من حفظ وفهم، وهذهطريقة علمائنا رحمهم الله تعالى، فإذا قالوا لك: لا داعي لإشغال الصغار و الأولادبحفظ هذه المقطوعات الطويلة، وهذا مُضر تربوياً، فاعلم أنهم هم المأفونة عقولهم،الذين عاقبة أمرهم إلى الزوال وشأنهم في سِفال، وهذه أفكار ضلال، ولكن هذه الطريقةالتي سلكها العلماء وجربوها صاروا بها علماء. ولذلك دعك من هذه النظريات الحديثةالتي تقول: إن حشو أذهان الأطفال بالمعلومات مُضر، والمهم أن الولد يفهم. لا. كانوايحفظونهم المتون ولو فهم الصغير بعد ذلك يستعين بحفظه.

                        يتبع

                        تعليق


                        • #13
                          أولويات الحفظ:
                          ثم نأتي إلى نقطة مهمة، وهي قضية الأولويات في الحفظ،فينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل؛ لأنه أجل العلوم وأولاها بالسبقوالتقديم، وهذه طريقة الصحابة ومن بعدهم، كانوا يحفظون الكتاب العزيز. عن الوليد بنمسلم قال: كنا إذا جالسنا الأوزاعي ، فرأى فينا حدثاً، قال: يا غلام! قرأت القرآن؟فإن قال: نعم، قال: اقرأ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، وإنقال: لا. قال: اذهب تعلم القرآن قبل أن تطلب العلم. وكان يحيى بن يمان إذا جاءهغلام استقرأه رأس سبعين من الأعراف، ورأس سبعين من يوسف، وأول الحديد، فإن قرأهاحفظاً حدثه، وإلا لم يحدثه. وقال أهل العلم: وإن أقواماً يصرفون الزمان إلى حفظ ماغيره أولى منه، وإن كان كل العلوم حسناً، ولكن الأولى تقديم الأهم والأفضل، وأفضلما تُشوغل به حفظ القرآن الكريم: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]. فإذا رزقه الله تعالى حفظ كتابه فليحذر أن يشتغل عنه بالحديث أو غيرهمن العلوم اشتغالاً يؤدي إلى نسيانه، ثم الذي يتبع القرآن من العلوم أحاديث رسولالله صلى الله عليه وسلم وسننه، فيجب على الناس طلبها، إذ كانت أس الشريعةوقاعدتها، قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْعَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. وكذلك ينبغي انتقاء الأشياء، فإذا أراد أن يحفظ منالسنة ينتقي الأحاديث الصحاح الجياد، وأحاديث الأحكام -مثلاً- من الأحاديث الصحاحالجياد، قال أبو حاتم الرازي : سمعت أبي يقول: اكتب أحسن ما تسمع، واحفظ أحسن ماتكتب، وذاكر بأحسن ما تحفظ. ويبتدئ بسماع الأمهات من كتب أهل الأثر والأصولالجامعة، قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: عجبت لمن ترك الأصول وطلب الفصول. وبعض الطلاب الآن يريد أن يدخل في التفاصيل فقبل أن يحفظ قصيدة رجزية في مصطلحالحديث، يبدأ بحفظ تقريب التهذيب وأسماء الرجال ومراتبهم، وهذا خلل ولا شك. إن أصحكتب الحديث الصحيحان ، وبعدهما سنن أبي داود وسنن النسائي ، وكذلك سنن الترمذيوغيرهم من أهل العلم رحمهم الله. وينبغي على طالب العلم أن يحفظ من موقوفات الصحابةوأقوالهم؛ لأنها في لزوم العمل بها وتقديمها على القياس ملحقة بالسنن، والموقوفاتعلى التابعين، فيعلم أقوال أهل العلم ولا يشذ عنهم، ويحفظ من أقوال المفسرين مايلزم في معرفة معاني الآيات، ويحفظ من مغازي وسير النبي عليه الصلاة والسلام فيالسيرة، ويحفظ كذلك بعد ذلك أشياء ومنها الشعر والحكم والأمثال. هذه طريقة العلماء،لكن نحن الآن إذا قلنا أن الغالب عدم التفرغ،فماذا يفعل الإنسان؟ لو قلنا له: اذهبواحفظ القرآن ثم تعال، ما تسمع منا ولا مسألة فقهية حتى تحفظ القرآن!! الآن هذا لايُناسب، فينبغي على الطالب في هذا الزمان أن يُقدم كتاب الله في الحفظ، ويحفظأحاديث، ويحفظ فتاوى العلماء؛ لكي ينقلها إلى الناس ويستفيد منها هو. فنقول: صحيحأن هذه الزمان تضاءلت فيه الهمم، وقلّت الأوقات، وكثرت الشواغل والصوارف، وصحيح أنبرنامجاً مثل هذا البرنامج الذي يذكره بعض العلماء في حفظ الأشياء لا يكون متيسراً،لكن نحن نُسدد ونقارب، ولا نقول للشخص: هذه هي الصورة المثالية ولابد أن تفعلها،ونحن نعلم أنه لا يستطيع أن يفعل، وأنه يحتاج لحفظ القرآن ربما خمس عشرة سنة، لانعلمه مسألة فقهية واحدة في خلال هذه السنوات، هذا غيرصحيح.


                          تعليق


                          • #14
                            من أخبارالحفاظ:
                            ونأتي في ختام المطاف إلىذكر شيء من أخبار الحفاظ الذين أنعم الله بهم على هذه الأمة، وثقوا -أيها الإخوة- أننا نشعر بالعز والفخار من معرفة سيرهم، وأننا نقارع بهم الأمم، لا توجد أمة عندهاحفاظ مثل الأمة الإسلامية مطلقاً، لا الإنجليز ولا الألمان، ولا الأمريكان ولاالبيزنطيون، ولا الروم ولا الفرس، لا يوجد ناس عندهم حفاظ مثل الأمة الإسلاميةأبداً، هذا شيء يشهد به القاصي والداني، والقريب والبعيد، ويشهد به التاريخ. ولذلكعندما تسمع الآن أخبار هؤلاء هات مثلهم من الغربيين، إذا صار عندهم هذا فهو ندرة،خزنوا كل شيء في الكمبيوترات وصارت عقولهم خاوية، وإذا توقف الكمبيوتر لا يستفاد لامنه ولا من جهازه، ولذلك نقول: صحيح أننا نستفيد من وسائل حفظ المعلومات، لكن إلغاءالحفظ شيء مضر جداً، ومن أسوأ الأشياء إلغاء الحفظ بالزعم أن هناك طرق تخزين حديثة،وماذا ينفعك الكمبيوتر وأنت بين الصفا والمروة تريد أن تستذكر شيئاً من الأذكاروالأدعية، أو إذا قام الإمام إلى الركعة الخامسة، وتريد أن تستذكر الحكم فيها، أينجهازك في الصلاة؟! فإذاً: نرجع ونقول: أولاً وأخيراً الحفظ الحفظ.

                            أبو هريرة رضي اللهعنه:
                            وأما الحفاظ فإن على رأسهم بعدالأنبياء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وعلى رأس الصحابة في الحفظ أبو هريرة رضيالله عنه، روى البخاري رحمه الله تعالى عن أبي هريرة ، قال: [إن الناس يقولون: أكثرأبو هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً، ثم يتلو: (( إِنَّ الَّذِينَيَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى )) [البقرة:159] إلىقوله: (( الرَّحِيمُ )) [البقرة:160]، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفقبالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم -المزارع- وإن أباهريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشبع بطنه، ويحضر مالا يحضرون، ويحفظمالا يحفظون]. هذا هو التفرغ وجمع العقل والهم، والهم: هو الحفظ، وقال أبو هريرة: ( إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثونا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديثأبي هريرة ؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول اللهصلى الله عليه وسلم على ملئ بطني -لا آخذ إلا ما يكفيني من الطعام- فأشهد إذاغابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرءاًمسكيناًَ من مساكين الصفة، أعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحديث يحدثه : إنه لم يبسط أحدٌ ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعىما أقول، فبسطت نمرة عليّ حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلىصدري، فما نسيت بعد مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء). هذا أبو هريرةرضي الله عنه، ومع ذلك ما حدث بكل ما حفظ، وهو أكثر الصحابة رواية على الإطلاق،فإنه الذي قال: [حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته،وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم] ولعل من ذلك حديث: (إن من أشراط الساعةإمارة الصبيان). ولذلك كان أبو هريرة يقول: [اللهم إني أعوذ بك من رأس الستينوإمارة الصبيان] ولذلك لما تولى الصبي في عام ستين للهجرة من الأمويين، الله عز وجلقبض أبا هريرة قبلها بسنة، فمات سنة تسع وخمسين للهجرة علىقول.

                            تعليق


                            • #15
                              الإمام البخاري رحمهالله:
                              ومن الحفاظ الأجلاء وأعظمالحفاظ على الإطلاق، ومن أعظم من أنجبتهم هذه الأمة في الحفظ على الإطلاق الإمامالبخاري رحمه الله تعالى بلا منازع، وهو مفخرة في جبين هذه الأمة، وغرة ودرة رحمهالله تعالى. كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا -هذا كلام حاشد بن إسماعيل - إلىمشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب -يأتي للحلقة ولا يكتب شيئاً- حتى أتى على ذلكأيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يوماً بعد ستةعشر يوماً مضت: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، فاعرضا عليّ ما كتبتما، فأخرجناإليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنانحكم كتبنا على حفظه -نصحح دفاترنا على حفظ البخاري - خمسة وأربعون يوماً جلس معالشيخ، هم يكتبون وهو لا يكتب، إلى أن قالوا له: أنت تلهو وتلعب، فلتكتب مثلنا وإلافارحل!! قال: اسمعوا.. فسرد علينا خمسة عشر ألف حديث من حفظه، فصرنا نصحح كراريسناعلى حفظه، ثم قال: أترون أني أختلف هدراً وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد. وقدم البخاري إلى بغداد ، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديثفقلبوا متونها وأسانيدها، ركبوا متن هذا على سند هذا، وعملوا لخبطة، ودفعوا إلى كلإنسان منهم عشرة أحاديث، وكانوا عشرة أشخاص، فصار المجموع مائة حديث، ثم جلسالبخاري رحمه الله في المجلس وقد جاء الناس وأهل العلم وجلسوا، يأتي واحد يقول: ياأبا عبد الله ! إني سائلك عن أحاديث، قال: سل، ويعطيه الأولَ المغلوطَ، يقولالبخاري : لا أعرفه، الثاني، يقول البخاري : لا أعرفه، الثالث، العاشر، يقولالبخاري : لا أعرفه، يأتي الثاني يقول: سائلك عن أحاديث، فيذكر الأول والثاني فيعرضالعشرة التي عنده، والبخاري يقول: كذلك هذا، يقول: لا أعرفه، والثالث والرابعوالخامس والعاشر، عرضوا عليه مائة حديث مغلوطة، كل ذلك يقول: لا أعرفه. أما أهلالغفلة؛ الناس الذين لا يعلمون من هو البخاري، كانوا يقولون: هذه سمعةٌ، جلسنا فمارأينا منه شيئاً، كله: لا أعرفه.. لا أعرفه، وأما أهل العلم بـالبخاري ، قالوا: ماسكت إلا لشيء!! فلما انتهوا، قال: انتهيتم؟ قالوا: نعم، قال: أما أنت فقد قلت: كذاوكذا، والصحيح كذا وكذا، وقلت: كذا وكذا، والصحيح كذا وكذا، فصحح له أحاديثه العشرةكلها، ثم استلم الثاني وصحح له أحاديثه العشرة كلها، إلى أن أكمل مائة حديث. قالابن حجر رحمه الله في كلامه: ليس العجب أن يحفظ البخاري الصحيح، ولكن العجب أن يحفظالبخاري الخطأ، أي: يقول: أنت قلت: كذا، والصحيح كذا، وهو الآن قاله لأول مرة! وحِفْظُ أشياء مغلوطة ليس كحفظ الصحيح الذي سمعه مراراً وتكراراً! فسبحان الذيأعطاه هذه الموهبة!! قال البخاري : تذكرت أصحاب أنس ، فحضرني في ساعة ثلاثمائة. حضره هذا العدد فقط وهو يتذكر: من هم تلاميذ أنس ؟ ثلاثمائة واحد في الذاكرة. قالأبو الأزهر : كان بـسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث، فاجتمعوا سبعة أيام، وأحبوامغالطة محمد بن إسماعيل البخاري ، فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق ، وإسناداليمن في إسناد الحرمين ، فما تعلقوا منه بسقطةٍ لا في إسناد ولا في متن. وقال محمدبن خميرويه : سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألفحديث غير صحيح، أي: لكي ينبه الأمة على الأحاديث الصحيحة، ويفلي الأحاديث الصحيحةمن الأحاديث الضعيفة والموضوعة. فالرقم هذا قد يبدو للبعض مبالغاً فيه، لكن قالالذهبي رحمه الله: ما على وجه الأرض من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام قرابةعشرة آلاف حديث صحيح، فإن قال البخاري : أحفظ مائة ألف حديث صحيح، فإنه يقصد الطرقوالشواهد والمتابعات والمقاطيع، وغير ذلك، الطرق بأنواعها وأصنافها.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X