الملخص
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر والصلاة والسلام على خير الخلق والبشر وبعد:
إن ذوي الأعذار من المرضى والزمنى قد خصهم الشارع بأحكام خاصة يؤدون بموجبها العبادة بلا عنت ولا حرج، لأنّ الدين الإسلامي دين يسر وسهولة، وقد أشار القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إلى يسر الإسلام، ورفع الحرج والمشقة عن الناس في أكثر من آية وحديث، قال تعالى:" ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشرون"، (سورة المائدة:1)، وقال سبحانه:" يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، (سورة البقرة: 185)، وقال عليه السلام:" إنّ الدين يسر ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه"(1).
فالمرأة المستحاضة خفف الشارع عنها ، بأن أوجب عليها الاغتسال بعد كل حيضة، ثم تتوضأ لوقت كل صلاة على خلاف بين العلماء وأنها طاهرة حكماً، إن هي توضأت بعد دخول وقت الصلاة، وباستطاعتها أن تؤدي ما شاءت من العبادات ، من صلاة وتلاوة للقرآن واعتكاف وطواف وغيره، ويرى المالكية استحباب الوضوء للمستحاضة لا وجوبه، فاختلاف الفقهاء رحمة بهذه الأمة.
والمرضى الذين يعانون من الحدث الدائم كالسلس بأنواعه ، يجب علهم الاحتياط في الطهارة ، والحيلولة دون خروج النجس أثناء الصلاة ما أمكن، كي لا يصل النجس إلى أبدانهم أو ثيابهم، ورخص لهم في الصلاة قعوداً إن كان ذلك يمنع نزول الحدث أو يقلله، تيسيراً عليهم ورحمة بهم.
وبعض الناس يصابون بالرعاف ، ويستمر رعافهم أكثر من وقت الصلاة، فأجاز لهم الشارع الوضوء لكل صلاة بعد أن يحشو المصاب أنفه بقطن ونحوه للحيلولة دون نزول الدم النجس إلى وجهه أو ملابسهم ، وأن يصلي على حسب قدرته من القيام ان استطاع، ويومئ بالسجود.
وبعض الناس يغلبه القيء ، سواء كان هذا في الصلاة أم خارجها، وإذا كان قدر الطعام الخارج بالقيء ملء الفم فأكثر انتقض وضوؤه، وان كان أقل من ذلك لا ينتقض وضوؤه –على خلاف بين الفقهاء، كما أجاز بعض العلماء لمن قاء أو رعف أثناء الصلاة أن يخرج من صلاته، فيتوضأ ويبني على صلاته، بشروط خاصة .
وقد يتعرض بعض الناس لحوادث الطرق ، أو قد يستدعي الأمر إجراء عمليات جراحية أو يتعرض أحدهم لإصابة عمل كقطع إصبع مثلاً، أو دخول عيار ناري في جزء من جسمه، أو تناله ضربة بسيف في عمليات جهادية في سبيل الله! أو حروق في جسده، أو دمامل وقروح، فكيف يغتسل أمثال هؤلاء أو يتوضأون والجراحات كلها يضرها استعمال الماء؟
لقد أباح الشارع لمن به جرح لا يرقأ وأمثاله التيمم، وكأن الماء غير موجود في حقّهم حكماً، إن أضرهم استعمال الماء، إذا كان بهم حدث أكبر وكان أغلب جسدهم جراحات أو حروق، أما إذا كان في بعضها جراحات وأراد الصلاة في الوقت فعليه أن يتيمم للأعضاء الجريحة، ويعصب على الجراح عصائب ويمسح عليها، ثم يغسل سائر جسده، أو يغسل بقية أعضاء الوضوء الصحيحة لإزالة الحدث الأصغر، بعد أن يزيل الدم أو القيح والصديد عن بدنه وثوبه بحسب استطاعته، ويُعفى عن قليل النجاسة، والتي يقدّرها بعض الفقهاء بالدرهم البغلي، أو بما لا يفحش في نظر صاحبه، ( على خلاف بين الفقهاء في نوع الخارج النجس، وفي قليله وكثيره)، وعلى هؤلاء أن يصلّوا بحسب حالهم وقدرتهم على القيام، وإلا صلوا قاعدين يومئون إيماء، وعليهم أن يجتهدوا في منع خروج النجس أثناء الوضوء أو الصلاة، فإن قصّروا أعادوا الوضوء والصلاة. وعليهم أن يحتاطوا لخروج النجس أثناء الطواف بالبيت الحرام في حج أو عمرة فإن أمنوا تلويث المسجد جاز لهم أيضاً اللبث والاعتكاف فيه.
إن الشريعة الإسلامية حملت في ثناياها السماحة واليُسر والتخفيف ورفع الحرج لما يُلائم أحوال الناس وما يعرض لهم في كل الأوقات ومن ذلك اكتسبت قابلية التطبيق في كل زمان ومكان، لأنّ الله أرادها رسالة عامة خالدة للناس كافة، وهذا يظهر جلياً في مراعاة التيسير في التكاليف والعبادات في عامة الأحوال، وفي حالة المرض بصفة خاصة، حيث قررت رخصاً وتسهيلات تتناسب معه حالة المريض في كل أنواع العبادات، فأباح له تأجيل بعض الفرائض حتى يصحّ ويتعافى مثل الصوم، وخفّف عنه الصلاة فأباح له أن يُؤديها حسب استطاعته وقدرته وعلى أي هيئة، وأسقط عنه فرض الطهارة المائية في الوضوء والغسل إلى التيمّم، وعند تعذر ذلك كان التكليف أخف، لأنّه متى كان الإنسان مستطيعاً وقدرته كاملة كان مطالباً بالتكليف كاملاً، ومتى عجز الإنسان خفف عنه التكليف بما يتناسب مع قدرته.
حمل الملف الكامل
تعليق