أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمـــــــــــــــــــــــــــن الرحيــــــــــــــــــــــــــــم
الحمد لله الملك الخالق حمدا كثيرا دائما كما ينبغي لجلالــــه
وعظيم سلطانه الحمـــد لله مالك الملك ذو القوة المتين حمدا
طاهرا يليق بعلوه ومجده وارتفاعه
ثم الصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير المبعـــــــوث
رحمة للعالمين محمد بن عبد الله قائد الصحابة والمجاهدين وعلى
آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و بعـد :...........................
نصرة لله
نصرة لدين الله
نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
نصرة لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
نصرة لصحابة رسول الله رضي الله عنهم أجمعين
نصرة للإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
نصرة للمرابطين القانتين الثابثين الزاهدين
أقدم
السلسلة العلمية المختصرة
بعنوان
ديننا الإسلام
جميع الحقوق محفوظة لكافة المسلمين
في الطباعة والنشر والتوزيع
الدرس الثاني
مررنا أيها الأحباب في الدرس السابق بتعريف مختصر للإسلام
وعلمنا منه أنه الإستسلام لله بالتوحيد والإنقياد له بالطاعة
والخلوص من الشرك
وذاك ثمرة الإيمان.....
إلى أن توقفنا في مسألة الطاغوت وتعريفه .
ولذا سنجمل بعون الله في هذا الدرس تعريفا شامــــــلا لمعنى
الطاغوت الذي أمرنا الله باجتنابه وتكفيره والكفر به ومعاداته
حتى يتحقق للمسلم الإيمان السليم كما أمر الله في كتابه العزيز
ولذلك أرجوا من إخواني التركيز في هذه المسألة لما لهـــــا من
أهمية في تحقيق معنى لاإله إلا الله.
قال تبارك وتعالى في آيات عدة........
- فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
- والذين كفـــــــــــــــــــروا أوليــــــاؤهم الطــــــــــــــــــــاغوت
- ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبــــــــت
والطـــــــــــــــــــــــــــــــــاغوت
- يريدون أن يتحــاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا بــــه
- والذين كفــروا يقاتلـــــــــــــــون في سبيـــــل الطاغـــــــــــوت
- وجعل منهـــم القردة والخنازير وعبد الطاغـــــــــــــــــــــــــوت
- أن اعبــدوا الله واجتنبــــــــــــــــــوا الطاغــــــــــــــــــــــــــوت
- الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى
قال النبي صلى الله عليه وسلم
من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله
ودمه وحسابه على الله. رواه البخاري
قال ابن القيم رحمه الله في تفسيره لمعنى الطاغـــــــــــــــــوت
الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبـــــــــوع
أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله
أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيــــرة من الله
أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : والصـــواب من القول عنــــدي
في " الطاغوت " أنه كل ذي طغيان على الله فقبد من دونـــــــــه
إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له إنسانـــــــا كان
ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شي.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : الطاغوت عام في
كل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو
مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت.
قال الشيخ عبد الرحمن بابطين : الطاغوت يشمل كل معبود من
دون الله وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل ويحسنه ويشمل
أيضا : كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهليـــــــــــة
المضادة لحكم الله ورسوله ويشمل أيضا : الكاهن والساحـــــــــر
وسدنة الأوثان الداعين إلى عبادة المقبورين وغيرهم بما يكذبون
من الحكايات المضلة للجهال.. .
قال المودودي رحمه الله : المراد من الطاغــوت كل فرد أو طائفة
أو إدارة تبغي وتتمرد على الله وتجــــــاوز حدود العبودية وتدعي
لنفسها الألوهية والربوبية .
ومعنى الطاغوت في اصطلاح القرآن كل دولة أو سلطـــــة وكـــل
إمامة أو قيادة تبغي على الله وتتمرد ثم تنفذ حكمها في أرضـــــه
وتحمل عباده على طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد
فاستسلام المرء لمثل تلك السلطة وتلك الإمامة والزعامة وتعبُّده
لها ثم طاعته إياها كل ذلك منه عبادة - ولا شك - للطاغـــــوت .
قال سيد قطب رحمه الله : والطاغوت صيغة من الطغيان تفيــــــد
كل ما يطغى على الوعي ويجور على الحق ويتجاوز الحـــــــدود
التي رسمها الله للعباد ولا يكون له ضابط من العقيـــــــدة في الله
ومن الشريعة التي يسنها الله ومنه كل منهج غير مستمد من الله
وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد لا يستمد من الله .
إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمـــد من سلطان الله وكل حكـم
لا يقوم على شريعـــــــــة الله وكل عدوان يتجاوز الحق والعدوان
على سلطان الله وألوهيته وحاكميته هو أشنـــــــع العدوان وأشده
طغيانا وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى.. وأهل الكتــاب لم
يعبدوا الأحبار والرهبان ولكن اتبعوا شرعهم فسماهم الله عبـــادا
لهم وسماهم مشركين
{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}
فهم عبدوا الطاغوت أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها وهم
لم يعبدوها بمعنى السجود والركوع ولكنهم عبدوهــــــــــا بمعنى
الإتباع والطاعة وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومـــن
ديــــــــــــــــــــــــن الله.
قال العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله : والذي يستخلــص من
كلام السلف رضي الله عنهم : أن الطاغوت..... بلا شك الحكــم
بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعـــــــه وغيرها من كل ما
وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال وليبطـــل
بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمــــــر
ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذهــــــا
ومنفذيها والقوانين نفسها طواغيت وواضعوها ومروجوهــــــا
طواغيت وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن
الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصـــدا أو
عن غير قصد من واضعه فهو طاغوت.أهـ
أما قول بن القيم رحمه الله في ما تجاوز به العبد حده فأقول أن
هذا مأخوذ من أصل اشتقاق لفظ طاغوت وهو من طغى طغيانا
أي تجاوز العبد حده إلى ما حرم الله فصار متبوعا أو مطاعا في
غير طاعة الله ورسوله كالرؤساء والكبراء سواء كانوا علماء
أو أمراء أ وحكاما أو أئمة مذاهب أو مشرعين من عند أنفسهم
إذا أمروا الناس بطاعتهم فيما حرم الله .
وقد قسم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
الطاغوت إلى خمسة أقسام (تفصيلاً بعد إجمال) وهي داخلة
في تعريف ابن القيم رحم الله :
الأول : الشيطان الداعي إلى عبـــــــــادة غيــــــــر الله .
الثانــــي : الحاكم الجائر المغير لأحكــــــــام الله تعالى.
الثالــــث : الذي يحكــــــــم بغير ما أنـــــــــــــــزل الله.
الرابـــع : الذي يدعــــــــي علم الغيــــــــــــــــــــــــب .
الخامس : الذي يُعبَـد من دون الله وهو راضٍ بالعبادة .
وهنا أيها الأحباب يجدر بنا أن نقف وقفة سريعة نلقي فيها
الضوء على كلمة : عبـــــد / العبـــــــــادة
حيث أننا نجد في القرءان الكريم هذه المفردات فيراها المسلمون
أن لها دلالة واحدة فقط محصورة في معنى " السجود والركوع "
مما أدى إلى خلط كبير في موازين العقيدة رغم أنه قد سلـــــــــف
تفسير ذلك أعلاه..... إلا أن بالتكرار يزيد التدبر والإبصار .
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري
باب : من أطاع العلماء والأمراء في تحريــــــم ما أحل الله
أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهــــم أربابــــــــاً من دون الله
من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريــم
ما أحل الله فقد اتخذهــــــــــم أرباباً من دون الله لأن الله جل
وعلا يقول : إتخذوا أحبارهم ورهبانهـــم أربابا من دون الله
والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبــــدوا إلها واحدا لا إله
إلاهو[التوبة:31] .
وهذه الآية يقصد بها اليهود والنصارى
والأحبار هم العلماء والرهبان هم العباد وأما المسيح عليـــه
السلام فهو رسول الله الذي جاء بالإنجيل وجاء بالرسالـــــة
التي فيها التخفيف على بني إسرائيل..... فالمقصـــــود هنا
كونه قرن الرهبان والأحبار مع عيسى يدلنا على أنـــــــه لا
فرق بين أن يطيع الإنسان مخلوقاً في تحليل الحــــــــرام أو
تحريم الحلال وبين أن يعبده عبادة صريحة واضحــــــــــة.
وقد جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أوضــــــــــح
هذا المعنى تمام الإيضاح فإنــــــــه صلى الله عليه وسلم لما
قدم عدي بن حاتــــــــم وهو نصراني من نصارى العرب قال
عدي : فصار يتلـــــــو هذه الآية / إتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون الله والمسيح ابن مريــــــــــــــم وما أمروا إلا
ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو [التوبة:31] فقلــــــــــــــــت
يا رسول الله : إننا لم نعبدهم قال : بلى ألم يحللوا لكـــــــــم
الحرام فتتبعوهم ؟ ويحرموا عليكم الحلال فتتبعوهـــــــــــم ؟
فقلت : بلى قال : تلك عبادتهم.
هذا أمر واضح جلي لأن طاعة المخلوق في معصيـــــــــــــة
الله جل وعلا عبادة له . أهـ
ولما كان التوحيد الذي يجب على العبد أن يكون عارفـــــــا
به وعاملا به فإنه لا يجوز للمسلم أن يجهل مسائـــــــــــــل
التوحيــــــــــــــد أو يترك العمل بها لأنه من أهم الأمور كما
تم التنبيه من قبل كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
و نبه علماء السلف في هذا الباب على أن الطاعة المطلقـــة
يجب أن تكون لله لأنها هي العبادة وقد فسر العلماء العبادة
بأنها : الطاعة بإتباع الأمر واجتناب النهي.
فتم الإيضاح أن هذه الطاعة لا يجوز أن تكون للمخلوق إلا
إذا كانت تبعاً لطاعة الله جل وعلا .
وجاء كذلك في فتح الباري شرح صحيح البخاري ما يلي
يكون الأمر والنهي في التشريع من خصائص الله جل وعلا
ولهذا نص المؤلف على هذا الأمر لأن تركه مضاد للتوحيد
أي أن من أطاع غير الله في التحليل والتحريم فقد وقع في
الشرك الأكبر وقد ذكر الله جل وعلا في آيات كثيرة حــــــال
هذا النوع يوم القيامة فقال : وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَـــا
وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَـــــذَابِ
وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب:67-68] ولكن هذا لا يفيـــــــد
في شيء لأن التابع والمتبوع يجتمعان في جهنــــــــــم.. في
عذاب النار ويا ليت وما أشبه ذلك لا تفيد شيئاً في ذلك اليوم
والمقصود : أن المقلد في هذا لا ينفعه تقليده ولو اعتذر بالجهل
أو اعتذر بالغرور ولذلك فالواجب على العبد أن يخلص نفسه .
وقلنا : في الطاعة الخاصة لأن طاعة المخلوق إذا لم تكن في
معصية الخالق فإنها غير ممنوعة .
والمعصية إما أن تكون في تحليل الحرام أو تحريـــــــــم الحلال
وليس شرطا أن ينص على هذا بقوله : هذا حلال وهذا حــــرام
ولكن إذا كان أمره مخالفاً لأمر الله ومصادما له فهذا هو المحذور
والذي لا يجوز أن يقع من الإنسان وهو الذي يكون فيه الشــــرك
أكبر ولهذا أمر الله جل وعلا بطاعة أولي الأمر تبعا لطاعتــــــــه
وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك فإن الولاة والعلماء يطاعون إذا أمــــــروا بطاعة الله أما
إذا أمروا بمعصية فلا طاعــــــــــة كما قال صلى الله عليه وسلم
( إنما الطاعة في المعروف) وقال : ( لا طاعة لمخلــــــــــــوق
في معصية الله) وهذا عام يشمل الوالد ويشمـــــــل من هو أبعد
منه فكل مخلوق لا يطــــــــــــــــاع في معصية الله جل وعلا فإن
أطاعه وهو يعلم فقد اتخذه ربا.
ومقصود المؤلف من ذلك أن يطبق هذه الآية على هذه الأمــــة
لأن كل ما ذكر في أهل الكتاب يقصد به تحذير المسلمين منــــه
فالمقصود بالخطاب من يمتثل الخطاب ويؤمن به ويقبله ولهذا
ذكر في المسائل : أن طاعة الفقهاء في كونهم يقولون الحكـــم
كذا وكذا.. وهو مخالف لقول الله وقول رسوله أنه مثل اتخــــاذ
الأحبار أربابا وأن طاعة العباد والزهاد في تشريع ما يقترحونه
ويقولونه ويأتون به أنه من عبادتهم .
وقد ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلـــــم
بعث سرية وأمر عليها رجلاً من الأنصار وحضهم على طاعته
فقال : من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقــــــــد
عصانـــــــــــــــــــــــــي
فغضب عليهم أميرهم فقال لهم : ألم يقل لكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم : من أطاع الأمير فقد أطاعنـــــــــــي ومن عصاه فقد
عصانـــــــــــــــــــــــي ؟
قالوا : بلى قال : اجمعوا لي حطبا فجمعوا له حطبا كثيرا فلما
جمعوه قال : أججوا فيه ناراً فأججوا فيه النار عند ذلك قـــال :
اقتحموا في النار فوقفوا وقالوا : لا نقتحم في النار نحن من النار
فررنا ولما سكن غضبه وطفئت النار وعاد الأمر على مــــــا هو
عليه يعني ساروا في طريقهم وفي مقصدهم ثم لما رجعــــوا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا له القصة فقال صلى الله عليه
وسلم لو دخلتموها ما خرجتم منها لا طاعة لمخلوق في معصية
الله إنما الطاعة بالمعروف والمعروف هو الشرع الذي جـــــاء به
الرسول صلى الله عليه وسلم ومن خالف الشرع فقد أتى بمنكــــر
لا بمعـــــــــــــــــــروف.أهـ
هذا والحمد لله رب العالمين
***************
التوحيد حق الله على العباد
ذاك ما سيتم تفصيله في الدرس القادم بعون الله تعالى ومدده
ومن كان من الإخوة له أي سؤال بخصوص
هذا الدرس حصرا فليتفضل مشكورا
هذا والحمد لله رب العالمين
والله أكبر
{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ }
بسم الله الرحمـــــــــــــــــــــــــــن الرحيــــــــــــــــــــــــــــم
الحمد لله الملك الخالق حمدا كثيرا دائما كما ينبغي لجلالــــه
وعظيم سلطانه الحمـــد لله مالك الملك ذو القوة المتين حمدا
طاهرا يليق بعلوه ومجده وارتفاعه
ثم الصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير المبعـــــــوث
رحمة للعالمين محمد بن عبد الله قائد الصحابة والمجاهدين وعلى
آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و بعـد :...........................
نصرة لله
نصرة لدين الله
نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
نصرة لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
نصرة لصحابة رسول الله رضي الله عنهم أجمعين
نصرة للإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
نصرة للمرابطين القانتين الثابثين الزاهدين
أقدم
السلسلة العلمية المختصرة
بعنوان
ديننا الإسلام
جميع الحقوق محفوظة لكافة المسلمين
في الطباعة والنشر والتوزيع
الدرس الثاني
مررنا أيها الأحباب في الدرس السابق بتعريف مختصر للإسلام
وعلمنا منه أنه الإستسلام لله بالتوحيد والإنقياد له بالطاعة
والخلوص من الشرك
وذاك ثمرة الإيمان.....
إلى أن توقفنا في مسألة الطاغوت وتعريفه .
ولذا سنجمل بعون الله في هذا الدرس تعريفا شامــــــلا لمعنى
الطاغوت الذي أمرنا الله باجتنابه وتكفيره والكفر به ومعاداته
حتى يتحقق للمسلم الإيمان السليم كما أمر الله في كتابه العزيز
ولذلك أرجوا من إخواني التركيز في هذه المسألة لما لهـــــا من
أهمية في تحقيق معنى لاإله إلا الله.
قال تبارك وتعالى في آيات عدة........
- فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
- والذين كفـــــــــــــــــــروا أوليــــــاؤهم الطــــــــــــــــــــاغوت
- ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبــــــــت
والطـــــــــــــــــــــــــــــــــاغوت
- يريدون أن يتحــاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا بــــه
- والذين كفــروا يقاتلـــــــــــــــون في سبيـــــل الطاغـــــــــــوت
- وجعل منهـــم القردة والخنازير وعبد الطاغـــــــــــــــــــــــــوت
- أن اعبــدوا الله واجتنبــــــــــــــــــوا الطاغــــــــــــــــــــــــــوت
- الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى
قال النبي صلى الله عليه وسلم
من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله
ودمه وحسابه على الله. رواه البخاري
قال ابن القيم رحمه الله في تفسيره لمعنى الطاغـــــــــــــــــوت
الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبـــــــــوع
أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله
أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيــــرة من الله
أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : والصـــواب من القول عنــــدي
في " الطاغوت " أنه كل ذي طغيان على الله فقبد من دونـــــــــه
إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له إنسانـــــــا كان
ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شي.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : الطاغوت عام في
كل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو
مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت.
قال الشيخ عبد الرحمن بابطين : الطاغوت يشمل كل معبود من
دون الله وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل ويحسنه ويشمل
أيضا : كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهليـــــــــــة
المضادة لحكم الله ورسوله ويشمل أيضا : الكاهن والساحـــــــــر
وسدنة الأوثان الداعين إلى عبادة المقبورين وغيرهم بما يكذبون
من الحكايات المضلة للجهال.. .
قال المودودي رحمه الله : المراد من الطاغــوت كل فرد أو طائفة
أو إدارة تبغي وتتمرد على الله وتجــــــاوز حدود العبودية وتدعي
لنفسها الألوهية والربوبية .
ومعنى الطاغوت في اصطلاح القرآن كل دولة أو سلطـــــة وكـــل
إمامة أو قيادة تبغي على الله وتتمرد ثم تنفذ حكمها في أرضـــــه
وتحمل عباده على طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد
فاستسلام المرء لمثل تلك السلطة وتلك الإمامة والزعامة وتعبُّده
لها ثم طاعته إياها كل ذلك منه عبادة - ولا شك - للطاغـــــوت .
قال سيد قطب رحمه الله : والطاغوت صيغة من الطغيان تفيــــــد
كل ما يطغى على الوعي ويجور على الحق ويتجاوز الحـــــــدود
التي رسمها الله للعباد ولا يكون له ضابط من العقيـــــــدة في الله
ومن الشريعة التي يسنها الله ومنه كل منهج غير مستمد من الله
وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد لا يستمد من الله .
إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمـــد من سلطان الله وكل حكـم
لا يقوم على شريعـــــــــة الله وكل عدوان يتجاوز الحق والعدوان
على سلطان الله وألوهيته وحاكميته هو أشنـــــــع العدوان وأشده
طغيانا وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى.. وأهل الكتــاب لم
يعبدوا الأحبار والرهبان ولكن اتبعوا شرعهم فسماهم الله عبـــادا
لهم وسماهم مشركين
{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}
فهم عبدوا الطاغوت أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها وهم
لم يعبدوها بمعنى السجود والركوع ولكنهم عبدوهــــــــــا بمعنى
الإتباع والطاعة وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومـــن
ديــــــــــــــــــــــــن الله.
قال العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله : والذي يستخلــص من
كلام السلف رضي الله عنهم : أن الطاغوت..... بلا شك الحكــم
بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعـــــــه وغيرها من كل ما
وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال وليبطـــل
بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمــــــر
ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذهــــــا
ومنفذيها والقوانين نفسها طواغيت وواضعوها ومروجوهــــــا
طواغيت وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن
الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصـــدا أو
عن غير قصد من واضعه فهو طاغوت.أهـ
أما قول بن القيم رحمه الله في ما تجاوز به العبد حده فأقول أن
هذا مأخوذ من أصل اشتقاق لفظ طاغوت وهو من طغى طغيانا
أي تجاوز العبد حده إلى ما حرم الله فصار متبوعا أو مطاعا في
غير طاعة الله ورسوله كالرؤساء والكبراء سواء كانوا علماء
أو أمراء أ وحكاما أو أئمة مذاهب أو مشرعين من عند أنفسهم
إذا أمروا الناس بطاعتهم فيما حرم الله .
وقد قسم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
الطاغوت إلى خمسة أقسام (تفصيلاً بعد إجمال) وهي داخلة
في تعريف ابن القيم رحم الله :
الأول : الشيطان الداعي إلى عبـــــــــادة غيــــــــر الله .
الثانــــي : الحاكم الجائر المغير لأحكــــــــام الله تعالى.
الثالــــث : الذي يحكــــــــم بغير ما أنـــــــــــــــزل الله.
الرابـــع : الذي يدعــــــــي علم الغيــــــــــــــــــــــــب .
الخامس : الذي يُعبَـد من دون الله وهو راضٍ بالعبادة .
وهنا أيها الأحباب يجدر بنا أن نقف وقفة سريعة نلقي فيها
الضوء على كلمة : عبـــــد / العبـــــــــادة
حيث أننا نجد في القرءان الكريم هذه المفردات فيراها المسلمون
أن لها دلالة واحدة فقط محصورة في معنى " السجود والركوع "
مما أدى إلى خلط كبير في موازين العقيدة رغم أنه قد سلـــــــــف
تفسير ذلك أعلاه..... إلا أن بالتكرار يزيد التدبر والإبصار .
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري
باب : من أطاع العلماء والأمراء في تحريــــــم ما أحل الله
أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهــــم أربابــــــــاً من دون الله
من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريــم
ما أحل الله فقد اتخذهــــــــــم أرباباً من دون الله لأن الله جل
وعلا يقول : إتخذوا أحبارهم ورهبانهـــم أربابا من دون الله
والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبــــدوا إلها واحدا لا إله
إلاهو[التوبة:31] .
وهذه الآية يقصد بها اليهود والنصارى
والأحبار هم العلماء والرهبان هم العباد وأما المسيح عليـــه
السلام فهو رسول الله الذي جاء بالإنجيل وجاء بالرسالـــــة
التي فيها التخفيف على بني إسرائيل..... فالمقصـــــود هنا
كونه قرن الرهبان والأحبار مع عيسى يدلنا على أنـــــــه لا
فرق بين أن يطيع الإنسان مخلوقاً في تحليل الحــــــــرام أو
تحريم الحلال وبين أن يعبده عبادة صريحة واضحــــــــــة.
وقد جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أوضــــــــــح
هذا المعنى تمام الإيضاح فإنــــــــه صلى الله عليه وسلم لما
قدم عدي بن حاتــــــــم وهو نصراني من نصارى العرب قال
عدي : فصار يتلـــــــو هذه الآية / إتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون الله والمسيح ابن مريــــــــــــــم وما أمروا إلا
ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو [التوبة:31] فقلــــــــــــــــت
يا رسول الله : إننا لم نعبدهم قال : بلى ألم يحللوا لكـــــــــم
الحرام فتتبعوهم ؟ ويحرموا عليكم الحلال فتتبعوهـــــــــــم ؟
فقلت : بلى قال : تلك عبادتهم.
هذا أمر واضح جلي لأن طاعة المخلوق في معصيـــــــــــــة
الله جل وعلا عبادة له . أهـ
ولما كان التوحيد الذي يجب على العبد أن يكون عارفـــــــا
به وعاملا به فإنه لا يجوز للمسلم أن يجهل مسائـــــــــــــل
التوحيــــــــــــــد أو يترك العمل بها لأنه من أهم الأمور كما
تم التنبيه من قبل كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
و نبه علماء السلف في هذا الباب على أن الطاعة المطلقـــة
يجب أن تكون لله لأنها هي العبادة وقد فسر العلماء العبادة
بأنها : الطاعة بإتباع الأمر واجتناب النهي.
فتم الإيضاح أن هذه الطاعة لا يجوز أن تكون للمخلوق إلا
إذا كانت تبعاً لطاعة الله جل وعلا .
وجاء كذلك في فتح الباري شرح صحيح البخاري ما يلي
يكون الأمر والنهي في التشريع من خصائص الله جل وعلا
ولهذا نص المؤلف على هذا الأمر لأن تركه مضاد للتوحيد
أي أن من أطاع غير الله في التحليل والتحريم فقد وقع في
الشرك الأكبر وقد ذكر الله جل وعلا في آيات كثيرة حــــــال
هذا النوع يوم القيامة فقال : وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَـــا
وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَـــــذَابِ
وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب:67-68] ولكن هذا لا يفيـــــــد
في شيء لأن التابع والمتبوع يجتمعان في جهنــــــــــم.. في
عذاب النار ويا ليت وما أشبه ذلك لا تفيد شيئاً في ذلك اليوم
والمقصود : أن المقلد في هذا لا ينفعه تقليده ولو اعتذر بالجهل
أو اعتذر بالغرور ولذلك فالواجب على العبد أن يخلص نفسه .
وقلنا : في الطاعة الخاصة لأن طاعة المخلوق إذا لم تكن في
معصية الخالق فإنها غير ممنوعة .
والمعصية إما أن تكون في تحليل الحرام أو تحريـــــــــم الحلال
وليس شرطا أن ينص على هذا بقوله : هذا حلال وهذا حــــرام
ولكن إذا كان أمره مخالفاً لأمر الله ومصادما له فهذا هو المحذور
والذي لا يجوز أن يقع من الإنسان وهو الذي يكون فيه الشــــرك
أكبر ولهذا أمر الله جل وعلا بطاعة أولي الأمر تبعا لطاعتــــــــه
وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك فإن الولاة والعلماء يطاعون إذا أمــــــروا بطاعة الله أما
إذا أمروا بمعصية فلا طاعــــــــــة كما قال صلى الله عليه وسلم
( إنما الطاعة في المعروف) وقال : ( لا طاعة لمخلــــــــــــوق
في معصية الله) وهذا عام يشمل الوالد ويشمـــــــل من هو أبعد
منه فكل مخلوق لا يطــــــــــــــــاع في معصية الله جل وعلا فإن
أطاعه وهو يعلم فقد اتخذه ربا.
ومقصود المؤلف من ذلك أن يطبق هذه الآية على هذه الأمــــة
لأن كل ما ذكر في أهل الكتاب يقصد به تحذير المسلمين منــــه
فالمقصود بالخطاب من يمتثل الخطاب ويؤمن به ويقبله ولهذا
ذكر في المسائل : أن طاعة الفقهاء في كونهم يقولون الحكـــم
كذا وكذا.. وهو مخالف لقول الله وقول رسوله أنه مثل اتخــــاذ
الأحبار أربابا وأن طاعة العباد والزهاد في تشريع ما يقترحونه
ويقولونه ويأتون به أنه من عبادتهم .
وقد ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلـــــم
بعث سرية وأمر عليها رجلاً من الأنصار وحضهم على طاعته
فقال : من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقــــــــد
عصانـــــــــــــــــــــــــي
فغضب عليهم أميرهم فقال لهم : ألم يقل لكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم : من أطاع الأمير فقد أطاعنـــــــــــي ومن عصاه فقد
عصانـــــــــــــــــــــــي ؟
قالوا : بلى قال : اجمعوا لي حطبا فجمعوا له حطبا كثيرا فلما
جمعوه قال : أججوا فيه ناراً فأججوا فيه النار عند ذلك قـــال :
اقتحموا في النار فوقفوا وقالوا : لا نقتحم في النار نحن من النار
فررنا ولما سكن غضبه وطفئت النار وعاد الأمر على مــــــا هو
عليه يعني ساروا في طريقهم وفي مقصدهم ثم لما رجعــــوا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا له القصة فقال صلى الله عليه
وسلم لو دخلتموها ما خرجتم منها لا طاعة لمخلوق في معصية
الله إنما الطاعة بالمعروف والمعروف هو الشرع الذي جـــــاء به
الرسول صلى الله عليه وسلم ومن خالف الشرع فقد أتى بمنكــــر
لا بمعـــــــــــــــــــروف.أهـ
هذا والحمد لله رب العالمين
***************
التوحيد حق الله على العباد
ذاك ما سيتم تفصيله في الدرس القادم بعون الله تعالى ومدده
ومن كان من الإخوة له أي سؤال بخصوص
هذا الدرس حصرا فليتفضل مشكورا
الكــــــــاتب : أخوكـــــــــم في الله
العبد الفقيـر : حذيفــــة بن اليمان
العبد الفقيـر : حذيفــــة بن اليمان
هذا والحمد لله رب العالمين
والله أكبر
{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ }