إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وقفات إيمانيه في ذكرى غزوة بدر الكبرى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وقفات إيمانيه في ذكرى غزوة بدر الكبرى

    الحمد لله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزابوحده، له الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله علانيته وسره، أحمده تعالىوأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأرسل رسله بالبينات والهدى، وأيدهم بالمعجزات والقوى، ليقوم الناس بالدينالخالص لرب الأرض والسماوات العُلى، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبد اللهورسوله المجتبى، علمه شديد القوى، صلى الله عليه وعلى آله أولى الأحلاموالنهى، وصحبه الذين اهتدوا والتابعين ومن تبعهم على سبيل الهدى وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فاتقوا الله أيها المسلمون وراقبوه ولا تعصوه، فبتقوى الله سبحانه تحصل السعادة، وتطمئن القلوب، وتنشرح الصدور،(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)الطلاق: من الآية4].

    أيها المسلمون:

    في تجديد الذكريات تجد النفوس سلوتها، وتستذكر الأجيالتأريخها، وتأنس القلوب وهي تعيد النظر كرةً بعد أخرى في سير أمجادها وسجلاتأبطالها، وتعظم هذه الذكريات وتزهو حين تكون ذكريات نصر وخير وفداءوبطولة، يتوجها شرف الزمان والرجال:

    فالزمان: شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
    والرجال: محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام من المهاجرين والأنصار –رضيالله عنهم وأرضاهم- خير القرون، وأزكى الأمم، وأبرُّ الأجيال.

    عباد الله:

    والأمم جميعاً اعتادت على قراءة سيرة روادها، وقداسة قوادها وأبطالها،والنظر في سيرهم وحياتهم، والوقوف معها وقوفاً لا يكمن في روايات تتلى، أوقصص تروى، وإنما هو وقوف على عبرٍ ومواقف تبصر المسلم بتأريخه يأخذ منهاالعظة والعبرة في حياته وتأريخه، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَحَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِوَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف:111].


    وكم هو جدير بالأمة تعيش هذه الأيام المباركة -شهررمضان المبارك- كما تعيش حالات وأوضاعاً شتى يظهر فيها المد والجزر،والتفرق و الاختلاف، وتبرز فيها التحديات العظمى في صور شتى من أعدائها كمهو جديرٌ بها أن تستلهم من تأريخها الدروس والعبر فيما عاشه المصطفى صلىالله عليه وسلم، من رمضانات كانت تبعث فيها السرايا، وتجهز الجيوش وتخاضالمعارك، فرمضان أيها الإخوة ليس موسماً للكسل والخمول والراحة والاستجمام،بل هو مدرسة الجهاد الكبرى، وفرصة الانتصارات العظمى، وما معركة بدرالكبرى وفتح مكة وعين جالوت ومعركة حطين وغيرها كثير إلا نماذج على ذلك.

    نعم! أيها المسلمون:

    إن رمضان هو موسم النصر والعزة لحزب الله؛ الذين صدقوا ما عاهدوا اللهعليه، وهو شهر الجهاد الذي يبدأ بجهاد النفس، وينتهي بجهاد العدو بعد. سلسلة من الصبر والمصابرة، تتمثل في الجهاد بالمال، والتضحية بالبدنوالوقت، في أداء فريضة أو قيام بنافلة أو دعوة إلى سبيل الله، في الأمربالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.


    ورمضان –أيها الإخوة- هو المدرسة العظمى التي تربي فيها الفاتحون الأولون الذين خرجوا ليفتحوا الدنيا بكلمة التوحيد الخالص:
    لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويملأوا المعمورة عدلاً كما مُلئت جوراً؛بإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد سبحانه.


    وحسبُنا -أيها الإخوة- أن نقفَ وقفات سريعة مع بعضأحداث معركة بدرالكبرى التي وقعت في يوم الجمعة السابع عشر من رمضانالمبارك من العام الثاني للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
    وحديث الغزوة حديث طويل لا تمله النفوس المؤمنة، ولكننا نجتزئُ بعض أحداثها المهمة.

    عباد الله:

    لقد كانت معركة بدرالكبرى فرقاناً بين الحق و الباطل أول معركة حاسمة بينالمسلمين والمشركين، ونصر الله فيها عباده المؤمنين نصراً مؤزراً، وسجلعليهم المنة العظمى إلى يوم الدين: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران:123].
    لم تعرف الدنيا أفقر ولا أضعف ولا أذل من العرب، حتى بعث فيهم المصطفى صلىالله عليه وسلم، وجاءهم الله بالإسلام فمكن لهم في البلاد، وأوسع لهم فيالأرزاق.


    سمع النبي صلى الله عليه وسلم أنّ أبا سفيان مُقبلٌ من الشام في ألف بعيرللمشركين فيها أموالٌ عظيمة لم يبق في مكة مشركٌ ولا مشركةٌ إلا بعث بمالهكله في هذه العير، فندب المصطفى صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج معهقائلاً: "هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا لعل الله أن يغنمكموها".
    فخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، من كبار الصحابة مهاجرين وأنصار. وإنما تخلف البقية الباقية لأنهم لم يعلموا بالقتال.


    وبلغ أبا سفيان الخبر فأرسل إلى مكة يستنجد قومه، فهبت إليه قريش برجالهاوعتادها، بطراً ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل، وأقبلوا بحدّهم وحديدهميُحادون الله ورسوله وجاؤوا على حردٍ قادرين، وعلى حميةٍ وغضب وحنقٍ علىرسول الله وأصحابه. وكانوا قرابة الألف ملحد، جاؤوا من غير ميعاد، ليقضيالله أمراً كان مفعولاً، (إِذْأَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىوَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِيالْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاًلِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْبَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:الآية42].


    ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خرج المشركين لقتالهاستشار أصحابه، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثانياً فتكلمالمهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثالثاً، فعرف الأنصار أنه يعنيهم، فقام سعدبن معاذ -رضي الله عنه- فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله! قال أجل. قال: يا رسول الله: لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق،وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول اللهلما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق رسولاً لو استعرضت بنا هذا البحرفخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجلٌ و احد، وما نكرهُ أن تلقى بنا عدوّنا،إنّا لصُبُرٌ في الحروب، صُدُقٌ عند اللقاء، ولعلَّ الله يُريك منّا ماتقرُّ به عينُك، فسْر بنا على بركة الله.
    فتهلّلَ وجهُه صلى الله عليه وسلم لذلك، وقال: سيروا وأبشروا فإنّ اللهتعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم. (وَإِذْيَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْوَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُاللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَالْكَافِرِينَ) [الأنفال:7].


    وسار المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى نزلوا ماءبدرٍ بمشورة الحِبَابِ ابن المنذر –رضي الله عنه- فصنعوا الحياض، وغورواما عداها من المياه؛ منعاً للمشركين منها.
    وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في موضع المعركة، ويُشير بيده إلىمصارع القوم، وهو يقول: هذا مصرعُ فلان، وهذا مصرعُ فلان، وهذا مصرع فلان،إن شاء الله. قال أنس –رضي الله عنه-: "فما تعدى أحدٌ ممّن سمّى موضع إشارته".


    فلما طلع المشركون، وتراءى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم –وقد رفعَ يديه إلى السماء-: "اللهمهذه قريشٌ جاءت بخيلائها وفخرها تُحادك وتكذب رسولك، اللهم أنجز لي ماوعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تَهلِك هذه العُصابةُ لاتُبعدُ في الأرض". وأخذ يُلحُّ على الله في الدعاء حتى سقطَ رداؤهعن ظهره فالتزمَه أبو بكرٍ -رضي الله عنه- من ورائه وقال: يا رسول اللهأبشر فو الذي نفسي بيده ليُنجزنّ الله لك ما وعدك. رواه البخاري ومسلم.


    واستفتحَ أبو جهل في ذلك اليوم يدعو اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى،وهو يقول: "اللهم أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا نعرفه، فاحْنِهِ الغداةَ،واللهم أيُّنا كان أحبَّ إليك وأرضى عندك، فانصره اليوم.
    فأنزل الله تعالى: (إِنْتَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَخَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْفِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال:19]. واستنصر المسلمون الله الذي يُجيب دعوة المضطر إذا دعاهويكشف السوء، واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه، فأوحى الله إلى ملائكته(أَنِّيمَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَكَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْكُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال: من الآية12].


    وأوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9].
    وبدأت المعركة بالمبارزة، ثم حمى القتال، واشتدت رحى الحرب، وقام النبي صلىالله عليه وسلم في الناس، فوعظهم وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات منالنصر والظَفَرِ العاجل، وثواب الله في الآجل، وأخبرهم أنّ الله سبحانه قدأوجب لمن اٌستُشهِدَ في سبيله الجنة، فقام عمير بن الحمام –رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله! جنّةٌ عرضها السماوات والأرض؟!. قال: نعم! قال: بخٍبخٍ يا رسول الله، قال: ما يحملك على قولك بخٍ بخ. قال: لا والله يا رسولالله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها. فأخرج ثمراتٍ كن فيقرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياةطويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتل حتى قتل، فكان أول قتيل فيالمعركة. كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه.


    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاذْكُرُواإِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْيَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِوَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26].


    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكرالحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبوخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنّه كان غفوراً رحيماً.



    الخطبة الثانية

    الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولميولد، ولم يكن له كفوراً أحد، والصلاة والسلام على أفضل المصطفين محمد وعلىآله وصحبه ومن تعبد.

    أما بعد:

    فاتقوا الله عباد الله، وانصروا الله تعالى ينصركم ويثبت أقدامكم.

    أيها المسلمون:

    ولما اشتبك القتال في بدر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ملء كفه من الحصباءفرمى بها وجوه العدو، فلم تترك رجلاً منهم إلا ملأت عينيه، وشُغلوابالتراب في أعينهم، وشُغل المسلمون بقتلهم، فأنزل الله في شأن هذه الرميةعلى رسوله قوله تعالى: (فَلَمْتَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَوَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءًحَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:17].

    وجاء النصر من عند الله، وأنزل جنوداً لم يرَها المسلمون، وأيد رسولهوالمؤمنين، ومنحهم أكتاف المشركين أسراً وقتلاً، فقتلوا منهم سبعين، وأسرواسبعين من صناديدهم الذين كانوا يسومون المستضعفين من المؤمنين سوء العذاب،وتلك الأيامُ يداولها الله بين الناس.


    ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى، فقال: "بئس عشيرةُ النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس". ثم أمر بهم فسبحوا إلى قليب في بدر فطرحوا فيه.

    عباد الله:

    لقد كانت معركة بدرالكبرى فرقاناً بين عهد المصابرة والصبر والتجميع والانتظار، وعهد القوة والحركة والمبادأة والاندفاع.
    فعن عبد الرحمن بن عوفٍ –رضي الله عنه- قال: "بيناأنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من أنصارحديثة أسنانهما، فغمزني أحدُهما وقال: يا عمَّ! هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم! وما حاجتُك إليه يا بن أخي؟. قال: أُخبرتُ أنه يسب رسول الله صلى اللهعليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يُفارقُ سوادي سواده حتى يموتالأعجل منّا. قال: فلم ألبث أن نظرتُ إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت،لهما: إنّ هذا صاحبُكما الذي سألتماني عنه، فابتدراه بسيفيهما، فضرباه،فوقع صريعاً، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، وكانامعاذ بن عفراء، ومعاذ بن الجموح –رضي الله عنهما-. والقصة في الصحيح.

    ثم مرَ به عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فوجده صريعاً فاجتزَّ رأسه.
    الله أكبر يا عباد الله: صنديد من صناديد المشركين كان مع بدء المعركة يجولفي المشركين يُحرضهم على القتال قائلاً: لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال، ولاألفين رجلاً قتل رجلاً منهم، ولكن خذوهم حتى؛ تُعرِّفوهم سوء صنيعهم؛ منمفارقتهم إياكم ورغبتهم عن اللات والعزى، يأبى الله سبحانه إلا أن يكونحتفه على يد غلامين من الأنصار، ويقتطع عنقه رويعي الغنم عبد الله بنمسعود.


    لقد كان معركة بدر بحق فرقاناً بين الحق والباطل على مستوى الكون كله، فقدكان الموجه لها هو الله من فوق عرشه سبحانه وتعالى، وقائدها جبريل ومحمدٌعليهما السلام- تحت راية التوحيد.
    أما المشركون فقائدهم إبليس –عليه لعنة الله-، والموجه للمعركة أبو جهلفرعون هذه الأمة- تحت راية الأوثان، حيث حشد الباطل جنوده كلهم وعلى رأسهمإبليس الذي زيّن لهم أعمالهم، (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَلَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِالْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْإِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُالْعِقَابِ) [الأنفال:48].




    وذلك أنّه دخل معهم في صورة سُراقة بن مالك، فلمّا رأى ما تفعلُ الملائكةبالمشركين أشفق أن يخلص القتل إليه، فخرجَ هارباً، وقال: إني بريءٌ منكم،إنّي أرى ما لا ترون، وألقى بنفسه في البحر.

    عباد الله:

    ولقد كانت معركة بدر فرقاناً بين تصورين لعوامل النصر والهزيمة، فقد بدأتالمعركة وكل عوامل النصر الظاهر في صف المشركين، وكل عوامل الهزيمة الظاهرةفي صف العصبة المؤمنة حتى قال المنافقون والذين في قلوبهم مرض: (غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ ) [الأنفال: 49].


    وهذه حكمة عظيمة من الله تعالى ليُبين للناس جمعاء أن النصر للعقيدةالصالحة التي تحرك النفوس لا لمجرد السلاح والعتاد، وصدق أبو جهل وهو كذوب: لئن كُنَّا إنّما نقاتلُ الله كما يزعمُ محمدٌ فما لأحدٍ بالله من طاقة.


    وإنّ مآسي المسلمين المتكررة وهزائمهم المتلاحقة في هذه العصور المتأخّرةلا ترجع إلى قلة العتاد والقوة، وإنما هي بسبب تخاذلهم وبعدهم عن دين الله،وتناحرهم وانغماسهم في اللذائذ والمشتهيات:
    وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً

    نعم يا عباد الله:


    ما جرّأ الأعداء على الأمة، وأزرى بها، وأفقدها ريادتها إلا تخلى أبنائهاعن تأريخم، وتفريطهم في إسلامهم، وابتعادهم عن تعاليم دينهم، وتقليدهمللغرب والكفرة، وإلى الله نشكو جلد الفاجر وعجز الثقة.
    ولا يلام الذئب في عدوانه إن غدا الراعي عدو الغنم

    وبعد أيها المسلمون:

    فهذه بعض نماذج الرعيل الأول وتضحياته نقرؤها اليوم –والتأريخ مليءٌبالبطولات، والعبر التي سجلها المسلمون يوم كانوا مسلمين بحق – وكأنّها فيأنظارنا ضرباً من الخيال أو الخوارق أو المعجزات المستحيلة الوقوع، عندماانقلبت انتصارات المسلمين إلى هزائم متلاحقة، وصارت كالجسد الميت لا تؤلمهالسياط ولا تحركه الضربات التي تجري له، وما لجرح بميت إيلام.
    فواهاً لأمجاد المسلمين التي سطرها السلف وضيعها الخلف الذين شُغلوا بالشهوات والملهيات عن العمل لنصرة دينهم ورفعته.

    (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

    اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين....
    sigpic

  • #2
    جزاك الله خيرا ...... ^_____^


    يسلمو ع الطرح الجميل


    ســـــــــ2012ــــــــــلام
    سبحـــــــــــــــــــــان اللــــــــــــــــــه

    تعليق

    يعمل...
    X