من خلال التأمل في سورة الطلاق تجد السياق القرآني فيها يتمحور حول التقوى ليحذر من مخالفة شرائع الله وحدوده بصورة عامة، وفي حق الأسرة بالذات.غير ان خاتمة السورة جاءت لتعرفنا بربنا سبحانه، وذلك لأنّ التقوى بنت المعرفة. فيا ترى كيف نزداد معرفة بربنا لكي نزداد تقوى؟
الجواب: لننظر إلى الآفاق من حولنا؛ إلى السماوات والأرض، وإلى أسماء الله المتجلية في هذه الآفاق.. إنها سبيلنا إلى معرفته تعالى. فحيثما رميت ببصرك، رأيت عجيب الصنع وعظمة الخلقة، وأنى جلت ببصرك وتعمقت بفكرك فلن تجد إلا إجابة واحدة تقودك إلى حقيقة التقوى وسنام المعرفة.
قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ...) (الطلاق/ 12).
قيل السبع كالسبعين، كلمة تدل على الكثرة؛ وقيل انّ الظاهر هو المقصود، فهناك سبع سماوات. وهنا قد يتساءل البعض: ما هي السماوات السبع؟ هل هي ما تحيط بالأقاليم السبع من الفضاء القريب، باعتبار انّ السماء هي الجهة المقابلة للأرض، فإذا كانت الأرضون سبعا – حسب تقسيم الناس يومئذ – فإن سماواتها أيضاً سبع. وعلى هذا فإنّ الأرضين السبع هي تلك الأقاليم المشهورة في أدب العرب، وفي عرف الذين خوطبوا بالقرآن، وقد جاء في حديث الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): "لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت افلاكها.."، ام انّ السماوات السبع إشارة إلى الكواكب أو إلى سبع منظومات شمسية أو إلى المجرات؟
لعل الإنسان يطلع على معاني أخرى إذا تقدم به العلم، والمماثلة بين السماوات والأرضين هنا قد تكون عددية وجنسية، حيث انّ الأرض من رتق السماء.
ثمّ يقول ربنا عزّ وجلّ: (يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ) (الطلاق/ 12).
والأمر يعني سنن الله وقضاؤه وتقديراته، وما يبدو له مما يدبر به شؤون الخلق. ولعل ذلك سمي أمرا، لأنّ الله تعالى وكل ملائكة على كل شيء ينفذون إرادته في الكائنات. فهو يأمرهم من فوقهم، وهم يعملون بما يريد.
وإذا ما بحثنا عن الفلسفة الأساسية التي خلقت من أجلها السماوات والأرض، وبالذات السماوات التي لا يطالها الإنسان، فإننا سنجدها ليست المتعة بالنظر إليها، ولا ما تقوم به من دور في وجوده وحياته، إنما هي كماله المعنوي والروحي بمعرفة ربه من خلال أسمائه المتجلية في الكون من حوله.
قال الله تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الطلاق/ 12). حيث تتجلى آية قدرته في الخلق العظيم للسماوات والأرض، لتهدينا إلى هذه الحقيقة.
ثمّ يضيف ربنا عزّ وجلّ القول: (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (الطلاق/ 12).
وآية ذلك أمره الذي يتنزل لتدبير كل شيء. وعلم الإنسان بقدرة الله تعالى على كل شيء وعلمه المطلق، وبالتالي إيمانه بذلك هو الذي يزرع في نفسه التقوى، حيث يخشى سطوة الله القادر، ويتحسس رقابته عليه فلا يعصيه في علن ولا خفاء.
وأخيراً؛ انّ الإنسان الذي لا يتخذ الخليقة وسيلة لتكامل معرفته وإيمانه بربه ضال عن هدف الخلقة، أو تدري كيف؟ لأنّ الله سبحانه قد خلق ما في الأرض للإنسان حتى أصبح الإنسان محور الخليقة، فهل خلقها لجسده أم لروحه؟
انّ الإنسان لا يتميز بجسده عن أي حيوان آخر، ولا فضيلة له في ذلك أبدا. إذن حكمة الخلق تكمن في روحه، وماذا في روح الإنسان غير العقل الذي ينمو بالنظر في آفاق السماوات والأرض؟ فمن لم يتكامل عقله، فإنّه ليس يبطل حكمة خلقه فقط، بل وحكمة الوجود من حوله. أليس كذلك؟
تعليق