إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

على الجسر ببغداد ... الإمام موسى الكاظم .. عليه السلام ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • على الجسر ببغداد ... الإمام موسى الكاظم .. عليه السلام ..

    منازل بغداد في ذلك الغروب الحالم بدت وكأنها جوار حسان جلسن على الشاطئ ينظرن الى تدافع المياه ؛ وقد تكسرت فوقها بقايا أشعة الشمس قبل أن تغيب .

    النوافذ المفتوحة والكوى تبعث ضوءً واهناً لقناديل أسرجت تواً . إستعداداً لليلة طويلة فاتنة ؛ الامام موس الكاظم
    يجوس خلال القصور اخذاً طريقه نحو بيت يقبع ما بين مقابر قريش ودير القباب على شاطئ دجلة حيث تتناثر
    بيوت الفقراء هنا وهناك .

    الأزقة النظيفة المرصوفة بالحجارة شهدت ذلك الغروب خطى هادئة لرجل قدم من الحجاز على قدر .

    ليس هناك من يسبر الام موس في ذلك الزمن القاسي ؛ كل شئ كان هادئاً ؛ والنوافذ التي كانت ترسل أضواءً
    واهنة راحت تبعث بأنغام الموسيقى ؛ وقد ظهر القمر متألقاً فوق ذرى النخيل .

    بغداد تبدأ لهوها الليلي ؛ تعد موائدها الساهرة ؛ وقد ارتدت الجواري الحسان ثياباً منسوجة من حرير مضمخة
    بأنواع الشذى والعطور .

    كان الرجل الأسمر الذي يحمل في صدره هموم الأمة ما يزال يجوس خلال الديار ؛ في زمن قاسي ضاعت
    فيه مواعظ الأنبياء .

    وفيما كان الإمام ينعطف في زقاق مرصوف بالحجارة المفخورة ؛ فتحت باب خشبية أنيقة ؛ وظهرت جارية
    حسناء ؛ وتدفقت عبر الباب أصوات الموسيقى والغناء .

    وضعت الجارية قمامة في مكان على مبعدة من الباب ؛ ووقفت تتطلع الى الرجل الغريب ؛ الواثق الخطى .

    توقفت الخطى عند الباب حيث تتدفق أصوات اللهو والمجون والعربدة .

    قال الإمام وهو يسدد نظرة تكاد تخترق الزمن :

    - ياجارية .. صاحب هذه الدار حر أم عبد ؟

    شعرت الجارية أن السؤال قد باغتها تماماً ؛ قالت حتى لا تبدو بكماء في نظر الغريب :

    - بل هو حر .

    همس أبو ابراهيم بصوت يشوبه حزن غامض :

    - صدقت ِ ؛ لو كان عبداً لخاف مولاه .

    ومضى الغريب لا يلوي على شيْ ؛ فيما وقفت الجارية تنظر مذهولة الى خطى هادئة تبتعد رويداً رويداً ..

    كانت تتطلع الى رجل نحيف تموج في سمرته تألقات نور غريب ؛ نور يشبه ما يسطع في أعماق النفوس
    المطمئنة المفعمة بالسلام .

    إنبعث صوت من داخل المنزل :

    - أين أنتِ يا روحي .. كؤوسي فارغة ؛ وفي قلبي تستعر الجحيم .

    دخلت الفتاة ؛ وقد علا وجهها وجوم .. ربما كانت مشغولة بفك رموز لم تسمعها من قبل ..
    كلمات نفاذة تسبر الأعماق ..

    قال الرجل السكران قليلاً :
    - ماذا دهاك .. لماذا تقيفين هكذا كالمعتوهة ..

    - لا شىْ يا شيدي .. لقد مر الساعة رجل .. رجل غريب ؛ سألني عن صاحب هذه الدار .

    - عني أنا ؟ ماذا قال ؟

    - قال : صاحب هذه الدار حر أم عبد ؟

    - حر أم عبد ؟ !!

    - قلت .. بل هو حر .

    - هل قال شيئاً اخر ؟

    - قال : صدقت ؛ لو كان عبداً لخاف مولاه .

    مثلما يضرب الزلزال الأرض ؛ فترتعش ذرات التراب وترتجف الأشياء؛ كانت الكلمات النفاذه تضرب
    الأعماق ؛ تطيح بكل الصروح ؛ تمزق خيوط العناكب ؛ تحيل الانفاق المظلمة الى خرائب .

    سقط الكأس من يده ؛ وانتفض كمحموم ؛ مهرولاً باتجاه الباب ؛ لحقت به فتاته تدله على وجهة الرجل
    الأسمر الذي مر بها قبل لحظات ..

    وشهدت ظلمة المساء رجلاً حافياً ينهب الأرض بخطاه ؛ يبحث عن رجل أسمر يحمل في صدره هموم الأنبياء .

    هتف الحافي بصوت مخنوق وقد لاح له الإمام :

    - يا سيدي !

    توقفت الخطى ؛ والتفت أبو إبراهيم الى رجل حاف يشرق بدموعه ..

    والتقى الرجلان .. رجل أسمر ورجل حاف ؛ يبحث عن جادة الطريق ..

    وبكى الحافي ما شاء له أن يبكي .. شعر أن روحه تغتسل تحت رشاش من مطر طهور .

    إنكبى الحافي على يدي موس ؛ ينشده الخلاص .. والطريق الى ينابيع النور ؛ وانحنى أبو ابراهيم يمسح على
    رأس العائد الى الله .

    لقد اكتوى بنار الشيطان أمداً طويلاً ؛ قال له موس وهو يعظه :

    - كفى بالتجارب تأديباً ؛ وبممر الأيام عظة ؛ وبأخلاق من عاشرت معرفة ؛ وبذكر الموت حاجزاً من الذنوب والمعاصي ؛ والعجب كل العجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء إن نزل بهم !
    - كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار إذا إشتعلت في أبدانهم .

    الرجل الحافي ما يزال مستغرقاً في بكاء صامت كغيمة حزينة كانت عيناه تهملان الدموع ..

    تسأل الحافي وكان اسمه بشراً :

    - من تكون يا سيدي .

    قال الذي قدم من المدينة على قدر :
    - أنا ابن محمد حبيب الله وابن اسماعيل ذبيح الله وابن ابراهيم خليل الله .. أنا موس بن جعفر .

    وفي تلك اللحظة عندما تحطمت انية الخمر ؛ ولج – بشر – عالم الملكوت .



    المراجع :
    - روضات الجنان ص 132 و 133
    - منهاج الكرامة ص 19
    - على الجسر ببغداد - كمال السيد






  • #2
    قصـة جميلة فيها أنه بإمكان كلمة بسيطة أن تؤثر في الإنسان وتجعله يعود إلى الصراط المستقيم.
    وفيها أنه على الإنسان أن يأمر بالمعروف ولو بشيء بسيط لعل وعسى أن يهدي به من كان في ضلالٍ بعيد
    وفيها أن الإنسان لا يصد عن العاصي ،،
    سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم

    يـا نـفـسُ ويـحـكِ تـوبـي وأعـمـلـي حـسـناً ،، عـسـى تـجـازيـن بـعـد المـوت بالحسـنِ


    تعليق


    • #3
      السلام على موسى الكاظم عليه السلام....

      قصة رائعة جدا ومميزة....كم نحتاج الى فهم لغة اننا عبيد لله وحده فقط...

      تسلم يالعباس ع الموضوع المميز جدا...وجزاك الله خير الجزاء
      وطنـي لو شُغِلْتُ بالخلدِ عنه
      نازَعَتني إليه في الخُلدِ نفسي

      تعليق

      يعمل...
      X