[align=center]الأسباب الحقيقية لضعف التجارة البينية الخليجية
ليس أسوأ من ضآلة نسبة التجارة البينية الخليجية مقارنة بإجمالي حجم التبادل التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع العالم، سوى اعتبار عدد كبير من المحللين والباحثين، وإعلان عدد من السياسيين والاقتصاديين الرسميين، أن تلك الضآلة ترجع إلى عدم التنسيق، أو نقص وسائل النقل اللازمة وتجهيزاتها، أو عدم وجود جدار جمركي واحد في الدول الست.
إن خطورة إطلاق هذه القناعات وتكريسها تكمن في حجبها الأسباب الحقيقية وراء ضآلة حجم تلك التجارة، ومن ثم صرف الانتباه عن رصدها كخطوة أساسية أولى في طريق العمل للقضاء عليها، حتى تتمكن تلك الدول من رفع معدلات التجارة البينية بينها، بما يعود عليها بالفوائد اللازمة لمواجهة تحديات غدت في تعاظم مستمر.
ولا تتجاوز نسبة التجارة البينية بين دول المجلس %7 من إجمالي التبادل التجاري السنوي لتلك الدول، وهي نسبة متواضعة بكل المقاييس، فضلا عن أن التجارة العابرة (الترانزيت) تستأثر بجزء مهم من تلك النسبة، بالنظر إلى أنها تمثل نحو %45 من إجمالي الصادرات غير النفطية لدول المجلس.
ويعزو عدد من الاقتصاديين هذا التواضع في حجم التجارة البينية الخليجية إلى اختلاف الأنظمة الجمركية في دول المجلس بما يؤدي إلى تفاوت التعريفات الجمركية، فضلا عن إجراءات الحدود، وعدم تلبية شبكات النقل لاحتياجات التجارة، وأخيرا ضعف التنسيق بين الوزارات المعنية في البلدان الست.
والواقع أن محاولة كشف الأسباب الحقيقية وراء ضآلة حجم التجارة البينية الخليجية تكتسب أهمية مضاعفة في هذه الأثناء تحديدا؛ إذ سينتظر كثيرون قفزات هائلة في حجم تلك التجارة كنتيجة منطقية لتوحيد التعرفة الجمركية الخليجية مطلع العام 2003، وهو الأمر الذي لن يتحقق قطعا، ما قد يسبب إشاعة مشاعر الإحباط وعدم الجدوى، ويلقي ظلالا سلبية على مشروعات خليجية أخرى مقبلة ينتظرها النجاح، مثل السوق الخليجية المشتركة والعملة الخليجية الموحدة.
لا يقلل هذا من حجم الاختراق المتحقق بتوحيد التعرفة الجمركية الخليجية، ولا ينفي أن هذه الخطوة ستؤدي، من دون شك، إلى زيادة حجم المبادلات التجارية البينية الخليجية، لكن ليس إلى حد تحقيق القفزات، وإنما تحقيق زيادات محدودة، ربما يتعاظم تأثيرها بفعل اطرادها المأمول.
أما السبب الحقيقي الأهم الذي يتصدر قائمة الأسباب المؤدية إلى تدني حجم التجارة البينية الخليجية فهو تشابه نمط الإنتاج الخليجي، ومن ثم تشابه الصادرات الخليجية؛ الأمر الذي يجعل من تبادلها نشاطا غير اقتصادي. ويتصل بهذا حرمان التجارة البينية الخليجية من فوائد نشاط صناعي لافت شهده أكثر من بلد خليجي في السنوات الأخيرة بسبب تشابه الصناعات المقامة في أكثر من بلد، وتنافس منتاجتها بدلا من تكاملها، بما يعود بأبلغ الضرر على تلك الصناعات.
ستمهد التعرفة الجمركية الموحدة طريق التكامل الاقتصادي الخليجي، وستقطع شوطا نحو بلوغ الاندماج الاقتصادي اللازم لتحسين شروط التعاطي الخليجي مع الأسواق العالمية، بما يحسم المساعي الرامية إلى إبرام اتفاقات دولية مهمة مثل اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي وغيره من التكتلات الاقتصادية الكبرى، خاصة وأن قضية توحيد التعرفة الجمركية كانت إحدى أهم القضايا التي أثارها الاتحاد الأوروبي في محادثاته مع مجلس التعاون ضمن الاجتماعات الدورية للحوار الخليجي-الأوروبي.
لكن اعتبار توحيد التعرفة، وما سيليه من إطلاق العملة الموحدة، خطوة كافية لحل مشكلة التبادل التجاري البيني الخليجي يمثل خطأ مكلفا؛ إذ يحجب رؤية السبب الحقيقي الذي يجب أن يشهد محاولات جادة لتجاوزه في أسرع وقت. فيجب العمل من أجل الحد من التشابه الكبير في أنماط الإنتاج والسلع الخليجية المعدة للتصدير. فقد كانت المسيرة الاقتصادية لبلدان "التعاون" منذ تطبيق الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بينها تسير في اتجاه معاكس لمتطلبات تنمية التبادل البيني؛ إذ اتضح أن تلك الدول تعتمد هياكل اقتصادية متشابهة وتنتج سلعا وخدمات متشابهة.
وعّمق المشكلة وزاد من تأثيرها ما ظهر من إقامة مشروعات صناعية كبيرة في أكثر من بلد خليجي تتشابه مع مشروعات قائمة بالفعل في بلدان أخرى، وهو الأمر الذي اتضحت مخاطره في نشوب أزمات تجارية خاصة في مجال الصناعات الغذائية، ليتبادل البعض الاتهامات مع الآخرين بالإغراق واستهداف صناعاته الوطنية وأسواقه بالضرر.
يجب ألا ينظر إلى توحيد التعرفة الجمركية على أنه هدف، بل هو وسيلة مطلوبة ضمن عدد من الوسائل الأخرى التي باتباعها يمكن تنشيط التجارة البينية الخليجية، ومن أهم تلك الوسائل ضرورة تنويع القطاعات الإنتاجية للدول الخليجية، وسعي المنتجين في تلك الدول إلى التكامل لا التنافس، والاختيار الجيد للمشروعات الجديدة بشكل يلبي طلبا قائما لا يتصارع مع عرض متزاحم.
المصـــدر[/align]
ليس أسوأ من ضآلة نسبة التجارة البينية الخليجية مقارنة بإجمالي حجم التبادل التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع العالم، سوى اعتبار عدد كبير من المحللين والباحثين، وإعلان عدد من السياسيين والاقتصاديين الرسميين، أن تلك الضآلة ترجع إلى عدم التنسيق، أو نقص وسائل النقل اللازمة وتجهيزاتها، أو عدم وجود جدار جمركي واحد في الدول الست.
إن خطورة إطلاق هذه القناعات وتكريسها تكمن في حجبها الأسباب الحقيقية وراء ضآلة حجم تلك التجارة، ومن ثم صرف الانتباه عن رصدها كخطوة أساسية أولى في طريق العمل للقضاء عليها، حتى تتمكن تلك الدول من رفع معدلات التجارة البينية بينها، بما يعود عليها بالفوائد اللازمة لمواجهة تحديات غدت في تعاظم مستمر.
ولا تتجاوز نسبة التجارة البينية بين دول المجلس %7 من إجمالي التبادل التجاري السنوي لتلك الدول، وهي نسبة متواضعة بكل المقاييس، فضلا عن أن التجارة العابرة (الترانزيت) تستأثر بجزء مهم من تلك النسبة، بالنظر إلى أنها تمثل نحو %45 من إجمالي الصادرات غير النفطية لدول المجلس.
ويعزو عدد من الاقتصاديين هذا التواضع في حجم التجارة البينية الخليجية إلى اختلاف الأنظمة الجمركية في دول المجلس بما يؤدي إلى تفاوت التعريفات الجمركية، فضلا عن إجراءات الحدود، وعدم تلبية شبكات النقل لاحتياجات التجارة، وأخيرا ضعف التنسيق بين الوزارات المعنية في البلدان الست.
والواقع أن محاولة كشف الأسباب الحقيقية وراء ضآلة حجم التجارة البينية الخليجية تكتسب أهمية مضاعفة في هذه الأثناء تحديدا؛ إذ سينتظر كثيرون قفزات هائلة في حجم تلك التجارة كنتيجة منطقية لتوحيد التعرفة الجمركية الخليجية مطلع العام 2003، وهو الأمر الذي لن يتحقق قطعا، ما قد يسبب إشاعة مشاعر الإحباط وعدم الجدوى، ويلقي ظلالا سلبية على مشروعات خليجية أخرى مقبلة ينتظرها النجاح، مثل السوق الخليجية المشتركة والعملة الخليجية الموحدة.
لا يقلل هذا من حجم الاختراق المتحقق بتوحيد التعرفة الجمركية الخليجية، ولا ينفي أن هذه الخطوة ستؤدي، من دون شك، إلى زيادة حجم المبادلات التجارية البينية الخليجية، لكن ليس إلى حد تحقيق القفزات، وإنما تحقيق زيادات محدودة، ربما يتعاظم تأثيرها بفعل اطرادها المأمول.
أما السبب الحقيقي الأهم الذي يتصدر قائمة الأسباب المؤدية إلى تدني حجم التجارة البينية الخليجية فهو تشابه نمط الإنتاج الخليجي، ومن ثم تشابه الصادرات الخليجية؛ الأمر الذي يجعل من تبادلها نشاطا غير اقتصادي. ويتصل بهذا حرمان التجارة البينية الخليجية من فوائد نشاط صناعي لافت شهده أكثر من بلد خليجي في السنوات الأخيرة بسبب تشابه الصناعات المقامة في أكثر من بلد، وتنافس منتاجتها بدلا من تكاملها، بما يعود بأبلغ الضرر على تلك الصناعات.
ستمهد التعرفة الجمركية الموحدة طريق التكامل الاقتصادي الخليجي، وستقطع شوطا نحو بلوغ الاندماج الاقتصادي اللازم لتحسين شروط التعاطي الخليجي مع الأسواق العالمية، بما يحسم المساعي الرامية إلى إبرام اتفاقات دولية مهمة مثل اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي وغيره من التكتلات الاقتصادية الكبرى، خاصة وأن قضية توحيد التعرفة الجمركية كانت إحدى أهم القضايا التي أثارها الاتحاد الأوروبي في محادثاته مع مجلس التعاون ضمن الاجتماعات الدورية للحوار الخليجي-الأوروبي.
لكن اعتبار توحيد التعرفة، وما سيليه من إطلاق العملة الموحدة، خطوة كافية لحل مشكلة التبادل التجاري البيني الخليجي يمثل خطأ مكلفا؛ إذ يحجب رؤية السبب الحقيقي الذي يجب أن يشهد محاولات جادة لتجاوزه في أسرع وقت. فيجب العمل من أجل الحد من التشابه الكبير في أنماط الإنتاج والسلع الخليجية المعدة للتصدير. فقد كانت المسيرة الاقتصادية لبلدان "التعاون" منذ تطبيق الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بينها تسير في اتجاه معاكس لمتطلبات تنمية التبادل البيني؛ إذ اتضح أن تلك الدول تعتمد هياكل اقتصادية متشابهة وتنتج سلعا وخدمات متشابهة.
وعّمق المشكلة وزاد من تأثيرها ما ظهر من إقامة مشروعات صناعية كبيرة في أكثر من بلد خليجي تتشابه مع مشروعات قائمة بالفعل في بلدان أخرى، وهو الأمر الذي اتضحت مخاطره في نشوب أزمات تجارية خاصة في مجال الصناعات الغذائية، ليتبادل البعض الاتهامات مع الآخرين بالإغراق واستهداف صناعاته الوطنية وأسواقه بالضرر.
يجب ألا ينظر إلى توحيد التعرفة الجمركية على أنه هدف، بل هو وسيلة مطلوبة ضمن عدد من الوسائل الأخرى التي باتباعها يمكن تنشيط التجارة البينية الخليجية، ومن أهم تلك الوسائل ضرورة تنويع القطاعات الإنتاجية للدول الخليجية، وسعي المنتجين في تلك الدول إلى التكامل لا التنافس، والاختيار الجيد للمشروعات الجديدة بشكل يلبي طلبا قائما لا يتصارع مع عرض متزاحم.
المصـــدر[/align]