ارتفاع في الانفاق الإنمائي.. وانخفاض في مخصصات التدريب-
- تباين الآراء حول احتساب سعر النفط.. ودعوات للتحوط-
- توفيق اللواتي: توازن نسبي في أرقام الميزانية-
- حسين جواد: التدريب في حاجة لمزيد من المخصصات -
- عبد الرحمن باعمر: اعتماد الميزانية على تقديرات عالية للنفط " أمر مقلق"-
الرؤية - نجلاء عبدالعال-
تباينت آراء الخبراء والمختصين حول دلالات أرقام الميزانية العامة للدولة لعام 2013، والتي أعلنت تفاصيلها نهاية الأسبوع المنصرم، ففي الوقت الذي يبدي فيه البعض ثقة وتفاؤلا بشأن معطيات تقدير الموازنة، يعبر آخرون عن قلق وتخوفات إزاء هذه الأرقام.
فيض من الآراء تزامن مع إعلان أرقام الميزانية العامة، فكما فتحت الميزانية الخزائن للإنفاق الإنمائي والاجتماعي، تسببت كذلك في تنشيط قرائح المنظرين والخبراء للبحث والتنقيب عميقًا عن دلالات الأرقام.
وتحاول "الرؤية" وعبر هذا الاستطلاع لآراء ذوي الاختصاص، رصد الأصداء والانطباعات الإيجابية منها والسلبية فيما يخص الميزانية العامة للدولة، وبجانب الاتفاق على بعض النقاط كأهمية توجيه مخصصات أكبر للتدريب، وجدنا اختلافا حول أبرز ما شملته الميزانية والملاحظات عليها بل إنّ بعض النقط كانت ترى من زاوية كمكاسب وحسنات تحسب للميزانية فيما من زاوية أخرى يتم تصنيفها كنقاط كان يفضل مراجعتها..
توازن نسبي
يستهل سعادة توفيق اللواتي عضو مجلس الشورى حديثه بالإشادة بالتوازن النسبي لميزانية 2013 م، مستدلا على ذلك باهتمام الحكومة بتخصيص موارد أكبر للهياكل الاجتماعية سواء التعليم،الصحة، أو الضمان الاجتماعي وغيرها من المصروفات بهدف رفع المستوى المعيشي للمواطن. ويقول: "لا ننسى أيضًا فرص العمل حيث تمّ تخصيص موازنة لعدد 36 ألف وظيفة حكومية في القطاعين المدني والعسكري والأمني، ويضع في كفة حسنات الميزانية كذلك موضوع دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتدريب على رأس العمل وهي جميعها جديرة بالإشادة.
ويرى أن ارتفاع الإيرادات من أبرز العناصر التي لفتت نظره في الميزانية، مستدركا أنّ ذلك كان متوقعًا نتيجة لارتفاع أسعار النفط، شارحًا: أنّ الإيرادات الفعلية أكبر من المعتمدة حيث تمّ احتساب دخل النفط بسعر 85 دولار مقابل السعر الفعلي المحقق بأكثر من 104 دولارات لعام 2012، ويستطرد: أنّ دخل الغاز أقل من المتوقع لاستمرار البيع بالسعر المتدني، ومع الأسف هناك بيع لعدة مصانع منها صحار للميثانول بأقل من سعر كلفة إنتاج الغاز (حسب المستندات التي وصلت إلى الشورى)، حيث إنّ كلفة الوحدة تتجاوز 1.5 دولار بينما سعر البيع ثمانين سنتا. ويشير إلى أنّ تنويع مصادر الدخل في ظل الأسعار المرتفعة للنفط يبقى تحديًا رئيسًا يأمل أن يقوم المجلس الأعلى للتخطيط بمعالجته، وإعداد خطط لتحقيق توازن حقيقي لمصادر الإيرادات غير النفطية، كما يترجم حجم الإنفاق القياسي المعتمد لعام 2013 من وجهة نظر سعادة توفيق اللواتي إلى دعوة إلى التفاؤل بتنشيط الحركة التجارية، وفي نفس الوقت دعوة إلى التحوّط ويقول "رغم التفاؤل الذي تثيره الميزانية لكن هناك ما يثير المخاوف ومن قدرة الاقتصاد العماني على مواصلة واستدامة الإنفاق بنفس النسبة في حالة تراجع الإنتاج أو أسعار النفط وخصوصًا فيما يتعلق بالمصروفات الجارية وبالأخص شق الرواتب".
ويضيف سعادته أنّ هناك جانبا آخر لابد من الانتباه له ويتعلق بالالتزام بالميزانية المعتمدة، حيث تمّ تجاوز الميزانية المعتمدة لعام 2012 بنسبة 30 في المائة، علمًا بأنّه عندما استلمنا مشروع الميزانية في مجلس الشورى قبل شهرين كان التجاوز 2 مليار ريال عماني أو بنسبة 20 في المائة فقط، وفجأة قفز الرقم إلى 30 في المائة خلال شهرين، والسؤال هل ستلتزم الحكومة بالميزانية المعتمدة أم سيتم تجاوز السقف المعتمد؟"
ويرى أنّه وفي ظل الأرقام المحققة حاليًا فإنّه سيكون هناك عجز حقيقي إن تمّ تجاوز الميزانية خلال عام 2013 م.
جدل الدعم
وحول تأثير الميزانية على حركة الصناعة والتجارة يقول سعادته "نظرًا لاعتمادنا المفرط على العمالة الوافدة والشركات الأجنبية فإنّ معدل دوران الريال لا يتجاوز مرة واحدة بينما المفروض أن يحقق معدل 5 مرات دوران وهذا لا ينعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ولا يساعد على خلق فرص عمل.
وينفي اللواتي أن تكون هناك دراسة تتم حاليًا في مجلس الشورى لترشيد دعم المحروقات أو رفعه تماما، قائلا "لم تصلنا أية دراسة بهذا الشأن، ومع ذلك فإنّ الرقم المعلن 1.2 مليار ريال عماني كبير جدا ولابد من إعادة النظر في الموضوع، ولكن لا يمكن رفع الدعم مباشرة بدون مراعاة الأثر الاقتصادي على المستوى المعيشي للمواطن، وهناك دول حاولت ذلك لكنّها اضطرت للتراجع عن سحب الدعم.
ويقترح اللواتي أن تتم إعادة توجيه هذا الدعم وتخصيصه للأسر العمانية بحيث يرفع الدعم عن المحروقات ويتم في المقابل توفير 50 في المائة من قيمة الدعم عن ميزانيّة الدولة، أمّا فيما يتعلق بما أثير عن موضوع الضرائب فيرى أنّه إذا كان المقصود ضريبة القيمة المضافة، فليس لها مبرر، ويشرح "من جهة فإنّ الدولة تستفيد من ارتفاع دخلها من ارتفاع سعر النفط، بينما المواطن يعاني من تراجع قيمة الريال نتيجة لارتباطه بالدولار الذي فقد جزءًا كبيرًا من قيمته مسببًا تضخمًا مستمرًا، ونتمنى من البنك المركزي إعداد دراسة مقارنة لقيمة الريال العماني في العقود الاربعة الاخيرة وتحديد قيمة الريال العماني الآن. وبنظرنا فإنّ 500 ريال عماني الآن تعادل 300 ريال في عام 2000م، وبالتالي فما هو المراد من ضريبة القيمة المضافة؟ وفي المقابل ما المكاسب التي ستحققها مقابل آثارها السلبية على المستوى المعيشي للمواطن؟".
عام التدريب
ويرى حسين جواد أنّ الميزانية التي تقدر بـ 13 مليار ريال هي الأضخم على الإطلاق في تاريخ السلطنة، وهذه فرصة أمام الجميع للاستفادة الكاملة منها. ويقول: إذا نظرنا إلى عناصر الميزانية نجد أنّ الإنفاق على المشاريع التنموية ملفت حيث أخذت الميزانية في الاعتبار أهمية هذه المشاريع. ويزيد: أنّ هناك اهتمامًا ملحوظًا بالمشاريع التي تدخل ضمن البنية الأساسيّة خاصة الطرق والتي تعد في جميع الدول أساس تنمية حركة الازدهار العام والتوصيل والتجارة والعمران وغيره من أشكال التنمية، مشيرا إلى أنّ هذه المشروعات وحجم الإنفاق عليها سيكون له أثر على التجارة والصناعة في السلطنة.
وبعكس ما يراه البعض من أنّ الانفاق على الرواتب أكثر من اللازم فإنّ حسين جواد يشير إلى أنّ هذه الزيادات تترجم في شكل زيادة في القدرة الشرائية والإنفاقية للأفراد وبالتالي ستؤثر إيجابًا على تنشيط الحركة الاقتصادية بالكامل.
لكن في المقابل يقول إنّه كان يتمنى لو أنّ حجم الإنفاق على الدفاع والأمن كان أقل نسبيًا خاصة مع ما تنعم به السلطنة من سلام واستقرار بفضل السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه-، مؤكدًا على تقديره التام لأهميّة الحفاظ على هذا السلام والاستقرار وعلى الدور الذي يلعبه الأمن من حافز على الاستثمار، مضيفا أنّه يأمل أن تزداد الميزانيات المخصصة لجميع عناصر الإنفاق بدرجات متقاربة.
ويشدد على أنّ التدريب كان يحتاج لمزيد من المخصصات في الميزانية ويقول: "إنّ أهم ما نحتاجه الآن هو التدريب ثمّ التدريب ثمّ التدريب، بل ويمكن أن نطلق على عام 2013 اسم وأظنه يوجب علينا اسم عام التدريب، واتمنى لو أنّه بالفعل يطلق عليه هذا الاسم خاصة في ظل أن نقص التدريب يعد المعوق الأساسي والكبير في التنمية البشرية لدينا، ولو أنّ لدينا كوادر مدربة من الشباب العماني كنا على الأقل وفرنا مبلغًا ضخمًا من المبالغ التي تخرج سنويّا من عمان والتي تتعدى 3 مليارات ريال، وهي تمثل قيمة التحويلات السنوية من قبل الوافدين، وهذا يعد أقل عنصر يمكن تحقيقه من توفير التدريب المطلوب للشباب"
ويؤيد حسين جواد الدعم الرشيد للمحروقات مشيرًا إلى أنّ هناك كميّات من الديزل المدعوم يتم تهريبه خارج البلد وهذا ما يستوجب ترشيدًا للدعم وبالتأكيد أنّ الحكومة ستأخذ في اعتبارها عند دراسته ألا يكون على حساب قدرة الصناعة العمانية على المنافسة وكذلك ألا تؤثر على جذب الاستثمارات الصناعية الجديدة.
وفي هذا الصدد يقول جواد إنّه يأمل أن تجري دراسة شاملة لقطاع الصناعة في السلطنة فليس من الجيّد أن نجد مع هذا الاهتمام الكبير بالصناعة نجد بالمقابل هذه الكميّة الضخمة من السلع والمنتجات المستوردة والمصنعة بالخارج، مشيرًا إلى أنّ من شأن إعادة النظر في هذا الموضوع أن تؤسس الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص لصناعات يمكن أن تشكل قاعدة لتوظيف الكوادر الوطنية.
وعن الضرائب يرى أنّ نسبة الضرائب المفروضة حاليًا والتي تبلغ 12 في المائة تبدو مناسبة، لكنّه يعتقد أنّه في نفس الوقت هناك حاجة للنظر في آلية التعامل مع الموارد التي تدخل للأفراد الذين قد يحققون مكاسب أكبر كثيرًا من الشركات لكنّه لا تفرض عليهم ضرائب، ولذلك يحتاج الأمر لدراسات متأنية بحيث يأخذ المستثمر حقه وتأخذ الدولة حقها.
انتعاش مقلق
ويشير المهندس عبدالرحمن بن عوض برهام باعمر الرئيس التنفيذي لشركة المدينة إلى أنّه لفت انتباهه الطفرة الكبيرة التي وضعت بها الميزانية والتي شهدت زيادة بنسبة 27 في المئة عن ميزانية العام الماضي، ويقول إنّ معظم هذه الزيادة تأتي بسبب الزيادة في إيرادات النفط والغاز التي مثلت تقريبًا زيادة بنسبة 30 في المائة عن ميزانية 2012 حيث كان إجمالي الإيرادات النفطية المتوقعة في ميزانية العام المنصرم مقدرة بـ7.2 مليار ريال عماني فارتفعت في ميزانية هذا العام بإجمالي إيرادات 9.35 مليار ريال عماني، وإن كان يسجل هنا أنّ ميزانية العام الماضي بنيت على سعر 75 دولار للبرميل ومع زيادة السعر المقدر إلى 85 دولار نجد أنّ نسبة الزيادة في تقدير السعر نحو 13 في المائة بالإضافة إلى زيادة تقديرات كميّة الإنتاج أيضًا إلى 930 ألف برميل يوميًا.
ويوضح أنّ الملاحظة الأساسية وفقًا لهذه المؤشرات أنّ نقطة التعادل السعرية لبرميل النفط تصل إلى حدود 104 دولارات للبرميل حتى يتم تغطية الموازنة الجديدة 2013 والمستهدفة لإجمالي إنفاق في حدود 13 مليار ريال، ويرى أن نقطة التعادل هذه قريبة جدا للاسعار المتداولة حيث إنّ المحقق فعلا في 2012 متوسط سعر 109 دولارات للبرميل ونحن بذلك نصبح قريبين جدا لنقطة التعادل، وبالتالي فإنّ تقديرات الإنفاق مرتفعة جدًا ومتفائلة جدًا وهذا يشكل نوعًا من التخوّف.
وفي هذه النقطة يبدي تخوفه من أنّ اعتماد الميزانية على هذه التقديرات يعد مقلقًا خاصة أنّه معادل السعر الحالي هو أمر ليس مضمونًا في ظل التوقعات غير المرتفعة لمستوى النمو العالمي بجانب ما يعلن عن اكتشافات نفطية جديدة في دول مستوردة.
ويقول باعمر إنّه كان يفضل عدم رفع توقعات النفط بمثل هذه الطفرة، وأن يكون السعر التقديري أكثر تحفظًا أو حتى تثبيت السعر التقديري عند 75 دولارًا للبرميل بحيث يستمر وضع الميزانية على أساس سعر تحفظي وأن يتم بناء الإنفاق على هذا الأساس، ويذهب فارق السعر في نهاية العام إلى صندوق الاحتياط العام، وفي النهاية إذا تم تسجيل فائض فهو أفضل من تسجيل عجز أكبر من المقدر لأنّه بالضرورة سينعكس على ميزانيات العام والأعوام المقبلة.
ومع ذلك يرى الرئيس التنفيذي لشركة المدينة أن زيادة تقديرات الإيرادات استوجبتها الزيادة في الإنفاق، ويقول إنه من الواضح أنّ هناك زيادة في حجم الإنفاق استوجبت زيادة في تقديرات الإيرادات، وكما كان معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية واضحا فإنّه كانت هناك ضرورة لتخصيص مبالغ إضافية لتغطية المرتبات واستيعاب الأعداد الكبيرة من الموظفين الجدد في القطاعين.
والمفارقة يقول باعمر: إنّ القطاع الخاص كان يمكنه أن يستوعب أعدادا كبيرة جدا من هؤلاء ويوضح أن المميز في ظل الظروف الحالية وصول الميزانية إلى أعلى الطموح في الإيرادات، فإنّ الضرورة أصبحت ملحة في الاعتماد على القطاع الخاص لاستيعاب الأعداد الأكبر من المواطنين والمواطنات الباحثين والباحثات عن عمل، ولكن.. الميزانية لم تحدث النقلة التي كان يتوقعها القطاع الخاص ويتمناها بما تضمنته من إنفاق زهيد مخصص للتدريب المهني مقارنة مع المبالغ الكبيرة المخصصة للرواتب.
ويضيف أن ما تمّ تخصيصه للتدريب لم يتجاوز 26 مليون ريال رغم أنّ مساهمة القطاع الخاص في التدريب مساهمة كبيرة حيث يسدد رسومًا عن استجلاب العمالة تحت اسم رسوم التدريب والتأهيل للمواطنين بما يمثل إجمالي نحو 150 مليون ريال سنويا أو أكثر، ويفترض أن تمثل إسهاما وجزءًا من ميزانية التدريب لكننا وجدنا أنّ كل ما يقدم للتأهيل المهني والتدريب على رأس العمل هو هذا المبلغ 26 مليون ريال فيما يتم توجيه ميزانية كبيرة للتعليم الفني الذي هو نفسه في حاجة إلى إعادة هيكلة بحيث يعمل بطريقة حديثة ويخرج مواطن متدرب وجاهز للعمل وفقًا لأحدث الوسائل التقنية والانتاجية، وفي هذه الحالة فلن تكون فرص العمل متاحة أمام المواطن العماني داخل السلطنة فقط بل في جميع دول المنطقة، وهو ما يراه سهل التحقق خلال عامين فقط إذا تمّ اعداد خطة مدروسة وعلمية لجانب التدريب والتأهيل المهني.
تحقيق الرفاه
ويشير المهندس صالح الشنفري نائب رئيس لجنة الأمن الغذائي غرفة تجارة صناعة عمان، إلى أنّ الزيادة الواضحة في الإنفاق والتي تقترب من ثلاثة مليارات ريال عماني، ستنعكس بلاشك على مجمل الأوضاع الاقتصادية للسلطنة حيث سيؤثر هذا المبلغ بشكل واضح على قطاع التجزئة الذي يتوقع له انتعاش قوي في هذا العام
أكثر...
- تباين الآراء حول احتساب سعر النفط.. ودعوات للتحوط-
- توفيق اللواتي: توازن نسبي في أرقام الميزانية-
- حسين جواد: التدريب في حاجة لمزيد من المخصصات -
- عبد الرحمن باعمر: اعتماد الميزانية على تقديرات عالية للنفط " أمر مقلق"-
الرؤية - نجلاء عبدالعال-
تباينت آراء الخبراء والمختصين حول دلالات أرقام الميزانية العامة للدولة لعام 2013، والتي أعلنت تفاصيلها نهاية الأسبوع المنصرم، ففي الوقت الذي يبدي فيه البعض ثقة وتفاؤلا بشأن معطيات تقدير الموازنة، يعبر آخرون عن قلق وتخوفات إزاء هذه الأرقام.
فيض من الآراء تزامن مع إعلان أرقام الميزانية العامة، فكما فتحت الميزانية الخزائن للإنفاق الإنمائي والاجتماعي، تسببت كذلك في تنشيط قرائح المنظرين والخبراء للبحث والتنقيب عميقًا عن دلالات الأرقام.
وتحاول "الرؤية" وعبر هذا الاستطلاع لآراء ذوي الاختصاص، رصد الأصداء والانطباعات الإيجابية منها والسلبية فيما يخص الميزانية العامة للدولة، وبجانب الاتفاق على بعض النقاط كأهمية توجيه مخصصات أكبر للتدريب، وجدنا اختلافا حول أبرز ما شملته الميزانية والملاحظات عليها بل إنّ بعض النقط كانت ترى من زاوية كمكاسب وحسنات تحسب للميزانية فيما من زاوية أخرى يتم تصنيفها كنقاط كان يفضل مراجعتها..
توازن نسبي
يستهل سعادة توفيق اللواتي عضو مجلس الشورى حديثه بالإشادة بالتوازن النسبي لميزانية 2013 م، مستدلا على ذلك باهتمام الحكومة بتخصيص موارد أكبر للهياكل الاجتماعية سواء التعليم،الصحة، أو الضمان الاجتماعي وغيرها من المصروفات بهدف رفع المستوى المعيشي للمواطن. ويقول: "لا ننسى أيضًا فرص العمل حيث تمّ تخصيص موازنة لعدد 36 ألف وظيفة حكومية في القطاعين المدني والعسكري والأمني، ويضع في كفة حسنات الميزانية كذلك موضوع دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتدريب على رأس العمل وهي جميعها جديرة بالإشادة.
ويرى أن ارتفاع الإيرادات من أبرز العناصر التي لفتت نظره في الميزانية، مستدركا أنّ ذلك كان متوقعًا نتيجة لارتفاع أسعار النفط، شارحًا: أنّ الإيرادات الفعلية أكبر من المعتمدة حيث تمّ احتساب دخل النفط بسعر 85 دولار مقابل السعر الفعلي المحقق بأكثر من 104 دولارات لعام 2012، ويستطرد: أنّ دخل الغاز أقل من المتوقع لاستمرار البيع بالسعر المتدني، ومع الأسف هناك بيع لعدة مصانع منها صحار للميثانول بأقل من سعر كلفة إنتاج الغاز (حسب المستندات التي وصلت إلى الشورى)، حيث إنّ كلفة الوحدة تتجاوز 1.5 دولار بينما سعر البيع ثمانين سنتا. ويشير إلى أنّ تنويع مصادر الدخل في ظل الأسعار المرتفعة للنفط يبقى تحديًا رئيسًا يأمل أن يقوم المجلس الأعلى للتخطيط بمعالجته، وإعداد خطط لتحقيق توازن حقيقي لمصادر الإيرادات غير النفطية، كما يترجم حجم الإنفاق القياسي المعتمد لعام 2013 من وجهة نظر سعادة توفيق اللواتي إلى دعوة إلى التفاؤل بتنشيط الحركة التجارية، وفي نفس الوقت دعوة إلى التحوّط ويقول "رغم التفاؤل الذي تثيره الميزانية لكن هناك ما يثير المخاوف ومن قدرة الاقتصاد العماني على مواصلة واستدامة الإنفاق بنفس النسبة في حالة تراجع الإنتاج أو أسعار النفط وخصوصًا فيما يتعلق بالمصروفات الجارية وبالأخص شق الرواتب".
ويضيف سعادته أنّ هناك جانبا آخر لابد من الانتباه له ويتعلق بالالتزام بالميزانية المعتمدة، حيث تمّ تجاوز الميزانية المعتمدة لعام 2012 بنسبة 30 في المائة، علمًا بأنّه عندما استلمنا مشروع الميزانية في مجلس الشورى قبل شهرين كان التجاوز 2 مليار ريال عماني أو بنسبة 20 في المائة فقط، وفجأة قفز الرقم إلى 30 في المائة خلال شهرين، والسؤال هل ستلتزم الحكومة بالميزانية المعتمدة أم سيتم تجاوز السقف المعتمد؟"
ويرى أنّه وفي ظل الأرقام المحققة حاليًا فإنّه سيكون هناك عجز حقيقي إن تمّ تجاوز الميزانية خلال عام 2013 م.
جدل الدعم
وحول تأثير الميزانية على حركة الصناعة والتجارة يقول سعادته "نظرًا لاعتمادنا المفرط على العمالة الوافدة والشركات الأجنبية فإنّ معدل دوران الريال لا يتجاوز مرة واحدة بينما المفروض أن يحقق معدل 5 مرات دوران وهذا لا ينعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ولا يساعد على خلق فرص عمل.
وينفي اللواتي أن تكون هناك دراسة تتم حاليًا في مجلس الشورى لترشيد دعم المحروقات أو رفعه تماما، قائلا "لم تصلنا أية دراسة بهذا الشأن، ومع ذلك فإنّ الرقم المعلن 1.2 مليار ريال عماني كبير جدا ولابد من إعادة النظر في الموضوع، ولكن لا يمكن رفع الدعم مباشرة بدون مراعاة الأثر الاقتصادي على المستوى المعيشي للمواطن، وهناك دول حاولت ذلك لكنّها اضطرت للتراجع عن سحب الدعم.
ويقترح اللواتي أن تتم إعادة توجيه هذا الدعم وتخصيصه للأسر العمانية بحيث يرفع الدعم عن المحروقات ويتم في المقابل توفير 50 في المائة من قيمة الدعم عن ميزانيّة الدولة، أمّا فيما يتعلق بما أثير عن موضوع الضرائب فيرى أنّه إذا كان المقصود ضريبة القيمة المضافة، فليس لها مبرر، ويشرح "من جهة فإنّ الدولة تستفيد من ارتفاع دخلها من ارتفاع سعر النفط، بينما المواطن يعاني من تراجع قيمة الريال نتيجة لارتباطه بالدولار الذي فقد جزءًا كبيرًا من قيمته مسببًا تضخمًا مستمرًا، ونتمنى من البنك المركزي إعداد دراسة مقارنة لقيمة الريال العماني في العقود الاربعة الاخيرة وتحديد قيمة الريال العماني الآن. وبنظرنا فإنّ 500 ريال عماني الآن تعادل 300 ريال في عام 2000م، وبالتالي فما هو المراد من ضريبة القيمة المضافة؟ وفي المقابل ما المكاسب التي ستحققها مقابل آثارها السلبية على المستوى المعيشي للمواطن؟".
عام التدريب
ويرى حسين جواد أنّ الميزانية التي تقدر بـ 13 مليار ريال هي الأضخم على الإطلاق في تاريخ السلطنة، وهذه فرصة أمام الجميع للاستفادة الكاملة منها. ويقول: إذا نظرنا إلى عناصر الميزانية نجد أنّ الإنفاق على المشاريع التنموية ملفت حيث أخذت الميزانية في الاعتبار أهمية هذه المشاريع. ويزيد: أنّ هناك اهتمامًا ملحوظًا بالمشاريع التي تدخل ضمن البنية الأساسيّة خاصة الطرق والتي تعد في جميع الدول أساس تنمية حركة الازدهار العام والتوصيل والتجارة والعمران وغيره من أشكال التنمية، مشيرا إلى أنّ هذه المشروعات وحجم الإنفاق عليها سيكون له أثر على التجارة والصناعة في السلطنة.
وبعكس ما يراه البعض من أنّ الانفاق على الرواتب أكثر من اللازم فإنّ حسين جواد يشير إلى أنّ هذه الزيادات تترجم في شكل زيادة في القدرة الشرائية والإنفاقية للأفراد وبالتالي ستؤثر إيجابًا على تنشيط الحركة الاقتصادية بالكامل.
لكن في المقابل يقول إنّه كان يتمنى لو أنّ حجم الإنفاق على الدفاع والأمن كان أقل نسبيًا خاصة مع ما تنعم به السلطنة من سلام واستقرار بفضل السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه-، مؤكدًا على تقديره التام لأهميّة الحفاظ على هذا السلام والاستقرار وعلى الدور الذي يلعبه الأمن من حافز على الاستثمار، مضيفا أنّه يأمل أن تزداد الميزانيات المخصصة لجميع عناصر الإنفاق بدرجات متقاربة.
ويشدد على أنّ التدريب كان يحتاج لمزيد من المخصصات في الميزانية ويقول: "إنّ أهم ما نحتاجه الآن هو التدريب ثمّ التدريب ثمّ التدريب، بل ويمكن أن نطلق على عام 2013 اسم وأظنه يوجب علينا اسم عام التدريب، واتمنى لو أنّه بالفعل يطلق عليه هذا الاسم خاصة في ظل أن نقص التدريب يعد المعوق الأساسي والكبير في التنمية البشرية لدينا، ولو أنّ لدينا كوادر مدربة من الشباب العماني كنا على الأقل وفرنا مبلغًا ضخمًا من المبالغ التي تخرج سنويّا من عمان والتي تتعدى 3 مليارات ريال، وهي تمثل قيمة التحويلات السنوية من قبل الوافدين، وهذا يعد أقل عنصر يمكن تحقيقه من توفير التدريب المطلوب للشباب"
ويؤيد حسين جواد الدعم الرشيد للمحروقات مشيرًا إلى أنّ هناك كميّات من الديزل المدعوم يتم تهريبه خارج البلد وهذا ما يستوجب ترشيدًا للدعم وبالتأكيد أنّ الحكومة ستأخذ في اعتبارها عند دراسته ألا يكون على حساب قدرة الصناعة العمانية على المنافسة وكذلك ألا تؤثر على جذب الاستثمارات الصناعية الجديدة.
وفي هذا الصدد يقول جواد إنّه يأمل أن تجري دراسة شاملة لقطاع الصناعة في السلطنة فليس من الجيّد أن نجد مع هذا الاهتمام الكبير بالصناعة نجد بالمقابل هذه الكميّة الضخمة من السلع والمنتجات المستوردة والمصنعة بالخارج، مشيرًا إلى أنّ من شأن إعادة النظر في هذا الموضوع أن تؤسس الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص لصناعات يمكن أن تشكل قاعدة لتوظيف الكوادر الوطنية.
وعن الضرائب يرى أنّ نسبة الضرائب المفروضة حاليًا والتي تبلغ 12 في المائة تبدو مناسبة، لكنّه يعتقد أنّه في نفس الوقت هناك حاجة للنظر في آلية التعامل مع الموارد التي تدخل للأفراد الذين قد يحققون مكاسب أكبر كثيرًا من الشركات لكنّه لا تفرض عليهم ضرائب، ولذلك يحتاج الأمر لدراسات متأنية بحيث يأخذ المستثمر حقه وتأخذ الدولة حقها.
انتعاش مقلق
ويشير المهندس عبدالرحمن بن عوض برهام باعمر الرئيس التنفيذي لشركة المدينة إلى أنّه لفت انتباهه الطفرة الكبيرة التي وضعت بها الميزانية والتي شهدت زيادة بنسبة 27 في المئة عن ميزانية العام الماضي، ويقول إنّ معظم هذه الزيادة تأتي بسبب الزيادة في إيرادات النفط والغاز التي مثلت تقريبًا زيادة بنسبة 30 في المائة عن ميزانية 2012 حيث كان إجمالي الإيرادات النفطية المتوقعة في ميزانية العام المنصرم مقدرة بـ7.2 مليار ريال عماني فارتفعت في ميزانية هذا العام بإجمالي إيرادات 9.35 مليار ريال عماني، وإن كان يسجل هنا أنّ ميزانية العام الماضي بنيت على سعر 75 دولار للبرميل ومع زيادة السعر المقدر إلى 85 دولار نجد أنّ نسبة الزيادة في تقدير السعر نحو 13 في المائة بالإضافة إلى زيادة تقديرات كميّة الإنتاج أيضًا إلى 930 ألف برميل يوميًا.
ويوضح أنّ الملاحظة الأساسية وفقًا لهذه المؤشرات أنّ نقطة التعادل السعرية لبرميل النفط تصل إلى حدود 104 دولارات للبرميل حتى يتم تغطية الموازنة الجديدة 2013 والمستهدفة لإجمالي إنفاق في حدود 13 مليار ريال، ويرى أن نقطة التعادل هذه قريبة جدا للاسعار المتداولة حيث إنّ المحقق فعلا في 2012 متوسط سعر 109 دولارات للبرميل ونحن بذلك نصبح قريبين جدا لنقطة التعادل، وبالتالي فإنّ تقديرات الإنفاق مرتفعة جدًا ومتفائلة جدًا وهذا يشكل نوعًا من التخوّف.
وفي هذه النقطة يبدي تخوفه من أنّ اعتماد الميزانية على هذه التقديرات يعد مقلقًا خاصة أنّه معادل السعر الحالي هو أمر ليس مضمونًا في ظل التوقعات غير المرتفعة لمستوى النمو العالمي بجانب ما يعلن عن اكتشافات نفطية جديدة في دول مستوردة.
ويقول باعمر إنّه كان يفضل عدم رفع توقعات النفط بمثل هذه الطفرة، وأن يكون السعر التقديري أكثر تحفظًا أو حتى تثبيت السعر التقديري عند 75 دولارًا للبرميل بحيث يستمر وضع الميزانية على أساس سعر تحفظي وأن يتم بناء الإنفاق على هذا الأساس، ويذهب فارق السعر في نهاية العام إلى صندوق الاحتياط العام، وفي النهاية إذا تم تسجيل فائض فهو أفضل من تسجيل عجز أكبر من المقدر لأنّه بالضرورة سينعكس على ميزانيات العام والأعوام المقبلة.
ومع ذلك يرى الرئيس التنفيذي لشركة المدينة أن زيادة تقديرات الإيرادات استوجبتها الزيادة في الإنفاق، ويقول إنه من الواضح أنّ هناك زيادة في حجم الإنفاق استوجبت زيادة في تقديرات الإيرادات، وكما كان معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية واضحا فإنّه كانت هناك ضرورة لتخصيص مبالغ إضافية لتغطية المرتبات واستيعاب الأعداد الكبيرة من الموظفين الجدد في القطاعين.
والمفارقة يقول باعمر: إنّ القطاع الخاص كان يمكنه أن يستوعب أعدادا كبيرة جدا من هؤلاء ويوضح أن المميز في ظل الظروف الحالية وصول الميزانية إلى أعلى الطموح في الإيرادات، فإنّ الضرورة أصبحت ملحة في الاعتماد على القطاع الخاص لاستيعاب الأعداد الأكبر من المواطنين والمواطنات الباحثين والباحثات عن عمل، ولكن.. الميزانية لم تحدث النقلة التي كان يتوقعها القطاع الخاص ويتمناها بما تضمنته من إنفاق زهيد مخصص للتدريب المهني مقارنة مع المبالغ الكبيرة المخصصة للرواتب.
ويضيف أن ما تمّ تخصيصه للتدريب لم يتجاوز 26 مليون ريال رغم أنّ مساهمة القطاع الخاص في التدريب مساهمة كبيرة حيث يسدد رسومًا عن استجلاب العمالة تحت اسم رسوم التدريب والتأهيل للمواطنين بما يمثل إجمالي نحو 150 مليون ريال سنويا أو أكثر، ويفترض أن تمثل إسهاما وجزءًا من ميزانية التدريب لكننا وجدنا أنّ كل ما يقدم للتأهيل المهني والتدريب على رأس العمل هو هذا المبلغ 26 مليون ريال فيما يتم توجيه ميزانية كبيرة للتعليم الفني الذي هو نفسه في حاجة إلى إعادة هيكلة بحيث يعمل بطريقة حديثة ويخرج مواطن متدرب وجاهز للعمل وفقًا لأحدث الوسائل التقنية والانتاجية، وفي هذه الحالة فلن تكون فرص العمل متاحة أمام المواطن العماني داخل السلطنة فقط بل في جميع دول المنطقة، وهو ما يراه سهل التحقق خلال عامين فقط إذا تمّ اعداد خطة مدروسة وعلمية لجانب التدريب والتأهيل المهني.
تحقيق الرفاه
ويشير المهندس صالح الشنفري نائب رئيس لجنة الأمن الغذائي غرفة تجارة صناعة عمان، إلى أنّ الزيادة الواضحة في الإنفاق والتي تقترب من ثلاثة مليارات ريال عماني، ستنعكس بلاشك على مجمل الأوضاع الاقتصادية للسلطنة حيث سيؤثر هذا المبلغ بشكل واضح على قطاع التجزئة الذي يتوقع له انتعاش قوي في هذا العام
أكثر...