الرؤية- سيف بن يوسف الفوري-
يعتبر أحمد الفارسي أن العلاقة التي تربطه بالكتابة الأدبية هي بمثابة حب عذري، حيث يعشق الكتابة ويريد أن ينتقل بها إلى مراحل متقدمة من الإبداع والفن.. فالكتابة بالنسبة للفارسي رغبة كامنة في التعبير عما يجول في خاطره من أفكار.
الفارسي الذي يدرس الطب في السنة الأخيرة بكلية الطب والعلوم الصحية، شاعر ساخر وكاتب أدبي وممثل مسرحي، كما أنه خطاط ورسام.
ويقول الفارسي عن علاقة الحب مع الشعر، إن الشعر حقيقة لم يكن موهبة بالقدر الذي كان فيه حبا وشغفا في بادئ الأمر، مضيفا: "منذ مراحل الحياة الأولى وأنا متورط في علاقة حب عذري عميق بيني وبين أي كلام أدبي موزون- شعرا كان أم نثرا- يستثيرني الشعر، ويحرك أفكاري، فأصاب بحساسية غريبة لا تنطفئ إلا بالسكر في خمور الأبيات". ويصف الفارسي الشعر بأنه "نشوة"، قائلا: "أقرا الشعر لأشبع شيئا في داخلي.. فالكلام- أيا كان- حين يُحْتضنُ بأجراس موسيقية رائعة، وتقطيعات عروضية راقصة، فإنّه وبكل لطافةٍ ويسر يغزو القلوب ويريح الأنفس والعقول". وتابع: "بدأت أكتب، لم تكن أكثر من تصفيفات عروضية خجولة، ثم باتت الآن شعرا".
ويؤكد الفارسي: "لن أمارس الكتابات التقليدية الركيكة التي تصيب الكاتب بالملل، وتستهلك وقت القارئ في ما لا يضفي أيّ جديد لكليهما، لكنني مخلوق بشري بسيط، يستوطن قرية أبعد ما تكون عن التمدن والأضواء والأسفلت، يقدسها أيما تقديس، فهو يرى أنّ الأرض غير الأرض فيها والسماء غير السماء، وليس أحب إلى قلبه من ذلك الهدوء الجميل الذي لا يشقه إلا صوت الحياه القروية المتنفسة في الصباح الباكر، المغمضة أجفانها حين يتثاءب المساء بُعَيْدَ المغرب بقليل، جئت إلى مسقط لأبحث عن أقطاب الحياة الأخرى، وقد وفقت في هذ أو هكذا أظن رغم صدماتي المتوالية".
ويمضي يقول: "مع مرور الوقت، ومع أطنان الكتب الأدبية المتناثرة هنا وهناك، كتب وخواطر وأدبيات ودواوين بين هذا كله، استقام لساني بعد أن كان معوجّا، وتموسقت أذني، وتطوعت لغتي لشاعريتي. فبت أظهر ما أضمر، وكتبت في مختلف الأغراض، ولا يهمني كم قد كتبت بمقدار ما يهمني كم من الكتل الشعورية قد خزنت بين الأحرف والكلمات. ثم دارت رحى الأيام، فجاءت مسابقة في اللغة العربية وفن الخطابة والإلقاء، في جامعة الدول العربية في مصر، لم أكن أنوي المشاركة، لولا أنّ القدر كتبها علي، والحمدلله أولا وأخيرًا حصلت على المركز الثاني عربيّا، وبعدها في مسابقة أخرى مماثلة حصلت على المركز الأول عمانيا ولله الحمد والشكر من قبل ومن بعد".
وحول اللغة العربية، يقول: "شعوري لم أكن فرحًا بالقدر الذي كنت فيه حزينا بعض الشيء لانعدام اللغة آنذاك رأيت أفرادًا يتحدثون ولكني لم أر لغة تُتَحدّث، لا أدري أقذى أصاب عيني يوم ذاك فأعمى بصيرتي أم أنّ اللغة العربية هي من كانت غائبة يومها، كنت حزينًا جدًا، إذ كنت أخال أنّ هناك الآلاف المؤلفة من فطاحل اللغة ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، كنت أرى المكتبات والمراكز الثقافية وأظن أن من بها أكبر حجما منها، لكن وللأسف أقولها بمرارة أن الواقع مختلف عن ذالك كثيرا".
وعن دراسة الطب وموهبة الشعر، يضيف الفارسي: "توالت الأيام وانصرمت الأعوام، ثم اختارني القدر لأدرس علم الطب، وهو تخصص بعيد كل البعد عن الأدب فأحدهما في المشرق والآخر في المغرب، إلا أنني أحاول إيجاد دواء لشفاء صحتنا الأدبية العليلة. كتبت في الطب والقضايا الطبية الشيء الكثير لعل من أبرزها الأوبريت الأخير حول الأخطاء الطبية، وكتبت أبياتا فكاهية حول معاناة من يدرس الطب أقول منها: رحماك يارب البرية اننا/ قوم بلينا ان نكون دكاتره/ وحياتنا باتت كذلك كلها/ الصبح درس والمساء مذاكرة/ قد فاتت الدنيا ولم ننعم بها/ ورجاؤنا ألا تفوت الآخرة.
ويمتلك الفارسي مواهب أخرى، منها الرسم والخط العربي بالإضافة إلى التمثيل الضاحك، رغم أنّ الأولى بدأت تتلاشى عندما بدأ دراسة الطب بسب الضغوط الدراسية التي تكون حجر عثرة في طريق قضاء أوقات طويلة بصحبة اللوحات البيضاء وأقلام التلوين.
ويرى الفارسي أنّ "الحياة تبدو لي كالبحر الغزير وكالمحيط الواسع وأنا منذ أن أبحرت فيها اتخذت بعض العبارات أشرعةً لي لعل أهمها ما قاله المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
أكاد اقسم أنّ في دواخلنا عمالقة من الفكر والعلم والأدب والإبداع والتطوير، و لا عدو للإنسان إلا نفسه، إذا أردت التقدم فلن يمنعك أحد، ولكنني قلت "إن أردت التقدم فالإرادة هي ما ينقصنا".
أكثر...