محمد الشحري-
حضرنا بالأمس في العاصمة الأردنية عمّان، اختتام المؤتمر الإقليمي لحقوق الإنسان في الخليج واليمن، والذي حمل عنوان "الدروس المستفادة وتحديات المستقبل"، وقد نظم المؤتمر مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، ومؤسسة المستقبل، وقد تناول المشاركون تقييم أوضاع حقوق الانسان في منطقة الخليج واليمن، ووضع المرأة والفرص والتحديات التي تواجه نشطاء حقوق الإنسان في المنطقة، كما شهد المؤتمر حلقات تدريبية حول مؤسسات المجتمع المدني في دول الخليج واليمن، وأولويات الأنشطة للمدافعين عن حقوق الانسان، وحلقة عمل عن المرأة والمشاركة الفاعلة في المجتمع المدني، ولا يتسع المجال هنا لسرد التوصيات التي خرج بها المؤتمر، أو استعراض كل أوراق العمل المقدمة في المؤتمر، ولكن ما يهم طرحه هنا، هو اجماع العديد من المتحدثين على حصول تغيير قادم في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وقد ظهرت مؤشرات التغيير في العديد من الصحف الغربية التي تتحدث عن إمكانية استغناء الولايات المتحدة عن نفط الخليج، حيث ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الولايات المتحدة سوف تقلص إلى النصف اعتمادها على نفط الشرق الأوسط بنهاية العقد الحالي، وقد تستغني عنه بحلول العام 2035 مع هبوط الطلب وزيادة إنتاج النفط في النصف الغربي من الكرةالأرضية.. وذكرت الصحيفة أن هذا التحول هو نتيجة التقدم التكنولوجي الذي أدى إلى الكشف عن مصادر جديدة للنفط في الصخورالزيتية وفي قيعان المحيطات، مما يبشر بتعزيز أمن الطاقة بالولايات المتحدة، واستشهدت الصحيفة بإحصاءات لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية أفادت بأن 82% من استهلاك الولايات المتحدة من النفط في عام 2020 سيأتي من مصادر محلية.
قد لا نصدِّق هذه المعلومات المسربة، وقد نشك في مصادرها، ولكن ما يجب علينا فعله كشعوب وأنظمة سياسية في المنطقة أن نعيد التفكير معا في مستقبل المنطقة بعد الاستغناء الأمريكي عن الغاز والبترول، فمن المعروف أن الغرب -وعلى رأسهم الولايات المتحدة- لا يهمهم إنسان الخليج ولا مستقبله ولا يعبأون أصلا بمصيره، فكل ما يريدونه هو الحصول على مصادر الطاقة كالنفط والغاز وضمان أمن اسرائيل، فإذا عرفنا اهتمام الغرب بالمنطقة لأجل مصالحه، فإنه يتوجب علينا كشعوب وحكومات أن نعيد التفكير معا في المستقبل الخليجي، ورسم صور لأوضاع المنطقة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا؛ لأنني أكاد أجزم بأن الغرب لن يترك المنطقة في وضع آمن وسالم، بل سيترك لنا حقولا من الألغام لا نستطيع التحرك فيها إلا بانفجارات وضحايا، ولنا في المشاكل الحدودية التي خلفها المستعمر البريطاني خير مثال.
إذن ما العمل؟ وما الذي يجب علينا فعله؟ إن من يتحدث عن المشكلة عليه أن يقترح حلولا لها أو هكذا يجتهد، وبما أنني أتحدث عن المشكلة، فإنني أرى أن تبادر الأنظمة السياسية في منطقة الخليج؛ باعتبارها مالكة للسلطة ومسؤولة عن السيادة الوطنية، بخلق سلسلة من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها إعلان دساتير يشارك في كتابتها أبناء الوطن من حكام وسياسيين وقانونيين ورجال الدين والمثقفين، وهيئات المجتمع المدني، وتمنح هذه الدساتير المزيد من الحقوق والتشريعات المنظمة والكفيلة بمنح الحقوق الاساسية مثل حق الرأي والتعبير عنه، وحق التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والنقابات. وهذا يعني أن السلطة التشريعية قد وضعت الدستور، وأن السلطتين القضائية والتنفيذية يجب أن تعملان بموجب الدستور، وأن تكون السلطة الرابعة وهي سلطة الإعلام مكملة لباقي السلطات.
.. إن حالة التشنج التي تعيشها المنطقة في الوقت الحالي، لا تخدم المصلحة الوطنية، ولا تبني لمستقبل آمن، في ضوء الاضطرابات الجارية في الكثير من الدول، وعلى أكثر من صعيد، لذلك فإن ترتيب البيت الداخلي لكل دولة خليجية، وخلق أجواء من المشاركة السياسية بين الشعوب والحكومات، هي مقدمات ضرورية وملحَّة لفتح صفحة جديدة لمستقبل أمن الخليج واليمن، فلقد رأينا أن الحلول الأمنية لا تجدي نفعا، وأن العنف لا يولد إلا العنف، وان سياسة تكميم الأفواه، وزرع الرعب والخوف لا تخلق مجتمعات قوية آمنة مطمئنة، بل تنشئ أجيالا من الحاقدين والناقمين ينتقمون من السجان والجلاد، والمشهد حاضر الآن في كثير من الدول التي مارست القمع والتعذيب لأجل السلطة، لذلك فإن إطلاق سراح سجناء الرأي والمعتقلين في القضايا السياسية هو الخطوة الأولى لأجل العمل الوطني، والبدء في بناء الدول القائمة على العدالة وترسيخ سيادة القانون الذي يحكم بالدستور ويمنع تجاوزه، أو التعدي عليه وخرقه من قبل السلطة التنفيذية.
أكثر...