إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إنسان مختلف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إنسان مختلف




    سمية النبهانية-

    كيف يمكن أن تكون إنسانا مختلفًا؟! سؤال قد يصيبك بالحيرة، وربما يجعل البعض يعتقد أنه بحاجة إلى عقل متفتح ينجح في الوصول إلى إجابة عبقرية؛
    لأسئلة أخرى من على شاكلة: كيف أكون ناقدًا وشاعرًا؟ كيف يمكنني أن أنظر للحياة بعين الفلاسفة المحبة للحكمة والأطفال؟ كيف أكون سعيدا؟ حسناً... إنّها القراءة.. وحدها القراءة من ستجعل منك كل ذلك وذاك.
    لم أدرك في السابق ما تركته القراءة على شخصيتي، التي كادت أن تتسرب بين ثنايا الأيام ويتفرق دمها بين قبائل (الحيوات المنسية)، فأنا لم أملك كتابا واحدًا في طفولتي، ولم يكن والداي - حفظهما الله- يدركان أهميّة اقتناء كتاب وقتها، وكل ما وقع تحت يدي في أيامي تلك هو عبارة عن وريقات تنتمي في أغلبها إلى سلسلة الروايات البوليسية، تخص افراد أسرتي، إضافة إلى كتب متهالكة عن شخصيّات مشهورة، كنت أستعيرها من أرفف مكتبة المدرسة.. وبرغم ذاك كانت رائحة الأوراق، وإثارة الكلمات تغنيني عن أيّ صديق، حتى بت لا أقوى على النوم حتى أكحل عيني بقراءة بعض الأسطر والكلمات؛ سواء كانت روايات أدبية، أو مجلة العربي الكويتية، أو قصاصات الصحف المرميّة.
    أول كتاب تملكه يقع في نفسك موقع ( الحبيب الأول)، لذا كان حبيبي الأول هو "أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي" لفاروق شوشة، والذي اشتريته من معرض مسقط الدولي للكتاب.. وقد جمع فيه الأديب أروع ما كتب وقيل عن قصص وقصائد العشق في أدب العرب المنظوم، وأذكر أنّ غلاف الكتاب ذي اللون البرتقالي هو ما أغواني وجرّني نحو ( خطيئة الاقتناء) فلم استطع مقاومة رغبتي في امتلاكه ودفن عيني فيه؛ على الرغم مما حواه من قصائد وأبيات شعر قد تجد صعوبة آنذاك في قراءتها وتحتاج إلى شرح أو معجم الفراهيدي، ومع ذاك حفظت القصائد وأحببتها دون أن استشعر عمق معانيها.
    القراءة تمنحني شعورًا مختلفا، يتعدّى ملمس الورق؛ حتى تخال أنك تمشي على شوارع الهند حافي القدمين مع أنيس منصور، وتعيش جنون الفلاسفة مع جوستاين جاردر، وتسخر ملء نفسك من عباس في قصيدة أحمد مطر.

    الكتابة تجعلك مختلفًا.. عاشقًا للألوان، وهائمًا في محراب المغزى، وسيكون لأحاديث من حولك وكل مشهد تلحظه في الشارع معنى مختلفًا؛ فقط لأنك تذوقت طعم القراءة، وخبرت كنه الحروف وماوراء النص.. فالقراءة تعطيك القدرة على التجول في عقول الآخرين، والأمل بأن تحيا الغد، وبأن تكون إنسانًا أفضل، والإيمان بأنّ الحياة جميلة حقًا وعلينا أن نحيا سعداء.
    القراءة خير صديق ومرشد لأبنائنا إن أحسنوا انتقاء ما يقرؤونه.. فهي ثقافة غائبة عن البيت الخليجي. وعلى الرغم من أنّ القراءة هي ما تصنع الرجال إلا أنه غير مرغوب فيها.. وقد يظن البعض ( وبعض الظن إثم) أنّها تذهب العقول، وربما تسمم الأفكار التي يمكن أن "يحشرها" حبر الكلمات، ولكن إن أحسنا اختيار ما يقرأه أولادنا فسيكون المرود بعكس ما ظنه البعض.
    نرى الآباء يهتمون بتسلية الأبناء وترفيههم وإلباسهم أحدث الملابس، وشراء أحدث الألعاب التي تنمي النزعة العدوانية لديهم، وتبعدهم عن الفهم الصحيح للحياة؛ وما مخاوف موت الصحف والورق في عصرنا الحديث، والذي يتناقله المفكرون إلا من صنع أيدينا، فنحن من أبعدناها عن أبنائنا، وجعلناها خارج مقتنيات ما يسمى بالموضة، ونحن من جعلنا الكتب زينة مرصوفة على أرفف المكتبات.. فكيف سمحنا لأنفسنا أن نحرم أبناءنا منها؟!!.
    إن كانت من نصيحة أهديها إليكم ولنفسي فهي أن نقرأ، ونقرأ أكثر، ونكتب حتى تصبح الكتابة إثما عظيما بما يمكن أن تصنعه. فالحبر هو من سيدب الحياة فينا, ويحرك مجريات الأمور في المجتمع.

    [email protected]






    أكثر...
يعمل...
X