تصاعد الانتقادات للدول الغربية بسبب "التهوين" من خطر المتشددين بشمال إفريقيا-
الأمم المتحدة: 1.1 مليون فار ولاجئ متوقع خلال الأشهر المقبلة جراء النزاع المسلح-
فرنسا ترتعد من فشل العملية.. وتخشى "نهاية مأساوية" لأزمة الرهائن-
توحد صفوف "القاعدة ببلاد المغرب" و"أنصار الدين" و"الوحدة والجهاد" و"الطوارق"-
معلومات استخباراتية: التخطيط لاختطاف الرهائن تم قبل عملية مالي-
المعلومات تشير إلى أن تدريب وتسلح المتمردين جاء بدعم حكومة القذافي-
أمريكا: "الإرهابيون" لن يجدوا ملاذا في أي مكان بالعالم-
عواصم- الرؤية- الوكالات-
تفاقمت الأوضاع العسكرية في مالي على نحو غير متوقع مع دخول الجزائر على خط الصراع مع جماعات متشددة يشتبه في صلتها بتنظيم القاعدة، الأمر الذي يعيق تحقيق نجاحات في العملية العسكرية التي أطلق عليها "القط المتوحش"، في وقت أظهرت فيه عملية اختطاف لمئات الرهائن في الجزائر، تفوقا نوعيا لمستوى التسليح، ما ينذر بحرب واسعة النطاق، ربما تقف وراءها قوى دولية، وتطل نذر الشؤم برأسها مع تصاعد المخاوف من أن تتحول مالي- الدولة الواقعة في الغرب الإفريقي- إلى أفغانستان جديدة وبؤرة محتملة لعناصر متطرفة تزعم تطبيق الشريعة الإسلامية.
فارون من العنف
ومما يعكس التدهور المتوقع في مالي جراء الحرب الدائرة، توقعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أمس أن ينزح ما يصل إلى 700 ألف، بما في ذلك 400 ألف يمكن أن يفروا ألى دول مجاورة في الأشهر القادمة. وقالت مليسا فليمينج المتحدثة باسم المفوضية في إفادة صحفية بجنيف "نعتقد أنه في المستقبل القريب سيكون هناك 300 الف نازح إضافي داخل مالي وما يصل الى 400 الف نازح (لاجيء) إضافي في الدول المجاورة". وتابعت أنّ نحو 147 من أبناء مالي فروا إلى دول منها موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو والجزائر منذ بدء الأزمة العام الماضي منهم 2744 هربوا منذ بدء الغارات الجوية الفرنسية قبل أسبوع.
ومع توسع عملية "القط المتوحش"، أعنت الولايات المتحدة الموافقة على طلب فرنسي لدعم جسر جوي لمساعدة فرنسا في نقل جنودها ومعداتهم إلى مالي، ما يظهر توسعا محدودا للدعم الأمريكي في المعركة ضد المتمردين الإسلاميين هناك. ويأتي القرار الأمريكي- الذي توقعه كثير من المراقبين- بعد أن أجرت إدارة أوباما مراجعة قانونية لتقرير المساعدة التي يمكن لواشنطن أن تقدمها لفرنسا التي بدأت الأسبوع الماضي عملية عسكرية ضد المتشددين في مالي. وقال مسؤول أمريكي إنّ سلاح الجو سيبدأ خلال ساعات رحلات لطائرات شحن من المرجح أن تكون سي-17 وربما أيضا طائرات سي-5 الأكبر حجما. لكن التفاصيل لم تتضح حتى الآن ولم يتقرر جدول زمني. وقال تومي فيتور المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض "وافقنا على نقل الجنود والعتاد". وأضاف أن الفرنسيين سيسددون للحكومة الأمريكية في وقت لاحق تكاليف الرحلات العسكرية. ودعم الجسر الجوي يأتي بالإضافة إلى تبادل متزايد لمعلومات الاستخبارات الأمريكية مع فرنسا لكنه يبقي الولايات المتحدة بعيدة عن القتال على الأرض.
ومن بين الخطوات الأخرى المحتملة تزويد بالوقود في الجو للطائرات الحربية الفرنسية أو إرسال طائرات بدون طيار في مهام استطلاعية.
وقال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي إن فرنسا لم تطلب مساعدة أمريكية في أي عمليات قتالية. وقال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إنه لا توجد خطط لإرسال جنود إمريكيين. وأضاف قائلا في مقابلة تلفزيونية "في نهاية المطاف فإن الدول الإفريقية ومجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس) عليها أن تتدخل وأن تضطلع بمسؤولية حفظ الأمن في مالي".
تسليح متوفق
وأظهرت المعارك تسليحا متميزًا- بحسب مراقبين- للمتمردين، وقال دبلوماسيون فرنسيون ودبلوماسيون آخرون في الأمم المتحدة إنّ الاشتباكات الأولية التي خاضتها القوات الفرنسية ضد متشددين إسلاميين في مالي أظهرت أنّهم مدربون ومسلحون أفضل مما توقعت فرنسا قبل أن تشرع في التدخل العسكري الأسبوع الماضي. ومن شأن إدراك حقيقة أن القتال قد يكون أكثر دموية مما أشارت إليه التوقعات في الأسابيع وربما الأشهر السابقة، من المحتمل أن يجعل الدول الغربية أكثر إحجامًا عن المشاركة إلى جانب فرنسا. ويقول دبلوماسيون إنّه مع ذلك يأمل المسؤولون الفرنسيون في حشد تأييد حلفائهم.
وذكر دبلوماسي إفريقي "ستكون تكلفة الفشل في مالي مرتفعة بالنسبة للجميع، وليس فقط شعب مالي". ومثل غيره من الدبلوماسيين تحدث بشرط عدم الإفصاح عن اسمه بسبب حساسية مناقشة القضايا العسكرية والدبلوماسية.
وزاد من احتمال تصاعد وتيرة عنف المتشددين الإسلاميين في مالي احتجاز عشرات الرهائن في الجزائر المجاورة؛ حيث شنت القوات الجزائرية عملية لتحرير الرهائن من إيدي المتشددين الإسلاميين. وتحدث الدبلوماسيون بعد أول مواجهات للقوات الفرنسية مع المقاتلين الإسلاميين في الأيام القليلة الماضية. وبدت الحرب البرية في طريقها للتصعيد بعدما طوقت القوات الفرنسية مدينة ديابالي وحاصرت المتمردين الذين استولوا على المدينة منذ أيام. وذكر دبلوماسي فرنسي كبير "أعداؤنا كانوا مسلحين ومجهزين جيدا وعلى درجة عالية من التدريب وكلهم تصميم". وقال "المفاجأة الأولى أن بعضهم أصر على عدم الانسحاب"، مضيفا أن آخرين فروا خلال ستة أيام من الغارات الجوية الفرنسية التي استهدفت وقف هجوم المتشددين والحيلولة دون سقوط العاصمة باماكو.
وتواجه قوات فرنسا ومالي ودول إفريقية تحالفا إسلاميا يضم جناح القاعدة في شمال إفريقيا المعروف باسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الدين وحركة الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا. وتوحدت صفوف الخليط المتنوع من متمردي الطوارق والإسلاميين والجهاديين الأجانب بسبب التهديد بتدخل عسكري أجنبي دعا إليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي.
ويعتقد أنّ حكومة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي دربت وسلحت بعض المتشددين. وقال عدد من الدبلوماسيين إنّه من الواضح أنّ التقييم الفرنسي المبدئي للمتشددين هوّن من قوتهم. وهي وجهة نظر لا يجادل فيها المسؤولون الفرنسيون. وذكر دبلوماسي غربي رفيع "أظن أنّهم أفضل تدريبًا مما توقعت فرنسا في البداية ويقاتلون بصلابة أكثر من المتوقع".
توجهات المتمردين
المتمردون من جانبهم، قالوا إنّ حربهم تستهدف من وصفوهم بـ"المسيحيين والكفار"، وأنهم لن يلحقوا الأذى بالمسلمين، على حد زعمهم.
وفي رواية نادرة لشاهد عيان عن الغارة التي وقعت فجر الأربعاء الماضي في أعماق الصحراء، قال موظف محلي في المنشأة إنّ المتشددين لديهم علم جيد فيما يبدو بمخطط المنشأة وأنهم استخدموا لغة المتطرفين الإسلاميين. وقال عبد القادر (53 عاما) لوكالة رويترز من منزله في بلدة "إنّ اميناس" إنّ الإرهابيين أبلغوهم منذ البداية بأنّهم لن يلحقوا الضرر بالمسلمين وإنما هم مهتمون فقط "بالمسيحيين والكفار". وقال بانفعال شديد إنه رجل محظوظ. ووصف عبد القادر كيف تمكن من الهرب مع كثيرين من مئات الجزائريين الذين كانوا محتجزين في البداية. وطلب عدم نشر اسم عائلته. وقال إنه مازال يشعر بالحزن والاكتئاب، مضيفا أنه يخشى أن يكون كثيرون من زملائه الأجانب قد ماتوا. وقال إن الإرهابيين كانوا يعرفون الموقع جيدًا وأنهم كانوا يتنقلون ويظهرون أنهم يعرفون جيدا إلى أين هم ذاهبون.
وقال الخاطفون إنهم ينتقمون من الهجوم الفرنسي في مالي وطالبوا بأن تنهي باريس العملية وأن توقف الجزائر تعاونها مع باريس. وقال خبراء أمن إن الغارة كانت مدبرة سلفا رغم أن قرار تنفيذها الآن تأثر بالأحداث في مالي.
وقالت مصادر جزائرية إن 25 رهينة أجنبية تمكنت من الهرب وأن ستة قتلوا. وقال متشددون يوم الإربعاء الماضي انهم يحتجزون 41 غربيا بينهم امريكيون ويابانيون واوروبيون من جنسيات مختلفة.
من جهته، قال رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرو ان الحكومة الجزائرية أبلغته أنّ عملية انقاذ الرهائن الذين احتجزهم متشددون إسلاميون في منشأة للغاز في الجزائر كانت مستمرة حتى منتصف النهار. وقال "تحدثت لتوي مع رئيس الوزراء الجزائري الذي أكد لي أنّ العملية مستمرة." وأضاف أنّه على اتصال مستمر مع الحكومات الأخرى المعنية. وأضاف ايرو للصحفيين "موت عدد من الرهائن مؤسف".
فيما شدد وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا على أن "الإرهابيين" لن يجدوا ملاذا في الجزائر ولا في أي مكان بالعالم. وقال في كلمة أمام متخصصين أمنيين في لندن "يجب أن يعلم الإرهابيون أنّهم لن يجدوا ملاذا ولا مأوى لا في الجزائر ولا في شمال إفريقيا ولا في أي مكان". وأضاف "أولئك الذين يريدون مهاجمة بلدنا أو أبنائنا لن يجدوا مكانا يمكنهم الاختباء فيه".
أزمة الرهائن
وعلى خلفية أزمة الرهائن، قالت شركة بي.بي البريطانية إنه تمّ إجلاء مئات من العاملين بشركات نفط دولية من الجزائر وإنّه سيجري إجلاء المزيد. وقالت الشركة في بيان "غادرت ثلاث طائرات الجزائر أمس حاملة 11 من موظفي بي. بي إضافة إلى مئات من العاملين في شركات أخرى".
ووصلت الطائرة الأولى إلى لندن بينما هبطت الطائرتان الأخريان في بالما دي مايوركا. وأضاف البيان "من المنتظر أن تنقل طائرة رابعة المزيد من العاملين من البلاد اليوم، وسننظم المزيد من الرحلات الجوية إذا اقتضت الحاجة".
فيما أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن أقل من 30 بريطانيا معرضون للخطر في الجزائر بعد عملية احتجاز الرهائن. وأضاف أن الهجوم يبدو كبيرا، وتم التنسيق له جيدا ويتوفر له كم كبير من الأسلحة وأنّ الأزمة لاتزال "مستمرة".
وعلى الرغم من ذلك يعتقد مسؤولون أنّ هجوم الجزائر جرى التخطيط له قبل تدخل فرنسا عسكريًا في مالي، حيث يؤكّد مسؤولون أمنيون أوروبيون وأمريكيون أنّ المتشددين الجزائريين خططوا للهجوم واحتجاز الرهائن قبل العملية العسكرية الفرنسية في مالي. وقال مسؤول أمني أوروبي إنّ معلومات المخابرات تشير إلى أنّ محتجزي الرهائن الذين يعتقد أنّهم أعضاء في فصيل منشق على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي خططوا لخطف الرهائن ونقلهم إلى مخبأ بحيث يكون من الصعب القيام بمحاولة لإنقاذهم.
وأبلغ ممثلون لمحتجزي الرهائن وكالة أنباء في موريتانيا المجاورة إنّ الهجوم جاء ردًا على العملية العسكرية الفرنسية لطرد مقاتلين إسلاميين سيطروا على مساحة كبيرة من الأرض في شمال مالي. وبدأت العملية الفرنسية يوم الجمعة الماضي. لكن مصادر أمنية أمريكية وغربية قالوا إنّهم يعتقدون أنّ الدافع وراء احتجاز الرهائن كان الأرجح الحصول على فدية لكن ربما أيضا السعي للإفراج عن سجناء من المتشددين.
وقالت مصادر غربية إنّ من المعتقد أنّ من بين الرهائن المحتجزين خمسة أمريكيين وحوالي عشرة بريطانيين ومواطنين من بلدان أخرى. وقال عدد من المصادر الأمنية الغربية إنّه بالرغم من أنّ التفاصيل بشان احتجاز الرهائن لا تزال غير واضحة، إلا أنّ الأدلة المتاحة تشير إلى أنّ الهجوم كان منسقًا بشكل يصعب أن يكون جرى التخطيط له في أعقاب العملية الفرنسية في مالي. وأضافت المصادر أنّ محتجزي الرهائن استغلوا على الأرجح أنباء تلك العملية كذريعة لهجومهم.
وقال بروس ريدل- وهو محلل سابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وكان مستشارًا للرئيس الأمريكي باراك أوباما لسياسة محاربة الإرهاب- إنّ احتجاز رهائن قد يزيد الانتقادات بأنّه كان يجب على السلطات الأمريكية أن تولي اهتمامًا أكبر للتهديد الذي يمثله المتشددون الإسلاميون في شمال إفريقيا.
وأثار بعض الخصوم السياسيين لأوباما أسئلة مماثلة عن الاستعداد الأمني والمخابراتي الأمريكي في مدينة بنغازي بشرق ليبيا؛ حينما شن متشددون هجوما على منشأتين رسميتين أمريكيتين في 11 سبتمبر الماضي قتل خلاله السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرون.
نهاية مأساوية
أمّا الرئيس الفرنسي فرانسوا اولوند لم يخف قلقه إزاء الأزمة، وقال إنّ أزمة الرهائن في الجزائر تقترب من نهاية مأساوية على ما يبدو، مضيفا أنّ أحداث الجزائر أظهرت أنّ تدخله في مالي لمحاربة متمردين إسلاميين "مبرر".
وقال أولوند في مستهل كلمة أمام شخصيات كبيرة من قطاع الأعمال "هذا كله على ما يبدو في طريقه للنهاية في ظروف مأساوية. ما يحدث في الجزائر يقدم دليلا آخر على أن قراري الذي اتخذته باسم فرنسا بالتدخل في مالي بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة كان مبررا". لكنه قال إنّه ليست لديه حتى الآن معلومات تسمح له بتقييم الوضع بشكل مناسب. وقال أولوند "هذا يتصل بوقف عدوان إرهابي والسماح للأفارقة بالتعبئة لمساعدة مالي على استعادة سلامتها الإقليمية".
أكثر...
الأمم المتحدة: 1.1 مليون فار ولاجئ متوقع خلال الأشهر المقبلة جراء النزاع المسلح-
فرنسا ترتعد من فشل العملية.. وتخشى "نهاية مأساوية" لأزمة الرهائن-
توحد صفوف "القاعدة ببلاد المغرب" و"أنصار الدين" و"الوحدة والجهاد" و"الطوارق"-
معلومات استخباراتية: التخطيط لاختطاف الرهائن تم قبل عملية مالي-
المعلومات تشير إلى أن تدريب وتسلح المتمردين جاء بدعم حكومة القذافي-
أمريكا: "الإرهابيون" لن يجدوا ملاذا في أي مكان بالعالم-
عواصم- الرؤية- الوكالات-
تفاقمت الأوضاع العسكرية في مالي على نحو غير متوقع مع دخول الجزائر على خط الصراع مع جماعات متشددة يشتبه في صلتها بتنظيم القاعدة، الأمر الذي يعيق تحقيق نجاحات في العملية العسكرية التي أطلق عليها "القط المتوحش"، في وقت أظهرت فيه عملية اختطاف لمئات الرهائن في الجزائر، تفوقا نوعيا لمستوى التسليح، ما ينذر بحرب واسعة النطاق، ربما تقف وراءها قوى دولية، وتطل نذر الشؤم برأسها مع تصاعد المخاوف من أن تتحول مالي- الدولة الواقعة في الغرب الإفريقي- إلى أفغانستان جديدة وبؤرة محتملة لعناصر متطرفة تزعم تطبيق الشريعة الإسلامية.
فارون من العنف
ومما يعكس التدهور المتوقع في مالي جراء الحرب الدائرة، توقعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أمس أن ينزح ما يصل إلى 700 ألف، بما في ذلك 400 ألف يمكن أن يفروا ألى دول مجاورة في الأشهر القادمة. وقالت مليسا فليمينج المتحدثة باسم المفوضية في إفادة صحفية بجنيف "نعتقد أنه في المستقبل القريب سيكون هناك 300 الف نازح إضافي داخل مالي وما يصل الى 400 الف نازح (لاجيء) إضافي في الدول المجاورة". وتابعت أنّ نحو 147 من أبناء مالي فروا إلى دول منها موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو والجزائر منذ بدء الأزمة العام الماضي منهم 2744 هربوا منذ بدء الغارات الجوية الفرنسية قبل أسبوع.
ومع توسع عملية "القط المتوحش"، أعنت الولايات المتحدة الموافقة على طلب فرنسي لدعم جسر جوي لمساعدة فرنسا في نقل جنودها ومعداتهم إلى مالي، ما يظهر توسعا محدودا للدعم الأمريكي في المعركة ضد المتمردين الإسلاميين هناك. ويأتي القرار الأمريكي- الذي توقعه كثير من المراقبين- بعد أن أجرت إدارة أوباما مراجعة قانونية لتقرير المساعدة التي يمكن لواشنطن أن تقدمها لفرنسا التي بدأت الأسبوع الماضي عملية عسكرية ضد المتشددين في مالي. وقال مسؤول أمريكي إنّ سلاح الجو سيبدأ خلال ساعات رحلات لطائرات شحن من المرجح أن تكون سي-17 وربما أيضا طائرات سي-5 الأكبر حجما. لكن التفاصيل لم تتضح حتى الآن ولم يتقرر جدول زمني. وقال تومي فيتور المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض "وافقنا على نقل الجنود والعتاد". وأضاف أن الفرنسيين سيسددون للحكومة الأمريكية في وقت لاحق تكاليف الرحلات العسكرية. ودعم الجسر الجوي يأتي بالإضافة إلى تبادل متزايد لمعلومات الاستخبارات الأمريكية مع فرنسا لكنه يبقي الولايات المتحدة بعيدة عن القتال على الأرض.
ومن بين الخطوات الأخرى المحتملة تزويد بالوقود في الجو للطائرات الحربية الفرنسية أو إرسال طائرات بدون طيار في مهام استطلاعية.
وقال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي إن فرنسا لم تطلب مساعدة أمريكية في أي عمليات قتالية. وقال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إنه لا توجد خطط لإرسال جنود إمريكيين. وأضاف قائلا في مقابلة تلفزيونية "في نهاية المطاف فإن الدول الإفريقية ومجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس) عليها أن تتدخل وأن تضطلع بمسؤولية حفظ الأمن في مالي".
تسليح متوفق
وأظهرت المعارك تسليحا متميزًا- بحسب مراقبين- للمتمردين، وقال دبلوماسيون فرنسيون ودبلوماسيون آخرون في الأمم المتحدة إنّ الاشتباكات الأولية التي خاضتها القوات الفرنسية ضد متشددين إسلاميين في مالي أظهرت أنّهم مدربون ومسلحون أفضل مما توقعت فرنسا قبل أن تشرع في التدخل العسكري الأسبوع الماضي. ومن شأن إدراك حقيقة أن القتال قد يكون أكثر دموية مما أشارت إليه التوقعات في الأسابيع وربما الأشهر السابقة، من المحتمل أن يجعل الدول الغربية أكثر إحجامًا عن المشاركة إلى جانب فرنسا. ويقول دبلوماسيون إنّه مع ذلك يأمل المسؤولون الفرنسيون في حشد تأييد حلفائهم.
وذكر دبلوماسي إفريقي "ستكون تكلفة الفشل في مالي مرتفعة بالنسبة للجميع، وليس فقط شعب مالي". ومثل غيره من الدبلوماسيين تحدث بشرط عدم الإفصاح عن اسمه بسبب حساسية مناقشة القضايا العسكرية والدبلوماسية.
وزاد من احتمال تصاعد وتيرة عنف المتشددين الإسلاميين في مالي احتجاز عشرات الرهائن في الجزائر المجاورة؛ حيث شنت القوات الجزائرية عملية لتحرير الرهائن من إيدي المتشددين الإسلاميين. وتحدث الدبلوماسيون بعد أول مواجهات للقوات الفرنسية مع المقاتلين الإسلاميين في الأيام القليلة الماضية. وبدت الحرب البرية في طريقها للتصعيد بعدما طوقت القوات الفرنسية مدينة ديابالي وحاصرت المتمردين الذين استولوا على المدينة منذ أيام. وذكر دبلوماسي فرنسي كبير "أعداؤنا كانوا مسلحين ومجهزين جيدا وعلى درجة عالية من التدريب وكلهم تصميم". وقال "المفاجأة الأولى أن بعضهم أصر على عدم الانسحاب"، مضيفا أن آخرين فروا خلال ستة أيام من الغارات الجوية الفرنسية التي استهدفت وقف هجوم المتشددين والحيلولة دون سقوط العاصمة باماكو.
وتواجه قوات فرنسا ومالي ودول إفريقية تحالفا إسلاميا يضم جناح القاعدة في شمال إفريقيا المعروف باسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الدين وحركة الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا. وتوحدت صفوف الخليط المتنوع من متمردي الطوارق والإسلاميين والجهاديين الأجانب بسبب التهديد بتدخل عسكري أجنبي دعا إليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي.
ويعتقد أنّ حكومة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي دربت وسلحت بعض المتشددين. وقال عدد من الدبلوماسيين إنّه من الواضح أنّ التقييم الفرنسي المبدئي للمتشددين هوّن من قوتهم. وهي وجهة نظر لا يجادل فيها المسؤولون الفرنسيون. وذكر دبلوماسي غربي رفيع "أظن أنّهم أفضل تدريبًا مما توقعت فرنسا في البداية ويقاتلون بصلابة أكثر من المتوقع".
توجهات المتمردين
المتمردون من جانبهم، قالوا إنّ حربهم تستهدف من وصفوهم بـ"المسيحيين والكفار"، وأنهم لن يلحقوا الأذى بالمسلمين، على حد زعمهم.
وفي رواية نادرة لشاهد عيان عن الغارة التي وقعت فجر الأربعاء الماضي في أعماق الصحراء، قال موظف محلي في المنشأة إنّ المتشددين لديهم علم جيد فيما يبدو بمخطط المنشأة وأنهم استخدموا لغة المتطرفين الإسلاميين. وقال عبد القادر (53 عاما) لوكالة رويترز من منزله في بلدة "إنّ اميناس" إنّ الإرهابيين أبلغوهم منذ البداية بأنّهم لن يلحقوا الضرر بالمسلمين وإنما هم مهتمون فقط "بالمسيحيين والكفار". وقال بانفعال شديد إنه رجل محظوظ. ووصف عبد القادر كيف تمكن من الهرب مع كثيرين من مئات الجزائريين الذين كانوا محتجزين في البداية. وطلب عدم نشر اسم عائلته. وقال إنه مازال يشعر بالحزن والاكتئاب، مضيفا أنه يخشى أن يكون كثيرون من زملائه الأجانب قد ماتوا. وقال إن الإرهابيين كانوا يعرفون الموقع جيدًا وأنهم كانوا يتنقلون ويظهرون أنهم يعرفون جيدا إلى أين هم ذاهبون.
وقال الخاطفون إنهم ينتقمون من الهجوم الفرنسي في مالي وطالبوا بأن تنهي باريس العملية وأن توقف الجزائر تعاونها مع باريس. وقال خبراء أمن إن الغارة كانت مدبرة سلفا رغم أن قرار تنفيذها الآن تأثر بالأحداث في مالي.
وقالت مصادر جزائرية إن 25 رهينة أجنبية تمكنت من الهرب وأن ستة قتلوا. وقال متشددون يوم الإربعاء الماضي انهم يحتجزون 41 غربيا بينهم امريكيون ويابانيون واوروبيون من جنسيات مختلفة.
من جهته، قال رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرو ان الحكومة الجزائرية أبلغته أنّ عملية انقاذ الرهائن الذين احتجزهم متشددون إسلاميون في منشأة للغاز في الجزائر كانت مستمرة حتى منتصف النهار. وقال "تحدثت لتوي مع رئيس الوزراء الجزائري الذي أكد لي أنّ العملية مستمرة." وأضاف أنّه على اتصال مستمر مع الحكومات الأخرى المعنية. وأضاف ايرو للصحفيين "موت عدد من الرهائن مؤسف".
فيما شدد وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا على أن "الإرهابيين" لن يجدوا ملاذا في الجزائر ولا في أي مكان بالعالم. وقال في كلمة أمام متخصصين أمنيين في لندن "يجب أن يعلم الإرهابيون أنّهم لن يجدوا ملاذا ولا مأوى لا في الجزائر ولا في شمال إفريقيا ولا في أي مكان". وأضاف "أولئك الذين يريدون مهاجمة بلدنا أو أبنائنا لن يجدوا مكانا يمكنهم الاختباء فيه".
أزمة الرهائن
وعلى خلفية أزمة الرهائن، قالت شركة بي.بي البريطانية إنه تمّ إجلاء مئات من العاملين بشركات نفط دولية من الجزائر وإنّه سيجري إجلاء المزيد. وقالت الشركة في بيان "غادرت ثلاث طائرات الجزائر أمس حاملة 11 من موظفي بي. بي إضافة إلى مئات من العاملين في شركات أخرى".
ووصلت الطائرة الأولى إلى لندن بينما هبطت الطائرتان الأخريان في بالما دي مايوركا. وأضاف البيان "من المنتظر أن تنقل طائرة رابعة المزيد من العاملين من البلاد اليوم، وسننظم المزيد من الرحلات الجوية إذا اقتضت الحاجة".
فيما أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن أقل من 30 بريطانيا معرضون للخطر في الجزائر بعد عملية احتجاز الرهائن. وأضاف أن الهجوم يبدو كبيرا، وتم التنسيق له جيدا ويتوفر له كم كبير من الأسلحة وأنّ الأزمة لاتزال "مستمرة".
وعلى الرغم من ذلك يعتقد مسؤولون أنّ هجوم الجزائر جرى التخطيط له قبل تدخل فرنسا عسكريًا في مالي، حيث يؤكّد مسؤولون أمنيون أوروبيون وأمريكيون أنّ المتشددين الجزائريين خططوا للهجوم واحتجاز الرهائن قبل العملية العسكرية الفرنسية في مالي. وقال مسؤول أمني أوروبي إنّ معلومات المخابرات تشير إلى أنّ محتجزي الرهائن الذين يعتقد أنّهم أعضاء في فصيل منشق على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي خططوا لخطف الرهائن ونقلهم إلى مخبأ بحيث يكون من الصعب القيام بمحاولة لإنقاذهم.
وأبلغ ممثلون لمحتجزي الرهائن وكالة أنباء في موريتانيا المجاورة إنّ الهجوم جاء ردًا على العملية العسكرية الفرنسية لطرد مقاتلين إسلاميين سيطروا على مساحة كبيرة من الأرض في شمال مالي. وبدأت العملية الفرنسية يوم الجمعة الماضي. لكن مصادر أمنية أمريكية وغربية قالوا إنّهم يعتقدون أنّ الدافع وراء احتجاز الرهائن كان الأرجح الحصول على فدية لكن ربما أيضا السعي للإفراج عن سجناء من المتشددين.
وقالت مصادر غربية إنّ من المعتقد أنّ من بين الرهائن المحتجزين خمسة أمريكيين وحوالي عشرة بريطانيين ومواطنين من بلدان أخرى. وقال عدد من المصادر الأمنية الغربية إنّه بالرغم من أنّ التفاصيل بشان احتجاز الرهائن لا تزال غير واضحة، إلا أنّ الأدلة المتاحة تشير إلى أنّ الهجوم كان منسقًا بشكل يصعب أن يكون جرى التخطيط له في أعقاب العملية الفرنسية في مالي. وأضافت المصادر أنّ محتجزي الرهائن استغلوا على الأرجح أنباء تلك العملية كذريعة لهجومهم.
وقال بروس ريدل- وهو محلل سابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وكان مستشارًا للرئيس الأمريكي باراك أوباما لسياسة محاربة الإرهاب- إنّ احتجاز رهائن قد يزيد الانتقادات بأنّه كان يجب على السلطات الأمريكية أن تولي اهتمامًا أكبر للتهديد الذي يمثله المتشددون الإسلاميون في شمال إفريقيا.
وأثار بعض الخصوم السياسيين لأوباما أسئلة مماثلة عن الاستعداد الأمني والمخابراتي الأمريكي في مدينة بنغازي بشرق ليبيا؛ حينما شن متشددون هجوما على منشأتين رسميتين أمريكيتين في 11 سبتمبر الماضي قتل خلاله السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرون.
نهاية مأساوية
أمّا الرئيس الفرنسي فرانسوا اولوند لم يخف قلقه إزاء الأزمة، وقال إنّ أزمة الرهائن في الجزائر تقترب من نهاية مأساوية على ما يبدو، مضيفا أنّ أحداث الجزائر أظهرت أنّ تدخله في مالي لمحاربة متمردين إسلاميين "مبرر".
وقال أولوند في مستهل كلمة أمام شخصيات كبيرة من قطاع الأعمال "هذا كله على ما يبدو في طريقه للنهاية في ظروف مأساوية. ما يحدث في الجزائر يقدم دليلا آخر على أن قراري الذي اتخذته باسم فرنسا بالتدخل في مالي بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة كان مبررا". لكنه قال إنّه ليست لديه حتى الآن معلومات تسمح له بتقييم الوضع بشكل مناسب. وقال أولوند "هذا يتصل بوقف عدوان إرهابي والسماح للأفارقة بالتعبئة لمساعدة مالي على استعادة سلامتها الإقليمية".
أكثر...