-
إضاءة-
مسعود الحمداني
-
هل أصبح (الانتحار) ظاهرة في مجتمعنا؟.. هل علينا أن ندق ناقوس الخطر لأنّ كابوسًا جاثمًا يقف في الداخل متربصًا بقيمنا الدينية والاجتماعية؟.. لماذا يقدم شباب في عمر الزهور على التخلص من حياتهم قبل أوانها؟..
أسئلة كثيرة، وأرقام مخيفة لنسبة الانتحار في مجتمعنا تجعلنا نطرق هذا الموضوع المسكوت عنه في أحيان كثيرة، فالانتحار يقترب من تحولّه إلى ظاهرة، أو على الأقل يكاد أن يتحول إلى مشكلة اجتماعية وقيمية خطيرة إذا ما حسبنا النسبة والتناسب بين أعداد المنتحرين، وبين عدد السكان، رغم عدم وجود إحصائيات رسمية معلنة، إلا أنني أذكر أنّه بلغ في إحدى الإحصائيات النادرة قبل عدة سنوات ما يقترب من المائتي حالة انتحار مسجلة بين مواطن ووافد، فانتحار مواطن واحد من بين كل مائتي ألف شخص (وهذا رقم تخيّلي لا أكثر) يُعد كارثة، وهي نسبة يمكن أن تزيد تدريجيا إذا شاعت (ثقافة) التخلص من الحياة للهروب من المشاكل أو الضغوطات النفسية، وهي ثقافة مستوردة من مجتمعات أخرى، وجاءت مع المد الآسيوي الذي اجتاح المنطقة منذ السبعينيات، وكان انتحار عامل آسيوي في السبعينيات والثمانينيات أمر مستنكر، ومثير للغرابة، إلى أن بدأ هذا (الحل الجذري) للمشاكل وللضغوطات يتغلغل إلى أذهان شبابنا ويسيطر عليهم، واعتبروه ربما نوعا من توبيخ المجتمع والاحتجاج عليه، أو توبيخًا لأنفسهم أو أسرهم أو هروبا من علاقة عاطفية فاشلة!!.
والمؤثر الآخر هو الإعلام بمسلسلاته وأفلامه وحتى من خلال قصص انتحار مشاهير الفن والغناء في العالم والتركيز عليها، حيث يجد الشباب أنفسهم تحت تأثير هذه الحكايات و(البطولات)، وفي غياب القدوة يتحول هؤلاء المشاهير، وما يحدث في الأعمال السينمائية والتلفزيونية بمثابة القدوة والتقليد الذي يتبعه هؤلاء المنتحرون.
ولعل أمراضًا كالاكتئاب، والذي قد يكون ناجمًا عن ضغوطات العمل، أو البحث غير المجدي عن وظيفة، أو الخوف من المستقبل، أو الفشل الدراسي، أو الهروب من مشاكل مالية، أو التخلص من فضيحة اجتماعية، أو ضغوط أسرية، أو أسباب أخرى.. كل ذلك يؤدي بالشباب إلى وضع نهاية لمآسيهم عن طريق حل جذري يتخيلونه، ويسيطر على تفكيرهم، ويدفعهم في النهاية إلى هذه الجريمة، وبطرق تقليدية كشنق أنفسهم في المروحة، أو باحتساء المبيدات الحشرية والكيماوية، وفي أحيان أقل عن طريق الطلق الناري، وغير ذلك من وسائل.. ولا أتخيّل أي لحظة بائسة يعيشها هؤلاء حين يقدمون على تنفيذ حكم الإعدام في حق أنفسهم.
من الغريب أنّ عددًا لا بأس به من هؤلاء المنتحرين هم من المتدينين، ومن ذوي السمعة الطيبة في مجتمعهم!!..وهو أمر محيّر فعلا، إلا أنّه يبدو أنّ حالات الاكتئاب الشديدة التي يعيشونها مع أنفسهم، والانفصام النفسي والاجتماعي بينهم وبين الآخرين، يزيد من نسبة اقتناعهم بما يفعلونه.. وفي لحظة ضعفٍ، واستسلام، وحسم، وسيطرةٍ للجانب المأساوي المظلم في أذهانهم يقررون ـ ودون تردد ـ إنهاء كل علاقة لهم بالدنيا.. ومشاكلها.
إنّ وجود عيادات نفسية خاصة أصبح ضرورة ملحة، إلى جانب زيادة التوعية الدينية والاجتماعية، وقبل كل ذلك علينا الاعتراف بأنّ هناك مشكلة حقيقية تواجه مجتمعنا وقيمه، وعلينا أن نواجه الأمر بشجاعة إعلاميًا، وتربويًا، ونفسيًا، وأن نحاول تخليص الشباب من مآسيهم، من خلال إيجاد فرص عمل لهم، وشغل أوقات فراغهم، وملء الجانب الروحي من حياتهم.. حتى لا نجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام تساقط أوراق الشجرة المثمرة.. ثمرة.. ثمرة.
[email protected]
أكثر...