الرؤية- خاص-
منذ أن بلغت أسعار الذهب أعلى مستوياتها على الإطلاق في مطلع سبتمبر 2011 عند 1895 دولاراً للأوقية، لم يكن أداء أسعار الذهب قوياً خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يشير إلى أن الذهب فقد جزءاً من أهميته. وترى مجموعة QNB أنّ مخاطر حدوث مزيد من التراجع في أسعار الذهب تكمن بشكل رئيسي في قيام المصارف المركزية بتشديد السياسات المالية من خلال تقليص برامج التخفيف الكمي وزيادة أسعار الفائدة.
وكان الذهب من بين أفضل الاستثمارات خلال العقد الماضي حيث ارتفعت أسعاره من 282 دولاراً للأوقية في بداية عام 2000 لتصل إلى مستوياتها الحالية عند 1648 دولاراً للأوقية، وحقق هذا الارتفاع عائداً على الاستثمارات في الذهب بنسبة 14% سنوياً مقارنة مع عائد بنسبة 2% على الاستثمارات في الأسهم المدرجة في بورصة ستاندارد آند بورز-500، وما يقارب 7% على السندات الأمريكية المستحقة بعد 10 سنوات.
وارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 1895 دولاراً للأوقية في 6 سبتمبر 2011، عندما تزايد اهتمام المستثمرين بالذهب كملاذ آمن، وسط أزمتين سياديتين في الولايات المتحدة وأوروبا. وقد بدأت هاتان الأزمتان في الظهور في عام 2010، عندما ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 28% من 1101 دولاراً للأوقية في بداية ذلك العام لتصل إلى 1406 دولاراً للأوقية في نهايته.
ويرى تقرير مجموعة "QNB" أن هناك تفسيرات متنوعة حول علاقة هذه الأزمات بالارتفاع المفاجئ في أسعار الذهب. فأولاً، أدت الأزمات إلى زيادة الاهتمام بالأصول التقليدية كملاذ آمن مثل الذهب والسندات الأمريكية. فقد أدى الطلب على السندات الأمريكية إلى ارتفاع أسعارها وبالتالي تراجع العائد منها إلى درجة أن العائد بالأسعار الثابتة أصبح بالسالب. هذا الوضع جعل الذهب في وضع أفضل كملاذ آمن مقارنة مع السندات الأمريكية. علاوة على ذلك، يُعتبر الذهب في الغالب من الأصول التي تستخدم في التحوط ضد التضخم نظراً لأن قيمته تميل إلى الارتفاع مع ارتفاع الأسعار بشكل عام. وربما أدت مخاطر أزمات الديون السيادية على النمو الاقتصادي إلى ازدياد التوقعات بتوجه المصارف المركزية إلى تخفيف السياسات المالية وبخاصة برامج التخفيف الكمي. وهي سياسات كان من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة الأسعار، الأمر الذي جذب المستثمرين إلى الذهب. كما أن ارتفاع المخاطر ومعدلات التذبذب في أسواق المال وزيادة المخاوف من تآكل قيمة العملات، وبخاصة اليورو، ساهم في زيادة الاهتمام بالذهب كمخزون لقيمة الثروات على المدى الطويل.
وإلى جانب ما سبق، فقد ارتفع الطلب على الذهب بنسبة 7% في الربع الثالث من عام 2011، مقارنة مع الربع الثاني من نفس العام، الأمر الذي رفع الأسعار. ويمثل الطلب على الذهب لصناعة المجوهرات الجزء الأكبر من الطلب العالمي؛ حيث يصل إلى 40% من إجمالي الطلب على الذهب. غير أن معظم الزيادة في الطلب على الذهب خلال الربع الثالث من عام 2011، تركز في طلب القطاع الخاص على سبائك وعملات الذهب، الأمر الذي يوضح أن الاهتمام بالذهب في ذلك الوقت كان بهدف استخدامه كمخزون للقيمة وليس كمجوهرات أو في أغراض صناعية. كما أن معدلات شراء المصارف المركزية للذهب ارتفعت بقوة خلال الربع الثالث من عام 2011، حيث إن الذهب أصبح مهما لهذا القطاع مقارنة مع الأصول المقومة باليورو والدولار. وأخيراً، يرجع الارتفاع الشديد في أسعار الذهب بشكل جزئي إلى الفقاعة التي تكونت بفعل المضاربات، مما دفع الأسعار إلى مستويات مُبَالَغ فيها قبل أن تنفجر الفقاعة وتنهار أسعار الذهب بنسبة 16% من أعلى مستوياتها عند 1895 دولاراً للأوقية إلى 1598 دولاراً للأوقية في أقل من ثلاثة أسابيع. ومنذ الربع الثالث من عام 2011، تتحرك أسعار الذهب في مسار أفقي يتراوح بين 1530 دولاراً و1800 دولار، وتسير حالياً عند منتصف هذا المسار حيث تبلغ 1648 دولاراً للأوقية.
ويبدو أن أغلب المخاطر التي أدت إلى الارتفاع الشديد في أسعار الذهب في سبتمبر 2011 قد تبددت حالياً. فقد بدأت أسعار الفائدة في الارتفاع في حين ترتفع التوقعات بنمو الأداء الاقتصادي، مما يقلص من التوقعات بالحاجة إلى برامج التخفيف الكمي. وقد تراجعت الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي من 3.1 تريليون يورو في منتصف 2012 إلى 2.8 تريليون يورو حالياً. لكن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لا يزال يوسع ميزانيته العمومية بعد قراره في آخر اجتماع بالاستمرار في سياسة شراء السندات والأوراق المالية المدعومة بضمانات عقارية بمعدل 85 مليار دولار شهرياً. وتراجع الطلب على الذهب بنسبة 2% خلال الربع الثالث من عام 2012 ليصل إلى 1188 طنا مقارنة مع بيانات الربع الثالث من عام 2011. وفي خلال تلك الفترة، ارتفع الطلب على الذهب بقوة لأغراض الاستثمار من القطاع المالي، باستثناء المصارف المركزية، في حين أنّ الطلب على الذهب كمخزون للقيمة تراجع بنسبة 30%، وتعتبر مجموعة QNB أنّ الطلب من المصارف المركزية ومشتريات سبائك وعملات الذهب هو بهدف استخدامه كمخزون للقيمة، كما أنّ الطلب على الذهب لاستخدامه في أغراض الصناعة والمجوهرات ظل ثابتاً. وهناك عامل آخر يضغط على أسعار الذهب بالدولار الأمريكي، وهو الارتفاع الطفيف في قيمة الدولار منذ الربع الثالث من عام 2011. فعند ثبات العوامل الأخرى، تميل أسعار الذهب إلى التراجع بنفس المعدل الذي ترتفع به قيمة الدولار الأمريكي.
أكثر...