محمد الشحري-
لن أنتظر حتى مجيء تاريخ الثالث من مايو الذي يُصادف اليوم العالمي لحرية الصحافة، لكي أكتب عن حرية الصحافة في السلطنة، بل سأسبق التاريخ لأتناول التصنيف العالمي الجديد لحرية الصحافة الذي نشرته مؤخرًا منظمة "مراسلون بلا حدود"، حول تراجع حرية الصحافة في السلطنة؛ حيث ذكرت العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية المعنية بحرية الصحافة: "إن السلطنة منيت بأكبر خسارة لدولة عربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث تراجعت بنسبة 24 درجة مقارنة مع السنة الماضية محتلة بذلك المرتبة الـ141، بسبب محاكمة عدد من المدونين مؤخرًا".
وهنا أود أن أعبر عن استغرابي الشديد للصمت الرسمي لوزارة الإعلام التي يُفترض بها الرد والتوضيح للرأي العالمي مغالطة هذا التقرير -إن كانت فيه مغالطات للواقع- لأن الصمت الحكومي أمام هذا التقرير الذي يحظى بمتابعة دولية يفهم على عدم اعتراض وزارة الإعلام على مضمون التصنيف، كما أستغرب تجاهل جمعية الصحفيين العمانية للتقرير ذاته الذي يُعتبر من أهم المؤشرات المعتمدة لتوثيق مدى الحرية والديمقراطية في مختلف دول العالم، ويسمَّى المسح السنوي بمقياس حرية الصحافة حول العالم حسبما تصنفه المنظمة التي تحظى بصفة مستشار لدى الأمم المتحدة، وحين نقول مستشار لدى الأمم المتحدة، فإنه يعني أن لهذا التقرير تداعيات في المستقبل؛ إذ لا نستبعد أن يكون لهذا التصنيف تأثيرٌ على التقرير الدوري الشامل لحقوق الإنسان المطلوب من السلطنة تقديمه في جنيف عام 2015؛ لأن فقدان 24 نقطة خلال عام ليس بالأمر الهين، وكان الأولى أن يصدر عن المعنيين بالصحافة والإعلام في السلطنة بيانٌ حول حرية التعبير في السلطنة، أو يتم عقد مؤتمر أو ندوة يتم فيها مناقشة قانون المطبوعات والنشر الذي لا ندري في أي محطة توقف أثناء ذهابه أو ربما عودته من مجلس الدولة.
لقائل أن يقول إن التقرير الذي قدمته منظمة "مراسلون بلا حدود" لا يعني شيئا للسلطنة، وأن المنظمة التي تصدر هذا التقرير ليست منزهة عن الهوى، وأنها تخلط بين العمل الصحفي والحقوقي وبين المجال السياسي، وأنها بذلك تعمل لابتزاز الأنظمة كما كتب أحد الصحفيين في السلطنة عن المنظمات الحقوقية ذات يوم، وهنا لا ندافع عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، ولكن نرى أنه من واجبنا ككتاب أو صحفيين أو حقوقيين مهتمين بحرية الرأي والتعبير، أن ندافع عن اسم عُمان لا بالمديح الزائف ذي الصبغة العاطفية، ولكن بعقلانية وإجراءات عملية على أرض الواقع، قد يكون أولها رفع سقف الرقابة الذاتية للكاتب أو الصحفي والكتابة بحريَّة، والانتقاد بحرية، دون إساءة إلى شخص بعينه أو كيل التهم؛ فهذا لا يصنف ضمن حرية التعبير؛ لأن تصريحات كريستوف دولوار الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" ربطت بين الديمقراطية وبين حماية الحقوق والحصول على المعلومة.
.. بقي أن نقول إن مثل هذه التقارير التي تتحدث عن تراجع حرية الصحافة في السلطنة، تمثل لي مصدر انزعاج ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل على المستوى الدولي، خاصة في المؤتمرات والندوات التي نحضرها بين الحين والآخر، ونقدِّم فيها أحيانا أوراق عمل عن حرية التعبير أو في المواضيع ذات الصلة بالكتابة والثقافة والفكر وحقوق الإنسان؛ لأن العناصر السابقة لا تتقدم وتتعزز إلا في ظل المزيد من حرية الرأي والتعبير.
أكثر...