إضاءة-
مسعود الحمداني-
عذرًا.. أيّها الوطن العزيز، عذرًا لكل حبة رمل من ترابك، عذرًا لكل قطرة عرق سقطت من جبين أبنائك، عذرا لكل خفقة نبضت في قلب مواطن بسيط لم ينتقص حقه فقره، ولم تتلوّث يداه بما ليس له..
اعتذار قد لا يفي هذا الوطن الكريم حقه، وقد لا أكون معنيا به، ولكن هو اعتذار ابن أساء له آخرون خُلقوا من طينه، وتنفّسوا هواءه، ومشوا على أرصفته الحانية، مواطنون (كانوا هنا، واليوم قد رحلوا)، وتحصّلوا على جنسيات دول أخرى وأضحوا مواطنيها، فإذا هم يتنكّرون لكل المبادئ والقيم، وأصالة النفس، وكبرياء الذات، وكأن لم يغْنَوا هنا بالأمس.. وكأنّ هذا الوطن العظيم بمجده، وتاريخه أصبح بالنسبة لهم أمرًا يحاولون نسيانه، ومحوه من الذاكرة، وكأنّهم يبحثون عن ميلاد جديد، وذكريات طفولة أخرى، ويبترون كل أوصال الذاكرة كي يدسوا في الرمل (ماضيهم)!!، جهلا منهم بقدر أنفسهم، وقدر وطن لم تتسع تضاريسهم له.
لا عيب أن يحصل مواطن دولة على جنسية دولة أخرى، فهذا أحد الحقوق والحريات التي يكفلها لهم القانون الدولي، وهناك ملايين البشر الذين يحملون جنسيات (مزدوجة)، وآخرون يتخلون عن جنسياتهم القديمة، كي يصبحوا مواطني دول جديدة، وهم لا يجدون غضاضة في (الاعتراف) بأصولهم، وجذورهم، بل ويتباهون بذلك، لأنهم بدون هذه (الخلفية) ليسوا سوى شظايا غير مترابطة من التاريخ، إلا أنه في الوجه المقابل هناك من (يزوّر) في أوراقه الرسمية، ويمحو كل ماضٍ قد يحد من طموحاته، وهي في غالبها طموحات مادية، تافهة.
كتبتُ منذ زمن عن شاعر (ضربت) كلمات الأغنية التي كتبها وغناها الفنان عبد المجيد عبدالله أرقامًا فلكية، حتى أصبحت حديث الكبير والصغير، وذكرت ـ وبحسن نية وبفخرـ عن أصوله العمانية، وكيف أنّ الكثيرين لا يعرفون هذه المعلومة، وكنتُ أعتقد أن ذلك سيفرحه، ويعطيه جزءًا من قيمته المفقودة، فإذا بي أتفاجأ باتصاله، معاتبًا، وزاجرًا، بألا أذكر هذه المعلومة مرة أخرى، لأنّ ذلك قد يضر بإجراءات حصوله على الجنسية، وكأنّهم في تلك الدولة لم يطّلعوا على أوراقه (الأصلية)، ورغم أنّ ابنته كانت تدرس في إحدى الجامعات العمانية!!.
وأذكر ذلك المذيع العماني الذي ظهر في إحدى القنوات ليشتم هذا الوطن و(أهله)، بعد أن غيّر زيّه الذي نشأ عليه، فأصبح كالغراب الذي يقلّد مشية الطاووس، وأذكر ذلك الشاعر الذي يميل كيفما تميل الريح، (يخجل) أن يُذكر في المقابلات كشاعر عماني، رغم أنّه يحمل الجنسية العمانية، ولكن من باب (التقية) التي تكفل له اللعب على الحبلين.
الرجال الحقيقيون يفخرون بأوطانهم أينما حلّوا وارتحلوا، بل ويبنون هيبتهم، ومكانتهم الاجتماعية في الدول الأخرى بناءً على مواطنهم الأصليّة، وبذلك يحترمهم الآخرون، ويتعاملون معهم تعامل الأنداد، غير أنّ بعضا ممن تغربوا عن هذا الوطن كانوا أول من تنكروا له، لدرجة أنّهم أصبحوا يزوّرون في ذاكرتهم، ويتخيلون أماكن وأشخاصًا ومعلومات وهمية، وغير موجودة أصلا، سعيًا منهم لطمس أي ذاكرة تربطهم بماضيهم، وبذلك وصلوا إلى مرحلة خطيرة من مراحل (انفصام الشخصية) التي لا دواء يجدي معها.
لا أدري ما الذي يدفع هؤلاء (الصغار) لمثل هذا التنكّر لوطن بهذا الحجم التاريخي، والإنساني، سوى عقدة النقص التي تصاحبهم أينما كانوا، والتي هي عقدة واهمة، فعمان العظيمة، هي الشمس المضيئة التي لا تحجبها الغرابيل المثقوبة، والتي لا تحتاج لتاريخ مزوّر كي تسد به نقصا غير موجود، فعذرًا يا وطني الكبير ـ ومثلك لا يحتاج لاعتذارـ لهذا الزمن الغريب الذي أصبح فيه الإيمان بالوطن كفر صريح.
[email protected]
أكثر...
مسعود الحمداني-
عذرًا.. أيّها الوطن العزيز، عذرًا لكل حبة رمل من ترابك، عذرًا لكل قطرة عرق سقطت من جبين أبنائك، عذرا لكل خفقة نبضت في قلب مواطن بسيط لم ينتقص حقه فقره، ولم تتلوّث يداه بما ليس له..
اعتذار قد لا يفي هذا الوطن الكريم حقه، وقد لا أكون معنيا به، ولكن هو اعتذار ابن أساء له آخرون خُلقوا من طينه، وتنفّسوا هواءه، ومشوا على أرصفته الحانية، مواطنون (كانوا هنا، واليوم قد رحلوا)، وتحصّلوا على جنسيات دول أخرى وأضحوا مواطنيها، فإذا هم يتنكّرون لكل المبادئ والقيم، وأصالة النفس، وكبرياء الذات، وكأن لم يغْنَوا هنا بالأمس.. وكأنّ هذا الوطن العظيم بمجده، وتاريخه أصبح بالنسبة لهم أمرًا يحاولون نسيانه، ومحوه من الذاكرة، وكأنّهم يبحثون عن ميلاد جديد، وذكريات طفولة أخرى، ويبترون كل أوصال الذاكرة كي يدسوا في الرمل (ماضيهم)!!، جهلا منهم بقدر أنفسهم، وقدر وطن لم تتسع تضاريسهم له.
لا عيب أن يحصل مواطن دولة على جنسية دولة أخرى، فهذا أحد الحقوق والحريات التي يكفلها لهم القانون الدولي، وهناك ملايين البشر الذين يحملون جنسيات (مزدوجة)، وآخرون يتخلون عن جنسياتهم القديمة، كي يصبحوا مواطني دول جديدة، وهم لا يجدون غضاضة في (الاعتراف) بأصولهم، وجذورهم، بل ويتباهون بذلك، لأنهم بدون هذه (الخلفية) ليسوا سوى شظايا غير مترابطة من التاريخ، إلا أنه في الوجه المقابل هناك من (يزوّر) في أوراقه الرسمية، ويمحو كل ماضٍ قد يحد من طموحاته، وهي في غالبها طموحات مادية، تافهة.
كتبتُ منذ زمن عن شاعر (ضربت) كلمات الأغنية التي كتبها وغناها الفنان عبد المجيد عبدالله أرقامًا فلكية، حتى أصبحت حديث الكبير والصغير، وذكرت ـ وبحسن نية وبفخرـ عن أصوله العمانية، وكيف أنّ الكثيرين لا يعرفون هذه المعلومة، وكنتُ أعتقد أن ذلك سيفرحه، ويعطيه جزءًا من قيمته المفقودة، فإذا بي أتفاجأ باتصاله، معاتبًا، وزاجرًا، بألا أذكر هذه المعلومة مرة أخرى، لأنّ ذلك قد يضر بإجراءات حصوله على الجنسية، وكأنّهم في تلك الدولة لم يطّلعوا على أوراقه (الأصلية)، ورغم أنّ ابنته كانت تدرس في إحدى الجامعات العمانية!!.
وأذكر ذلك المذيع العماني الذي ظهر في إحدى القنوات ليشتم هذا الوطن و(أهله)، بعد أن غيّر زيّه الذي نشأ عليه، فأصبح كالغراب الذي يقلّد مشية الطاووس، وأذكر ذلك الشاعر الذي يميل كيفما تميل الريح، (يخجل) أن يُذكر في المقابلات كشاعر عماني، رغم أنّه يحمل الجنسية العمانية، ولكن من باب (التقية) التي تكفل له اللعب على الحبلين.
الرجال الحقيقيون يفخرون بأوطانهم أينما حلّوا وارتحلوا، بل ويبنون هيبتهم، ومكانتهم الاجتماعية في الدول الأخرى بناءً على مواطنهم الأصليّة، وبذلك يحترمهم الآخرون، ويتعاملون معهم تعامل الأنداد، غير أنّ بعضا ممن تغربوا عن هذا الوطن كانوا أول من تنكروا له، لدرجة أنّهم أصبحوا يزوّرون في ذاكرتهم، ويتخيلون أماكن وأشخاصًا ومعلومات وهمية، وغير موجودة أصلا، سعيًا منهم لطمس أي ذاكرة تربطهم بماضيهم، وبذلك وصلوا إلى مرحلة خطيرة من مراحل (انفصام الشخصية) التي لا دواء يجدي معها.
لا أدري ما الذي يدفع هؤلاء (الصغار) لمثل هذا التنكّر لوطن بهذا الحجم التاريخي، والإنساني، سوى عقدة النقص التي تصاحبهم أينما كانوا، والتي هي عقدة واهمة، فعمان العظيمة، هي الشمس المضيئة التي لا تحجبها الغرابيل المثقوبة، والتي لا تحتاج لتاريخ مزوّر كي تسد به نقصا غير موجود، فعذرًا يا وطني الكبير ـ ومثلك لا يحتاج لاعتذارـ لهذا الزمن الغريب الذي أصبح فيه الإيمان بالوطن كفر صريح.
[email protected]
أكثر...