زينب بنت محمد الغريبية-
لا زلت أبحر في قضية عمل المرأة، حاملة معي أبعاد القضية والآراء حولها، فقد تناولت في العدد السابق موضوع عمل المرأة والمناصرين له، وكان يجول في زوبعة كبيرة في أرجاء العالم، بين اتجاهين أحدهما مؤيد والآخر معارض لعملها، وتكمن قضية الاختلاف في الآثار المترتبة على خروج المرأة للعمل خارج إطار منزلها، فالمعارضون يدرجون آثارا سلبية والمدافعون على العكس من ذلك. وهنا سأتابع الحديث ولكن في الاتجاه المعاكس وهو المعارضون لعملها.
على الرغم مما يشهده المجتمع العربي من ازدياد الاهتمام بتفعيل دور المرأة في المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمواجهة التحديات التي يتعرّض لها الشعب العربي، إلا أنّ الواقع الاجتماعي العربي بعاداته وموروثاته التقليدية التي تؤكد تفوق الذكور وهيمنتهم على المرأة، يعد أحد أهم العوائق التي تقف أمام إسهام المرأة ويجعلها شريكاً كاملاً للرجل في جهود التنمية التي تحتاج إليها مجتمعاتنا العربية اليوم أكثر من أي وقت مضى.
ويذهب هذا الاتجاه إلى أنّ عمل المرأة وتعدد مسؤولياتها ما بين العمل الخارجي وأعمال المنزل والأسرة إنما يزيد عليها الضغوطات والجهد المطلوب منها، بل ويزيد من التحديات التي من الضروري أن تحسن المرأة من تطوير نفسها لأداء مهامها دون تقصير، ويحتم عليها تسليح نفسها لمواجهتها سواء في المنزل أو في العمل مما ينعكس بالتالي على شخصيتها لا سيما التوتر النفسي، وبذا فهم يرون أنّ خروج المرأة للعمل سيؤدي إلى الإهمال، فمضاعفة جهودها في اتجاهين يعني أنّها تعمل مرتين في العمل خارج المنزل وفي المنزل لخدمة زوجها وأبنائها، وبالتالي فهو يخل بأدوارها كزوجة وأم.
لذلك تعاني معظم النساء العاملات من صعوبة تكيف الأزواج مع عملهنّ وخاصة تلك التي تعمل لأكثر من ست ساعات حيث تبقى بعيدة عن المنزل لساعات طويلة وبخاصة في حالة وجود أطفال صغار، فإلى جانب مصاعب التكيف مع الأمومة التي تعاني منها المرأة العاملة فإنها تواجه مصاعب أخرى في محاولة التوافق مع الدوام ومع الزوج ومع كيفية إدارة البيت.
يرون أن خروج المرأة للعمل يعني إهمال النشء وهذا يهدد الأجيال القادمة بفساد التربية وحرمان المجتمع من المواطن الصالح المعطاء، الذي يخدم بلده وينتج ويفكر ويخترع، ويتعلم القيم الصحيحة ويغرس فيه الاتجاهات الحميدة.
يدعمون رأيهم بتوجهات بعض من علماء علم النفس وعلم التربية بأن تفرّغ الأم لوليدها ضرورة حيوية لكل من الأم والطفل، فالأم تشعر نفسيا بحاجتها إلى الطفل الوليد، كما يحتاج الطفل إلى أمه للعاطفة والحنان والعناية، فرغم تعدد أنواع الحليب المجفف التي أوجدت إلا أنّ حليب الأم لا يزال الغذاء الأفضل بطبيعته،الذي لا يوازيه شيء على الإطلاق وهذا ما يقرّه الأطباء، بالإضافة إلى حاجة الطفل النفسية والتربوية إلى أمّه.
يؤكدون أنّ غياب الأم عن أبنائها لا يقتصر على فترة تغيبها عنهم أثناء وجودها بالعمل فحسب، بل ويمتد وربما يتصاعد بعد عودتها من العمل حيث ستكون مجهدة ذهنياً وجسمانياً هذا بالإضافة إلى واجباتها المنزلية الأخرى المتعددة، فبعد أن تنتهي من هذه الأعمال تكون قد فقدت كل طاقتها ولا تملك الوقت أو القدرة على المكوث مع أطفالها لتشعرهم بحبها وحنانها أو لتشاركهم أعمالهم وبذلك نجد أن انشغال الأم بإدارة المنزل وكثرة الأعباء الملقاة على عاتقها من العوامل المانعة لإشباع حاجات الطفل ورعايته، رغم الأهميّة القصوى للرعاية المقدمة للأطفال في هذه السن المبكرة لتحقيق صحة الطفل النفسية.
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ العمل خارج المنزل لإعالة الأسرة هو من اختصاص الزوج، وأنّ ودخول المرأة بعض الأعمال التي لا تتناسب مع طبيعتها واستعدادها و قدراتها على العمل قد أثر على الكفاءة المنتظرة منها، وقد يرى الخبراء أنّ طبيعة ومسؤوليات المرأة كزوجة وأم أثرت على كفاءتها وانتظامها في العمل وعلى درج تفرغها ذهنيًا لمتابعة عملها وأنّ العمل خارج المنزل يجعلها تهمل رعاية زوجها، ولذلك يجب أن تقتصر وظيفة الأم على إنجاب الأطفال ورعاية شؤون الأسرة والمنزل كواجبات عملها دون أن يكون لها أي حقوق تتمتع بها وأن بقاء المرأة في البيت يحسن من تربية الأولاد.
فالمرأة يجب أن تقتنع بأنّ نجاحها في صنع أسرة سعيدة وناجحة هو النجاح الحقيقي لها من حيث المردود النفسي بأداء رسالتها الفطرية الخالدة أو على الصعيد المادي الملموس من حيث إنّ عائد النجاح يعود إليها كأم لأبناء متميزين.
وبيّن تضارب الرأيين وتقديم المبررات يبقى سبب الاختلاف في الآثار التي يولدها عمل المرأة لاسيما في منزلها وتجاه أبنائها وزوجها، فرغم المزايا التي تحققها المرأة في قطاعات التنمية بمشاركتها الإيجابية في كثير من قطاعات العمل وخاصة قطاع التعليم والصحة والاقتصاد والتجارة كما يرى أنصار عمل المرأة، إلا أن المعارضون لهم يقولون إنّ عمل المرأة يقود إلى تقصيرها في مهمّتها الأساسيّة وهي تربية أبنائها وخدمة بيتها وزوجها. فهل بالفعل عمل المرأة يقودها للتفريط بدورها كأم وزوجة رغم مساهمتها في رفع مستوى الدخل للأسرة وبالتالي مزيدا من الحياة المريحة؟
[email protected]
أكثر...