حقيبة ورق-
حمود بن علي الطوقي-
كنت بالأمس ضيفاً على البرنامج التلفزيوني " شؤون الساعة" وقد أدار الحوار الإعلامي المبدع يوسف اليوسفي، حيث تركزت الحلقة التي استمرت ساعة كاملة على مناقشة التأثيرات الاقتصادية الناتجة جراء العمالة السائبة، وبعد الحلقة مباشرة اتصل بي أحد الأصدقاء الذي كان متابعًا لمجريات هذه الحلقة النقاشية، وكنت أعلم أنه أسس لنفسه شركة صغيرة، تسانده وتعينه في تصريف شؤون معيشته اليومية, فدعاني لزيارته كيما أقف على مجريات العمل في مؤسسته الصغيرة، حيث أعرف إصراره على إدارة مؤسسته دون الحاجة إلى منح الوافد تلك الصلاحيات.
لمست أنّ نشاطه كما هو لم يتغيّر, فهو يرتضي بالقليل إلا أن طموحه أكبر بكثير، وتطلعاته المستقبلية تبشر بمستقبل كبير في عالم الاستثمار والمال.
سألته عن إنجازاته خلال السبع سنوات الماضية، ومتى يمكن أن يشار إليه كواحد من "هوامير" المال والأعمال, إلا أنّه فاجأني بأنّ شركته تحقق خسائر سنة بعد سنة، وأن عمله ومشاريعه تمضي ببطء شديد, وبدأ هذا الصديق يطلق مجموعة من الاتهامات ويلقي باللوم على هؤلاء الأجانب الذين ينافسونه ولم يتركوا له ولزملائه من الشباب العماني أي مساحة يتحركون فيها, فهؤلاء الأجانب يزاحمونه في رزقه وينافسونه في لقمة عيشه؛ ويتحدّث هنا عن العمالة السائبة والتجارة المستترة.
كانت تلك أول مرّة أرى فيها هذا الصديق الطموح ذا الأفكار الإبداعية والمبتكرة منهاراً, تحدث كثيرًا وانتقد كثيرًا، ولم يترك لي مجالاً للحديث, قاطعته بعد أن أرهق أذناي بكلامه المتكرر وقلت له مازحًا, يبدو أنّ العيب فيك يا صديقي وليس في الشركة, ربما الأسلوب الذي تنتهجه في إدارتك للمؤسسة خاطئ, أو أنك تعمل دون خطط مدروسة ومحكمة, فحسب علمي أنّ المشاريع الناجحة لابد أن تقترن بدراسات الجدوى الاقتصادية, ويمكن أن يعود سبب فشلك إلى عدم وجود إدارة سليمة من قبلكم, وهناك عوامل كثيرة قد تقودنا إلى أن نصل إلى مراحل الفشل إذا لم نستفد من أخطائنا, فالتغيير مطلوب، ويجب أن تغير مسارك في الإدارة حتى تحقق النجاح لشركتك وتكبر لتصبح من الشركات الرائدة.
أدركت من حديث هذا الصديق أنّ الأسلوب الذي ينتهجه يحتاج إلى التوجيه والاستفادة من برامج الدعم التي تقدمها المديرية العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة, وتوصلت كذلك إلى أنّ سبب فشله في إدارة المؤسسة هو وجود منافسة من قبل الوافدين الذين يملكون حق ممارسة التجارة بحجة أنّهم مستثمرون، ويحصلون على ميزات مثل التي يحصل عليها المواطن. وأدركت أيضاً أنّ هذه المشكلة لابد وأن تجد حلاً وهو إلغاء القرار بالسماح للوافدين بأن يتحولوا إلى مستثمرين مقابل إيداع مبلغ مالي في البنك كضمان. حقيقة الأمر أنً هناك أموراً يجب أن تعالج بشأن تمكين الشباب العماني من قيادة المؤسسات الاقتصادية بكفاءة واقتدار.
ذكرني هذا الصديق بقصة جميلة قرأتها في أحد الكتب وأحفظها عن ظهر قلب والقصة مفادها أن رجلاً أعمى جلس على إحدى عتبات عمارة واضعاً قبعته بين قدميه ووضع بجانبه لوحة مكتوب عليها أنا أعمى أرجوكم "ساعدوني" فمر عليه رجل فتوقف ليرى أن قبعته لا تحوي سوى قروش قليلة فأضاف هذا الرجل دون أن يستأذن الأعمى عبارة جديدة للوحته تلك وأعادها لمكانها ومضى في طريقه ولاحظ الأعمى أن قبعته قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية، فعرف أنّ شيئاً قد تغيّر وأدرك أنّ ما سمعه من الكتابة هو ذلك التغيير، فسأل أحد المارة عمّا هو مكتوب عليها فكانت العبارة الجديدة "نحن في فصل الربيع لكنني لا أستطيع رؤية جماله" فبسبب هذه العبارة استفاد هذا الأعمى وحقق مكاسب جديدة.
هذه القصة رغم بساطتها تعلمنا عبرة وهي مهمة لو تأملنا في مضمونها.. يجب أن نغيّر وسائلنا عندما لا تسير الأمور كما يجب أو كما نحب.
أكثر...