سمية النبهانية-
يقال إنّه إذا أردت معرفة لونك المفضل، فما عليك إلا أن تتخيل نفسك في غرفة خالية من كل شيء؛ وتوطّن نفسك على أنك ستعيش فيها وحيدًا وللأبد، مع منحك حق اختيار اللون الذي ترغب في أن تطلى به حوائط هذه الغرفة ومن ثمّ التعايش معه، ليصبح تلقائيًا هو لونك المفضل.
وذات مبدأ الاختيار المبني على المعرفة ينطبق على كثير من الأشياء في مختلف مناحي الحياة والأشخاص الذين نود اختيار صحبتهم العمر كله.. ولو خيّرت في صحبة ورفقة بعضهم لاخترت دون أدنى شك وبدون أي تفكير، أمي.. فأمي هي التي لم تفارق لمستها الحانية أبدًا ذاكرة بشرتي، وحدها تلك التي داعبت أناملها المتعبة وجنتي ساعة الميلاد بطعم يفوق أي شعور، وإحساس لايوصف.. والأم هي من ضمت أيادينا الصغيرة المرتجفة عند صعودنا للحافلة المدرسية لأول مرة.. هي فقط التي لم ولن تتركنا يومًا.. وحدك أيتها الأم من تملكين تجاهنا حبًا خاصًا وخالدا لم يستطع أحد تفسيره.
أمي الحبيبة.. ما أقواك وما أحكمك وأصبرك على خيباتنا التي لم تحبطك يومًا، لتؤكدي لنا باستمرار أنّ القادم أفضل وأن المستقبل أنضر.
رباه!! كيف امتلكت هذا الإيمان بقدرتنا على النجاح والتميز دومًا رغم كل شيء. أحقًا ما يقال يا أمي عن أنّ فؤادك قادر على غفران أسوأ حماقاتنا على شاكلة قصيدة إبراهيم المنذر" قلب الأم" ؟
أغرى امرؤ يوما غلاما جاهلا
بنقوده حتى ينال به الوطر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى
ولك الدراهم والجواهر والدرر
فمضى وأغمد خنجرا في صدرها
والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المضرج إذ عثر
ناداه قلب الأم وهو معفر
"ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر"
أمّاه.. كيف أنت بعد سنوات مستمرة من حنان لم يخب أبدا حتى في أضعف لحظاتك تعبًا وحزنًا؟! وكم تبقى لك من الصحة يا أمّي؟ أما زالت نخلة شامخة يرميها البعض عقوقًا بالحجر فترمي اليهم بالتمر في شموخ لا ينحني؟
أمي.. أي شيء حسن حققناه قد رافقه منك إسهام وافر بالتشجيع والمؤازرة.. أولست من قلت لنا بأنّ التعليم هو من سيضعنا على الخارطة؟ وبأنّ الخطأ والصواب لن تحدده العادات والتقاليد، بل أخلاقنا ومبادئنا، وما نؤمن بأنه صحيح أو خاطئ؟ كم من حلم تمنيتيه لنا بعد أن حرمتك الأيّام منه يا حبيبتي؟ وكم من نقاشات حضرناها لك مع صديقاتك، ونراك تفتخرين فيها بزي أو خاتم ترتدينه كان عبارة عن هدية منّا. أمي.. اقترب "يوم الأم"، ولكن أيجب أن ننتظر مناسبة كهذه كي نخبرك كم نهواك؛ فحبك الفيّاض يزيد يومًا إثر يوم؟!. أحبك يا أمي، واغفري لنا اعترافاتنا الخجولة، اغفري لنا تلك العبارات الحميمية الصامتة التي يسوقها العديد عنك حروفًا دون أن تصل لمسامعك صوتًا.. أنت حاضرة ومتواجدة في جميع أروقة الذاكرة يا أمي، وستظلين ساكنة دومًا في إشراقات كل صباح جديد.
[email protected]
أكثر...