حمود بن علي الطوقي-
تمثل تنمية الموارد البشرية العمانية أولوية في فكر جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- والهادف إلى النهوض بمقدرات الوطن، وتعزيز القيمة الاقتصادية المضافة، لا أقول هذا من فراغ؛ فجلالته -ومنذ توليه مقاليد الحكم- يضع قضية التدريب وبناء الإنسان العماني ضمن أولوياته واهتماماته، ويكاد لا يخلو خطاب من خطابات جلالته السامية أو جولة من جولاته المفتوحة إلا وشغل موضوع تنمية الموارد البشرية حيزًا كبيرًا وتوجيهًا مباشرًا للمسؤولين وصناع القرار بإعطاء هذا الجانب الأولوية القصوى في خططهم وبرامجهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أذكر خطاب جلالته -حفظه الله- بمناسبة الانعقاد السنوي لمجلس عمان بولاية منح قائلا: "لقد أكدنا دائمًا اهتمامنا المستمر بتنمية الموارد البشرية، وذكرنا أنّها تحظى بالأولوية القصوى في خططنا وبرامجنا؛ فالإنسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي، وهو قطب الرحى الذي تدور حوله كل أنواع التنمية؛ إذ إنّ غايتنا جميعًا هي إسعاده وتوفير أسباب العيش الكريم له، وضمان أمنه وسلامته، ولما كان الشباب هم حاضر الأمة ومستقبلها فقد أوليناهم ما يستحقونه من اهتمام ورعاية على مدار أعوام النهضة المباركة؛ حيث سعت الحكومة جاهدة إلى أن توفر لهم فرص التعليم والتدريب والتأهيل والتوظيف". ومن خلال هذا النطق السامي، ندرك جيدًا مدى الاهتمام المتواصل من لدن مولانا، والذي يجب أن يترجم إلى برامج تدريب جادة في مجال تنمية الموارد لتعود بالنفع على تطوير مهارات المواطنين، ولتكون هذه البرامج التدريبية قيمة مضافة في تجويد العمل وإتقانه.
وتحتم المعطيات واستشرافات المرحلة أن تكون قضية التنمية البشرية قاعدة أساسية ضمن إستراتيجية وخطط القطاعين العام والخاص المستقبليّة، وجميع أطياف المجتمع بشكل عام، كل من زاويته الخاصة لاسيما وأنّها تتكامل مع بعضها البعض في دوران عجلة التنمية، خلال المرحلة الحاليّة والمقبلة. وينتظر المجتمع إيلاء مزيد من الاهتمام بتنمية قدرات شبابنا وتطوير مهاراتهم ومدّهم بآليات التدريب اللازم الذي يصب في معين جودة العمل، والدفع بهم قدما نحو التميز والمعيارية المثلى، خاصة وأننا نعيش مرحلة وحقبة مهمّة تتطلب إبراز مواهب الشباب ومدى قدرتهم على التكيّف وتحمل المسؤولية لتقديم الأفضل على كافة المستويات العمليّة.
وحتى نصل بشبابنا إلى ما أسلفت سابقًا لابد من تعاون وتكاتف أرباب العمل، وتبصيرهم وحثّهم على ربط مفهوم تنمية الموارد البشرية بخطط العمل وبرامجه أثناء التشغيل، ومسح الصورة والنظرة السالبة التي ترى أنّ التشغيل يُعد عبئًا على الشركة، وأنّ نجاح المؤسسات وتربّعها على قمة الجودة رهين بربط التشغيل بخطط التدريب وإكساب المهارات الوظيفية والعلمية، والتي من شأنها أن تكسب الرهان على المدى البعيد بتحقيق نجاحات كبيرة، وخلق كوادر وطنية مؤهلة، يمكنها أن تقود الشركة إلى بر الأمان بمهنية ومنهجية عالية.
أعتقد أنّ حجم المشاريع الكبيرة والعملاقة التي تنفذ في كل من صحار والدقم وصلالة وفي مناطق مختلفة من بلادنا الغالية تحتاج إلى كفاءات وطنية، وعلينا كقطاع خاص أن نهيئ الفرص المختلفة، بجعل كوادرنا الوطنية نصب أعيننا، وأن نعمل على تسنّمهم المسؤولية بإدارة مختلف الأقسام بالمؤسسات سواء كانت حكومية أو خاصة. وأن تعلي الجهات الحكوميّة من شأن المهنية والتخصص وأن تزيل كل ما من شأنه أن يشكل ضبابية في الرؤية أو عشوائية في التنفيذ، وأن تتبنى الدولة التدريب وتجعله مشروعًا وطنيًا يشمل كافة الموظفين صغارًا وكبيرًا رجالا ونساءً، خاصة التنفيذيين.. فهذه الفئة هي المحرك الرئيس والأساسي لأيّ جهة حكومية أو حتى القطاع الخاص؛ وتوزيعه بعدالة وفق نهج مدروس، وأن تتم معالجة كافة المسائل المتعلقة بالمخصصات المالية؛ حيث تشتكي بعض المؤسسات والفئات من ضعف موازنة التدريب المخصصة، وربما يدفعها هذا القصور إلى تدريب البعض وحرمان الآخر؛ مما يفتح الباب واسعًا أمام المحسوبية أو المحاباة.
أكثر...