![](http://alroya.info/photos/d/55479-2/1_005.jpg)
الرؤية - مدرين المكتومية
الدكتور أحمد الرحبي كاتب، له العديد من المؤلفات الأدبية، عاش خارج نطاق وحدود الوطن فترة من الزمن، مرّ خلالها بالعديد من التجارب وأبدع الكثير من الأفكار التي تخدم الإعلام العماني، خاصة في تلك المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها "إعادة البناء والتحديث" للهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون بقيادة معالي عبد الله بن ناصر الحراصي.
انتقل للعمل في الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون كمعد في برنامج تقاسيم -الذي يدور بالمتابعين من مختلف الفئات العمرية- بين مختلف الفنون والآداب دون النظر لبعد المسافات أو وعورة الطرق.
.. الرحبي قال لـ"الرؤية": لا تحتفظ ذاكرتي بالكثير عن الإعلام العماني في جانبه المرئي؛ وذلك بحكم انقطاعي عن البلاد لفترة طويلة نسبيا. الصحافة، ولا سيما الثقافية منها، عاشت مرحلة مميزة في نهاية الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات حين شددت رحالي ومددت خطواتي خارج البلد. كانت هناك أقلام يافعة شكلت لها الملاحق الثقافية مسرحا للظهور وتجريب صوتها والاستماع إلى أصدائه، وذلك جنبا إلى جنب مع أقلام متحققة، مما خلق في نهاية المطاف حالة من الحيوية والتفاعل.
وبالتالي؛ فإن توقعاتي للفترة المقبلة (ويجب القياس هنا بفترة عملي الحالي في التليفزيون والتي لا تزيد على ستة أشهر) فأنا أبنيها قياسا على ما أراه في اللحظة الراهنة. هناك حراك لافت بدأ بتأطير الإعلام المسموع والمرئي، ليصبح هيئة مستقلة، وهي استقلالية لا شك ستمنح هذا القطاع إمكانية أوفر للفعل والإنتاج النوعي. كما أن التركيز على جانب التدريب للكادر الإعلامي والمضي في هذا التوجه وتكريسه ليكون ثقافة عمل مستمرة من شأنه أن ينعش الإعلام في السلطنة ووضعه في مساره المهني الصحيح.
وحول كيفية احترام المشاهد؛ أضاف: هذا هو سر نجاح أية وسيلة إعلامية، في حالة التليفزيون فالمسؤولية أكبر وأشق. وإليك هذا المثال: فأنت تخلص في عملك في التليفزيون وتقضي ساعات طوال لإنجاز برنامج أو فقرة وتبذل أقصى ما عندك لإظهار عملك بأجمل حلة، ومع ذلك يخرج العمل دون المستوى المطلوب أو سيئ بالمرة. ذاك احترام من طرف واحد، احترام غير متبادل، فالمشاهد لا يعنيه إلا ما يظهر أمام عينيه على الشاشة. احترام المشاهد ينبع من احتراف الكادر؛ ما ظهر منه "على الشاشة" وما بطن "المقصود: بقية العاملين في القناة". وعندما أقول احتراف الكادر، فأنا أعني احتراف الكادر بمجمله: المخرج والمصور ومهندس الصوت والإضاءة والمكياج والجرافيكس والمعد والمراجعة اللغوية... إلخ. لأن أي تنازل أو تفريط في أهمية كل هذه المهن... (العوامل)، هو تفريط بالمشاهد.
وأردف: كل العوامل التي تنتج الصورة وما يصدر عنها مهمة على حد سواء. إذا كان لديك قناة تليفزيونية تبث تسعة برامج جيدة فتأكد أن العاشر سيكون جيدا. وبالمقابل، إن كان بين البرامج العشرة واحد سيء، فالسوء سيتسلل إلى كل البرامج. التليفزيون بنية متكاملة. معزوفة متجانسة النغمات. يحدث أن تكون مسألة الخطاب الذي ينتجه التليفزيون أو توجهه أو رسالته محل خلاف بين قطاعات المشاهدين، وهي مسألة مشروعة، ولكنها لا تقف عائقا أمام نشاط القناة التليفزيونية وتحققها بين الجمهور ولا تسلبها شرعيتها في الوجود والتميز. أعود إلى احتراف الكادر وتمكنه من مهنته لأضعه رهانا لنجاح القنوات التليفزيونية واحترام المشاهد لها.
وتساءل: هل تريد أن تكسب مجموعة من المشاهدين، يجتمعون أمام الشاشة ساعة من الزمن ليتابعوا برنامجًا ما، وما إن ينتهي البرنامج يهربون إلى قناة أخرى؟ ربما يحدث ذلك، ولكن لا يمكن لقناة تليفزيونية طموحة ولديها قراءة إعلامية صحيحة أن تراهن في عملها على هكذا رؤية ونهج. التنوع في البرامج واختلاف أساليب عرضها وتجاوبها مع مختلف الأذواق وإشباع رغبات المشاهد الاجتماعية والسياسية والثقافية وما سواها من أطياف الحياة وشؤونها هو المطلوب إبرازه في القنوات العامة. طبعا أقصد التنوع والاختلاف اللذين ينضويان تحت هوية فنية واضحة المعالم ومتسقة الشكل.
وقال: مثلما ذكرت سابقا تجربتي حديثة العهد في التليفزيون العماني وتقاس بأشهرها القليلة حتى الآن. أما طبيعة العمل ففي مجال البرامج الثقافية وأنا متفائل في إمكانية توسع الجانب الثقافي في التليفزيون وأخذ حيزه المستحق. فنحن في بلاد تشكل فيها الثقافة ملمحا أصيلا من شخصيتها وتاريخ أهلها.
وتابع: العمل بالتليفزيون والإعلام عامة ليس جديدا عليّ، فقد زاولت العمل فيهما في روسيا لمدة ستة أعوام، وكانت شاقة وممتعة، مضيئة ومظلمة، ضيقة ومنشرحة ومفعمة بمد وجزر الحياة. هذا ما أحبه في عمل التليفزيون..أن يكون له جريان، ومن بعد فليأتي ما يأتي من المصاعب. أما عن الجيل الشاب وإمكاناته فهو كما ذكرت مرهون بمسألة برامج التدريب والممارسة العملية الممنهجة. وهذه ليست مسألة للتفاوض أو أنه سؤال اختياري نأخذه أو نهمله. فإما أن يكون لدينا جيل محترف إعلاميًّا، وبه نصنع خيارنا وصوتنا، أو نقبل بالخيارات التي يتيحها لنا أو يفرضها علينا الآخر. إنها ليست مسألة وطنية فحسب وإنما مهنية في مقام كبير.
أكثر...