د.أدهم بن تركي: ضرورة تعزيز الكوادر البشرية لـ"ترويج الاستثمار" ودعم الجوانب المادية
كشوب: حاجة ملحة لإعادة هيكلة التخطيط الاقتصادي لتحقيق التنمية المستدامة
العمري: ضرورة الانتقال من التنظير إلى التعمير عبر شراكة استثمارية حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص
الجفيلي: "صندوق المخاطر" سيسهم في دعم المشروعات المتوسطة
جواد: إنشاء الدولة شركة استثمارية كبرى تضم أموال الصناديق ينمي الاستثمار
الرؤية- فايزة الكلبانية- نجلاء عبد العال
أجمع عدد من الخبراء والمختصين على أنّ تنفيذ التوصيات التي صدرت عن منتدى الرؤية الاقتصادي في نسخته الثانية، من شأنه أن يحدث تأثيرات إيجابية فورية على حجم الاستثمارات بالسلطنة، مشيرين إلى ضرورة وضع ما تمخض عنه المنتدى من رؤى وأطروحات موضع التنفيذ.
وقال الخبراء إنّ توصيات المنتدى الذي حمل عنوان "الاستثمار في سلطنة عمان.. الفرص والتحديات"، جاءت شاملة ومستوعبة لكافة المقترحات التي تسهم في إزالة العقبات أمام الاستثمار بنوعية المحلي والأجنبي، كما أنها وضعت مقترحات حقيقية قابلة للتنفيذ، ولا ينقصها سوى الإرادة السياسية.
وكان المنتدى- الذي تنظمه جريدة "الرؤية" سنوياً واستمر هذا العام على مدار يومين- قد ناقش عدداً من المحاور المتنوعة التي عملت على تلمس احتياجات السوق المحلي من قرارات ومقترحات من شأنها أن تعظم الفائدة من الاستثمارات وأن تحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. وتضمن المنتدى عددًا من أوراق العمل ألقاها باحثون وخبراء من داخل وخارج السلطنة، فيما خرج بجملة من التوصيات في الجلسة الختامية.
وأكد صاحب السمو الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد والمالية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس أنّه يتعين تمكين الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات من خلال منحها الاستقلالية التامة وتعزيز كوادرها البشرية ودعم الجوانب المادية فيها.
وقال إنّه من الواجب أن تكون هذه الهيئة الحاضن للسياسة الاستثمارية في السلطنة، وأن تكون هي الوجهة الحقيقية للمستثمر بالتنسيق مع الجهات المستهدفة، مشيرًا إلى أنه لا يرى حاجة لزيادة الهيئات والجهات ذات الاختصاصات المتداخلة. وأشار سموه إلى أن صناديق التقاعد ليس من دورها الاستثمار بشكل مباشر؛ حيث إنّ أولوياتها مختلفة، نظراً لأنها تحتاج إلى سيولة بدلاً من المخاطرة. لكنه أوضح أنّ الصناديق السيادية بدأت تلعب دورًا في الاستثمار الداخلي، ومن المؤمل أن تشكل المصدر الموجه للاستثمار، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ الصناديق المغامرة ليست من اختصاصاتها الاستثمار في هذا المجال.
ولفت إلى أن توصيات الندوة المتعلقة بنوع الاستثمار وافية، بحيث يمكن دمج الكثافة العمالية والناقلة للتقنية في إطار موحد، موضحًا أنه من المفضل أن يتم تأسيس صناديق في سوق المال للاستثمارات الرأسمالية، والبعد عن الشركات الحكومية لتفادي المشاكل المصاحبة للبيروقراطية. وقال إنّ الصناديق المدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية تسهم في استقطاب رؤوس أموال غير حكومية، مشرِكة بذلك القطاع الخاص والخارجي في توظيف الأموال بشكل منتج في مشاريع واقعية. وأضاف أن تحويل الشركات العائلية إلى مساهمة سيضمن استمراريتها.
هيكلة التخطيط الاقتصادي
وأوضح أحمد كشوب الرئيس التنفيذي لشركة الثقة الدولية للاستثمار أن كافة المحاور التي تناولها منتدى الرؤية الاقتصادي في نسخته الثانية هذا العام وما توصل إليه من توصيات تمثل قيمة مضافة إلى الرؤى الاقتصادية التي تعمل لمصلحة الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن هذه التوصيات بحاجة إلى وجود مظلة تعمل من خلالها على تطبيق كل هذه الأفكار والمقترحات، التي في مقدمتها توصية بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار. وأشار إلى أن وزارة التجارة والصناعة ووزارة القوى العاملة والمجلس الأعلى للتخطيط والهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات تتحمل مسؤولية تطبيق جزء من هذه الأفكار، بجانب مؤسسات المناطق الصناعية والمناطق الحرة، ومركز الابتكار الصناعي.
وقال كشوب إنّ السلطنة بحاجة إلى إعادة هيكلة التخطيط الاقتصادي وفق منظومة واحدة تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة بكل ما فيها من أبعاد اقتصادية واجتماعية وتنمية بشرية.
من جانبه، أكد الدكتور محمد بن سعيد العمري الرئيس التنفيذي لمركز سمهرم لخدمات التعليم العالي أن منتدى الرؤية الاقتصادي 2013 خرج بجملة من التوصيات المهمة التي ستسهم حتماً في تعزيز فرص الاستثمار في السلطنة، قائلاً إنّ التوصيات في مجملها ركّزت على الحلول المقترحة لما تمّت مناقشته من تحديات خلال الجلسات والمحاور المختلفة. وأعرب عن أمله في أن تشتمل التوصيات على إطلاق مبادرة "التكامل الاقتصادي العربي"؛ مشيراً إلى أنّه من الخطأ النظر إلى الاقتصاد العماني بمعزل عن الاقتصاد العربي؛ موضحًا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن لتصبح القوة الاقتصادية العظمى في العالم ما لم يكن اقتصادها متنوّعاً ومتكاملاً بين 50 ولاية، وكذلك الحال بالنسبة للتكامل الاقتصادي للأقاليم الصينية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي، وغيرهم، مشددًا على أن القوى الاقتصادية العظمى تكون نتاج اتحاد كيانات متجانسة ومتكاملة من حيث الإمكانيات والموارد.
الاستقرار السياسي
وأوضح العمري أن جميع المشاركين في المنتدى ركزوا على أهمية الاستقرار السياسي في توفير البيئة الآمنة للاستثمار، لافتاً إلى أن السلطنة تنعم بحالة استقرار أمني وسياسي يشار إليه بالبنان؛ ولذلك يتعين على الجميع وانطلاقاً من الواجب الوطني الحفاظ على هذا الاستقرار من خلال استقرار اقتصادي ونفسي لمختلف شرائح المجتمع. وتابع أنّه يمكن تحقيق ذلك من خلال القضاء على الاحتكار ومحاربة التجارة المستترة وتعريب سوق العمل، والتوزيع العادل للمشاريع بين المؤسسات الوطنية.
وأكد العمري أنّه يجب التركيز على ضرورة تحقيق طموح المشاريع الإستراتيجية العمانية بوجود مظلة تشريعية تعزز القدرة التنافسية لتلك المشاريع، موضحًا أنّ الحديث خلال المنتدى عن العقبات التشريعية أمام الاستثمار أمر بالغ الأهمية، مستشهدًا بما قاله أحمد عكعاك نائب الرئيس التنفيذي لميناء صلالة حول العوائق التشريعية التي تحد من قدرة الميناء على المنافسة رغم المقومات التنافسية المتميّزة للميناء. وزاد موضحاً أنّه من الضروري تعزيز البنى الأساسية لجذب استثمارات تحقق تنمية مستدامة، مشيراً إلى أن مطار صلالة لا يزال حتى الآن مطاراً داخليًا على الرغم من ضرورة تحويله إلى مطار دولي لخدمة السياحة والصناعة والاستثمار. وقال إنّ من بين المقترحات التي يمكن تنفيذها لتدعيم الاستثمارات، السماح للبنوك الخليجية الإسلامية بفتح فروع لها في السلطنة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز السوق المصرفي، وخلق سيولة نقدية ذات أهداف تنموية تسهم في خلق فرص الاستثمار والتوظيف. ويرى العمري أنّه لا مبرر لما سماها "تعقيدات" مفروضة من قبل البنك المركزي العماني في هذا الشأن، لاسيما وأن النظرة الشعبية تحمّل إدارة البنك مسؤولية التأخر في تقنين أوضاع الصيرفة الإسلامية التي انطلقت في فرنسا قبل عُمان.
وشدد العمري على ضرورة الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التعمير، من خلال تعاون وتكاتف جاد بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وبين كافة مكوّنات المجتمع العُماني، مؤكداً في السياق ذاته أن أهم عامل لخلق الفرص الاستثمارية دون تحديات، هو وجود إرادة سياسية صادقة لدى صنّاع القرار لاستثمار ما تنعم به عُمان من موارد وموقع ومقومات لتحقيق آمال وطموحات المواطنين.
التنوع الاقتصادي
من جانبه، أشار عبدالله الجفيلي الرئيس التنفيذي لصندوق تنمية مشروعات الشباب "شراكة" إلى أن أبرز ما لفت انتباهه من التوصيات، تلك المتعلقة باستحداث صندوق للاستثمار المغامر أو المخاطر؛ حيث أكد أن من شأن هذا الصندوق أن يدفع المشروعات المتوسطة إلى الأمام ويزيد من التنوع ويثري الاقتصاد العماني.
وقال إنّ عوامل قياس مدى الاستفادة من مثل هذا الصندوق تبدأ بتحديد خطوط تنموية وقطاعات يستهدفها بشكل خاص، مقترحًا أن يركز الصندوق على المشروعات القائمة على المعرفة التي تستفيد من الأبحاث والدراسات والتقنيات الحديثة، مشيرًا إلى أن هذا القطاع غالبًا لا يجد الاهتمام الكافي، رغم أنّه أكثر القطاعات قدرة على الانتقال بالاقتصاد في أي دولة من مستوى معين إلى مستوى أعلى. وأكد أنّ هناك دولاً قام اقتصادها وتميز بالاعتماد على هذه النوعية من الاقتصاد الذي يسمى باقتصاد المعرفة والذي يعمل من خلاله عشرات المشروعات على ترجمة الجديد في العلوم والتقنيات والبحوث إلى استثمار يحقق من خلاله تميزاً وربحاً.
وأكد الجفيلي أنّ وجود أكثر من صندوق وأكثر من جهة تمويلية للمشروعات الاستثمارية يصب في النهاية في مصلحة الاقتصاد الكلي للسلطنة، وكذلك مصلحة الجهة التمويلية نفسها؛ حيث إن التنوع يحقق تكاملاً في نوع المشروعات والمنتجات وتخدم بعضها بعضاً. ويرى الجفيلي أن كلا من التطوير الأفقي والرأسي يخدم الاستثمار، حيث إنّ زيادة عدد جهات التمويل وفي نفس الوقت رفع رؤوس أموالها يجعلها تستوعب عددًا أكبر من المشروعات.
وشدد الرئيس التنفيذي لـ"شراكة" على أنّ آلية عمل الصندوق وليس نوعية منشئه ستكون لها القول الفصل في استمراريته وتحقيقه لهدفه، موضحاً أنّه يمكن أن يأتي رأس مال الصندوق المغامر من الحكومة أو من القطاع الخاص أو مشترك بينهما، لكنه لابد أن تتم إدارته بما يتلاءم مع متطلبات الاقتصاد، بمعنى أن تكون آلية التمويل فيه سلسة ومرنة وتراعي في نفس الوقت عدم تكرارية المشروعات والتركيز على جانب دون آخر.
دعم السوق
وثمن حسن بن علي جواد رئيس مجلس إدارة سوق مسقط للأوراق المالية، توصية المنتدى الخاصة بدعم سوق مسقط للقيام بدوره المأمول في الاستثمار، وقال إنّ التوصيات لو تم تنفيذها على أرض الواقع فسيكون لها تأثير فوري على حجم الاستثمار في السوق، بل إنّه بمجرد الإعلان عن النية لتبني هذه المقترحات سيُظهر ردة الفعل الإيجابية من خلال اجتذاب كثير من المدخرات من الداخل والاستثمارات من الخارج.
ويرى جواد ضرورة أن تتبنى الدولة شركة أو شركات استثمار كبيرة تتجمع فيها رؤوس أموال صناديق التقاعد والصناديق الاستثمارية الأخرى، الأمر الذي سيحقق العديد من الأهداف، فبجانب امتصاص السيولة وبالتالي الحد من التضخم، ستكون هذه الشركة بمثابة المحفز والرائد نحو نوعيات استثمارية قد لا يكون لدى القطاع الخاص رغبة أو قدرة على مغامرة الدخول فيها وستؤدي بالأخير إلى الهدف الأعلى وهو تنويع قاعدة الإنتاج.
وعلى صعيد التوصية الخاصة بدعم تحول الشركات العائلية إلى مساهمة عامة لتعزيز الاستثمار في سوق الأسواق المالية، أوضح جواد أنّ هذه التوصية خرجت من أكثر من لقاء ونقاش، لكن يبدو أنّها لا تلقى قبولاً لدى الشركات العائلية الكبيرة، لذلك من المهم التوضيح لأصحاب القرارات، بالمنافع التي تعود عليهم وعلى شركاتهم من وراء التحوّل، قبل أن تعود على الاقتصاد الكلي للبلاد، على الرغم من أنّه لا يمكن ولا يجب أن يكون هناك عقاب لمن لا يريد التحول إلى شركة مساهمة عامة، إلا أنّه يمكن أن تكون هناك حوافز وتسهيلات مشجعة لشركات المساهمة العامة.
وأوضح رئيس مجلس إدارة سوق مسقط للأوراق المالية أنه على سبيل المثال يمكن أن تكون هناك أفضلية لهذه النوعية من الشركات في إسناد المناقصات والعقود للمشروعات الحكومية وهي كثيرة وتعتمد عليها معظم الشركات العائلية كنوع من الإغراء بأهمية التحول ولو جزئياً للمساهمة العامة ليس فقط لمصلحة السوق بل لمصلحة الشركات نفسها واستمراريتها، وأشار إلى أنّه على المدى القصير والمتوسط فإنّ سوق مسقط يحتاج إلى مزيد من التنوع في القطاعات التي يتم التداول عليها وإعادة التوازن بين حجم القطاعات سواء من حيث التخصص أو رأس المال، فليس أمرًا صحيًا حسب رأيه أن تظل الكتلة الأكبر في القيمة السوقية لدى البنوك بل يحتاج الأمر إلى تنوع القطاعات بحيث تتوزع الأحمال والتداولات والمخاطر في نفس الوقت.
الاستثمار الأجنبي
إلى ذلك، استعرضت "الرؤية" مع عدد من أصحاب الأعمال ما خرج عن المنتدى بكثير من النقاشات التي رحبت بصراحة الطرح ووضوح الهدف والغاية وهو تنمية الاقتصاد من خلال الاستثمار. وقال أحد أصحاب الأعمال إن نفس الوضوح والصراحة يفرض التنبيه والتشديد على أهمية وضوح الرؤية الكلية للاقتصاد العماني وتوجهه، فإذا كان الهدف جذب الاستثمارات الأجنبية فلا يمكن أن يظل الحديث طوال الوقت عن انتقادات لجميع الاستثمارات الأجنبية الموجودة في السلطنة سواءً كبيرة أو صغيرة، ولا يمكن أن تكون الصورة التي تخرج عنها في المناقشات العامة وعبر الإعلام بهذه القسوة وفي نفس الوقت تتصاعد المطالب بضرورة جذب الاستثمارات. وضرب المصدر- الذي فضل عدم ذكر اسمه- مثلاً بالاستثمارات في مجال المجمعات التجارية والمشروعات السياحية والسكنية والصناعية، قائلاً إنّ جميع هذه المشروعات على اختلافها تدور حولها انتقادات وتدفع المجتمع نحو رفضها، وهذا ما لا يمكن أن ينشئ بيئة استثمارية جاذبة في عالم أصبح التقوقع الاقتصادي فيه أمرًا مستحيلاً. وأضاف أنّه لذلك السبب كانت أبرز التوصيات، ضرورة تحديد الرؤية والتوجه الاستثماري، ومن ثم وضع الإستراتيجيات والخطط الكفيلة بتحقيق هذا التوجه، عبر تعاون جميع الأطراف من مسؤولين ومجتمع ومن بنية أساسية مادية إلى سياسات وتشريعات.
أكثر...
د.أدهم بن تركي: ضرورة تعزيز الكوادر البشرية لـ"ترويج الاستثمار" ودعم الجوانب المادية
كشوب: حاجة ملحة لإعادة هيكلة التخطيط الاقتصادي لتحقيق التنمية المستدامة
العمري: ضرورة الانتقال من التنظير إلى التعمير عبر شراكة استثمارية حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص
الجفيلي: "صندوق المخاطر" سيسهم في دعم المشروعات المتوسطة
جواد: إنشاء الدولة شركة استثمارية كبرى تضم أموال الصناديق ينمي الاستثمار
الرؤية- فايزة الكلبانية- نجلاء عبد العال
أجمع عدد من الخبراء والمختصين على أنّ تنفيذ التوصيات التي صدرت عن منتدى الرؤية الاقتصادي في نسخته الثانية، من شأنه أن يحدث تأثيرات إيجابية فورية على حجم الاستثمارات بالسلطنة، مشيرين إلى ضرورة وضع ما تمخض عنه المنتدى من رؤى وأطروحات موضع التنفيذ.
وقال الخبراء إنّ توصيات المنتدى الذي حمل عنوان "الاستثمار في سلطنة عمان.. الفرص والتحديات"، جاءت شاملة ومستوعبة لكافة المقترحات التي تسهم في إزالة العقبات أمام الاستثمار بنوعية المحلي والأجنبي، كما أنها وضعت مقترحات حقيقية قابلة للتنفيذ، ولا ينقصها سوى الإرادة السياسية.
وكان المنتدى- الذي تنظمه جريدة "الرؤية" سنوياً واستمر هذا العام على مدار يومين- قد ناقش عدداً من المحاور المتنوعة التي عملت على تلمس احتياجات السوق المحلي من قرارات ومقترحات من شأنها أن تعظم الفائدة من الاستثمارات وأن تحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. وتضمن المنتدى عددًا من أوراق العمل ألقاها باحثون وخبراء من داخل وخارج السلطنة، فيما خرج بجملة من التوصيات في الجلسة الختامية.
وأكد صاحب السمو الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد والمالية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس أنّه يتعين تمكين الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات من خلال منحها الاستقلالية التامة وتعزيز كوادرها البشرية ودعم الجوانب المادية فيها.
وقال إنّه من الواجب أن تكون هذه الهيئة الحاضن للسياسة الاستثمارية في السلطنة، وأن تكون هي الوجهة الحقيقية للمستثمر بالتنسيق مع الجهات المستهدفة، مشيرًا إلى أنه لا يرى حاجة لزيادة الهيئات والجهات ذات الاختصاصات المتداخلة. وأشار سموه إلى أن صناديق التقاعد ليس من دورها الاستثمار بشكل مباشر؛ حيث إنّ أولوياتها مختلفة، نظراً لأنها تحتاج إلى سيولة بدلاً من المخاطرة. لكنه أوضح أنّ الصناديق السيادية بدأت تلعب دورًا في الاستثمار الداخلي، ومن المؤمل أن تشكل المصدر الموجه للاستثمار، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ الصناديق المغامرة ليست من اختصاصاتها الاستثمار في هذا المجال.
ولفت إلى أن توصيات الندوة المتعلقة بنوع الاستثمار وافية، بحيث يمكن دمج الكثافة العمالية والناقلة للتقنية في إطار موحد، موضحًا أنه من المفضل أن يتم تأسيس صناديق في سوق المال للاستثمارات الرأسمالية، والبعد عن الشركات الحكومية لتفادي المشاكل المصاحبة للبيروقراطية. وقال إنّ الصناديق المدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية تسهم في استقطاب رؤوس أموال غير حكومية، مشرِكة بذلك القطاع الخاص والخارجي في توظيف الأموال بشكل منتج في مشاريع واقعية. وأضاف أن تحويل الشركات العائلية إلى مساهمة سيضمن استمراريتها.
هيكلة التخطيط الاقتصادي
وأوضح أحمد كشوب الرئيس التنفيذي لشركة الثقة الدولية للاستثمار أن كافة المحاور التي تناولها منتدى الرؤية الاقتصادي في نسخته الثانية هذا العام وما توصل إليه من توصيات تمثل قيمة مضافة إلى الرؤى الاقتصادية التي تعمل لمصلحة الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن هذه التوصيات بحاجة إلى وجود مظلة تعمل من خلالها على تطبيق كل هذه الأفكار والمقترحات، التي في مقدمتها توصية بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار. وأشار إلى أن وزارة التجارة والصناعة ووزارة القوى العاملة والمجلس الأعلى للتخطيط والهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات تتحمل مسؤولية تطبيق جزء من هذه الأفكار، بجانب مؤسسات المناطق الصناعية والمناطق الحرة، ومركز الابتكار الصناعي.
وقال كشوب إنّ السلطنة بحاجة إلى إعادة هيكلة التخطيط الاقتصادي وفق منظومة واحدة تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة بكل ما فيها من أبعاد اقتصادية واجتماعية وتنمية بشرية.
من جانبه، أكد الدكتور محمد بن سعيد العمري الرئيس التنفيذي لمركز سمهرم لخدمات التعليم العالي أن منتدى الرؤية الاقتصادي 2013 خرج بجملة من التوصيات المهمة التي ستسهم حتماً في تعزيز فرص الاستثمار في السلطنة، قائلاً إنّ التوصيات في مجملها ركّزت على الحلول المقترحة لما تمّت مناقشته من تحديات خلال الجلسات والمحاور المختلفة. وأعرب عن أمله في أن تشتمل التوصيات على إطلاق مبادرة "التكامل الاقتصادي العربي"؛ مشيراً إلى أنّه من الخطأ النظر إلى الاقتصاد العماني بمعزل عن الاقتصاد العربي؛ موضحًا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن لتصبح القوة الاقتصادية العظمى في العالم ما لم يكن اقتصادها متنوّعاً ومتكاملاً بين 50 ولاية، وكذلك الحال بالنسبة للتكامل الاقتصادي للأقاليم الصينية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي، وغيرهم، مشددًا على أن القوى الاقتصادية العظمى تكون نتاج اتحاد كيانات متجانسة ومتكاملة من حيث الإمكانيات والموارد.
الاستقرار السياسي
وأوضح العمري أن جميع المشاركين في المنتدى ركزوا على أهمية الاستقرار السياسي في توفير البيئة الآمنة للاستثمار، لافتاً إلى أن السلطنة تنعم بحالة استقرار أمني وسياسي يشار إليه بالبنان؛ ولذلك يتعين على الجميع وانطلاقاً من الواجب الوطني الحفاظ على هذا الاستقرار من خلال استقرار اقتصادي ونفسي لمختلف شرائح المجتمع. وتابع أنّه يمكن تحقيق ذلك من خلال القضاء على الاحتكار ومحاربة التجارة المستترة وتعريب سوق العمل، والتوزيع العادل للمشاريع بين المؤسسات الوطنية.
وأكد العمري أنّه يجب التركيز على ضرورة تحقيق طموح المشاريع الإستراتيجية العمانية بوجود مظلة تشريعية تعزز القدرة التنافسية لتلك المشاريع، موضحًا أنّ الحديث خلال المنتدى عن العقبات التشريعية أمام الاستثمار أمر بالغ الأهمية، مستشهدًا بما قاله أحمد عكعاك نائب الرئيس التنفيذي لميناء صلالة حول العوائق التشريعية التي تحد من قدرة الميناء على المنافسة رغم المقومات التنافسية المتميّزة للميناء. وزاد موضحاً أنّه من الضروري تعزيز البنى الأساسية لجذب استثمارات تحقق تنمية مستدامة، مشيراً إلى أن مطار صلالة لا يزال حتى الآن مطاراً داخليًا على الرغم من ضرورة تحويله إلى مطار دولي لخدمة السياحة والصناعة والاستثمار. وقال إنّ من بين المقترحات التي يمكن تنفيذها لتدعيم الاستثمارات، السماح للبنوك الخليجية الإسلامية بفتح فروع لها في السلطنة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز السوق المصرفي، وخلق سيولة نقدية ذات أهداف تنموية تسهم في خلق فرص الاستثمار والتوظيف. ويرى العمري أنّه لا مبرر لما سماها "تعقيدات" مفروضة من قبل البنك المركزي العماني في هذا الشأن، لاسيما وأن النظرة الشعبية تحمّل إدارة البنك مسؤولية التأخر في تقنين أوضاع الصيرفة الإسلامية التي انطلقت في فرنسا قبل عُمان.
وشدد العمري على ضرورة الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التعمير، من خلال تعاون وتكاتف جاد بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وبين كافة مكوّنات المجتمع العُماني، مؤكداً في السياق ذاته أن أهم عامل لخلق الفرص الاستثمارية دون تحديات، هو وجود إرادة سياسية صادقة لدى صنّاع القرار لاستثمار ما تنعم به عُمان من موارد وموقع ومقومات لتحقيق آمال وطموحات المواطنين.
التنوع الاقتصادي
من جانبه، أشار عبدالله الجفيلي الرئيس التنفيذي لصندوق تنمية مشروعات الشباب "شراكة" إلى أن أبرز ما لفت انتباهه من التوصيات، تلك المتعلقة باستحداث صندوق للاستثمار المغامر أو المخاطر؛ حيث أكد أن من شأن هذا الصندوق أن يدفع المشروعات المتوسطة إلى الأمام ويزيد من التنوع ويثري الاقتصاد العماني.
وقال إنّ عوامل قياس مدى الاستفادة من مثل هذا الصندوق تبدأ بتحديد خطوط تنموية وقطاعات يستهدفها بشكل خاص، مقترحًا أن يركز الصندوق على المشروعات القائمة على المعرفة التي تستفيد من الأبحاث والدراسات والتقنيات الحديثة، مشيرًا إلى أن هذا القطاع غالبًا لا يجد الاهتمام الكافي، رغم أنّه أكثر القطاعات قدرة على الانتقال بالاقتصاد في أي دولة من مستوى معين إلى مستوى أعلى. وأكد أنّ هناك دولاً قام اقتصادها وتميز بالاعتماد على هذه النوعية من الاقتصاد الذي يسمى باقتصاد المعرفة والذي يعمل من خلاله عشرات المشروعات على ترجمة الجديد في العلوم والتقنيات والبحوث إلى استثمار يحقق من خلاله تميزاً وربحاً.
وأكد الجفيلي أنّ وجود أكثر من صندوق وأكثر من جهة تمويلية للمشروعات الاستثمارية يصب في النهاية في مصلحة الاقتصاد الكلي للسلطنة، وكذلك مصلحة الجهة التمويلية نفسها؛ حيث إن التنوع يحقق تكاملاً في نوع المشروعات والمنتجات وتخدم بعضها بعضاً. ويرى الجفيلي أن كلا من التطوير الأفقي والرأسي يخدم الاستثمار، حيث إنّ زيادة عدد جهات التمويل وفي نفس الوقت رفع رؤوس أموالها يجعلها تستوعب عددًا أكبر من المشروعات.
وشدد الرئيس التنفيذي لـ"شراكة" على أنّ آلية عمل الصندوق وليس نوعية منشئه ستكون لها القول الفصل في استمراريته وتحقيقه لهدفه، موضحاً أنّه يمكن أن يأتي رأس مال الصندوق المغامر من الحكومة أو من القطاع الخاص أو مشترك بينهما، لكنه لابد أن تتم إدارته بما يتلاءم مع متطلبات الاقتصاد، بمعنى أن تكون آلية التمويل فيه سلسة ومرنة وتراعي في نفس الوقت عدم تكرارية المشروعات والتركيز على جانب دون آخر.
دعم السوق
وثمن حسن بن علي جواد رئيس مجلس إدارة سوق مسقط للأوراق المالية، توصية المنتدى الخاصة بدعم سوق مسقط للقيام بدوره المأمول في الاستثمار، وقال إنّ التوصيات لو تم تنفيذها على أرض الواقع فسيكون لها تأثير فوري على حجم الاستثمار في السوق، بل إنّه بمجرد الإعلان عن النية لتبني هذه المقترحات سيُظهر ردة الفعل الإيجابية من خلال اجتذاب كثير من المدخرات من الداخل والاستثمارات من الخارج.
ويرى جواد ضرورة أن تتبنى الدولة شركة أو شركات استثمار كبيرة تتجمع فيها رؤوس أموال صناديق التقاعد والصناديق الاستثمارية الأخرى، الأمر الذي سيحقق العديد من الأهداف، فبجانب امتصاص السيولة وبالتالي الحد من التضخم، ستكون هذه الشركة بمثابة المحفز والرائد نحو نوعيات استثمارية قد لا يكون لدى القطاع الخاص رغبة أو قدرة على مغامرة الدخول فيها وستؤدي بالأخير إلى الهدف الأعلى وهو تنويع قاعدة الإنتاج.
وعلى صعيد التوصية الخاصة بدعم تحول الشركات العائلية إلى مساهمة عامة لتعزيز الاستثمار في سوق الأسواق المالية، أوضح جواد أنّ هذه التوصية خرجت من أكثر من لقاء ونقاش، لكن يبدو أنّها لا تلقى قبولاً لدى الشركات العائلية الكبيرة، لذلك من المهم التوضيح لأصحاب القرارات، بالمنافع التي تعود عليهم وعلى شركاتهم من وراء التحوّل، قبل أن تعود على الاقتصاد الكلي للبلاد، على الرغم من أنّه لا يمكن ولا يجب أن يكون هناك عقاب لمن لا يريد التحول إلى شركة مساهمة عامة، إلا أنّه يمكن أن تكون هناك حوافز وتسهيلات مشجعة لشركات المساهمة العامة.
وأوضح رئيس مجلس إدارة سوق مسقط للأوراق المالية أنه على سبيل المثال يمكن أن تكون هناك أفضلية لهذه النوعية من الشركات في إسناد المناقصات والعقود للمشروعات الحكومية وهي كثيرة وتعتمد عليها معظم الشركات العائلية كنوع من الإغراء بأهمية التحول ولو جزئياً للمساهمة العامة ليس فقط لمصلحة السوق بل لمصلحة الشركات نفسها واستمراريتها، وأشار إلى أنّه على المدى القصير والمتوسط فإنّ سوق مسقط يحتاج إلى مزيد من التنوع في القطاعات التي يتم التداول عليها وإعادة التوازن بين حجم القطاعات سواء من حيث التخصص أو رأس المال، فليس أمرًا صحيًا حسب رأيه أن تظل الكتلة الأكبر في القيمة السوقية لدى البنوك بل يحتاج الأمر إلى تنوع القطاعات بحيث تتوزع الأحمال والتداولات والمخاطر في نفس الوقت.
الاستثمار الأجنبي
إلى ذلك، استعرضت "الرؤية" مع عدد من أصحاب الأعمال ما خرج عن المنتدى بكثير من النقاشات التي رحبت بصراحة الطرح ووضوح الهدف والغاية وهو تنمية الاقتصاد من خلال الاستثمار. وقال أحد أصحاب الأعمال إن نفس الوضوح والصراحة يفرض التنبيه والتشديد على أهمية وضوح الرؤية الكلية للاقتصاد العماني وتوجهه، فإذا كان الهدف جذب الاستثمارات الأجنبية فلا يمكن أن يظل الحديث طوال الوقت عن انتقادات لجميع الاستثمارات الأجنبية الموجودة في السلطنة سواءً كبيرة أو صغيرة، ولا يمكن أن تكون الصورة التي تخرج عنها في المناقشات العامة وعبر الإعلام بهذه القسوة وفي نفس الوقت تتصاعد المطالب بضرورة جذب الاستثمارات. وضرب المصدر- الذي فضل عدم ذكر اسمه- مثلاً بالاستثمارات في مجال المجمعات التجارية والمشروعات السياحية والسكنية والصناعية، قائلاً إنّ جميع هذه المشروعات على اختلافها تدور حولها انتقادات وتدفع المجتمع نحو رفضها، وهذا ما لا يمكن أن ينشئ بيئة استثمارية جاذبة في عالم أصبح التقوقع الاقتصادي فيه أمرًا مستحيلاً. وأضاف أنّه لذلك السبب كانت أبرز التوصيات، ضرورة تحديد الرؤية والتوجه الاستثماري، ومن ثم وضع الإستراتيجيات والخطط الكفيلة بتحقيق هذا التوجه، عبر تعاون جميع الأطراف من مسؤولين ومجتمع ومن بنية أساسية مادية إلى سياسات وتشريعات.
أكثر...