مسقط - الرؤية
حثَّ فضيلة الشيخ الدكتور إسحاق بن أحمد البوسعيدي رئيس المحكمة العليا رئيس مجلس الشؤون الإدارية للقضاء نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، القضاة ورجال الادعاء العام والقضاة المساعدين والمحامين والخبراء، على المحافظة على المكتسبات التي تحققت للقضاء بفضل الرعاية السامية الكريمة لجلالة رئيس المجلس الأعلى للقضاء -حفظه الله ورعاه.
وبيَّن فضيلته -خلال تروؤسه اجتماعًا بالمعهد العالي للقضاء بولاية نزوى؛ ضمَّ قضاة محاكم محافظات الداخلية، وشمال الشرقية، وجنوب الشرقية، والظاهرة والوسطى- أنَّ المحاكم نظرت في العام الماضي 103000 قضية؛ من بينها 68735 قضية في المحاكم الابتدائية فقط، بينما عدد قضاة المحاكم الابتدائية 125 قاضيًا.. مثمنًا الجهد الكبير الذي يقع على عاتق أصحاب الفضيلة القضاة الذين استطاعوا أن يحسموا أكثر من 95 بالمائة من مجمل القضايا المنظورة في عام واحد، رغم ما شكلته معادلة حجم الهيئة القضائية بحجم القضايا من فروقات كبيرة تحسب لصالح القضاة.
وقد استهل فضيلته الاجتماع بالشكر والحمد لله على ما اكتسبه القضاء العُماني من استحقاقات تاريخية على يد القيادة السامية التي جعلت من العدل أساسا للملك، ومن استقلال القضاء هدفها الأسمى في بناء الدولة العصرية التي يسود فيها القانون وتصان فيها الحقوق.
ونقل فضيلته للحضور ما تفضل به وأسداه المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم رئيس المجلس الأعلى للقضاء -حفظه الله ورعاه- لدى ترؤسه اجتماع المجلس الأعلى للقضاء من توجيهات سامية كريمة تُضاف لما أولاه دومًا من رعاية شاملة لقضاء عُمان الشامخ ليواكب متطلبات عُمان الناهضة التي تتسارع فيها وتيرة العمل وتتسابق فيها الجهود لتتبوأ البلاد مكانتها التي تليق بتاريخها وبحيوية مجتمعها وبتطلعاته المشروعة.
وأكد فضيلته أن العهد الزاهر الميمون لجلالته حفظه الله شكَّل قيمة مضافة لمؤسسة القضاء التي تتجذر في أكثر من 1400 عام؛ حيث شهدت خلال العقود الأربعة الماضية صياغة جديدة نقلتها إلى الصدارة بين المؤسسات القضائية بتنظيمها الحديث وبمقارباتها للمعايير العالمية منوها فضيلته بالحرص السامي لجلالة القائد المُفدى، وهو يؤسس دعائم الدولة الحديثة أن يختص القضاء برئاسة مجلسه الأعلى بما يمثله من موقع محوري في أركان الدولة الحديثة ومؤشر من مؤشرات نهوض مختلف قطاعاتها.
وقال فضيلته: حين يسود القضاء المستقل وتتكرس سيادة القانون وتترسخ دولة المؤسسات تتحقق الطمأنينة وتتعزز الثقة العالمية بعُمان, وتتحول إلى بيئة جذب واستقطاب للاستثمار ورؤوس الاموال ودولة مؤثرة ومتفاعلة في حركة الاقتصاد العالمي؛ فالمكتسبات العظيمة التي شهدها قطاع العدالة ما هي إلا إحدى البشارات المتحققة على درب الدولة العصرية, وثمرة من ثمار التخطيط العلمي الممنهج والمدروس, وصولًا لبناء مؤسسة قضائية تحافظ على الثوابت وتنفتح على مستجدات العصر وتضع على رأس أولوياتها بناء جيل قضائي قادر على الانسجام مع متطلبات عُمان المتجددة والمنفتحة على العصر والمتفاعلة مع محيطها.
وأشار فضيلته إلى أن مؤسسة القضاء وهي تعيش نقلة تاريخية تعزَّزت بالمراسيم السلطانية السامية ذات الصلة بالاستقلال عن السلطة التنفيذية، مدعوَّة لجعل المكتسبات التي تحققت للقضاء العُماني أحد أهم المفاخر التي يجب أن ترصد وتوثق وتدرس كمنجز أممي إنساني أرسته بثقة واقتدار القيادة التاريخية لهذا البلد العظيم الذي يتكئ على ماضٍ عريق، واغتنى من تاريخ مجيد متجذر في الزمان؛ مما يجعل هذا البلد جديرًا بهذا الاستحقاق.
وقال فضيلته إنه بصدور قانون المعاملات المدنية تكون منظومة التشريعات قد اكتملت، وتوفرت دعامات جديدة لدولة القانون والمؤسسات التي أرساها حضرة صاحب الجلالة، وبنى أركانها على النحو الذي يجعل من العدل كأساس للملك حقيقة وغاية وممارسة.. منوِّها فضيلته بأن قانون المعاملات المدنية إضافة مهمة وكبيرة وخطوة متقدمة تضاف إلى سجل استحقاقات ومكاسب العادلة؛ مما سيفتح آفاقا جديدة لتحقيق العدالة الناجزة وفق معايير عالمية.
وأضاف فضيلته بأن أوجه الرعاية الكريمة والشاملة لكافة القطاعات السيادية والتنموية بما فيها مؤسسة القضاء تفرض على الجميع مسابقة الزمن ومضاعفة العطاء؛ تعبيرًا عن العرفان بحق الوطن الذي ننعم بما تحقق فيه من مكتسبات واستحقاقات ولنستشرف أفق الغد الزاهر وعُمان بقيادتها وشعبها أكثر قوة وأمضى عزيمة لتحجز عُمان مكانها في قاطرة الرحلة إلى المستقبل، وبما يليق باسمها وبإسهاماتها في حصاد العطاء الإنساني.
وأكد فضيلته أن الدعم السامي الكريم لمؤسسة القضاء جاء ليتكامل مع بقية القطاعات تحقيقا لمبدأ أن التنمية لا تقبل أن تنهض مجزأة. وقال فضيلته إن دورة العمل في المحاكم تتطلب إعادة لصياغاتها على النحو الذي يسرع وتيرة الأداء مع المحافظة على الجودة؛ وذلك بدعوة العناصر التي تشكل أركانا مهمة من أركان جلسات نظر الدعاوى في المحاكم كالخبراء والمحامين على إظهار قدر أكبر من التعاون تحقيقا للعدالة الناجزة. وأشار فضيلته إلى أن التطور المذهل في مؤشرات التنمية بالبلاد يفرض مواكبة بنفس القدر لكافة القطاعات لتتمكن من أداء رسالتها على النحو الذي يجعلها متكاملة مع هذه المخرجات, وأن أيَّ خلل في معدل النمو سيحدث فراغا يتطلب تغطيته الكثير من الجهد والمال.
وقال فضيلته إن المعايير العالمية التي نسعى دومًا إلى مقاربتها قد لا تسعف الإمكانات البشرية والإعتمادات المالية لبلوغها، ولكننا سنقاربها بمضاعفة الجهد سواءً من قبل أصحاب الفضيلة القضاة أو معاونيهم، وبالتعاون المنتظر من المحامين والخبراء الذين نعوِّل عليهم في تسريع دورة العمل من خلال ما سيبذلونه من جهد مع أطراف الدعاوى لنحافظ على المكتسبات التي حققها القضاء العُماني.
وأكد فضيلته أن المعايير العالمية المطبقة حدَّدت نظر قضية واحدة للقاضي لكل خمسة أيام عمل, حتى يستطيع الإلمام بكافة تفاصيلها، ويتخذ بالمقابل الحكم المناسب فيها دون ضغوط من اكتظاظ الدعاوي وتزاحمها، في حين أن القاضي في محاكمنا ينظر العديد من القضايا في اليوم الواحد، بل ويتنقل في أكثر من دائرة بين شرعية وجنائية ومدنية وتجارية وضريبية وعمالية، وهو يؤديها بالكثير من الكفاءة والمهنية العالية والصبر؛ لأنه يراعي الظروف التي يواجهها القضاء العُماني الذي يعمل باقصى طاقته ووفقا للإمكانات المتاحة.
وقال فضيلته إن العبء الكبير الذي يتحمله القضاة ويؤدونه بالكثير من الإتقان يجب أن يوزايه جهدٌ مماثلٌ من قبل الخبراء؛ وذلك بجعل التقارير المرفوعة للمحاكم تتسم بالمهنية الرفيعة التي تخدم الدعاوي وتوضح ما تتطلبه الطبيعة التخصصية لبعض الدعاوى خدمة للعدالة وحفظا للحقوق.. مشيرا إلى أن أية نواقص في التقارير لن تقبلها المحاكم وتفرض على واضعيها إعادتها من جديد أو تكليف آخرين بالمهمة، وفي ذلك تضييع للوقت والجهد ولا يخدم جهود تسريع الأداء. كما أكد فضيلته على أهمية سرعة إنجاز القضايا والبت فيها، خاصة وأن العام القضائي في نهايته لذا فمن الضروري إنهاء جميع القضايا المتداولة وغير المكتملة قبل بداية العطلة القضائية والتي ستكون بداية شهر يوليو القادم.
وأشار فضيلته إلى التوصيات المهمة التي خرجت بها ندوة تطوير الخبرة أمام المحاكم والتي عقدتها وزارة العدل أواخر أبريل الماضي بحضور رفيع من مجلس الشؤون الإدارية للقضاء والتي شخصت واقع الخبرة أمام المحاكم وعالجت الكثير من المعضلات.. داعيًا إلى ضرورة تفعيل تلك التوصيات بما يحقق الحاجة التي يحتاجها القضاء العصري في كل مكان للخبرة في مساعدة القضاء لبلوغ الحقيقة وإحقاق الحق.
ولفت فضيلته إلى أن المحامين ركنٌ مهم من أركان جلسات التقاضي.. داعيًا إلى ضرورة مكاشفة موكليهم بالحقائق من واقع سجلهم الطويل الذي يمنحهم المعرفة الكاملة بالقضايا، وما إذا كان الطعن إلى المرتبة الأعلى في التقاضي سيجلب فوائد للموكلين أم مجرد استنزاف لجهد المحاكم وإرهاق الموكلين بزيادة الأتعاب وإبطاء لدورات العمل في المحاكم، إلى جانب ما يُثيره البعض من استشكالات في التنفيذ فتنعكس سلبًا على عملية التقاضي برمتها بما يشكله التنفيذ من خاتمة لدورة التقاضي ينتظرها طرفًا الدعوى وأية استشكالات غير ضرورية ولا منتجة تمثل عقبات كبيرة لا تخدم العدالة الناجزة.
كما التقى فضيلته أصحابَ الفضيلة القضاة المساعدين الذين يواصلون دراساتهم لنيل الدبلوم العالي للدراسات القضائية الذي بموجبه يتمكن القضاة المساعدون من تقلد سدة القضاء وحمل مشعل تحقيق العدالة والسير به على طريق الأسلاف العظام الذين يزدهر بعطاءاتهم أربعة عشر قرنا من الزمان.
وقدَّم فضيلته في اللقاء إيجازًا عن الخطوات التي قطعت منذ صدور المراسيم السلطانية ذات الصلة باستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.. وحثهم على مضاعفة الجهد واستكمال ما تبقى من مساقات أكاديمية ليأخذوا مواقعهم التي تنتظرهم وليسهموا في تغطية احتياجات الدوائر القضائية في المحاكم؛ وصولا لمقاربة أدائها مع المعايير العالمية من حيث أعداد القضاة وحجم القضايا المنظورة.
ودعا فضيلته -في الختام- القضاة ورجال الادعاء العام والقضاة المساعدين والمحامين والخبراء إلى المحافظة على المكتسبات التي تحققت للقضاء بفضل الرعاية السامية الكريمة لجلالة رئيس المجلس الأعلى للقضاء -حفظه الله ورعاه- وما ناله القضاء العُماني بفضل هذه الرعاية من ثناء أممي وتقدير عالمي عربيًّا وعالميًّا وتحققيه الصدارة في الكثير من المؤشرات التي تحكم المشهد القضائي.. مؤكدا على حتمية ترجمة هذه الاستحقاقات في التسامي بالأداء ليبقى القضاء العُماني الشامخ برجاله وتشريعاته وأدائه المتميز حاضرًا دومًا في مؤشرات وقياسات الرصد التي تجريها المؤسسات العالمية كقضاء عصري منفتح على محيطه العالمي ومنسجم مع الصياغة الجديدة والمتجددة لعُمان بهدي من قيادتها التاريخية.
... حضر الاجتماعين فضيلة الشيخ خليفة بن محمد الحضرمي نائب رئيس المحكمة العليا الأمين العام لمجلس الشؤون الإدارية للقضاء، وفضيلة الشيخ محمد بن عبدالله الحجري القاضي بالمحكمة العليا رئيس الإدارة العامة للمحاكم، وبعض المسؤولين بالمجلس.
أكثر...