التدرج والقدرة على التطور ومواكبة المستجدات.. وراء استمرارية "التجربة الخليجية" كأنجح صيغة تكاملية عربية
مسقط – العمانية
احتفلت دول وشعوب مجلس التعاون لدول الخليج العربية أمس بالذكرى الثانية والثلاثين لقيام المجلس.. ففي الخامس والعشرين من مايو عام 1981م أعلن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس خلال قمتهم الأولى في أبوظبي إنشاء مجلس التعاون من الدول الست الأعضاء، من أجل العمل على تحقيق التناسق والتكامل فيما بينها في مختلف الميادين والحفاظ كذلك على أمنها واستقرارها وسلامتها في مواجهة مختلف التطورات التي تتعرض لها المنطقة والعمل على تحقيق تطلعات شعوبها نحو حياة أفضل في الحاضر والمستقبل.
وبينما حدد النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإنّ ما يربط بين أبناء شعوب دول المجلس من تاريخ وآمال وتطلعات وما يجمع بينها من وشائج وتقاليد مشتركة وتقارب على مختلف المستويات وفي كل المجالات يشكل في الواقع الأرضية الصلبة التي انطلقت منها مسيرة التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل اثنين وثلاثين عاماً، وهي المسيرة التي تسير بخطى ثابتة نحو غايتها المنشودة التي يحددها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس عبر قممهم السنوية والتشاورية من خلال العمل الدؤوب من أجل تحقيق الخير والرخاء لأبناء شعوب المجلس.
وعلى امتداد الأعوام الإثنين والثلاثين الماضية استطاع مجلس التعاون لدول الخليج العربية بفضل حكمة وبعد نظر قادة الدول الست السير بخطى حثيثة وواثقة أيضًا نحو تحقيق أهدافه التي تتطلع إليها شعوب المجلس، وليكون في الوقت ذاته عنصراً وطاقة إضافية تعمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة لدوله وشعوبه وللمنطقة من حوله، وأبعادها قدر الإمكان عن الاستقطاب والتنافس والصراع بين الأطراف المختلفة إقليمية ودولية، حفاظاً على مصالح دول وشعوب المجلس والمنطقة من حوله.
وإيماناً بأنّ السلام والاستقرار وحل أي نزاعات بالطرق السلمية ووفق مبادئ وقواعد القانون الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بمبادئ حسن الجوار والتعاون البناء بين الدول والشعوب، تقود دوماً إلى تعميق الثقة المتبادلة وتوسيع مجالات التعاون والتكامل بين الدول، شقيقة كانت أو صديقة لتحقيق مصالحها المشتركة والمتبادلة.
ومن أبرز الأسباب التي ساهمت وتسهم في تعزيز مسيرة التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن الدول الست حرصت دوماً على دراسة خطواتها بشكل عميق، وعلى التدرج وعدم الاستعجال والسير في خطى التكامل فيما بينها وفق متطلبات ومقتضيات مرحلة التنمية التي تمر بها كل منها، وهو ما أسهم في الواقع في إنجاح العديد من برامج وخطط التعاون والتكامل ليس فقط في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والثقافية والإعلامية، ولكن أيضاً في المجالات الدفاعية والأمنية والسياسية، وعلى نحو حقق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية البقاء والاستمرار كأنجح صيغة من صيغ التكامل العربي من ناحية ولتمكينه من امتلاك القدرة على التطور والتجاوب مع تطلعات أبناء شعوبه نحو مزيد من التكامل فيما بينها من ناحية ثانية، وليس من المصادفة على أي نحو أن يتحوّل مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى كيان قادر على حماية أعضائه وعلى الإسهام الإيجابي والنشط في الحفاظ على أمن واستقرار الخليج والمنطقة، والعمل على حل المشكلات ومواجهة التحديات التي تواجه دولها وشعوبها.
الجدير بالذكر أنّ السلطنة التي آمنت دوماً بأهمية وضرورة التعاون والتكامل بين دول الخليج العربية لم تدخر وسعًا وبتوجيهات من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه - من أجل تأييد وتعزيز وتنفيذ كل ما من شأنه دعم وتعميق مسيرة التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى اقتصاديًا ودفاعيًا وأمنياً وثقافياً وبيئياً وإعلامياً وغيرها .
وتسعى السلطنة مع شقيقاتها أعضاء المجلس إلى استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والربط الكهربائي ومشروع السكك الحديدية بين دول المجلس وتطوير التعاون الدفاعي والأمني فيما بينها وتطوير آليات العمل بما يتجاوب مع تطلعات أبناء دول المجلس.
وقد أشار صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء لدى مشاركته في مؤتمر القمة الثالثة والثلاثين لقادة دول مجلس التعاون بالمنامة نيابة عن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - أشار إلى أن "مسيرة مجلس التعاون الخليجي حفلت بالعديد من المنجزات الاقتصادية والاجتماعية أدت إلى الترابط بشكل أوثق بين أبناء المجلس إلا أنّه مع توالي التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية وما تلقي به من ظلال على كافة مناطق العالم. فإنّ هذا يستوجب تضافر كل الجهود للتعاطي مع تلك المستجدات وتسريع وتيرة الأداء وتفعيل آليات العمل المشترك بالإضافة إلى تعزيز المجلس لعلاقاته مع المجموعات الدولية من خلال تنشيط حركة التبادل التجاري والعلمي والثقافي معها وبما يعود بالمردود الإيجابي على كافة الأطراف كي تمضي المسيرة في طريقها المرسوم بسهولة ويسر.
ومع الوضع في الاعتبار ما حققته مسيرة التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون على امتداد العقود الثلاثة الماضية سواء بحرصها على الالتزام بقرارات المجلس وتنفيذ أكثر من 90 0/0 منها، كما أشار الدكتور عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أو بتوسيع نطاق ومجالات تعاونها مع الدول الشقيقة والصديقة والمجموعات الدولية بما يحقق مصالح دولها في الحاضر والمستقبل . فإنّ شعوب المجلس تتطلع إلى المزيد من الخطوات والإجراءات خاصة على صعيد تعزيز المواطنة الخليجية وتسهيلات العمل والمشروعات المشتركة والتكامل بين الدول الأعضاء وتسعى حكومات دول المجلس إلى بذل جهودها لتحقيق ذلك على نحو يخدم مصالحها في الحاضر والمستقبل .
وإذا كانت مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد أثبتت نجاحها وقدرتها على خدمة مصالح شعوب المجلس وحمايتها بل والتعامل بفاعلية مع العديد من المشكلات والتحديات التي تعرضت لها بعض دول المجلس ومنطقة الخليج ككل على امتداد العقود الماضية. فإنّ دول المجلس قادرة بفضل حكمة أصحاب الجلالة والسمو وبفضل عزيمة أبنائها على المضي قدماً لتطوير مسيرة التعاون والتكامل فيما بينها في كل المجالات وصولاً إلى تحقيق ما تصبو إليه من تقدم ورخاء واستقرار لها ولمن حولها كذلك.