مسقط - الرؤية
يُسلط مشروع الإرشاد الزواجي "تماسك"، والذي تتبناه وزارة التنمية الاجتماعية، الضوء على أهم الجوانب الدينية والشرعية والنفسية والاجتماعية والصحية؛ لقيام وتأسيس العلاقة الزوجية؛ بهدف حماية كيان الأسرة؛ كون الأسر حديثة التكوين تعاني العديد من المشكلات؛ وعلى رأسها: الطلاق المبكر الذي أصبح يمثل مشكلة واضحة وخطيرة.
ويستهدف مشروع الإرشاد الزواجي الشباب والشابات المقبلين على الزواج والمتزوجين حديثا؛ حيث يتم تزويدهم بأساليب ومهارات التواصل والحوار الايجابي البناء، وتعريفهم بالحقوق والواجبات لطرفي العلاقة الزوجية، وكيفية التعامل مع مختلف المواقف والتحديات التي قد يمرون بها في حياتهم، وصولاً إلى التوعية والتثقيف بمرحلة وجود الأبناء وما تتضمنه هذه المرحلة من استعداد نفسي واجتماعي واقتصادي.
وقد جاءت بداية مشروع الإرشاد الزواجي "تماسك" بعقد ثلاث دورات تدريبية لإعداد مثقفين ومدربين في مجال الإرشاد الزواجي، والذين تم اختيارهم وترشيحهم من خلال عدد من المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بموضوع الإرشاد وتنمية الأفراد والمجتمع والمحافظة على كيانه؛ حيث بلغ عدد المشاركين بالدورات التدريبية الثلاث 38 متدربًا من كل من وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة العدل، ووزارة الصحة، إضافة إلى وزارة التربية والتعليم، وقد تم مدُّهم بالمفاهيم الأساسية، وأسس ونظريات الإرشاد الزواجي وأساليبه، وتدريبهم على التحلي بأخلاق مهنة الإرشاد وحفظ أسرارها والعمل على تطويرها.
وقد توِّج ذلك بتدشين دليل الإرشاد الزواجي، والذي يتضمَّن أهم المسائل والأمور المتعلقة بالزواج وطرق التعامل بين الزوجين وحقوق كل منهما، وكيف يمكنهما المحافظة على استمرارية زواجهما في جو من التفاهم والحب المتبادل، وقد قام بمراجعة الدليل فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد مفتي عام السلطنة.
وفي السطور القادمة، التقينا عددًا من المسؤولين والملتحقين بالدورات التدريبية لمشروع "تماسك"، ووقفنا معهم على أهمية هذا المشروع، والفائدة التي سيقدمها للمجتمع العماني وللشباب المقبلين على الزواج وحديثي الزواج.
التصدع الأسري
سعادة الدكتور يحيى بن بدر المعولي وكيل وزارة التنمية الاجتماعية، أثنى على فضيلة الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي؛ نظير دعمه ومتابعته لهذا المشروع، والذي تكلل في مراجعته لدليل الإرشاد الزواجي، كما توجه سعادته بجزيل الشكر والتقدير لجميع الجهات الحكومية التي أبدت تجاوب مشاركتها في المشروع الوطني الذي يهم المجتمع بأكمله، والذي يُعاني من مشكلات اجتماعية أوجدها التصدع الأسري الذي ينعكس على تربية الأبناء وسلوكياتهم المنحرفة، فدائمًا ما يُقال صلاح المجتمع من صلاح الأسرة، ومناشداً سعادته جميع المشاركين في برنامج "تماسك" بتحمل مسؤوليتهم لما سيقومون به تجاه المجتمع من برامج تدريبية وتثقيفية سيكون لها ثمرتها الإيجابية.
بينما أشار فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد مفتي عام السلطنة، إلى أن الوضع الراهن يشهد متغيرات كثيرة أثرت على بناء الأسرة والمجتمع، وأن هنالك عدوين قديمين يستهدفان منظومة القيم والأخلاق، والتي تعد في ديننا بمثابة اللبنة التي تقوم عليها معاني الفضيلة وتؤسس عليها كل ما تعنيه الأسرة والمجتمع والأمة؛ فتورثها العزة والكرامة والسعادة في الدنيا والنجاة في العقبى، وهاذان العدوان هما: اتباع الهوى، والتقليد الأعمى.. وهما أشد ما يؤثران على منظومة القيم والأخلاق، وقد حذرنا الله منهما في سياقات قرآنية كثيرة.
القيم والأخلاق
وأشار مساعد مفتي عام السلطنة في حديثه إلى وجود وسائل كثيرة وخطابات متعددة تستهدف تحطيم بناء الأسرة، وإعلاء شأن النزعة الفردية على الأسرة، وعلى المدربين والمثقفين المعنيين بقضايا الأسرة العمل كثيرا لمعالجة هذه المشكلة المتزايدة، والتي يراد فيها من أبنائنا وبناتنا الانفصال عن أسرهم، فمن المعلوم أن لبنة بناء المجتمع تكمن في الأسرة والتي يُعنى بها وجود القيم والأخلاق، ومعاني التربية القائمة على الصلاح والاستقامة والخير والعطاء والمشاركة وبناء المجتمعات وإقامة الأوطان وتشييد صروح حضارة هذه الأمة.
الإعلام الجديد والأسرة
الدكتورة أصيلة بنت جمعية المغيرية أمينة الأمانة العامة للجنة الفنية للجنة الوطنية لشؤون الأسرة والمشرفة العامة على مشروع الإرشاد الزواجي، أكدت على أهمية المشروع كونه يعمل على تخريج دفعة من المثقفين والمدربين في مجال الإرشاد الزواجي والعلاقات الأسرية؛ وذلك من أجل بناء أسر متماسكة وقوية. مؤكدة على الحاجة في هذا الوقت للإرشاد الزواجي أكثر من الأوقات الماضية؛ بسبب تزايد المشكلات الزوجية والأسرية وارتفاع نسب الطلاق؛ لذلك كان هناك مطلب من المجتمع ووسائل الإعلام بأن تبدأ الجهات الحكومية بالعمل من أجل التصدي لمثل هذا النوع من المشكلات.. ومن هنا بدأت الفكرة بأن نعد مجموعة من المثقِّفين والمدربين وبأن نعد دليلًا إرشاديًّا لتثقيف هؤلاء الشباب وتزويدهم بالمعارف والمهارات التي سوف تساعدهم على تأسيس أسر متماسكة. ومن ناحية أخرى، وفي ظل التغيرات المتسارعة، وفي ظل العولمة، أصبحت الأسرة تعاني من بعض التحديات، وتحتاج من يساندها في أدوارها؛ حيث إن وسائل العولمة والإعلام فرضت نفسها كمربية للأجيال فوضعت الأسرة في إطارات ضيقة للغاية حتى تستطيع أن تحمي أبناءها من هذه التغيرات والتدخلات، إضافة إلى أنها أصبحت لا تملك اللغة التي تخاطب بها أبناءها؛ لأن الأبناء أصبحوا مثقفين ومطلعين أكثر من آبائهم. وفي مقابل ذلك، هناك بعض الأسر التي أصبح دورها ضعيفًا جدًّا بسبب انشغالها بالعمل والرفاهية، أو بسبب انشغالها بالتغيرات التي تحدث في العالم. وبالتالي اتصالها بشبكات الإعلام الاجتماعي أكثر من اتصالها بأبنائها؛ ولذلك كله أصبح دور جهات الاختصاص مهمًّا جدًّا.
دورنا وقائي
وحول مشروع الإرشاد الزواجي ومدى أهميته في حل المشكلات الأسرية، قالت الدكتورة أصيلة المغيرية: "مشروع التثقيف الزواجي كان موجودًا منذ سنوات طويلة بالدول الأجنبية، والتي كانت تعاني من مشكلات اجتماعية ضخمة، وعلى رأسها الطلاق. وفي الآونة الاخيرة أصبحت الدول العربية والخليجية أيضًا تعاني من هذه المشكلات؛ فالمسألة هي مسألة وقائية لدى السلطنة. والحمد لله، نحن بالسلطنة لدينا نسبة طلاق أقل مقارنة بالدول الأخرى، ولكننا لن ننتظر لنصل للنسب العالية، علينا العمل في الوقاية وهذا مطلب أساسي من المجتمع بنفسه، وأتوقع ان يكون هناك تقبل كبير من المجتمع للمشروع؛ لأن هذا العمل لم يأت من فكر غربي، وإنما هو نابع من فكر إسلامي عربي عُماني، وقد تم العمل في هذا المجال بالتعاون مع شركائنا في كافة المؤسسات وبالأخص وزارة الاوقاف والشؤون الدينية التي كانت متابعة معنا العمل؛ سواء في إعداد المدربين أو متابعة الدليل ومراجعته، فنحن لن نتدخل في شؤون الأسرة، ولن نقدم أيَّ شيء يخالف ديننا أو عاداتنا، بل بالعكس ما سنقدمه هو مواز وداعم لهم".
.. بتول بنت محمد تقي اللواتية مديرة دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية؛ حدثتنا عن أهمية المشروع، ومن واقع عملها قائلة: إنه ونظرًا لتزايد حالات الطلاق بين المتزوجين حديثا، ومن خلال التعامل في الدائرة مع مختلف الحالات التي تعاني من المشكلات ذات الطابع النفسي والاجتماعي، لوحظ أن المشكلات الأسرية والزوجية تتزايد لدى المتزوجين حديثا، لأن مرحلة بدء الحياة الزوجية من المراحل الشاقة التي يتعرض فيها الزوجان لاختبارات صعبة في التوافق، فيؤدي في الكثير من الأحيان إلى حدوث الطلاق، ومن هنا يأتي اهتمام وزارة التنمية الاجتماعية بإعداد وتنفيذ مشروع الإرشاد الزواجي (تماسك).
التثقيف قبل الزواج
... عايدة بنت سالم بن سعيد الرحبية رئيسة قسم التثقيف الصحي بدائرة الخدمات الصحية بولاية السيب؛ قالت: هناك بعض المشكلات التي تحدث بين الزوجين، وتؤدي في نهاية الأمر إلى الطلاق، وهذه المشكلات لو نظرنا إليها لوجدنا من الممكن أن تحل بسهولة، ولن يحتاج حلها إلى الوصول للطلاق بين الزوجين؛ حيث إن هناك أمورًا لو وعيها الزوجان قبل الدخول في الزواج كالدراية بالأمور المتعلقة بالزواج والحياة الجديدة التي سيقبلون عليها وماهي حقوق كل منهما وواجباته في إطار الحياة الزوجية، جميع المعرفة بهذه الأمور هي جديرة بخفض حالات الطلاق والمشكلات الزوجية والأسرية كذلك، وبالتالي الحفاظ على بناء الأسرة والمجتمع.
... جمعة بن خلفان البطراني موجه أول بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، أكد على أهمية التثقيف للمقبلين على الزواج؛ قائلا: بالتثقيف يحدث فهم لمعنى الزواج، وكذلك تكمن أهمية التثقيف في معرفة الأمور النفسية والفيسيولوجية للزوجين، وعلى كل حال فالتثقيف الزواجي المبدئي له أهمية كبيرة في تعزيز التواد والتحاب والتعاطف بين الزوجين، ولذلك نأمل من المجتمع ككل أن يتقبَّل فكرة المشروع، وأن يُساهم معنا في نشر التوعية والتثقيف للشباب المقبلين على الزواج من الجنسين.
أما منى بنت خميس الفطيسية إخصائية اجتماعية بدائرة شؤون الطفل بوزارة التنمية الاجتماعية، فقد ذكرت أنها وزملاءها المتدربين على استعداد للبدء بالتثقيف والتدريب للمقبلين على الزواج والمتزوجين حديثًا أيضًا.. مؤكدة أن الجاهزية لا تكتمل ما لم يخرج المثقف أو المدرب، ويمارس عمله ميدانيًّا.. موضحة ما ستقدمه للمجتمع في هذا المجال؛ بقولها: أطمح لأن أبدع في هذا المجال، وأضيف لما يقدمه ووصل إليه زملائي في مجال الإرشاد الأسري؛ لذلك سأحاول تعليم المقبلين على الزواج والمتزوجين حديثا الأمور التي تساعدهم على فهم نفسياتهم أكثر، وفهم بعضهم أكثر؛ لأن غايتي هي التقليل من المشكلات التي تحدث بين الزوجين، والتي غالبًا ما يكتشفان أنها لا تستحق الاختلاف عليها وتحويلها إلى مشكلة قد تكبر وقد تصغر.