أنقرة/ اسطنبول – رويترز
داهمت الشرطة التركية أمس عددًا من المنازل في أنحاء تركيا واعتقلت العشرات في عملية لها صلة باحتجاجات اتسمت بالعنف في كثير من الأحيان مستمرة منذ ثلاثة أسابيع ضد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
وفي ليل الإثنين بأنقرة استخدمت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفرقة مئات المحتجين الذين تجمعوا في حي كيزيلاي وبه عدد من المباني الحكومية.
وقال وزير الداخلية معمر جولر إنّ 62 شخصًا احتجزوا في اسطنبول أكبر المدن التركية و23 في العاصمة أنقرة. وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية إن 13 آخرين احتجزوا في اسكيشهر.
وأكد مصدر في الشرطة العملية وقال "بالنسبة للوقت الراهن سيجري احتجاز المحرضين فقط لاستجوابهم."
وتتحول الاحتجاجات من حين لآخر إلى اشتباكات عنيفة بين الشرطة التي تطلق الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه ومتظاهرين يرتدون أقنعة واقية من الغاز ويلقون الحجارة وغيرها من المقذوفات وهي مشاهد أساءت إلى صورة تركيا المستقرة في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
وأبدت دول غربية قلقها من طريقة تعامل الشرطة مع الاحتجاجات ضد أردوغان الذي تستند شرعيته إلى ثلاث انتصارات متتالية في الانتخابات حقق آخرها بنسبة تأييد 50 في المئة.
ويتهمه البعض بتجاهل نصف السكان الذين لم ينتخبوه وبعضهم يتهمه بالعمل سرًا على القضاء على الدستور العلماني وإقامة نظام يستند إلى مبادئ الدين وهو ما ينفيه أردوغان.
وأبدى أردوغان تحدياً طوال الاضطرابات التي تمثل أكبر تحدٍ له على الإطلاق منذ بداية حكمه قبل عشر سنوات والذي اتسم بانتعاش اقتصادي ومساع لتمديد النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي إلى خارج الحدود التركية.
وقال أردوغان لأعضاء في حزبه العدالة والتنمية بالبرلمان "في مواجهة حركة العنف الشاملة والممنهجة أبدت الشرطة موقفًا ديمقراطياً غير مسبوق واجتازت بنجاح اختبار الديمقراطية."
وأضاف في كلمة أثارت تصفيقاً حاداً "تم تقديم الشرطة على أنها استخدمت العنف. من الذي استخدم العنف؟ كل الإرهابيين والفوضيين ومثيري الشغب."
وسعى مسؤولون إلى التفرقة بين من يعتبرونهم محتجين بشكل مشروع وآخرين وصفهم أردوغان إما بأنهم "رعاع" أو "إرهابيين".
وبدأت الاضطرابات كاحتجاج محدود من مدافعين عن البيئة يعارضون خطط الحكومة لبناء ثكنة على الطراز العثماني في متنزه غازي المتاخم لميدان تقسيم وهو أحد المساحات الخضراء المحدودة في مدينة اسطنبول.
لكنها تحولت إلى حركة احتجاج ضد ما يقول منتقدو أردوغان إنه أسلوبه المهيمن وميله نحو التدخل في الحياة الشخصية للناس وهو ميل يرى بعض المعارضين أنه يرجع إلى معتقداته الدينية.
وأثرت الاضطرابات على الأسواق وبلغت الليرة أدنى مستوى منذ عامين في الأسبوع الماضي.
وانحسرت الاضطرابات بعد أن شهدت اسطنبول بعضاً من أسوأ الاشتباكات في مطلع الأسبوع وهو حدث أيضًا خلال الأسبوعين السابقين.
وظل أحد المحتجين يوم الإثنين يقف صامتاً في ميدان تقسيم دعماً للمحتجين طوال ثماني ساعات فأطلقت عليه مواقع التواصل الاجتماعي لقب المحتج "الواقف" وألهم مظاهرات قام بها مئات آخرين في اسطنبول وأنقرة وغيرهما.
وأسفرت الاضطرابات عن مقتل أربعة أحدهم شرطي ونحو 7500 مصاب طبقاً للرابطة الطبية التركية.
وانضم جيم اوزدمير الذي يشارك في رئاسة حزب الخضر المعارض في ألمانيا وهو من أصل تركي إلى الجوقة الدولية التي تدين طريقة تعامل أردوغان مع الاضطرابات.
ونقلت عنه صحيفة دي فيلت الألمانية قولها في مقابلة "لم يعد اردوغان بوسعه السفر في أنحاء العالم مقدما نفسه كرجل إصلاح وحداثة... لن يتمكن من أن ينفي عن نفسه صور العنف الوحشي."
وطالبت نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في اولى تصريحاتها عن هذه الأحداث بمحاسبة المسؤولين والأفراد في قوات الأمن المسؤولين عن استخدام القوة المفرطة.
وقالت في بيان "من المهم أن تقر السلطات بأن رد الفعل الأولي الذي كان يتسم بالقوة الغاشمة على الاحتجاجات والذي أسفر عن العديد من الإصابات ما زال يمثل جزءا رئيسيا من المشكلة."
وأجرى اردوغان الذي أسس حزب العدالة والتنمية عام 2001 من خليط من المنتمين الى الوسط والإصلاحيين والمحافظين دينيا إصلاحات اجتماعية جذرية في السنوات الأولى التي قضاها في منصبه ووسع من حقوق الأكراد وحد من سلطة الجيش الذي أطاح بأربع حكومات خلال 40 عاما.
وتهدد الاضطرابات بعرقلة جهود لإنهاء تمرد الأكراد المستمر منذ 30 عاما والذي أسفر عن سقوط 40 ألف قتيل.
ويقول معارضون إن السنوات القليلة الماضية شهدت عودته إلى جذوره المحافظة لكنه ما زال تقريبا الزعيم الوحيد بلا منازع على الساحة السياسية. ولم يظهر في الشوارع أو في البرلمان منافسون له.