استطلاع: 65% من الطلاب العمانيين لا يتلقون تدريبًا حقيقيًا قبل التخرج
سوء اختيار الجامعات للمؤسسات يضعف فرص نجاح تدريب طلاب السنة النهائية
الرؤية- محمد بن رضا اللواتي
أجمع مختصون وخبراء على أن تدريب الطلاب قبل التخرج من المؤسسات التعليمية المختلفة يعد وسيلة ناجعة لاكتشاف المواهب، وآلية حقيقية لخلق قيادات المستقبل في شتى المجالات، غير أنهم أشاروا إلى أنّ قلة الاهتمام وغياب الجودة في التدريب من الأخطاء الشائعة والمخاطر التي تحدق بهذه الآلية المهمة لإيجاد موظف مجيد.
وفي استطلاع للرأي، قامت به الشرق الأوسط للاستشارات الإدارية- وهي مؤسسة عمانية تعمل في مجال الإدارة والموارد البشرية- بدعوة طلبة التخرج للمشاركة بآرائهم في إيجابيات وسلبيات التدريب الذي تلقوه في شتى المؤسسات الخاصة والعامة والتي اختارتها لهم جامعاتهم، وكانت النتائج مخيبة للآمال. وأظهر الاستبيان أن 65% من الطلبة أكدوا أنهم لم يتلقوا أي تدريب طوال الفترة التي قضوها في المؤسسة التي اختاروها، بينما قال 20% إنهم حصلوا على بعض الأعمال لتأديتها بعد إلحاح منهم، بينما حالف التوفيق 15% منهم فقط.
وتعمل بعض الجامعات على تخيير الطلبة في سنتهم الأخيرة بين إعداد بحث التخرج أو تلقي تدريب في إحدى مؤسسات القطاع العام أو الخاص، وفق جدول بأسماء تلك المؤسسات تعده الجامعة وتقترحه على الطلبة. وأغلب الطلبة يختارون مجال التدريب، ذلك لأنه فرصتهم للتعرف على سوق العمل وتحمل مسؤولية الانخراط في المهام الوظيفية؛ كنمط جديد للحياة التي باتت تطرق أبوابهم. إلا أنّ المفاجأة التي تنتظر أغلبهم تؤدي بهم من الوهلة الأولى إلى قلة الاهتمام بالعمل والنظر إليه بازدراء، ومرجع هذه السلبية هي الجامعة من جهة وتلك المؤسسات التي تلقت أولئك الشباب كمتدربين دو ن أن تعد خطة تدريب واضحة المعالم لهم.
ويؤكد الخبراء أنّ الجامعة تتحمل العبء الأكبر في هذه السلبية، باعتبار أنها التي اختارت المؤسسات التي دعت طلبتها إلى انتقاء إحداها للتدريب، ولكي تتلافى الدائرة المختصة هذه السلبية الكبيرة، ينبغي عليها القيام بعدد من الإجراءات. ويوضح الخبراء أن أول هذه الإجراءات اختيار أفضل المؤسسات في مجالي الخاص والعام، وذات مجالات متنوعة، وذلك بعد الاطلاع على مواقعها الإلكترونية بدقة، ثم الزيارة الميدانية لهذه المؤسسات والاطلاع عن كثب على أجوائها الداخلية والتحدث مع الدائرة المختصة بتدريب الطلبة حول خططها لاستقبال وتدريب الطلبة المبتعثين من قبل الجامعة إليها. وطلب الحصول على برنامج تدريب الطالب، والذي يوضح تماماً ما الذي سيتعلمه، وفي أي الدوائر التي سينتقل إليها، والفترة التي سيمكث في كل منها. وتزويد المؤسسة باستمارة ينبغي عليها تعبئتها أسبوعيا وإرسالها إلكترونيا للجامعة تكشف عن التدريب الذي تلقاه الطالب خلال الأسبوع، وأدائه ومدى جديته والتزامه بخطة التدريب والكفاءة التي أبداها الطالب أثناء تدريبه. وكذلك استمارة نهاية التدريب، والتي تقوم المؤسسة بإرسالها إلكترونياً إلى الجامعة والتي هي بمثابة التقرير النهائي عن الطالب. وتحرص الجامعات الكبرى على وضع بند في التقرير النهائي حول مدى رغبة المؤسسة في ضم الطالب في صفوف موظفيها بعد التخرج ولماذا سواء أكان الرد إيجابياً أم سلبياً. وتزويد الطالب باستمارة يملؤها إلكترونياً ويرسلها إلى الجامعة أسبوعيا حول التحديات والصعوبات التي واجهته ولا تزال تواجهه وهو على رأس تدريبه. كما ينبغي تزويد الطالب برقم هاتف مسؤول عن برنامجه في الجامعة لإبلاغه فيما إذا خرج التدريب عن إطاره العام أو تعطل حتى يتدخل فوراً. ومحاسبة الطالب فيما إذا كان أداؤه والتزامه سيئاً، ومحاسبة المؤسسة ووضعها على اللائحة السوداء وأحياناً مطالبتها بالتعويض فيما إذا لم تقم بواجبها تجاه الطالب وتدريبه.
وفيما يتعلق بمسؤوليات المؤسسات التي تتلقى الطلبة لأجل التدريب، فيتعين عليها تلقي السيرة الذاتية للطالب وتخصصه ومجموعه التراكمي قبل شهر من استقبالها إياه كمتدرب. وإعداد برنامج تدريبي شامل له، ينتقل وفقه في كل الأقسام والدوائر لبضعة أيام، قبل أن يستقر في الدائرة التي تتوافق مهامها مع تخصصه. والالتزام الفعلي بالبرنامج وتطبيقه بحذافيره. واستقبال جيّد للطالب في أول يومه، وتعريفه بالمؤسسة ورسالتها وأهدافها وموظفي المؤسسة ومسؤوليها. وإعداد مكان الطالب المتدرب قبل قدومه للتدريب، وكافة مستلزمات التدريب أيضاً كالحاسوب والطاولة والكرسي وبطاقة الدخول والخروج وما إلى ذلك. وتقسيم التدريب إلى نظري وعملي. وتكليف الطالب بمهام حقيقية وتعليمه كيفية أدائها الفعلي وإشعاره بأنه ضمن فريق الموظفين.
شكاوى الطلبة
من جانبهم يشكو الطلاب من عدد من المشكلات الحقيقية التي تواجههم أثناء التدريب في بعض مؤسسات القطاع العام، وأقل منها في الخاص. ومن بين الشكاوى وصول الطالب في أول يومه المؤسسة ولم يُفتح له الباب للدخول إلا بعد مضي 45 دقيقة، ثم ظل في مكتب مدير الموارد البشرية لمدة 3 ساعات، في انتظار الانتقال إلى المقر الذي سيحصل فيه على فرصة التدريب. وكذلك عدم منحه بطاقة للدخول من البوابة التي تعمل بالبصمة طوال فترة تدريبه، وعدم وجود طاولة مخصصة له، وجلوسه بضعة أيام في غرفة الاجتماعات ثم جلوسه على مقعد أحد الموظفين المجازين. وعدم وجود برنامج مكتوب له حول تدريبه منذ اليوم الأول وحتى نهاية فترة التدريب. وعدم إعطائه أي عمل يقوم به إلا في الحالات النادرة. وجعله في مكان أحد الموظفين المجازين ومنحه كل مسؤولياته دون تدريب مسبق. والسماح لأحد الطلبة بالعودة إلى المنزل متى ما يشاء نظرًا لعدم وجود شيء يمكن أن يُشغل به. وكذلك بدء التدريب في الأسبوع الثاني من قدومه، بينما ظل طوال الأسبوع الأول بلا تدريب ولا مسؤولية، بل وطٌلب منه أن يشغل نفسه في القراءة أو في أي شيء آخر ممكن. وتقصير مدة التدريب إلى النصف بحجة عدم وجود موظف مختص لتدريبه. وإشغال الطالب بقراءات طويلة وكتابة تقارير، وعدم السماح للطالب بالانخراط بين الموظفين والتعرف عليهم وتجنب الموظفين له طوال فترة تدريبه، ورفض استقبال الطالب في يومه الأول لأنه لم يكن قد "تمصر" (ارتدى المصر).
وبناءً على ما سبق، هناك نتائج خطيرة للتدريب السيئ، أو ما يأتي بسبب إهمال القيام بمسؤوليات ومهام التدريب. ويؤكد الخبراء أن نتائج وخيمة تترتب على هذا الإهمال، وأهمها أن الطالب يكوّن فكرة سيئة عن المؤسسة التي تدرب فيها، وقد يؤدي به الحال إلى تعميم هذه النظرة على أكثر المؤسسات أو سوق العمل برمته. ومن بين السلبيات الناجمة عن ذلك أن حب العمل والتفاني في أداء المسؤوليات، يتراجع لديه إلى أبعد الحدود، وقد تتكون لدى الطالب ردة فعل تتمثل في عدم احترام زملاء العمل والمسؤولين كذلك، كما أن بعض الطلبة ممن عانوا سوء التدريب ماتت فيهم الرغبة في الالتحاق بالعمل بعد تخرجهم بسنتين إلى ثلاث، وبعض الطلبة الذين تم استغلالهم وتكليفهم بمسؤوليات جسيمة وكأنهم موظفون رسميون ومن دون تأهيل مسبق تكونت لديهم عقدة تحمل المسؤوليات مما دفعهم إلى التأخر في مجال العمل الذي مارسوه لاحقًا.
صناعة قياديي المستقبل
ويعتبر الخبراء أن التدريب قبل التخرج من أخطر مراحل الحياة الجامعية، لأنّه إما أن يكون سببًا في جذب الطالب إلى سوق العمل وتبنيه لفلسفة تحمل المسؤوليات والسعي لبناء مسار وظيفي رائد لنفسه قد ينتهي به إلى درجة قيادية كبيرة، وإما أن يكون سببا في نشوء عُقد وأزمات لدى الطالب يحذر بموجبها من العمل ولا يمنحه قيمة على الإطلاق.
وتؤكد الدراسات أن التدريب قبل التخرج بإمكانه أن يصبح وسيلة لصناعة قياديي المستقبل، وكل هذا يتوقف على نمط البرنامج الذي تعده المؤسسات التي تستقبل هذه الدفعات من الطلبة، وكيفية احتوائها لهم.
وفي هذا السياق، تبعث شركة Google (صاحبة أكبر محرك بحثي على الإنترنت في العالم) موظفي دائرة الموارد البشرية لديها إلى الجامعات الهندية والتايلندية وغيرها في الشرق الأقصى بهدف الالتقاء بفوج التخرج من الطلبة، وتتعاقد فئة منهم مع المؤسسات التي ستستقبل الطلبة للتدريب. وبموجب هذا التعاقد، يبقى مندوبو Google في تلك المؤسسات يراقبون أداء الطلبة فيها، ويتم التعاقد الفوري مع ذوي المهارات والإبداعات. وهناك مؤسسات رائدة تشتري من المواقع التي قامت بتدريب طلبة سنة التخرج تقاريرًا عنهم بألوف الدولارات، لكي تختار منهم ذوي الكفاءات لتعرض عليهم رواتب كبيرة. كل هذا لما لهذا التدريب من أهمية إبراز المواهب والإبداعات لتقتنصها الشركات الكبرى قبل غيرها.
لذلك من الضروري أن يُعاد النظر في برامج تدريب الطلبة الذين هم على أهبة الاستعداد للتخرج، لأنها إن كانت برامج رائدة، فمن المتوقع بروز خامات ومواهب قيادية تُعد مكسبًا للوطن قبل كل شيء. وتتحمل أولاً وأخيرًا الجامعات الوطنية هذه المسؤولية على أكتافها قبل غيرها من مؤسسات المجتمع المدني وسوق العمل.
استطلاع: 65% من الطلاب العمانيين لا يتلقون تدريبًا حقيقيًا قبل التخرج
سوء اختيار الجامعات للمؤسسات يضعف فرص نجاح تدريب طلاب السنة النهائية
الرؤية- محمد بن رضا اللواتي
أجمع مختصون وخبراء على أن تدريب الطلاب قبل التخرج من المؤسسات التعليمية المختلفة يعد وسيلة ناجعة لاكتشاف المواهب، وآلية حقيقية لخلق قيادات المستقبل في شتى المجالات، غير أنهم أشاروا إلى أنّ قلة الاهتمام وغياب الجودة في التدريب من الأخطاء الشائعة والمخاطر التي تحدق بهذه الآلية المهمة لإيجاد موظف مجيد.
وفي استطلاع للرأي، قامت به الشرق الأوسط للاستشارات الإدارية- وهي مؤسسة عمانية تعمل في مجال الإدارة والموارد البشرية- بدعوة طلبة التخرج للمشاركة بآرائهم في إيجابيات وسلبيات التدريب الذي تلقوه في شتى المؤسسات الخاصة والعامة والتي اختارتها لهم جامعاتهم، وكانت النتائج مخيبة للآمال. وأظهر الاستبيان أن 65% من الطلبة أكدوا أنهم لم يتلقوا أي تدريب طوال الفترة التي قضوها في المؤسسة التي اختاروها، بينما قال 20% إنهم حصلوا على بعض الأعمال لتأديتها بعد إلحاح منهم، بينما حالف التوفيق 15% منهم فقط.
وتعمل بعض الجامعات على تخيير الطلبة في سنتهم الأخيرة بين إعداد بحث التخرج أو تلقي تدريب في إحدى مؤسسات القطاع العام أو الخاص، وفق جدول بأسماء تلك المؤسسات تعده الجامعة وتقترحه على الطلبة. وأغلب الطلبة يختارون مجال التدريب، ذلك لأنه فرصتهم للتعرف على سوق العمل وتحمل مسؤولية الانخراط في المهام الوظيفية؛ كنمط جديد للحياة التي باتت تطرق أبوابهم. إلا أنّ المفاجأة التي تنتظر أغلبهم تؤدي بهم من الوهلة الأولى إلى قلة الاهتمام بالعمل والنظر إليه بازدراء، ومرجع هذه السلبية هي الجامعة من جهة وتلك المؤسسات التي تلقت أولئك الشباب كمتدربين دو ن أن تعد خطة تدريب واضحة المعالم لهم.
ويؤكد الخبراء أنّ الجامعة تتحمل العبء الأكبر في هذه السلبية، باعتبار أنها التي اختارت المؤسسات التي دعت طلبتها إلى انتقاء إحداها للتدريب، ولكي تتلافى الدائرة المختصة هذه السلبية الكبيرة، ينبغي عليها القيام بعدد من الإجراءات. ويوضح الخبراء أن أول هذه الإجراءات اختيار أفضل المؤسسات في مجالي الخاص والعام، وذات مجالات متنوعة، وذلك بعد الاطلاع على مواقعها الإلكترونية بدقة، ثم الزيارة الميدانية لهذه المؤسسات والاطلاع عن كثب على أجوائها الداخلية والتحدث مع الدائرة المختصة بتدريب الطلبة حول خططها لاستقبال وتدريب الطلبة المبتعثين من قبل الجامعة إليها. وطلب الحصول على برنامج تدريب الطالب، والذي يوضح تماماً ما الذي سيتعلمه، وفي أي الدوائر التي سينتقل إليها، والفترة التي سيمكث في كل منها. وتزويد المؤسسة باستمارة ينبغي عليها تعبئتها أسبوعيا وإرسالها إلكترونيا للجامعة تكشف عن التدريب الذي تلقاه الطالب خلال الأسبوع، وأدائه ومدى جديته والتزامه بخطة التدريب والكفاءة التي أبداها الطالب أثناء تدريبه. وكذلك استمارة نهاية التدريب، والتي تقوم المؤسسة بإرسالها إلكترونياً إلى الجامعة والتي هي بمثابة التقرير النهائي عن الطالب. وتحرص الجامعات الكبرى على وضع بند في التقرير النهائي حول مدى رغبة المؤسسة في ضم الطالب في صفوف موظفيها بعد التخرج ولماذا سواء أكان الرد إيجابياً أم سلبياً. وتزويد الطالب باستمارة يملؤها إلكترونياً ويرسلها إلى الجامعة أسبوعيا حول التحديات والصعوبات التي واجهته ولا تزال تواجهه وهو على رأس تدريبه. كما ينبغي تزويد الطالب برقم هاتف مسؤول عن برنامجه في الجامعة لإبلاغه فيما إذا خرج التدريب عن إطاره العام أو تعطل حتى يتدخل فوراً. ومحاسبة الطالب فيما إذا كان أداؤه والتزامه سيئاً، ومحاسبة المؤسسة ووضعها على اللائحة السوداء وأحياناً مطالبتها بالتعويض فيما إذا لم تقم بواجبها تجاه الطالب وتدريبه.
وفيما يتعلق بمسؤوليات المؤسسات التي تتلقى الطلبة لأجل التدريب، فيتعين عليها تلقي السيرة الذاتية للطالب وتخصصه ومجموعه التراكمي قبل شهر من استقبالها إياه كمتدرب. وإعداد برنامج تدريبي شامل له، ينتقل وفقه في كل الأقسام والدوائر لبضعة أيام، قبل أن يستقر في الدائرة التي تتوافق مهامها مع تخصصه. والالتزام الفعلي بالبرنامج وتطبيقه بحذافيره. واستقبال جيّد للطالب في أول يومه، وتعريفه بالمؤسسة ورسالتها وأهدافها وموظفي المؤسسة ومسؤوليها. وإعداد مكان الطالب المتدرب قبل قدومه للتدريب، وكافة مستلزمات التدريب أيضاً كالحاسوب والطاولة والكرسي وبطاقة الدخول والخروج وما إلى ذلك. وتقسيم التدريب إلى نظري وعملي. وتكليف الطالب بمهام حقيقية وتعليمه كيفية أدائها الفعلي وإشعاره بأنه ضمن فريق الموظفين.
شكاوى الطلبة
من جانبهم يشكو الطلاب من عدد من المشكلات الحقيقية التي تواجههم أثناء التدريب في بعض مؤسسات القطاع العام، وأقل منها في الخاص. ومن بين الشكاوى وصول الطالب في أول يومه المؤسسة ولم يُفتح له الباب للدخول إلا بعد مضي 45 دقيقة، ثم ظل في مكتب مدير الموارد البشرية لمدة 3 ساعات، في انتظار الانتقال إلى المقر الذي سيحصل فيه على فرصة التدريب. وكذلك عدم منحه بطاقة للدخول من البوابة التي تعمل بالبصمة طوال فترة تدريبه، وعدم وجود طاولة مخصصة له، وجلوسه بضعة أيام في غرفة الاجتماعات ثم جلوسه على مقعد أحد الموظفين المجازين. وعدم وجود برنامج مكتوب له حول تدريبه منذ اليوم الأول وحتى نهاية فترة التدريب. وعدم إعطائه أي عمل يقوم به إلا في الحالات النادرة. وجعله في مكان أحد الموظفين المجازين ومنحه كل مسؤولياته دون تدريب مسبق. والسماح لأحد الطلبة بالعودة إلى المنزل متى ما يشاء نظرًا لعدم وجود شيء يمكن أن يُشغل به. وكذلك بدء التدريب في الأسبوع الثاني من قدومه، بينما ظل طوال الأسبوع الأول بلا تدريب ولا مسؤولية، بل وطٌلب منه أن يشغل نفسه في القراءة أو في أي شيء آخر ممكن. وتقصير مدة التدريب إلى النصف بحجة عدم وجود موظف مختص لتدريبه. وإشغال الطالب بقراءات طويلة وكتابة تقارير، وعدم السماح للطالب بالانخراط بين الموظفين والتعرف عليهم وتجنب الموظفين له طوال فترة تدريبه، ورفض استقبال الطالب في يومه الأول لأنه لم يكن قد "تمصر" (ارتدى المصر).
وبناءً على ما سبق، هناك نتائج خطيرة للتدريب السيئ، أو ما يأتي بسبب إهمال القيام بمسؤوليات ومهام التدريب. ويؤكد الخبراء أن نتائج وخيمة تترتب على هذا الإهمال، وأهمها أن الطالب يكوّن فكرة سيئة عن المؤسسة التي تدرب فيها، وقد يؤدي به الحال إلى تعميم هذه النظرة على أكثر المؤسسات أو سوق العمل برمته. ومن بين السلبيات الناجمة عن ذلك أن حب العمل والتفاني في أداء المسؤوليات، يتراجع لديه إلى أبعد الحدود، وقد تتكون لدى الطالب ردة فعل تتمثل في عدم احترام زملاء العمل والمسؤولين كذلك، كما أن بعض الطلبة ممن عانوا سوء التدريب ماتت فيهم الرغبة في الالتحاق بالعمل بعد تخرجهم بسنتين إلى ثلاث، وبعض الطلبة الذين تم استغلالهم وتكليفهم بمسؤوليات جسيمة وكأنهم موظفون رسميون ومن دون تأهيل مسبق تكونت لديهم عقدة تحمل المسؤوليات مما دفعهم إلى التأخر في مجال العمل الذي مارسوه لاحقًا.
صناعة قياديي المستقبل
ويعتبر الخبراء أن التدريب قبل التخرج من أخطر مراحل الحياة الجامعية، لأنّه إما أن يكون سببًا في جذب الطالب إلى سوق العمل وتبنيه لفلسفة تحمل المسؤوليات والسعي لبناء مسار وظيفي رائد لنفسه قد ينتهي به إلى درجة قيادية كبيرة، وإما أن يكون سببا في نشوء عُقد وأزمات لدى الطالب يحذر بموجبها من العمل ولا يمنحه قيمة على الإطلاق.
وتؤكد الدراسات أن التدريب قبل التخرج بإمكانه أن يصبح وسيلة لصناعة قياديي المستقبل، وكل هذا يتوقف على نمط البرنامج الذي تعده المؤسسات التي تستقبل هذه الدفعات من الطلبة، وكيفية احتوائها لهم.
وفي هذا السياق، تبعث شركة Google (صاحبة أكبر محرك بحثي على الإنترنت في العالم) موظفي دائرة الموارد البشرية لديها إلى الجامعات الهندية والتايلندية وغيرها في الشرق الأقصى بهدف الالتقاء بفوج التخرج من الطلبة، وتتعاقد فئة منهم مع المؤسسات التي ستستقبل الطلبة للتدريب. وبموجب هذا التعاقد، يبقى مندوبو Google في تلك المؤسسات يراقبون أداء الطلبة فيها، ويتم التعاقد الفوري مع ذوي المهارات والإبداعات. وهناك مؤسسات رائدة تشتري من المواقع التي قامت بتدريب طلبة سنة التخرج تقاريرًا عنهم بألوف الدولارات، لكي تختار منهم ذوي الكفاءات لتعرض عليهم رواتب كبيرة. كل هذا لما لهذا التدريب من أهمية إبراز المواهب والإبداعات لتقتنصها الشركات الكبرى قبل غيرها.
لذلك من الضروري أن يُعاد النظر في برامج تدريب الطلبة الذين هم على أهبة الاستعداد للتخرج، لأنها إن كانت برامج رائدة، فمن المتوقع بروز خامات ومواهب قيادية تُعد مكسبًا للوطن قبل كل شيء. وتتحمل أولاً وأخيرًا الجامعات الوطنية هذه المسؤولية على أكتافها قبل غيرها من مؤسسات المجتمع المدني وسوق العمل.