حمد الحــــوسني
أعزائي القراء، ذكرنا في لقاءاتنا الماضية آراء وأقوال بعض العلماء والمفسرين حول قوله - سبحانه وتعالى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) ، وهو الدليل الثاني الذي يدل على أن القرآن الكريم بلسم شافي لكل علةأفرزتها الحياة أو يمكن أن تفرزها في أي جانب من جوانبها المختلفة؛ فلا توجد أي مشكلة إلا ولها حل جذري في القرآن الكريم، سواء أكان ذلك تصريحا أم تلميحا وإرشادا.
ولا زلنا نواصل استعراض بعض هذه الآراء والأقوال، ولعل الواحد منا قد تثور لديه مجموعة كبيرة من التساؤلات والاستفسارات حول هذا الموضوع، ولكنه سرعان ما يجد إجاباتها الشافية من خلال ما نذكره من آراء وأقوال.
جاء في كتاب (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) لعبدالرحمن بن أبي بكرالمعروف بجلال الدين السيوطي: (وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إن الله أنزل في هذا الكتاب تبيانا لكل شيء ولقد عملنا بعضا مما بين لنا في القرآن، ثم تلا: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن الضريس في فضائل القرآن ومحمد بن نصر في كتاب الله والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: من أراد العلم فليتنور القرآن؛ فإنه فيه علم الأولين والآخرين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: لا تهذوا القرآن كهذا الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: إن هذه القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {تبيانا لكل شيء} قال: مما أمروا به ونهوا عنه)، ثم ذكر ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الأوزاعي والذي تقدم ذكره في لقاء سابق.
وجاء في كتاب (السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير) لمحمد بن أحمد الخطيب الشربيني: (ثم بيّن –تعالى- أنه أزاح علتهم فيما كلفوا به فلا حجة لهم ولا معذرة بقوله –تعالى-: {ونزلنا} أي: بعظمتنا بحسب التدريج والتنجيم، {عليك} يا خير خلق الله، {الكتاب} أي: القرآن الجامع للهدى، {تبياناً} أي: بياناً بليغاً، {لكل شيء}. فإن قيل: كيف كان القرآن تبياناً لكل شيء؟ أجيب: بأن المعنى من كل شيء من أمور الدين؛ حيث كان نصاً على بعضها، وإحالة على السنة؛ حيث أمر فيه باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته. وقد قال –تعالى-: {وما ينطق عن الهوى}، وحثاً على الإجماع في قوله –تعالى-: {ويتبع غير سبيل المؤمنين})، ثم تابع ذكر قول الزمخشري والذي ذكرناه في اللقاء السابع من هذه السلسلة. ثم كان مما ذكره محمد بن أحمد الخطيب الشربيني عند تفسيره للآية التالية وهي الآية التسعون من سورة النحل وهي قوله –سبحانه وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ): (وقال أهل المعاني: لما قال الله –تعالى- في الآية الأولى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} بيّن في هذه الآية –يعني الآية التسعين- المأمور به والمنهي عنه على سبيل الإجمال؛ فما من شيء يحتاج إليه الناس في أمر دينهم مما يجب أن يؤتى به أو يترك إلا وقد اشتملت عليه هذه الآية).
أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس)