الرؤية- مركز البحوث
تواجه محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين المزمع انطلاقها هذا الأسبوع، اختبارا عسيرا على الرغم من أنها لم تر النور بعد؛ حيث لم ينتظر الاحتلال الإسرائيلي لحظة انطلاق المحادثات حتى شرع في الموافقة على بناء وحدات استيطانية جديدة في القدس المحتلة، ما يهدد فرص التوصل إلى اتفاق شامل بين الجانبين، يؤسس لقيام دولة فلسطينية مستقلة، بينما يقف الفلسطينيون بين شقي الرحى، إمّا التفاوض المنتهك من قبل المحتل وهو ما يعني إمكانية التوصل لحل في المستقبل، أو الاستمرار في الوضع الحالي المتجمد منذ نحو 3 سنوات.
ووافقت إسرائيل مبدئيا هذا الأسبوع على إقامة 800 منزل جديد للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة وطرحت للبيع قطع أراض لإقامة 1200 منزل جديد، ومن المقرر أن تضع حجر الأساس لحي استيطاني جديد يضم عشرات المنازل في القدس الشرقية المحتلة. وأدان الفلسطينيون التوسع في المستوطنات دون تهديد صريح بالانسحاب من مفاوضات السلام. وقالت وزارة الإسكان على موقعها على شبكة الإنترنت إنها طرحت عطاءات لبناء 793 وحدة سكنية جديدة في مناطق في الضفة الغربية التي ضمتها إسرائيل بعد الاستيلاء عليها مع القدس الشرقية في حرب عام 1967. وتابعت أنه يجري بيع أراض لبناء 394 وحدة أخرى في مستوطنات ارييل وافرات ومعاليه ادوميم وبيتار، وهي مستوطنات في مناطق تقول إسرائيل إنّها تهدف إلى الاحتفاظ بها في أي اتفاق يتعلق بالأرض مقابل السلام. وقال وزير الإسكان اوري ارييل عضو حزب البيت اليهودي المشارك في الحكومة لدى الإعلان رسميا عن مشروع بناء إسرائيلي في القدس الشرقية يوم الأحد "سنواصل البناء في كل مكان". وقال وزير المالية الإسرائيلي يئير لابيد الذي يمثل حزبه المنتمي لتيار الوسط اكبر شريك في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن قرار طرح منازل للمستوطنين "لا يفيد عملية السلام". ورفض مارك ريجيف المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية هذه الانتقادات قائلا "أعمال البناء التي تقررت اليوم في القدس وفي الكتل الإستيطانية تقع في مناطق ستظل جزءًا من إسرائيل في أي اتفاق سلام محتمل في المستقبل. هذا لا يغير بأي حال من الأحوال الخريطة النهائية للسلام. لا يغير شيئا". وأعطت الإدارة المدنية في الضفة الغربية يوم الخميس موافقتها المبدئية على إنشاء أكثر من 800 وحدة سكنية جديدة للمستوطنين بعضها في مستوطنات نائية لكن ذكرت أن البناء الفعلي يحتاج موافقة الحكومة وهو ما أثار غضب الفلسطينيين. وتعتبر معظم القوى العالمية جميع المستوطنات غير قانونية ويقول الفلسطينيون إن هذه الجيوب الاستيطانية قد تحرمهم من إقامة دولة متصلة الأراضي لها مقومات البقاء.
ويعيش نحو 500 ألف مستوطن إسرائيلي وسط 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وانسحبت إسرائيل عام 2005 من قطاع غزة الذي تديره الآن حركة حماس.
من جهته، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إنّ الخطط الإسرائيلية الرامية لبناء منازل جديدة في مستوطنات إسرائيلية مقامة على الأراضي المحتلة تهدف إلى إجهاض محادثات السلام التي ستستأنف غدا الأربعاء. وعبر عريقات عن تفاؤله باستمرار المحادثات مع إسرائيل لكنّه حذر في تصريحات لوكالة رويترز للأنباء بمكتبه في مدينة أريحا القريبة من الحدود مع الأردن من أنّ صبر الفلسطينيين إزاء المستوطنات له حدود. وقال عريقات في مقابلة أُجريت قبل إعلان إسرائيل عن الخطط الاستيطانية الجديدة "أولئك الذين يفعلون هذه الأشياء عازمون على تقويض مفاوضات السلام واجبار أشخاص مثلنا على ترك طاولة التفاوض". وأضاف "إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تعتقد أنها ستعبر كل أسبوع خطا أحمر من خلال الأنشطة الاستيطانية فإن الرسالة التي تبعث بها من خلال هذا النهج هي عدم الاستمرار في المفاوضات".
وبعد ستة أسابيع من الجهود الدبلوماسية المكثفة استطاع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إقناع عريقات ونظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني باستئناف المحادثات الرسمية في واشنطن الشهر الماضي بعد توقف دام ثلاثة أعوام بسبب الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية. ويعيش نحو نصف مليون مستوطن إسرائيلي في القدس الشرقية والضفة الغربية اللتين احتلتهما إسرائيل في حرب 1967. ويريد الفلسطينيون ان تكون القدس الشرقية والضفة جزءا من دولة لهم في المستقبل. ويعارض المستوطنون والجناح اليميني المنتمي له رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التخلي عن الارض المحتلة لكن الفلسطينيين يقولون ان المستوطنات تنهي الفرصة الأخيرة لإقامة دولة فلسطينية تتوافر لها مقومات البقاء.
وقال عريقات إنّ الفلسطينيين مستعدون للتفاوض مع نظرائهم الإسرائيليين طوال الفترة التي اتفق عليها الجانبان مع واشنطن رغم الخطط الاستيطانية الجديدة. وأضاف "نحن عازمون على اعطاء هذا الجهد الذي يستغرق من ستة إلى تسعة أشهر كل الفرص التي يستحقها...حان الوقت كي تختار الحكومة الإسرائيلية المفاوضات وتبدي حسن نيتها".
وشهدت المحادثات بداية متعثرة حيث بعث كل من عريقات ونتنياهو رسالتين لكيري يشكو كل منهما بأن افعال الجانب الاخر تحول دون إحراز أي تقدم.
وأشار عريقات إلى المستوطنات، في حين اتهم نتنياهو الفلسطينيين "بالتحريض" و"التعليم الذي يزرع الكراهية" بعد أن قال الرئيس الفسطيني محمود عباس الشهر الماضي إنه لا يريد أن يعيش أي جندي أو مدني إسرائيلي في دولة فلسطينية في المستقبل.
ورحب عريقات بقرار إسرائيل الإفراج عن 104 من الأسرى الفلسطينيين على أربع مراحل. لكن هذه الخطوة لم تلب سوى مطلب واحد من المطالب الثلاثة التي أعلنها الفلسطينيون لاستئناف المحادثات خلال ست جولات من الدبلوماسية المكوكية التي قام بها كيري في المنطقة هذا العام. وقررت إسرائيل إطلاق سراح 26 أسيرًا فلسطينيًا على مدى الأيام القليلة المقبلة، قبل جولة جديدة من محادثات السلام. وستكون هذه أول مجموعة من أربع مجموعات تضم 104 أسرى في الإجمال تعهدت إسرائيل بالإفراج عنهم في إطار استئناف المفاوضات التي تجرى بوساطة الولايات المتحدة. ووافق ثلاثة أعضاء كبار بحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولجنة من مسؤولي الأمن على قائمة الأسماء. وقال بيان صادر عن مكتب نتنياهو إنّ اللجنة التي يرأسها وزير الدفاع موشي يعلون "وافقت على إطلاق سراح 26 سجينا". وأضاف البيان أنّه سيتم نقل 14 إلى قطاع غزة وإعادة 12 إلى الضفة الغربية المحتلة.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس طالب بالإفراج عن هؤلاء الأشخاص المعتقلين منذ ما قبل سريان اتفاقات السلام المؤقتة المبرمة في عام 1993 كشرط لاستئناف المحادثات مع إسرائيل والتي توقفت عام 2010، بسبب خلاف حول البناء الاستيطاني اليهودي. وكان أعضاء الجناح اليميني بحكومة نتنياهو عارضوا الإفراج عمن "تلطخت أياديهم بالدماء"، بحسب زعمهم. وأدين الكثير ممن سيطلق سراحهم بالاشتراك في هجمات أدت إلى سقوط قتلى إسرائيليين. وجاء في قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي إنه لن يتم الإفراج عن الأسرى قبل 48 ساعة على الأقل لإعطاء عائلات الضحايا المرابطة أمام مكاتب الحكومة الوقت للطعن على القرار أمام المحكمة الإسرائيلية العليا.
أمّا المطلبان الآخران للفلسطينيين وهما التجميد الكامل للاستيطان والاعتراف بحدود 1967 كأساس للحدود المستقبلية فقد تمّ إسقاطهما على ما يبدو من البينات الرسمية العلنية.
واستبعدت إسرائيل علنا أي اتفاقات مبدئية بشأن الحدود والمستوطنات ووصفت ذلك بأنها شروط مسبقة بشأن قضايا يجب الاتفاق عليها في نهاية المفاوضات وليس في بدايتها.
وكان عباس قال في تصريحات للصحفيين في القاهرة الشهر الماضي إنّ المحادثات ستركز أولا على الحدود والأمن وهو ما يمثل المطالب القديمة للفلسطينيين.
وقال عريقات "حان الوقت لاتخاذ قرارات لا مجرد إجراء مفاوضات. آمل أن يكون بمقدور الفلسطينيين والإسرائيليين اتخاذ القرارات الضرورية للتوصل إلى اتفاق شامل على جميع القضايا الجوهرية بدون استثناء وهو ما يعني القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والمياه والأمن".