الرؤية- الوكالات
يرى مراقبون ودبلوماسيون أن تحذيرات الغرب للقادة العسكريين في مصر وحلفائهم المدنيين، فشلت جميعها في منع قوات الأمن من فض اعتصامي أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، كما تكشف أحداث العنف السياسي التراجع الواضح للنفوذ الأمريكي داخل الإدارة المصرية ولاسيما المؤسسة العسكرية التي تعتبر على نطاق واسع بمثابة "رمانة الميزان" في العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة.
وحرص حلفاء غربيون على تحذير الزعماء العسكريين لمصر حتى اللحظة الأخيرة من استخدام القوة في فض الاعتصامين، مجادلين بأنهم سيجدون صعوبة في التغلب على الضرر السياسي والاقتصادي. وكانت النهاية العنيفة للمواجهة التي استمرت ستة أسابيع بين جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي والقوات المسلحة التي أطاحت بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا قد بدت مرجحة بمجرد أن أعلنت السلطات الجديدة الأسبوع الماضي أن الوساطة الأجنبية فشلت. لكن دبلوماسيين غربيين يقولون إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واصلا إرسال رسائل منسقة إلى قائد القوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي ونائب الرئيس المؤقت محمد البرادعي أثناء عطلة عيد الفطر التي انتهت الأحد الماضي للحث على تسوية عن طريق التفاوض. وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو ليون الذي شارك في قيادة مساعي الوساطة مع نائب وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز "كانت لدينا خطة سياسية على الطاولة قبلها الطرف الآخر (الأخوان المسلمون)". وقال ليون لرويترز في مقابلة عبر الهاتف "كان يمكنهم تبني ذلك الخيار. لذلك فكل ما حدث اليوم كان غير ضروري". ونقلت المناشدة الأخيرة إلى السلطات المصرية يوم الثلاثاء قبل ساعات من بدء فض الاعتصامين بالقوة. وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري صريحًا بصورة غير معتادة في إدانة فرض حالة الطوارئ في ردة إلى حكم مستبد على مدى 30 عاماً تحت قيادة الرئيس الأسبق حسني مبارك حليف الولايات المتحدة الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في 2011. وقال كيري "في كل مناسبة في الأسبوع المنصرم... قمنا نحن وغيرنا بحث الحكومة على احترام حقوق حرية التجمع وحرية التعبير عن الرأي وحثثنا أيضا كل الأطراف على حل هذه الأزمة سلمياً وأكدنا أن المتظاهرين يجب أن يتجنبوا العنف والتحريض".
وقال دبلوماسيون إن بعضا من أكثر الرسائل الأمريكية حزماً نقلت بصورة شخصية إلى السيسي في مكالمات هاتفية شبه يومية من وزير الدفاع تشاك هاجل. واتخذت الولايات المتحدة خطوة نادرة للتعبير عن عدم رضائها عن حليف إستراتيجي في الشرق الأوسط مرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل عندما أوقفت واشنطن الشهر الماضي تسليم أربع طائرات حربية إف-16 بموجب برنامجها للمساعدة العسكرية. وقال مصدر مشارك في الاتصالات الدبلوماسية أن واشنطن دفعت أيضاً السعودية لإبلاغ السيسي أنه يحتاج إلى حل سلمي لا يقصي أحدًا "للاحتفاظ بالدعم السياسي والمالي الدولي". وسعى المفاوضان الأمريكي والأوروبي وإلى جانبهما وزير خارجية قطر الذي كانت بلاده ممولاً مهماً لحكومة مرسي ووزير خارجية الإمارات التي أيدت إطاحة الجيش به إلى نيل موافقة الجانبين على سلسلة من الإجراءات المتبادلة لبناء الثقة. وكانت الإجراءات ستبدأ بالإفراج عن سجناء بما يؤدي إلى خروج مشرف لمرسي وتعديل الدستور وإجراء انتخابات جديدة العام القادم.
وقال مصدر عسكري مصري إنّ الجيش لم يصدق أن جماعة الإخوان ستوافق في نهاية الأمر على اتّفاق وشعر أنهم كانوا يخادعون لكسب الوقت. وأضاف "قالوا للوسطاء شيئًا وقالوا لمؤيديهم شيئاً آخر". وقال المصدر الدبلوماسي إنّ الوسطاء الغربيين حاولوا إقناع السيسي بأن مصر ستعاني استقطاباً سياسيًا ومصاعب اقتصادية لفترة طويلة إذا حدث حمام دم. وأضاف المصدر أنّه تم تحذير السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم صراحة من أن البرادعي سيستقيل إذا اختارا القوة بدلاً من التفاوض وهو ما يجرد الجيش من مصدره الرئيسي لكسب الاحترام لدى الليبراليين والمدنيين.
وأعلن البرادعي استقالته عقب هجوم الأربعاء قائلاً إنّه يعتقد أنّ التوصل إلى حل سلمي كان لا يزال ممكناً وأن القمع الحكومي يساعد المتطرفين. وقال المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الاتصالات الدبلوماسية "المتشددون لديهم قدرة مشهودة على تجاهل الحقيقة".
وقال المصدر العسكري المصري أن الجيش أصبح في موقف صعب بسبب الغضب العام بعد تصريحات انتقادية من عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي السناتور جون مكين والسناتور لينزي جراهام أثناء زيارتهما لمصر الأسبوع الماضي وما تسرب من تقارير عن اتفاق محتمل بين السلطات والإخوان.
وحذّر الوسطاء من أن أي تحرك لفض الاعتصامين بالقوة قد يؤدي إلى مقتل المئات ويدفع كثيراً من النشطاء السلفيين الذين دعموا الإطاحة بمرسي إلى الانضمام للإخوان في معارضة شديدة للسلطات.
وكانت الرسالة الاقتصادية واضحة بنفس الدرجة. وقال المصدر الغربي إنّه تم تحذير مصر من إنها لا يمكنها تحمل تبعة الاستمرار في إنفاق احتياطياتها من النقد الأجنبي بمعدل 1.5 مليار دولار شهريًا حتى تنفد.
ومع انحسار السياحة والاستثمارات بسبب الاضطرابات السياسية منذ الإطاحة بمبارك في 2011 تقلصت الاحتياطيات الأجنبية بأكثر من النصف لتصبح أقل مما يغطي واردات ثلاثة أشهر حين أطيح بمرسي في الثالث من يوليو. وكانت السعودية والإمارات والكويت التي أسعدها خروج الأخوان المسلمين من السلطة إذ يرونهم تهديدًا للأسر الحاكمة في الخليج قد سارعت بالتعهد بمساعدات بقيمة 12 مليار دولار للسلطات الجديدة في مصر بما يتيح لها التغلب على نقص وشيك في الوقود والقمح. وحسب معدل الإنفاق الحالي يمكن لتلك الأموال أن تسمح بتسيير الأمور في مصر لأقل من عام.
وقال المصدر إن العقول الأكثر حكمة في الحكومة أدركت أن مصر تحتاج لدعم دولي أوسع بما في ذلك التعاون مع صندوق النقد الدولي لإنعاش الاقتصاد لكن مثل هذه الحجج لم تجد آذاناً صاغية لدى المؤسسة الأمنية.